الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ...

عادل أحمد

2004 / 7 / 29
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ...
أليس من المؤلم والمفجع في آن أن تكتشف – وبعد فوات الأوان- أنه تم طعنك في الظهر ودون أن تدري من خلصائك والمقربين إليك ؟
أي جحيم ستعيشه حين تدرك أن ما وهبت شبابك وحياتك لأجله قد تهاوى حطاما وظهر كخدعة كبرى ؟.
بمن ستثق بعد أن تجد أن أكثر الناس أهلا للثقة يكذب عليك ؟.
كنا في الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي – وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي، قد اعتمدنا خطا فكريا وسياسيا وتنظيميا متميزا حتى أصبح دالة علينا وأصبحنا دلالة عليه ، وأهم ما في هذا الخط هو :
- مقاربة القضية القومية / الوحدة – فلسطين / ، والانطلاق من الانتماء للعروبة في موقفنا من كل القضايا .
- انتهاج مبدأ العمل الديموقراطي السلمي لتغيير الوضع الداخلي .
- تأكيد مبدأ استقلالية الحزب عن أية وصاية أو تدخلات أو ارتباطات بجهات خارجية من أي شكل أو لون .
- الخلاص من مدرسة عبادة الفرد ، والوصول إلى حزب شيوعي جديد ، حزب ديموقراطي قلبا وقالبا .
هذه هي الأرضية التي عمل الحزب على أساسها ، وقدم نفسه للناس من خلالها ، وهي نفسها التي كانت وراء تطوره اللافت . وكل أو جل أعضاء الحزب الذين انتسبوا إليه في تلك الحقبة كانوا يدركون أنهم إنما ينتسبون إلى حزب من الوطن وللوطن ، حزب ينبذ مفهوم ماكيافيللي والبراغماتية في السياسة ، بل ويصر على ارتباطها بالأخلاق .
وليس أدل على فهم وتمسك أعضاء الحزب بهذه الخطوط العامة من ردة فعلهم إزاء الحادثة الشهيرة ونعني بها زيارة الراحل أحمد محفل عضو اللجنة المركزية مسؤول مكتب العلاقات الخارجية وعضو هيئة الخارج إلى بغداد في شهر آذار عام 1980واشتراكه في مؤتمر لما سمي بالمعارضة هناك ، وكان أن اضطرت اللجنة المركزية إلى إصدار بيان تنفي فيه صلتها بما جرى وتعتبر أن الأمر تصرف شخصي من الرفيق المذكور . ومع أن هذا البيان لم يقنع الكثير من الرفاق إلا أنه ساهم في تهدئة الأجواء ومرت الأمور في سلام .
وكذلك في النقاش الذي جرى داخل الحزب حول مفهوم الجبهة الوطنية العريضة ومسائل التحالفات ، ومع أن هذا الأمر لم يستكمل – وذلك بسبب من الحملة التي شنت على الحزب في نهاية عام 1980 – وكان واضحا أن توجه القاعدة الحزبية كان باتجاه العمل الديموقراطي السلمي والابتعاد عن أية تحالفات أو عمل جبهوي مع التيارات الإسلامية التي كانت تطرح العنف أو تؤيده كطريق للتغيير ، وفوق ذلك كانت هناك إدانة واضحة ومبدئية لكل أعمال العنف التي مورست آنذاك .
وتمضي الأيام ، ويعيش الحزب محنته التي دامت طيلة عقدي الثمانينات والتسعينات ، بين سجن ونفي وتشريد بحيث دفع الحزب ثمنا باهظا جدا لمواقفه ولا أعتقد أن أحدا من الذين حوكموا أمام المحاكم الاستثنائية وحكموا لمدد مختلفة وصلت حتى خمسة عشر عاما ، أبدى أسفه أو ندمه على الموقف السياسي الذي أخذه أو على انتمائه لهذا الحزب .
اليوم ، وبعد خمسة وعشرين عاما ، تطالعنا صحيفة " المسار " الناطقة باسم الحزب في الخارج، بمقالة أو بالأصح رسالة تتعرض لموقف الحزب وعلاقاته مع النظام العراقي السابق ومع القوى السياسية المعارضة في الخارج بدءا من عام 1978 وحتى أوائل التسعينات من القرن الماضي . ودون أن ندخل في تفاصيل هذه الرسالة المنشورة والموقعة باسم " بشار عيسى " والذي يسمي نفسه بأحد قياديي الخارج للحزب الشيوعي السوري –المكتب السياسي- . ما يهم في هذه الرسالة ، ليس ما تعكسه من خلافات وتوترات سياسية وتنظيمية ، بل ما تثبته – فيما إذا كانت المعلومات الواردة فيها صحيحة – من علاقة الحزب – قيادة الحزب – أو لنقل الرؤوس الكبار فيها بالنظام العراقي بدءا من عام 1978 ، ووجود قرار سري حول هذا الموضوع ، بدلالة المبالغ المالية التي كانت تحول بهذه الطريقة أو تلك من باريس إلى المعنيين في داخل سوريا . وسواء أكانت هذه الرسالة نوع من أنواع كشف الحقيقة، أو أنها تدخل في خانة تصفية الحسابات ، أو أن لها صفة التخريب والتشويش ؟ فان ما يهم في الأمر كله هو حقيقة وجود هذه العلاقة " الآثمه " .
المفارقة الكبرى هنا هي في كون أعضاء الحزب وخاصة أولئك الذين تعرضوا للاعتقال والسجن والمحاكمة ، كانوا يردون باستماتة على تهمة العلاقة مع النظام العراقي نافين وجودها قطعيا ، وكانوا يتباهون ويفخرون بأن حزبهم حزب مستقل تماما ، وأنه لا علاقة له لا بالنظام العراقي ولا بأية جهة أخرى ، وفجأة تصدمهم واقعة أن هذا الحزب الذي انتموا إليه كان يملك مثل هذه العلاقة بالفعل ، هذا اذا افترضنا صحة ما ادعاه الأستاذ بشار عيسى في صحيفة المسار. ليكتشفوا أن ثمة تلاعب كبير حدث بهم وبمصيرهم ، بعائلاتهم وبأصدقائهم ... ولينشأ لديهم إحساس بالمهانة لأنهم بدوا في نظر أنفسهم وسيبدون في أعين الناس كمغفلين ، مجرد أناس حمقى ومتهورين ، أحجار شطرنج حركهم الآخرون . وأنهم جميعا- من كان منهم في القاعدة أو في المستويات القيادية – أصفار ، لا شئ ، في الماضي والحاضر عند قيادة الحزب القدماء والجدد وبشكل خاص أولئك الضالعين في هذه (الجريمة) .
وهي ليست غلطة عابرة كما يريد أن يصورها البعض ، إنها- إن كانت قد حصلت بالفعل- غش وخيانة للثقة ، لنظام الحزب الداخلي ولبرنامجه السياسي ، وطعنة في الظهر لكل أعضاء الحزب وأصدقائه .
وهي جريمة مركبة ومستمرة ؛ إذ أنه بعد الحملة على الحزب واعتقال قادته ومعظم أعضائه ، اكتشف الرفاق ممن تسلموا قيادة الحزب وجود هذه العلاقة فلم يبادروا إلى معالجة الوضع بل استمرأوه واستمروا به وكما فعل من قبلهم فعلوا هم فظل الأمر سريا ومحجوبا عن الحزب حتى كشفته الوثيقة المذكورة والصادرة في أيار من هذا العام 2004 .
إن السنوات الخمس الماضية والتي كانت أكثر من ملائمة لمراجعة شاملة في الحزب ، وإعادة تقييم كاملة ... إلا أنها لم تأت بشئ من هذا ، مما يدعو لتساؤل كبير ...لم لم يحدث هذا ؟ لم يحدث في سنوات المحنة للظروف القاهرة التي كانت سائدة، أمر يمكن أن يكون مفهوما وان لم يكن مقنعا ، أما أن لا يحدث حتى اللحظة فهذا ما لا يمكن تبريره أو فهمه .
