الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد الفكر الديني

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 4 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحمد الله والصلاة والسلام على مصطفاه ، وعترته ومن والاه .
يجئ كلامي هنا ضمن استهدافنا تفعيل وإنعاش منظومة الفكر الديني الإسلامي تلك المنظومة الفكرية التي لا تزال تعاني من شوائب تكدرها ، ومعايب تعرقلها عن أداء الدور المراد منها ، وهو تحقيق مراد الله ، الماكث وراء اشتراع الشريعة ، وتكليف الرسل .
مدخل مفاهيمي :
لكي يكون كلامي نائيا عن اللبس والتمويه ، يجب أن أحدد مفاهيم المصطلحات الأساسية التي سأستعملها في هذا المقام ، وهي التالية :
1- الدين ،2- الفكر الديني ، 3- التجديد
1- الدين :
أعني بالذين مجموع التكاليف والتشاريع التي خاطب الله بها عباده بواسطة الرسل من هنا نعلم أن الذين شئ مقدس ، ومعصوم تبعا لمرجعية الإلاهية .
2- الفكر الديني :
أقصد به جملة الاجتهادات (التحليلات ، والتفسيرات ) المتعلقة بالنصوص المقدسة (القرآن ،صحيح الحديث ) المتصلة بقضايا الذين .
3- التجديد :
أريد به استحداث اجتهادات ومناهج تستكنه و تلامس بفاعلية النصوص الدينية ، في مساوقة لتطور المجتمعات والأزمان .



الفرق بين الدين ، والفكر الديني :
الدين هو مطالب وتقريرات المشرع المصوغة في النصوص المقدسة، التي هي منبط ومصدر الاشتراع . أما الفكر الديني فهو مفهوم المجتهدين ، وما عقلوه من تلك النصوص
ثم إن الدين مقدس ، ومعصوم ، وملزم ، أما الفكر الديني فليس بمقدس ولا بمعصوم ، لصدوره عن الإنسان غير المقدس وغير المعصوم ، لكن جهلة المقلدين جعلوه مقدسا على نحو غير معلن، حيث إن مواقفهم منه ، وطرائق تلقيهم له ، تقضي التقديس وهذا نوع شرك بالله هم عنه غافلون .
شرعية االتجديد في الدين :
لا ريب في كون العملية التجديدية ، مطلباً من مطالب المشرع الذي أراد لدينه أن يواصل فاعليته وسط أوساط المكلفين ، تلك الفاعلية التي لا ضمان لاستمرارها إلا بعملية تجديد للفكر الديني، الموضح للدين نفسه، ولنستحضر هنا الفرق بين الفكر الديني، وبين الدين.
إن من دلائل اشتراع التجديد ما ورد على لسان رسول الله ، حين قال { إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها } ( )
كما أن شواهد شرعية ، التجديد عمل فقهاء الصحابة ، والتابعين حيث لم يجمدوا الاجتهاد في النصوص ، ولم ينحبسوا في أقفاص فتاوٍ جامدة ، وقوالب أنظار جاهزة ، بل كانوا يتعاملون مع النصوص تعاملا ً لا تصلب فيه ، ولا ظاهرية ، أنما على أساس من هدي المقاصد الاشتراعية ، والغايات المتساوقة مع حكمة الدين وغرض افتراضه على المكلفين.
ومن الشواهد الشرعية التجديدية ، ما أقره علماء أصول الفقه ، والأحكام من قواعد أهمها أن الأحكام الشرعية تتبدل بتبدل الأعصار، والأشخاص،والأظرف .
إن في هاته القاعدة وأمثالها ما يضمن صدق تبنينا لمقولة : إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان .
وقد كان من أشهر الأحكام التي اعتراها التبدل والتجديد في عهد الصحابة ، ماورد في شأن زواج المتعة وموقف عمر منه ، وكذا تعطيله لحد السرقة عام المجاعة الشهيرة ، وكذلك إلغاؤه سهم المؤلفة قلوبهم ، وكذا أمر عثمان بحبس ضالة الإبل خلافا لما أفتى به النبي ،وإضافته للأذان الثاني للجمعة .هذه من الأمثلة التي تكثر جدا لو استتبعناها بدقة حصرية.
لقد شهد الدين وشريعته حركة تجديدية دائبة في القرون الثلاثة الأولى بعد وفاة النبي عليه السلام ، ثم صارت تنحو إلى الهمود والركود تدريجياً بعد ذلك ، إلى أن وصل الأمر بحركة التجديد إلى حالة أقرب إلى الجمود الكامل ، بعد القرن السابع الهجري ، ولم يكن الفكر الديني يحس بانتعاش إلا في أوقات متفاوتة بتأثير بعض المجتهدين الذين ظهروا بعد تلك الحقبة ، من أولئك المجتهدين ابن حزم الظاهري (456هـ) وابن تيمية الحراني (721هـ) ومحمد الشوكاني (1250هـ) ومحمد عبده (1905م) .

أطوار ومراحل الفكر الديني عند المسلمين :
أراه قد قطع أربعة أطوار ، لا أذكر فيها المرحلة النبوية فهي مرحلة تلقٍ مباشر من المشرع :
1- المرحلة الراشدية: من موت النبي إلى نشوء الملكة الأموية ، هي أقصرها وأقلها تعقيدا .
2- مرحلة الاغتناء والنشاط : من منتصف القرن الأول ، إلى نهاية القرن السادس ، شهدت ارتفاع وسيطرة الحضارة الإسلامية ، وشهدت ظهور الفرق والتشكلات الأيديولوجية وشهدت عمليات التلاقح والإخصاب بين ثقافات الشرق والغرب في رحم الحضارة العربية الإسلامية ، من لدن تشجيع عمليات الترجمة من لدن خالد بن يزيد الأموي ، وصولا للمأمون العباسي.
3- مرحلة الخمود : من بداية القرن السابع إلى حقبة حكم محمد علي ، في مصر(1805-1848)م ، فيها خمدت جذوة النشاط العلمي النشاط العلمي في كل مجال في ظل الصراع المستدام على السلطة ، مع اضطراب الأحوال المجتمعية؛ فكان أن شاع وسيطر التوجه إلى التقليد ، والتوجس والتهيب للاجتهاد ، إلا في استثناءات .
4- مرحلة اليقظة: من مدة حكم محمد على (1805-1848) حتى اليوم ، كان أهم مصادر الإنعاش الفكري من جهة الشرق، وتحديداً مع ابن الأمير الصنعاني ، و محمد الشوكاني ، وابن عبد الوهاب ومعارضيه وحجاجهم ، في هاته المرحلة تشكل الفكر الديني ، وظهر في مـدارس هي هاته الأربع :
1- المدرسة السلفية الجامدة : اعتمدت على العودة والانكفاء إلي التراث والأسلاف ، في قطعية مع العصر وواقعة ورأوا كل تجديد بدعة ، من شعاراتها : ( ماترك الأول للآخر شيئا) .
2- المدرسة السلفية المجددة : تسمى بتيار الإحياء والتجديد ، هي تستأنس بالتراث والأسلاف وتستضئ بمفهومهم من غير تقديس، ولاجمود ، إنما تعمل إلى دوامية الاجتهاد في الذين ضمن حدود مخصوصة : من أعلامها محمد عبده ، ورشيد رضا، ويوسف القرضاوي .
3- مدرسة التنوير : هو اتجاه علماني متدين ( علمانية جزئية غير شاملة ) لا تهدم الأصول، لكنها تمارس تجديدها في جراءة مثيرة لخصومة الآخرين ، منهم طه حسين ، محمد أحمد خلف الله ، نصر حامد .
4- مدرسة التجديد المطلق : توجه علماني مفرط ضمن إطار التدين ، رأوا في التراث قيدا معيقا عن التطور ، فغالوا في طرح البدائل ، ونقد ما كان مقدسا بلا حدود ولا ضوابط مسبقة . منهم غاردوى ، ومحمد أركون ، وصادق النيهوم ، وحسن حنفي ، وطيب تيزيني
هذه هي التوجهات المالئة ساحة الفكر الديني الإسلامي في القرن العشرين .

معايب وأوزام الفكر الديني في الإسلام ( ).
شكل لفكر الديني حصيلة علمية مهمة في التراث الإسلامي ،لكنه وككل منتج بشري لم يبرأ من نواقص ؛ منها نوكّد انطواءه على عدد من المعايب التي عكرت صفو العملية التجديدية ، بل شوهت الصورة السمحة للإسلام كله، ولا نترك استثناء بعض أهل العلم من أسلافنا ممن برئ من هاته المعايب ،التي كان أهمها :
1- النـزعة الوثوقية :ومعناها التمسك الأعمى بالرأي المتولد عن الاجتهاد من غير أن يوضع له احتمال الخطأ بوصفه منتجا بشرياً .ثم رفض الرأي المخالف مطلقاً والحكم عليه بأنه خطأ قطعي.
2- التوجه الإقصائي : وهو من مقضيات الوثوقية ، حيث لايقبل الرأي الآخر ولايوضع له احتمال للصحة .
3- ضعف الثقة في النفس وفي التجديد من الأفكار والعلماء .
4- افتقاد أدب الخلاف .
5- الاغتناء بالنوافل والجزئيات عن الشوامل والكليات ، تلك التي تغياها الذين والمشرع أصلا ، وجعلها مناطا لمقاصد التشريع ؛ من صور تلك الانشغالات الملهية ظهور كتب تدرس نحو الموضوعات التالية : حكم إعفاء اللحية ، حكم لبس ربطة العنق ، حكم تحريك الأصبع في التشهد.
ولا يزال يشهد الإسلام دعوات تجديدية تتفاوت ما بين الاعدال والغلو ، والتجديد الوهمي الذي لا يجاوز التنظير اللفظي لا أكثر .

