الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الأردنية

محمود المصلح

2010 / 4 / 26
المجتمع المدني



من رحم الصحراء ، ومن رحم المعاناة ، ومن البداية ، من نقطة الصفر تماما ، انطلقت شرارة التغيير والتغير ، بهمة رجال ما ركنوا لدعة العيش وطيب الظل والماء، ولا رضوا بالأمر الواقع واقعا ، ولم يحنو رؤوسهم يوما لمحتل أو غاصب أو طامع ، فيهم من الشهامة ما يكفي ليكونا عربا بما تحمل الكلمة من معنى ، وفيهم من الكرم ما يكفي ليضحوا بأرواحهم في ساحات الوغى بهمة فدائي ، وعزم رجال شجعان .

وفيهم من قسوة الصحراء وصلابة صخور البتراء ما يجعل منهم حائطا صلدا يصد ويرد كل معتد وطامع بما يكفي ليكون عبرة لغيره . وفيهم من طيب الريحان وورد عجلون والأغوار ، ولين السوسنة السوداء ورقة الطائر الوردي ما يكفي ليكونا شعراء .. بما في الشاعر من رقة الإحساس وطيب الأنفاس .

هم من سطر على مربع الزمن صورة الوطن ، بكل أطيافه ، وهم من بتوا أسوار الوطن المنيعة بأيد يحق لنا أن نقبلها احتراما وتقديرا ، هم من جبلوا الأرض بدماء الشهداء ، وهم من تغنوا بحرية البقاء رغم كل العاديات والتحديات .. ليكون هذا الوطن نموذجا لهمة الرجال إذا ما اتحدوا .

نعم كانت البداية من الصفر تماما ، بنينا وطننا بأيدينا ، بلا فضل او منة من احد ، وبلا اعتماد او اتكال أو اتكال بل توكل وتعقل . ليصبح الأردن وطنا للجميع ، ينعم فيه الواحد كما ينعم الجميع ، تحت راية عربية واحدة ،
آمن الأردن على مدار عقود من الزمن بفكرة التعايش السلمي والمجتمعي ، وكان ملجأ لكل خائف او محتاج ، وكان موئلا لكل حر ونزيه وشريف ..كما كان الأهل جميعا كاسرة واحدة ، يهبوا هبة رجل واحد إذا ما نادى المنادي.

على ضيق الإمكانيات وقلة الموارد ، وشح المصادر ، تمكن الأردن من بناء وطنا ينعم فيه الإنسان بمستوى من الرفاه قد يساوي او يتفوق على دول كبيرة .. نحن بصراحة وصدق ندرك إمكانياتها وقدراتها ومصادرها .. ولكنها لم ترتق بالإنسان إلى مستوى من الرفاه الاجتماعي يليق بالإنسان كانسان تعد بلده من الدول الأغنى والأكثر مواردا ومصادرا .

تفوق الأردن على بلاد كثيرة ودول عديدة بل أصبح قدوة يحتذى في مجالات عدة ليس أخرها التعلم والتعليم وما يشهده من تطور يلحظه كل ملاحظ او مراقب ، ولا الخدمات الصحية ، زملاء وقارب كثر ذهبوا بعيدا في العالم الواسع ..يعودون وهم يذكرون صورة الأردن في عيون تلك البلاد .. ومن أقاربنا وأصحابنا من يعود من تلك البلاد البعيدة وهو يتجشم عنا السفر والترحال وتكاليفه الباهظة لينعم بالعناية الطبية في الأردن ليشهد ، طائعا مختارا او مكرها ان الرعاية الطبية في الأردن تفوقت كثيرا على أرقى دور الرعاية الصحية في العالم .. بمستوى خدمات طبية راقية من الناحية التمريضية ومستوى خدمات متفوق راق من الناحية الفندقية في المشافي المختلفة . والتي أصبحت عامل جذب للعديد من الناس المرضى من مختلف دول العالم ، بل رأيت في أكثر من مشفى مكتب خاص يسمى مكتب رعاية المرضى العرب .

ساهم الأردن الصغير بمساحته ، القليل بإمكانياته ، بمحدودية موارده ، وبما يمتلك من طاقة إنسانية جبارة كامنة في نفس كل واحد منا في مد يد بالطب والطيب إلى كل محتاج في العالم .. وفي كل كارثة .. او نازلة تنزل بالإنسان أنا كان هذا الإنسان .. ليسجل الأردن اسمه في سجل رعاية الإنسانية عموما .. وليكون .. مثالا على قوة التحدي .. وقوة الصبر وعظيم الإرادة التي تجعل من المستحيل ممكنا .. وترسم صورة للوطن في كل محفل واحتفال .

