الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أشبه الأمس باليوم !!

ناصر موحى

2010 / 4 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في نهاية القرن التاسع عشر كانت أوربا تعيش مخاضا عسيرا ومعقدا لكنه سيقلب وجه القارة العجوز ومعه تاريخ البشرية . كان الهجوم على البنيات الإقتصادية الفيودالية عنيفا وشاملا لم يترك مجالا إلا وخلخل يقينياته . مرغ الفلاسفة التنويريون أناجيل الكنيسة في برك العقل وعرضوها لشمس المنطق والتجريب . فك منظرو الإقتصاد الميركنتيلي قيود عبودية الإقطاع المأزوم الذي خلق طبقتين : واحدة أقلية تحالف فيها النبلاء والإكليروس تستحوذ على كل شئ ومعفية من أداء الضرائب واخرى مثقلة بها حد العجز تشكل اغلبية من العبيد والأقنان وتعيش على الفتات ومدعومة بطبقة ثالثة في طور التكون يشكل موظفو الدولة والمحامون عمودها الفقري وعرى خبراء السياسة الوضعيين عن مؤخرة ووجه النظام الملكي الغارق في الإستبداد ومنهج الحكم المطلق باسم شرعية التاريخ والسماء . ليخرج في الأخير شعب الرعاع إلى الشوارع . تساقطت جدران السجون ومعها أجراس الكنائس لتتهاوى أعمدة العروش بكل تاريخها الدموي وتصبح رمادا تذروه الرياح الغربية نحوالشرق حيث الأجواء مثالية لتحي عظامها (العروش) وهي رميم . بعد قرن من المخاض كانت ولادة الليبرالية كنظرية ونمط إنتاج بديل وفلسفة تقدمية لطبقة بورجوازية صاعدة أسست لمجتمع يصبح إلإنسان فيه مركز الكون بعدما حارب كل بقايا القرون الوسطى من قهر واستبداد بكل مشتقاته وأصل في تشريعاته لمبادئ حرية المنافسة والديانة والتعبير وألغى مبدأ جمع واحتكار السلط لصالح فصلها , لتقر في الأخير مبدأ الإحتكام إلى الديمقراطية كطريقة مثلى لتسيير هذا النظام السياسي الجديد . لم يمر نصف القرن حتى تخلصت أوربا من رماد التخلف وازدهرت الإختراعات والتجارة لأن الطبقة الجديدة إستثمرت في قطاعات استراتجية سرعان ما شرعت في جني ثمار وطنيتها داخليا قبل أن تتوجه إلى الخارج في شكل حملات عسكرية . فكان الإستعمار . ولإن الفاعل القوي لايكون إلا بوجود مفعول به ضعيف فقد كان باقي العالم مفعول به . لكن كيف وقع الفعل في غفلة من الجميع ولماذا مازال الفعل يفعل فعله إلى اليوم ؟
السؤال لايستمد شرعيته من كون المنطلقات كانت متشابهة لحد التماهي . لكون بنية المجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر لاتختلف كثيراعن بنية المجتمع المغربي في نفس القرن بل من التقارب الفظيع بين جوهر , وليس المظهر , بنية النظام المغربي وأشكال سيطرته في بداية القرن الواحد والعشرين ونظيرتها الفرنسية لكن في أواخر القرن الثامن عشر !! ربما استنتاج سريع ولامقارنة مع وجود الفارق . لأن صواب هذا الطرح معناه أن المغرب ومعه كل الدول التي شربت من فيروسات الإستعمار حتى الثمالة قد نامت نومة أهل الكهف ثلاثة قرون أو أنها حقنت في غفلة منها بفيروس فقدان حرية الإرادة وأصبحت ثوابت محنطة . مهما يكن فمجرد قراءة نص أدبي , فلسفي أو تاريخي عن أوضاع فرنسا ماقبل ثورة 1789 وبدون تواريخ وأسماء الأمكنة والأشخاص ستصاب بالحيرة في وضع هذا النص في سياقه التاريخي دون قلب الأرقام و الأحداث . وكثير من المعارك الفكرية والمزايدات الإيديولوجية التي يعرفها مغرب القرن الواحد والعشرين تظهر وكأن غبار الزمن نفظ عن صراعات عصر الأنوار الأوربي .
فالشاعر والمسرحي والكاتب الفرنسي الكبير موليير مثلا ألف مسرحية بعنوان "المنافق" ينتقد فيها بقوة استغلال الدين لأهداف خسيسة من خلال رجل دين حاول سرقة أموال عائلة متدينة بل و أراد الإيقاع بزوجة رب الأسرة الذي لايدخر جهدا في مساعدته مستغلا ثقته العمياء فيه كقس كاتوليكي . وفي اول عرض لها سنة 1664 م تصدت له الكنيسة مثمثلة في حركة كاثوليكية سميت "حزب المتقين " وطالبت الملك الرابع عشر بمنعها تحت ذريعة الإساءة لدين الأمة الفرنسية . نفس السيناريو لكن بأقنعة مختلفة تكرر الشهر الماضي ونحن في 2010 مع فلم سينمائي بعنوان "حجاب الحب لمخرجه عزيز السالمي . فقد وقفت جحافيل إسلاميي السياسة بالمغرب وقفة شبح واحد لمنع عرض الفلم حتى قيل مشاهدته بمبررات أن مضمون الفلم يسئ للمرأة المحجبة وهم لايدرون أن من أساء للإسلام والحجاب هم الذين جعلوا قماش الحجاب بلونه وشكله رمزا حزبيا متنقلا فوق الرؤوس . وقبله طالبوا بمنع أفلاما وكتبا وروايات بنفس المنطق القروسطوي بل وأعدموا مفكرين بجرة فتوى .

وفي منتصف القرن السابع عشر طالب مونتيسكيو وجون لوك بضرورة الإنتقال نحو دولة القوانين وذلك بفصل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها البعض بعدما ظل لويس الرابع عشر يصرخ في مفكري النوار "أنا الدولة والدولة هي انا وأحكم باسم الإرادة المقدسة التي فوضتها لي السماء ". لم يدروا منظري النظام الليبرالي الكلاسيكيين أن ثلاثة قرون ستمر من تاريخ البشرية وستظل هناك شعوب سترفع نفس المطالب امام أنظمتها الإستبدادية. فمبدأ دولة الحق القانون وفصل السلط مازال حلما لدى النخبة السياسية المغربية رغم أنه مطلب إصلاحي شكلا ومضمونا . أما تقليص إختصاصات الملكية وتوضيح دور أمير المؤمنين ورئيس الدولة في أفق إعطاء مالله لله ومالقيصر لقيصر فتلك من المستحيلات .والملك كان واضحا لمن يبحث عن المسوغات في أحد خطاباته الأخيرة حين صرح بكل وضوح أن لابديل عن الملكية التنفيذية على أرض المغرب !! إوا نطحوا ريوسكم مع الحيط ..
ولكي توصل المقارنات المضحكة المبكية لقمة النشوة تكفي قراءة رواية "البوؤساء "لفكتور هيكو لتجد نفسك تتجول مع شخصياتها في شوارع البيضاء الشاسعة قلب مغرب الألفية الثالثة النابض عوض أزقة باريس القرن الثامن عشر . أما حال قراه المعزولة فسيصيب منظرها عقل كاتب فرنسا الكبير بالجنون إن لم يسكت قلبه عن الخفقان .
لكن إذا كانت وضعية فرنسا أواخر القرن الثامن عشر شبيهة لهذا الحد لوضعية مغرب القرن الواحد والعشرين فلماذا لم يفرز المجتمع المغربي طبقة متنورة وثورية تحمل على عاتقها شعار التغيير وتسرع بانهيار النظام كما حدث في فرنسا ؟ أم أن التشابه قائم بين النظامين لكن السياقات التاريخية وانساقها مختلفة تماما ؟
أسئلة مؤرقة ومشكلة لكن ملحاحية طرحها سيقود حتما لاستنتاجات مرعبة وصادمة لكنها ضرورية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف