الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شات القنوات الفضائية والحب المحرم

نضال شاكر البيابي

2010 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كل ثقافة مجتمع ،ثمة نماذج مثالية، تتضمن المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والأعراف، يتشربها أفراد المجتمع عن طريق الامتثال أو الاتباع أو التكيف التلقائي. وإذا تمرد الفرد على هذه النماذج يكون عرضة للجزاءات والعقاب وفقاً للمنظومة الأخلاقية والعرفية لمجتمعه.
وهذه النماذج وظيفتها بالضرورة إشباع حاجات الفرد البيولوجية والسيكولوجية والروحية ،ويستمر التفاعل الجمعي مع هذه النماذج أو"الأنا الأعلى" مادامت قادرة على تحقيق الإشباع.بمعنى أن الإشباع يدعم بقاءها ويقويها وقلة الإشباع تحفز التمرد السلوكي لدى المتلقين.أي أن حالة عدم الإشباع لدى الفرد المتلقي تولد تمردا على شكل رفض لاشعوري للتكيف والامتثال للمنظومة الأخلاقية والعرفية.
ودائما مانسمع في هذا السياق عن هوس الشباب في تجربة كل شيء جديد بصرف النظر عن مواءمة هذا الجديد للنظم الأخلاقية والعرفية،والأمر ليس كذلك،بقدر ماهو محاولة فطرية للبحث عن وسائل للإشباع لم تتوافر في النظم الأخلاقية والعرفية للمجتمع وليس ذلك انفلاتا أخلاقيا غير مبرر كما يصوره البعض.بعبارة أخرى، هو إفراز طبيعي لحالة الكبت التي تفرزها المناخات السياسية والدينية والاجتماعية ومايصاحب ذلك من نظم أخلاقية متعسفة تطوق الأعناق باللاءات ولاتقدم بدائل موضوعية للباحث عن الإشباع.
فعندما تتقلص مساحة الحرية على المستويات المعنوية وتسيج ساحة النقد بسياج شائك على المستويين الديني والسياسي ، ويفصل فصلا تاما بين الجنسين درءاً للمفاسد، وبالتضاد يواكب ذلك انفلات في الحرية المادية التقنية مما يعرف بـظاهرة"التخلف الثقافي" أي التغير البطئ للعناصر المعنوية إزاء التغير السريع للعناصر المادية. فضلا عن النماء المطّرد للبطالة والفقر في النسيج الاجتماعي،ومايترتب على ذلك من تفشي العزوبية والعنوسة بين أفراد المجتمع ،فلاغرو أن تكون هذه الأرض خصبة لإنبات الانحرافات السلوكية كالتطرف الديني من جهة والانحلال الأخلاقي من جهة أخرى. وكلاهما يدوران في دائرة البحث عن الإشباع التي لم توفره المنظومة الأخلاقية والعرفية للأفراد.
وإذا استقرأنا الرسائل"sms" التي ترسل للفضائيات الدينية والغنائية من شريحتين متقاطعتين في التوجه ومتوازيتين في الغاية، سنجد أنها محاولة للتنفيس والهروب من ضغوطات الواقع ومشكلاته العصية على الحل لفضاءات اللذة الوهمية إن كانت حسية أو روحية.
وهوس الشباب العربي من الجنسين للتهافت لإرسال وتفريغ مايختلج في صدورهم للفضائيات هو نتيجة منطقية لأسباب عديدة على رأسها البطالة التي يعاني من الشباب وعدم وجود متنفس حقيقي يمتص طاقاتهم كما أن يأسهم في إيجاد مساحة لحرية حقيقية في مجتمعاتهم جعلهم لاشعوريا يتماهون مع كل جديد قد يوفر لهم الإشباع الممنوع عرفا . والمسؤول الحقيقي عن هذه المشكلة المجتمع وليس الشباب وفقا للدكتور أحمد مجدوب.
وإشكالية الثقافة السائدة في مجتمعنا وخصوصية الوضع المناط بالمرأة وعزل النشء عن متطلبات الحياة الواقعية والارتباك بين التمسك بالموروث التقليدي من جهة ومواكبة التطور التقني الذي قفز على رؤوسنا بسرعة هائلة من جهة أخرى أفقد ذلك كله المجتمع توازنه ،وولد فجوة واسعة بين تراث موروث متراكم وبين قفزة علمية لم يهيأ لها الجيل بشكل صحيح.
ولاشك أن مسئولي الفضائيات استغلوا حالة الكبت المتفجرة عند الشباب خير استغلال بطرق ابتزازية رخيصة من خلال التلاعب من قبل القائمين على هذه الدردشات، حيث يتقمص الكنترول شخصية أنثى ويبتز غرائز المراهقين وجيوبهم من خلال إرساله لرسائل طافحة بالإيحاءات الجنسية من مثل:" أنا قشطة وعسل وألبس عدسات وشعري طويل ولوحدي بالبيت..والرقم بالطريق.." فيتهافت المراهقون على إرسال عشرات الرسائل بقصد التعارف،أوابتزازهم من خلال مطربات العصر من "فتيات الليل "الماجنات العاريات اللائي يحشدن كل"أسلحة دمارهن الشامل" لقنص الشباب المنهك بِطُعم السيليكون ..! وما أدراك ماالسيليكون وفعله الذري المدمر. وكم هي من وسيلة مربحة لشركات الاتصال وللفضائيات التي تبث في الفضاء العربي ومصائب قوم عند قوم فوائد.
فإن كانت فضائيات الأغاني تبتز الشباب من خلال العزف على وتر الممنوع والمحظور اجتماعيا وعرفيا ،فإن الفضائيات الدينية لاتقل دجلا ونصبا من الصنف الأول،وكلاهما يمارس عملية تخدير وتمييع وتدجين للشباب بوسائل مختلفة تصب في قالب واحد في النهاية.فالفضائيات الدينية تستخدم النصوص المقدسة في عمليات النصب والدجل تحت عنوان"سارعوا إلى الخيرات" ومن ثم يظهر في الشريط العابر أسفل الشاشة دعاء ما، ومن بعده مباشرة نص ديني مفاده"من كرر هذا الدعاء فله كذا من الحسنات "كلها ثوان حتى يتهافت الشباب والشابات على الخيرات من خلال تكرار الدعاء عشرات المرات .ومن عمليات النصب الأخرى التي تمارسها الفضائيات الدينية فتح الباب على مصراعيه للمهاترات الطائفية بين شباب من مذهبين إسلاميين مختلفين.والمحصلة النهائية المبالغ الطائلة التي يجنيها مسؤولو الفضائيات على حساب المهمشين والمقموعين اقتصاديا وثقافيا من شباب الأمة العربية الباحثين عن بدائل للإشباع لم تتوافر في محيطهم الاجتماعي.
وإذا كانت الشكوى نوع من العيب في المجتمعات العربية المتحفظة،فإن الشباب سيمارسون التبتل ظاهريا للحفاظ على أمنهم النفسي الاجتماعي وعندما يخلون بأنفسهم بعيدا عن عين الرقيب سيطلقون العنان لما يختلج في دواخلهم من احتباسات وجدانية بكل السبل التي تتيحها التقانة الحديثة بحثا عن الإشباع.
ويقول الدكتور محمد آل جعفر:"أن طبيعية المجتمع فرضت على أبنائه نوعاً من البحث الدائم عن مكان لتفريغ الشحنات النفسية فيه،بعيدا عن كل تعقيداته".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من