ذهب الإنسان الأردني بعيدا ، في الذات الإنسانية ، وتعمق ، ولا زالت آثار من عمر دول الخليج العربي من أبناء الأردن شاهدة على كل نجاح في كل مكان .. ولا يزال العديد منهم إلى الآن يبني ويعلي . ساهم المعلم الأردني في نهضة التعليم في كل دول لخليج العربي بما اكتسبه من علم ومعرفة وبما عرف عنه من تميز وإخلاص وعطاء عز نظيره ، بين إقرانه من العالم العربي الذي يعتبر سوقا رائجا لاستقطاب الكفاءات .

استطاع الأردن ان يثبت مقولة الإنسان أقوى من الظروف بكل مصداقية واقتدار ، واستطاع أن ينحت في الصخر كما الأسلاف وطنا ترسخت جذوره كسنديانة معمرة في جبال عجلون ، استطاع الأردن أن يسحب عباءة من الأمن الأمان على الوطن كافة ، واستطاع ان ينعم بهذا الجو من الطمأنينة والسكينة والهدوء في منطقة تعصف بها الرياح ، واستطاع ان يكون أرضا خصبة لكل مبدع ومتميز ومستثمر ، واستطاع ان يجاري اكبر الدول في هذا المجال بما شرعه من قوانين كانت على الدوام توائم ما بين الحداثة والمعاصرة والأصالة ، في قالب أردني خالص .

استثمر الأردن الإنسان ، وهو اكبر طاقة محفزة ومنتجه ، ومهد لهذا بوضع حرية الإنسان على سلم أولوياته ،
فحقوق الإنسان مصانة كما حقوق الأردني ، استلهم الأردنيون من أرواح الأجداد والأسلاف الذي مضوا معاني الصبر والتحدي والكفاح ، واستمدوا منهم طاقة لا زالت تغلي في عروقهم كمرجل، تمدهم بأسباب المضي قدما لمزيد من البناء .

استطاع الأردن أن يبني علاقة متينة وعلى أسس ثابتة مع العالم تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل ، ولقد حصد الأردن نتائج ذلك احتراما وتقديرا وسمعة طيبة يتمتع بها الأردني أينما حل في هذا العالم .

مكنت القيادة الأردنية الهاشمية بما تمتلك من مقومات دينية وتاريخية وعزة شرف أبى التاريخ أن يسجل مثلها ، مكنت المواطن الأردني أن يحذو حذوها وينهج نهجها ، في التسامح والتعاطف والتراحم والتعاون والبذل والعطاء .
فلا تزال صور جلالة الملك وجلالة الملكة وهما يتجولان في أرجاء الوطن ، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ، راسخة في أذهان كل حر ونزيه منصف .. يجلس جلالة الملك على حصير قديم ، ويشرب من كوب ماء عند عائلة محتاجة فقيرة من الناحية المادية ، عزيزة النفس ، كريمة الخصال ، أبية ، يعز عليها الطلب ولو بها خصاصة .. يجلس كفرد من أفراد الأسرة .. تقبله عجوز ثمانينية ... وترقص في حضرة الملكية الدبكة الاردنية الشهيرة ..

يقف في وسط الناس الذي يحبهم ، ويأمر بإصلاح شأنهم ، ويتابع ما تم من انجاز .. تلك المساكن في ألاماكن الأكثر فقرا شاهدة على النقلة النوعية التي نقلهم إياها .. وهم ونحن على ذلك من الشاهدين الشاكرين ..
اتخذت الحكومات الاردنية المتعاقبة من الوسطية ونبذ التطرف في جميع المجالات اسلوبا للعمل ونهجا لها ، وكانت رسالة عمان التي نادت بالوسطية والانسانية حافزا للجميع ان يبادر لتبني افكارها ، واتخاذها نبراسا يهدي في مسالك الحياة كافة .

تلك تجربة شاهدة على تطور دولة وإنسان ، شاهدة على قهر الظروف ، والتغلب على كل صعب ، تلك تجربة لا زالت ماضية وستمضي إلى ما شاء الله بهمة رجال ما هانوا وما وهنوا وهم الأعزة الأعز دوما .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
ادم عربي ( 2010 / 4 / 26 - 08:36 )
نعم اوافقق الراي فالاردن نجح بكل المقاييس واستثمر في اهم مجال وهو الانسان
تحيه للكاتب


2 - التعايش السلمي في الاردن
المترصد ( 2010 / 4 / 26 - 10:05 )
انا كاردني يسعدني ان اشارك الكاتب رايه مع بعض التحفظ على بعض النقاط الا ان الاردن فعلا كان
مثال التعايش السلمي بين كل الطوائف ونجا من كل محاولات اثارة النزعه الطائفيه والعنصريه لم نشعر يوما ان هناك تفرقه بين مسلم او مسيحي او درزي او شركسي او ارمني او فلسطيني الكل ساهم في بناء هذا الوطن قد يتحفظ البعض على ان هناك بعض التمييز اقول نعم ولكنه افضل بكثير من الدول المجاورة قيادة الاردن كان لها دور كبير في حماية هذا الكيان وايضا استوعب الشعب بان الحروب الاهليه لا تجلب الا الدمار وبالتالي امن الاردن للاردنيين هو خط احمر


3 - نعيش ولا نتعايش
طراونة ( 2010 / 4 / 26 - 11:01 )
سيدي التعايش يكون بين نقيضين ونحن في الاردن نعيش ولا نتعايش وخصوصا بين المسلمين والمسيحين ولم ارى او احس بأي فرق بين مسيحي او مسلم
وشكرا


4 - تحية للكاتب
نادر الهروط ( 2010 / 4 / 26 - 12:19 )
تحية للكاتب محمود المصلح

اوفق الكاتب على المقال وخصوصا- مسألة التعايش السلمي فأنا كأردني لا اجد اية فروق او اي تميز بين الاردنين سواء مسلمين او مسيحين او اردنين (شرقين )او اردنين (غربين) او شركس او شوام او شيشان او اي منبت اخر على العكس تماما- تجد هنا بالاردن تجانس وتناغم رائع بين اطياف ومكونات المجتمع الاردني

لكن في الاونة الاخيرة ظهرت ( بعض ) الاصوات النشاز من قبل الاخوة اللاجئين الفلسطينين التي تدعي ان حقوقها منقوصة و تطالب بحقوق سياسية بالاردن وتطالب بالمساواة مع الاردنين (جميع الاردنين) وتستقوي بدول خارجية على الاردن وتحرض منظمات مجتمع مدني دولية على الاردن لتحصيل حقوق سياسية لهم في الاردن..

والاردن يمانع اعطاء اللاجئين الفلسطين جنسية اردنية لسبب مهم وهو الحفاظ على الهوية الفلسطينية اولا- وللحفاظ على حق العودة ثانيا- وهو ما يجهلة او يتجاهلة الاخوة اللاجئن الفلسطين ... اما من حيث توفير الدعم و سبل العيش الكريم والانساني فالاردن لا يدخر جهدا- في سبيل ذلك للاجئين ولا ينكر ذلك الا انسان جاحد وحاقد


5 - الاردن هو الافضل
مواطن ( 2010 / 4 / 26 - 17:30 )
الله يحمى الاردن
اهلة
وقيادتة
شكرا استاذنا


6 - مروج التمدن
عبد المطلب ( 2010 / 4 / 26 - 17:56 )
إن مقال كهذا مكانه ليس هنا،ربما في مروج التمدن’مهاره انشائيه و كلمات مصفوفه لا اكثر و لا اقل’ان التسحيج مهاره بحد عينه’و لكنه ليس من الفضائل التي تخول النشر في هذا الموقع الماركسي.


7 - تحية الى عبد المطلب
محمود المصلح ( 2010 / 4 / 27 - 06:23 )
حاولنا طوال مسيرتنا الابداعية أن ننأى بانفسنا عن التسحيج والسحجة اخي الحبيب ولم نبادر الى مسح الجوخ حيث انني لست بحاجة الى اي دعم من اي نوع من اي كان ولكن ان نقول الحق احق لنا والماركسية طريق طويل ليس اخره قول الحقيقة .ولك خالص احترامي

اخر الافلام

.. نافذة إنسانية.. تحذيرات أممية من تدهور أوضاع النازحين بمخيما


.. الفقر والإهمال يحرم أبناء النازحين بكردستان العراق من الدراس




.. نتنياهو وبوتين والسعودية..كيف استفادوا من قرار المحكمة الجنا


.. مندوب فلسطين الدائم بالأمم المتحدة: نتوقع مفاجآت من دول مثل




.. مطالبة مدعي -الجنائية الدولية- باعتقال نتنياهو يثير غضب حلفا