:هاته إذاً المستويات الثلاثة للدعوات التجديدية
المستوى الأول : التجديد المنضبط :
هو الذي يمثله جمع من العلماء الذين برئوا عن الغلو والتباس الفهم ، فجاءت طرحهم واجتهاداتهم في في سياقات تكسوها الوسطية والاعتدال ،ووعي بحقوق الماضي ،ومقتضيات الحاضر ، واحتياجات المستقبل.
الثاني : التجديد المنفلت :
وهو ما تحمله دعوات غلاة العلمانيين الضائقة صدورهم بتشاريع الذين وأحكام فقهه ، حيث تصل الدعوات التجديدية عندهم لدرجة عدم الاعتراف بأي ضوابط تضبط العملية التشريعية ، ويصل الأمر إلى ذروة غلوه بطروح ما أسميه مدرسة الجديد الجدري للفكر الديني ، أو ما يسميه بعضهم «مدرسة التحرر الكامل» ، وهي الممثلة صوتاً واتجاهاً آخر مناقضاً ورافضاً لهذا التيار التوفيقي-التاريخي العربي الحديث ومدرسته، وبطبيعة الحال هو صوت مناقض ورافض للتيار السلفي ومدرسته. فإذا كان التيار السلفي يقول إن «الأساس» هو الذين والوحي، وكل ما أتى مناقضاً أو مختلفاً فهو مرفوض ومذموم، سواءً أكان القائل، أو المصدر، هو الفلسفة اليونانية، أم العقل، أم أوروبا الحديثة، وإذا كان التيار التوفيقي، قديماً، يحاول التوفيق ما بين فلسفة اليونان ودين العرب، أو ما بين العقل والنقل، ما بين الشريعة والحكمة، وما بين الشرق الروحاني والغرب المادي، أو ما بين الأصالة والمعاصرة، ما بين العقل والإيمان حديثاً، إذا كان ذلك ما يحاولونه ويريدونه في مدارس التوفيق والتوسيط والتعادل، فإن مدرسة التحرر الكامل، وهي مدرسة تضم في عدادها شبلي شميل [1853-1917]، فرح أنطون [1874-1922]، أمين الريحاني [1876-1940]، سليم خياطة [1912-1966]، إسماعيل أدهم، سلامة موسى [1886-1958]، إسماعيل مظهر [1891-1962] (في غالب فكره وحياته)
الثالث : التجديد الوهمي : وهو الذي يمثله كثير من العلماء والمشائخ الرافضين – عمليا- أي تطوير، أو تحوير فيما ورثوه عن أسلافنا وعلمائنا القدماء، مما يقدسونه تقديسا غير معلن لكنه مكشوف على كل حال، فنجد الواحد من أهل التجديد الوهمي يدعو ويوكد على أهمية تجديد الذين ، وشرعية تطوير الاجتهاد وتوسيعه ، ثم هو ينقلب على عقبيه حين التطبيق العملي ، وحين مكاشفة الواقع ، قاصفا طرحه النظري ، بموقفه العملي. وكاشفا أن دعواته التجديدية ليست أكثر من دعاوى موهومة .


قافلة
سأقفل هذا الموضوع وأختم بتوكيد أن التجديد الديني حاجة ملحة لا يستغني عنها الدين ، كما أنه مطلب حث إليه المشرع بذاته ، فلا مسوغ لمعاداة الجهود التجديدية ، في ذاتها بوصفها عملا تجديديا ً ، إنما المصيبة في تجاوز ضوابط التجديد ،ومحاولات تطبيقه على هيئة شوهاء عرجاء من غير استناد على أصول هادية سليمة ، أو مناهج ناجعة قويمة ، وفي هذا الحال خطر على الدين لايقل في ضرره وسوئه عن خطر المعيقين للتجديد بذاته ، بعبارة أخرى أقول إن خطر الجموديين ، لا يقل عن خطر الانفلاتيين ؛ مما يوجب على العقلاء والوسطيين اصطناع صيغة تجديدية تجمع الانضباط الممنهج ، والفاعلية المتساوقة مع حداثة العصر ، وحداثة عقليات وطبائع أهله . إنها مهمة تحتاج عدداً من الأنبياء ، وما دامت النبوة قد ختمت ، فقد أشار لنا النبي عليه السلام إلى البديل حين قال ((...إن العلماء ورثة الأنبياء)) ، إذاً انتقلت المهمة للعلماء.ومن هنا ندرك عظيم قيمة وأهمية وجدية أن يوصف الإنسان بأنه عالم من العلماء.والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب