الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خط أزرق تحت وهج التاريخ العربي(هل نحن ظاهرة لفظية؟)

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2010 / 4 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأمة الأكثر تبجحا بعظمة تأريخها هي الأمة الأكثر تزييفا وتنكرا لحقائق ذلك التأريخ.. من هذه الحقيقة أود أن أنطلق في مد خط أزرق (بمعنى أنه مجرد خط للتشخيص والتنبيه) ما سأسميه وهج التاريخ العربي وهي بعض نقاط أو مراحل تزييفه أو التنكر لحقائقه وانكارها التي مازال أغلبنا - مواطنين وباحثين وحكاما - يصر على عدم الإعتراف بها ومواجهتها.
أول وأهم هذه الحقائق هي كوننا أمة بلا حضارة وبلا تراكم معرفي، بمعناه التقاني. فالمعروف - وربما هي الحقيقة الوحيدة التي يعترف بها العرب حول أصولهم - أنهم (العرب) الشعب الذي سكن ما كان يعرف بشبه جزيرة العرب (أرض نجد والحجاز واليمن وعمان والبحرين)، وجميع حقائق هذا المكان وتاريخه تؤكد أن سكانه قبائل بدوية، عاشت حياة البداوة (ثقافيا وتقنيا) حتى في حاضرتهم (مكة) ، وأن هذا الشعب القبلي لم ينتج إلا الشكل البدائي من فكر ووسائل التحضر، وأن تراكمه المعرفي لم يتجاوز حدود أغراض الشعر، بقيم وثقافة منتجيه البدوية، وأن هذه المعرفية لم تبلغ مرحلة التدوين (أول مراحل التطور المعرفي) إلا بعد ظهور الاسلام في حياتهم، كظاهرة ثقافية (يعتبر القرآن أول مدونة في تاريخ العرب الثقافي والمعرفي على حد سواء).
فأرض نجد والحجاز وتاريخها لا يسجلان أي من ملامح التطور الحضاري والمعرفي، وإن ظهرت بعض الآثار في بعض مراحل تاريخ هذا المكان فهي لأقوام أخرى سكنت بعض نواحي هذا المكان أو سبقت وجود العرب فيه، والدليل على ذلك إقتصار وسائل التعبير الثقافي والمعرفي في حياة العرب على الشعر، وهو أيضا وسيلة حفظ تراثهم وتاريخهم وجميع أوجه نشاطهم المعيشي (الشعر ديوان العرب)، وهو، كوسيلة تعبير، لم يأت نتيجة تطور حضاري بقدر ما جاء - باعتباره ظاهرة صوتية، بموسيقاه وايقاعه - تلبية لحاجة (سكونية) إنكفاء قيم وعادات ونظم معيشة العرب البدوية على نفسها وحاجة أوجه تمظهرها وتعبيرها عن نفسها - كقيم مثالية ونظام حياة - في الغزو والسلب والقتل إلى وسيلة تعبير صادحة،رنانة، تزين تلك الأفعال وتؤرخ لوقائعها كمفاخر إنجازية عملية وقيمية (علينا أن تذكر هنا أن الشعر العربي لم يتطور في أغراضه وبناه الفنية إلا في العصر العباسي، وهو تطور نسبي لم يطل شكل بناء البيت الشعري أو القصيدة ).
وبتتبع المنجز الحضاري لتأريخ البشرية نلاحظ أن فن العماة يكاد يكون أول أوجه التمظهر الحضاري والثقافي والعلمي..، وإستنادا إلى هذه الحقيقة نلاحظ أن الكعبة - كبناء - تكاد تكون المنجز المعماري الوحيد في تاريخ حاضرة العرب (مكة) حتى بداية مرحلة الفتوح الحربية في تاريخ الاسلام، والثابت في هذا الشأن أن الكعبة بناها النبي ابراهيم، وهو آشوري عراقي وليس عربيا، أي أن الكعبة ، كبناء ومنجز معماري، لم تكن من نتاج العقل أو الثقافة العربية!
ما نخلص إليه من هذه الحقائق هو أن العرب قبائل من البدو، إنحصر إنتشارهم الجغرافي، والتأريخي بالضرورة، على الرقعة الجغرافيةالمسماة شبه جزيرة العرب ، وهذه القبائل لم يظهر لها أثر تاريخي أو حضاري ( مع التحفظ على كلمة حضاري لأن المنجز اللاحق لم يكن عربيا خالصا) إلا بعد إنطلاق الفتوح الحربية الاسلامية وتلاقح (ثقافتهم) مع ثقافات الشعوب التي غزوها وإستعمروا أراضيها وعربوها بقوة السيف !
وقبل هذا، وهي الحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا، لم تكن الثقافة... بل لم يزد الوجود العربي على كونه ظاهرة لفظية تتخذ من جرس اللفظ وموسيقاه أداة وهوية ثقافية ووجود حضاري!
وفي ضوء كل هذا يتوجب علينا مصارحة أنفسنا بأن الوجود العربي إنحصر طوال عصور ما قبل الفتح الاسلامي في شبه جزيرة العرب، وأنه كان وجودا بدائيا ومتخلفا بأوجه تمظهره الحضاري ووسائل تعبيره عن نفسه، وأنه كان بلا مفاعيل إنجازية في مسيرة الحضارة البشرية، وهذا الوجه الأول لهذه الحقائق، أما الوجه الثاني لها فيؤكد أن الغزو العربي الذي تم تحت يافطة الفتوح الاسلامية هو المسؤول عن اكتساح وتذويب الهويات القومية والحضارية والثقافية للشعوب التي طالها الفتح وعربت بقوة السيف المنتصر.
فالثابت تاريخيا وحضاريا وقوميا أن العراق كان كلدوآشوري وبلاد الام فينيقية ومصر قبطية وشمال أفريقيا أمازيغية ، وأن كل شعب من شعوب هذه البلاد كانت له ثقافته ولغته وخصائصه الاجتماعية والحضارية والتاريخية.. والحقيقة الساطعة في تاريخ الفتح العربي أن تأثيره (الثقافي) لم يزد على فرض الاسلام كدين واجب الاتباع وصهر القوميات المهزومة في (قومية) الاسلام الجديدة (العربية)!
وهذا ما يوصلنا إلى أكثر الادعاءات زيفا في تاريخ العرب ألا وهو إدعاء الثقافة والحضارة الاسلامية التي حاول أغلب العرب (باحثين ومؤرخين وحكاما) تجييرها - كمنجز عقلي وعلمي - بإسم العرب وهي في حقيقتها لم تكن إلا للعلماء، الذين دخلوا الاسلام، من أصول فارسية وبيزنطية؛ وقد شمل جهدهم العلمي والابداعي أغلب نواحي المعرفة التي عرفها تاريخ العرب لأول مرة، على طول تاريخ وجودهم، بما فيها علوم لغتهم ( نحوا وصرفا وفقها) ودراسة وجه تمظهرها الأدبي (الشعر).
أعرف أن هذه العجالة لم تف الموضوع حقه، ولكني أظن أنها وضعت ذلك الخط الأزرق تحت وهج أحد أوهامنا التزيفية.. فهل سيدفعنا لمكاشفة أنفسنا بحقيقته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل
عهد صوفان ( 2010 / 4 / 29 - 14:59 )
مقال جميل ويذكر حقيقة التاريخ كما هي فالعرب هم البدو وهذه ام الحقائق والبدو لم يكونوا بناة حضارة فهم يتنقلون وراء ماشيتهم بحثا عن الكلأ وادعوك لقراءة ثلاث مقالات بعنوان اكذوبة اسمها العروبة في الحوار المتمدن لأني كتبت حول نفس الموضوع موضوعك راق وآمل منك المزيد تحياتي


2 - انها اكاذيب عربية
محمد البدري ( 2010 / 4 / 29 - 22:04 )
ليس من الثابت أن الكعبة بناها ابراهيم الذي ادعي النبوة. فالقرآن وحده هو الذي يقول بهذا والقرآن ليس كتاب تاريخ او مدونا لاحداث فكل ما جاء به من وقائع تقترب من الاساطير منها الي وقائع ثابتة لها شواهد آثارية. اما الادعاء بوجود امة عربية فهو من اكاذيب النظام الناصري او البعثي، نفس الامر بوجود امة اسلامية فلم يثبت اننا كنا امة مترابطة في قيم مشتركة لان الاعراق والثقافات المتعدده تقول بزيف هذه الامةز تحيه لقلمك ونزاهة واستنارة فكرك.


3 - الي متي ؟
صبري حماده ( 2010 / 4 / 29 - 23:57 )
لا اعرف الي متي ونحن نردد ذات الاسطوانه المشروخه حول البداوه والحضاره وكأننا ما زلنا اصحاب حضاره بينما الواقع يقول اننا بتنا اقل منزله حتى من البدو الذين نشتمهم ليل نهار !

الخطئ ليس في البدو , الخطئ فينا نحن , لو كانت شعوبنا شامخه لكنا رفضنا دين البدو ولغتهم ولكننا لم نكن كذلك , انظروا الي شعوب اسبانيا وايطاليا ومالطا والصرب واليونان وبلغاريا كلها رفضت الاسلام والعروبه وتحررت من نير الاحتلال الاسلامي بشقيه العربي والتركي , الا نحن لاننا شعوب خامله ضعيفه لا نملك شموخ , وليس ادل علي ذلك خضوعنا لاحتلال تلو احتلال منذ القرن الخامس قبل الميلاد تاره علي يد الفرس والاغريق وتاره اخري علي يد الرومان وبيزنطه ثم العرب والاتراك والاستعمار الغربي الحديث كونوا شامخين واستعيدوا هويتكم وكفاكم بكائا علي الاطلال .

اخر الافلام

.. الأميركيون العرب -غاضبون من بايدن ولا يطيقون ترامب- | الأخبا


.. اسرائيل تغتال مجدداً قيادياً في حزب الله، والحزب يتوعد | الأ




.. روسيا ترفع رؤوسها النووية والناتو يرفع المليارات.. | #ملف_ال


.. تباين مواقف الأطراف المعنية بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة




.. القصف التركي شمالي العراق يعطل انتعاش السياحة الداخلية الموس