ألا تدرك قيادة الحزب – ويبدو أنها لا تدرك – كمّ المرارة والألم ، وشعور الإحباط والغضب والغثيان الذي شعر به أعضاء الحزب ( وسيشعر به من تبقى ) حين اكتشاف هذا الخطأ القاتل المدمر ، هذه اللوثة السياسية والأخلاقية ؟؟ ومرة أخرى، إذا ما صح هذا الادعاء .
وإذا كانت تدرك ذلك ، فلماذا لم تكلف نفسها عناء المبادرة إلى التكذ يب أو الشرح أو التوضيح ؟ هل هو أمر صعب التحقيق ؟ أم أن الحقيقة مرة وساطعة بل هي تفقأ العين بالمنطوق الشعبي ؟ حتى الآن لا يمكن الجزم بشئ .
ولأن هذه القضية تتعدى كونها قضية داخلية لحزب ، بل أضحت قضية وطنية بامتياز، وذلك لتعدد أطرافها والمعنيين بها من أعضاء الحزب منذ عام 78، إلى أصدقائه ومؤيديه، والى حلفائه من القوى الأخرى في التجمع الوطني الديموقراطي وخارجه ، إلى السلطة السورية التي أخذت تلاحق هذا الموضوع بجدية واهتمام .
ولأنها خرجت إلى العلن سواء عبر المسار أو جريدة السفير أو من خلال موقع الحوار المتمدن على الانترنت .
ولما سيكون لها من ذيول وتبعات سياسية وقانونية واجتماعية ونفسية على كل المعنيين بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر .
ولأن تاريخ الحزب وسمعته ملك للوطن ولأعضائه وأصدقائه ، ولكي لا تضاف لطخة – ويا لها من لطخة – إلى سجل هذا الحزب وفي صفحات تاريخه، فان قيادة الحزب مطالبة بإصدار بيان تعلن فيه الحقيقة كاملة ، فإما أن تنفي وتكـذ ب وبالوثائق هذا الادعاء، أو تعترف بالواقعة ، فتشرحها مبينة كل ملابساتها، وبالتالي تقدم اعتذارها للجميع ،وتدين مرتكبي هذا الفعل ( الآثم ) والعارفين به؛ وذلك من خلال لجنة تحقيق يشترك فيها رفاق قدامى وجدد من الداخل والخارج، تقدم هذه اللجنة عند نهاية عملها تقريرا مفصلا ينشر كاملا ويعرض على مؤتمر استثنائي أو عادي يبت في كل الإجراءات والمقترحات المقدمة له.
مثل هذا الإجراء هو وحده الذي يمكن أن يجيب على تساؤلات الجميع ويلعب دورا مهما وإنقاذيا بالنسبة لحزب يحاول أن ينهض من كبوته ويقدم نفسه كحزب وطني ديموقراطي يرفع راية العلنية والشفافية والصدق .
عادل أحمد

17/7/2004


ملاحظة هامة : كتبت هذه الأفكار مع بداية هذا الشهر / السابع / ولأن كاتب هذه السطور أراد اعطاء الفرصة كاملة للمعنيين بالأمر كي يصدروا ردا أو توضيحا يزيل اللبس ويوضح الحقائق ، فلم ينشرها في حينه . ولدى العزم على نشرها في التاريخ المذكور – بالطبع أرسلت الى موقع الرأي في حينه - سرت أقوال توحي بأن هناك رد سينشر قريبا ، فتم الانتظار مرة أخرى ولكن وللأسف تمخض الجبل فولد فأرا، لذلك كله عمد الى نشرها مع كلمة اعتذار من كل المهتمين بهذا الأمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا