الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بزوغ الحياة

ماريو أنور

2010 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كيف يمكن أن تنفجر حياة من لا حياة أو من مادة . وإذا كان الأمر كذلك فأين دور الله فى خلق الكائنات ؟ والجواب على هذه التساؤلات نجده فى نظريات فقط لا غير .
والرد على التساؤل الذى طرحناه , وهو كيف ظهرت الحياة على الأرض وهو أنها لم تأت لا من خارج الأرض و لا بالخلق المباشر بحسب مفهومنا التقليدى , وأرجو ألا تتعجب أو تتخيل أن هذا إلحاد . فالحياة أتت من المادة نفسها على أساس أن الله وضع بداخلها بذرة الحياة منذ البدء حتى تظهر فى أوانها عندما تبلغ هذه المادة درجة معينة من النضج التكوينى الذى يمكنها من الظهور . والأمر يحتاج إلى المزيد من الإيضاح .
فى كل ذرة من المادة شىء بسيط جداً من الحياة . لكننا فى هذه المرحلة لا نستطيع أن نسميها حياة لأنها لم تظهر بعد إلى الوجود . ولكن , حين تبلغ المادة درجة معينة من التركيب , والمقصود به تنظيم المادة الداخلى , حينئذ تظهر الحياة . فما هو الفرق بين كتلة من قطع الغيار و جهاز تسجيل يعمل ؟ لو وضعت جهاز التسجيل فى ناحية , و وضعت فى الناحية الأخرى كومة من قطع الغيار المختلفة , يكون الفرق بين الاثنين أن فى داخل جهاز التسجيل تركيباً و تنسيقاً , وهو ما يفتقده هذا التجمع المكون من مجموعة من قطع الغيار , التى لا يمكن أن تقوم بعملية التسجيل وهى فى وضعها الحالى , مهما حركتها أو تم توصيلها بالتيار الكهربائى . وذلك لأنها غير مركبة بطريقة منسقة و منظمة , فهى تفتقد الترابط العضوى . وكلمة عضوى هنا فى غاية الأهمية , فالترابط العضوى بين مكونات جهاز التسجيل بين مكوناته يجعل الجهاز يقوم بوظيفته على خير وجه .
فليست إذاً مشكلة المادة فى أن تتجمع بقدر كبير , إذ إن هذا التجمع لن يؤدى إلى شىء , بل المشكلة هى أن تدخل المادة فى مرحلة تنسيق بين عناصرها , حتى إذا ما بلغت مرحلة حرجة معينة تحدث المفاجأة تماماً كما حدث فى جهاز التسجيل , حيث يصدر منه صوت ويعمل بطريقة عادية . فالمادة من خلال هذه المراحل التى سبقت ظهور الحياة كيف كان حالها ؟ هل كانت فى وضع سكون أم كانت تتخبط بطريقة عشوائية ؟ أم كانت تتبع لاشعورياً خطة معينة للوصول الى تنسيق محدد , خطة مطبوعة فى داخلها تماماً كالغريزة المطبوعة داخل الحيوان التى تجعله يتصرف تصرفات معينة , من دون أن تعى الهدف من تصرفاته . فالطبيعة هى التى جعلت داخل الحيوان هذه الغريزة التى تجعله يتصرف تصرفات خرافية خارقة بتلقائية , من دون أن يعرف لماذا و كيف فعل ذلك . وعلى هذا يمكن القول بأن هناك غريزة فى المادة جعلتها , من دون أن تدرى , تقوم بتركيبات معينة , جعلت هذه المادة بالتدريج تخرج الحياة التى كانت مختبئة بداخلها .
هذه ذرة فيها قدر ضئيل من الحياة , وهذه نواة ونواة ونواة تجمعت وكونت جزيئاً , وهو غير كاف . اثنان , ثلاثة , أربعة .... غير كاف . لماذا ؟ لأن الحياة حتى تظهر لابد أن تصل إلى نقطة حرجة , أنه يجب أن يكون هناك كمية كافية من حبيبات الحياة حتى تبدأ فى الظهور , تماماً كما لو أننى أحاول رفع قطعة ثقيلة من الأثاث , فلا أستطيع بمفردى .
و أستدعى من يساعدنى , اثنان .... ثلاثة .... أربعة ..... تسعة لا نستطيع , حتى يصل العدد إلى عشرة أفراد . حينئذ يمكن رفع الثقل . فهل الفرد العاشر هو الذى قام بهذه المهمة وحده ؟ كلا لأن الأفراد العشرة معً هم الذين رفعوا هذا الحمل على اعتبار أنه كان يحتاج إلى جهد الفرد العاشر حتى يتم رفعه . كذلك يمكن القول بأن المادة تعقدت و تركبت و نظمت نفسها حتى وصلت إلى مرحلة معينة , حين دخل فيها آخر جزىء أحدث الطفرة بتفاعل الأشعة الكونية أو ظروف طبيعية أخرى لا نعرفها الآن أدت إلى هذا التفاعل . إذاً من أين أتت الحياة ؟ أتت الحياة من صميم المادة , وكانت فيها منذ البدء , وظهرت يوماً ما نتيجة ظروف معينة . فالحياة كانت مطبوعة بداخل المادة لكنها ظهرت حين وصلت إلى مرحلة نضج معينة .
لكن هل نستطيع أن نتثبت من صحة أى نظرية تتعرض لأحداث جرت فى الماضى السحيق , واستغرق حدوثها ملايين السنين ؟ يمكن الحكم على صحة إحدى النظريات , إن خضعت للتجربة و ثبتت صحتها . فحين أقول إن قطعة الطباشير هذه مكونة من عنصر الكالسيوم , واثبت ذلك علمياًً , حينئذ نكون نظرية صائبة . لكن حين نتناول إحدى النظريات قضية مثل ظهور الحياة أو نشأة الكون أو نظرية التطور , وهى أحداث تمتد فى أزمان طويلة , ويتطلب إثباتها بطريقة عملية أن يعيش العالم مثل هذه المدة حتى يستطيع أن يكرر الأحداث نفسها , يكون ذلك بالطبع مستحيلاً . هذه ظواهر شملت كل الماضى , ومنها ما سيشمل كل المستقبل أيضاً , ولذلك فهى ظواهر غير قابلة للتكرار , مما يجعل إثياتها عملياً من الأمور المستحيلة .
فحين نتناول قضايا انتهت فى الزمن , فلا مفر من أن ندخل فى افتراضات أكثر ترجيحاً قد تلقى الضوء أو تبرر الظاهرة من دون أن نستطيع أن نؤكدها بصورة نهائية . ومن يرفض هذا المبأ فهو يرفض إمكانية تفسير العالم ككل لأنه من المحال أن يعاد الخلق من جديد . لذا يجب أن نقتنع بما يسمى نظرية . فالتطور سيظل مجرد نظرية مهما حاولنا , ولا يمكن أن تتحول إلى تجربة , لأنها تناقش أحداثاً حدثت فى الماضى فى فترة زمنية طويلة جداً , ومن يطلب براهين قاطعة فى هذا المجال فهو يطلب المستحيل . فإما أن نحاول أن نعطيها تفسيراً معقولاً , وإما أن تظل ألغازاً و أساطير . وعليه فحين ندرس أمور الكون فلا مفر مما نسميه افتراضاً أو نظرية مبنية على حقائق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با