الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يستحق الله العبادة؟

بسام البغدادي

2010 / 5 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مسألة وجود الله مِن عدمهِ يبدو و كأنها مسألة محسومة للغالبية العظمى من البشر. فهو أما موجود يقيناً دون الحاجة لطرح السوآل كما تعتقد الغالبية العظمى من المؤمنين على مختلف دياناتهم المتناقضة. أو هو على الغالب غير موجود لغياب أي دليل يدل على وجوده كما تعتقد غالبية النخبة المُثقفة فكرياً و المُلحدة عقائدياً. أو, وهذه المجموعة نادرة جداً في البلدان التي تمتلأ بمظاهر التدين المُختلفة, وهي المجموعة التي لايعنيها وجود الله من عدمه أساساً, مادام يقع خارج نطاق حياة البشر ولا تأثير له علينا فلاداعي أذن للتفكير بهِ.

أي أننا نتحرك بين ثلاثة أتجاهات دائماً, الاول يقول بوجود الله, الثاني الذي لايعتقد بوجوده, والثالث الذي لايعنيه الأمر بتاتاً. ومهما كان توجهك أو أنتمائك لأي من المجاميع هذه فأسمح لنفسك بأن تذهب في رحلة فكرية قد تنعش بعض الافكار لديك أو ربما تجد فيها جواباً لبعض الاسئلة العالقة في ذهنك. ربما.. من يعلم.

لنفترض جدلاً, بأن الله موجود. لا حاجة لنا للأستدلال عليه او الاشارة لوجوده لكن تبعاً لفرضيتنا فأن وجود الله أمر واقع يقيناً ولا مجال حتى للتشكيك, تماماً كوجود الارض تحتك أو هذه الحروف أمامك الآن. الله موجود لكن هل وجود الله في حد ذاته سبب كافي يدفعنا لعبادته؟ الجواب في طبيعة الحال سيكون, لا. لأن قيمة الاشياء بالنسبة للأنسان تتمايز في مقدار تأثيرها عليه. وللوصول الى مرحلة العبادة و الشكر و الحمد الهستيري المتواصل الذي يمارسه المؤمن فأن قيمة التأثر يجب أن تكون على درجة عالية جداً. تماماً كما أن الشمس مثلاً أو القمر أو البحر في بعض الحضارات هي من المعبودات كما يكشف لنا التأريخ نظراً لتأثيرها المباشر على حياة تلك الشعوب. أذن, فما هو مدى تأثير الله على الإنسان في واقع الامر؟ هل التأثير الاكبر لله علينا هو كونه خالقنا. لن ننزع صفة الخلق عنه لان نزع صفة الخلق عن الله تجعلهُ عارياً تماماً كما تعلم. وهل صفة الخلق في دورها سبب كافي للعبادة؟

أذا كان وجود الله أزلياً واقعاً خارج حدود الزمان و المكان, فأن قيامهِ بعملية خلق الزمان و المكان الواقع تحت قدرته و التي تم تنفيذها بأرادته بكل مافيها من عيوب و أخطاء يجب أن تنطلي على هدف معين ذو غاية عليا تليق بكائن مُترفع مثله. ألاحتمال ألآخر بالطبع هو غياب أي سبب أو هدف أو غاية وبهذا تكون عملية الخلق عبثية لاطائل منها مطلقاً. المُشكلة في كلتا الحالتين, أي في حالة وجود هدف للخلق أو عبثية الخالق, فكلاهما مُبرر كافي لسحب الاستحقاق الاستعبادي لله. ففي حالة وجود هدف, فأن الهدف في حد ذاته, مهما كان, ينسف صفة الكمال و الاكتفاء الذاتي عند الله, وفي حالة غياب أي هدف, ينفي عنه كل الصفات الاخرى ويتوجه رباً للعبث و الكوميديا الألهية السوداء. فلماذا سنعبده؟

ربما عظمته و جلاله في حد ذاتها سبب كافي يدفعنا للعبادة لاأرادياً؟ لكن السوآل الذي يخطر على بالي الآن هو فيما اذا رأى أي شخصٌ منا عظمته المزعومة او جلالهِ؟ ثم أن الحديث عن العبادة اللاأرادية لايُمكن بأي شكل من الاشكال يتظمن ترديد كلمات معينة أو القيام بحركات معينة, و الا كانت هذه العبادة ماسوى تمثيلية عتيقة تخلو من أي تجاوب طبيعي حقيقي مابين الاحساس بالجلال و الخضوع له. مثال على هذا النوع من العبادة الطبيعية هو الانذهال عندما رأيت البحر لأول مرة, وقفت مدهوشاً في حالة تعبد حقيقية لهذه الروعة العظيمة و الجمال الخلاب. مِثال آخر عندما لمحتُ السماء عن قرب من خلال منظاري الفضائي, أصبت بالذهول الحقيقي لمدة تتجاوز الساعة و أنا أحاول أستيعاب كل هذا المساحات اللامتناهية و المجرات الهائلة و البعيدة. لكن, أين هي عظمة الله و جلالهِ التي ستصيبنا بالذهول و تدفعنا للعبادة اللاأرادية؟ قد يعتقد أحدهم بأن عظمة البحر من عظمة الله, لكن أذا كان الله هو كل شئ في الطبيعة, فعلى نفس المبدأ نستطيع أن نقول بأن قبح المياه الآسنة من قبح الله؟ و الى آخره من الاوصاف الاخرى. فما الداعي أذن لعبادة الله أذا أجتمع فيه كل شئ؟

ربما السبب الاوضح, و الاكثر شيوعاً بين المؤمنين.. هو أن الله بنفسه شخصياً طلبَ مِنا عبادته. بل حتى قام بشرح طرق عبادتهِ بالتفصيل أغلب الاحيان وماهي الكلمات التي سنستخدمها في التوجه له. طلبه من خلائقه التي قام بخلقها بنفسه يعتبر فريضة غير قابلة للنقض يجب علينا جميعاً الخضوع لها. لكننا للأسف نكتشف سريعاً بأن طلبه هذا قائم من موقع قوة تجاه كائن آخر في موقع ضعف. بكل بساطة فأن الله يستغل قوته و قدرته الغير محدودة ليفرض أحكامهِ علينا حتى دون أن يشرح لنا سبباً واحداً مقنعاً يدفعنا للقيام بهذه الفرائض. بل يلجأ للتهديد و الترغيب (قانونياً أسمها الابتزاز) لأجبارنا على تنفيذ أوامره التي لانعرف لها سبب واضح أو غاية معينة. فلا هو يستفاد منها أو يحتاجها ولا نحن, بل أن مساؤها في اغلب الاحيان علينا أكثر من فوائدها لنا لما تثيره من تبلد للفكر (ترديد نفس العبارات مراراً و تكراراً) و اضاعة للوقت و تبذير للجهد. ويبدو آخر المطاف بأنه فشل في أجبارنا على أية حال لان الغالبية العظمى من البشر لا تمارس اي نوع من العبادة لهُ.

من ناحية ثانية, فأن شعائر العبادة في الاديان جميعاً, خاصة اليهودية و المسيحية و الاسلام, و المتوارثة تأريخياً كما نعلم من الاديان الوثنية التي قامت هذه الاديان بالقضاء عليها. هذه الاشكال من العبادات تعتبر إهانة مُباشرة و تستطيح لفكرة الألوهة الحقيقية التي يتمتع بهِ الله كما يدعي المؤمنين بهِ. فهذه الشعائر غالباً ما تحصره في مكان معين أو تعتقد بأنه يطالبها بقول كلمات معينة أو غسل اجزاء معينة من الجسد ليسمعهم أو يسمع دعائهم. مِثال الذبائح في اليهودية مِثال أكثر من واضح عن عادات النذور للآلهة التي كانت منتشرة حينها في ارض كنعان. مِثال صوم الخمسين في المسيحية, أو صوم رمضان لدى المُسلمين, مِثال آخر للعادات و الطقوس التي كانت منتشرة في ارض مابين النهرين و فرعون في عادات الشعوب للاتصال بالارواح وطلب رضاها و مايسبقها من تجويع للنفس و تعذيب و عزلة أو أكل أنواع معينة من الطعام لان هذه الارواح لاتفضل كل انواع الطعام. فهل ذبح الذبائح أو رفع المؤخرات أو رسم علامات على الوجه و ترديد عبارات معينة هي رفع لهذا الأله أم هي حط و أهانة له؟

كما أسلفنا فأن وجوده في حد ذاتهِ ليس سبباً كافياً لعبادته, كما أن عظمته و جلالهِ في حالة غيابها الواضح عن عالمنا الذي نعيش فيه تسقط عنهُ الاستحقاق الاستعبادي كلياً. كما أن فشله الواضح في أجبارنا على عبادته لغياب المعنى في عبادته و لعبثية طقوس العبادة نفسها, سبب كافي للشك في قدرته. فوق هذا وذاك, فأن وجودنا في هذه الحالة التي نحن عليها نابع مِن أرادة الهية حرة, لم يجبر أو يفرض أحد وجودنا على الله. تمتع الله بأذلالنا فقط لأنه خلقنا ينم عن عقدة نفسية مرضية تحتاج لمراجعة حقيقية لحسابات الله في الخلق كله, و نحتاج معها لمراجعة أستحقاقاته كلها لدينا. فأن التعبد لمريض نفسي لن يكون أسلم من عدم التعبد لنفس المريض فيما لو قام هذا المريض بتغيير رأيه فيما بعد.

ختاماً, فأن حاجة الله لعبادتنا تنفي عنه الاستحقاق لثبات حاجته, و حاجتنا لعبادته تنفي التكليف الذي يفرضه علينا لانها حينها ستكون حاجة طبيعية مثل أي الحاجات الانسانية الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساء الخير
ابو مراد - فلسطين ( 2010 / 5 / 1 - 16:36 )
موضوع رائع يا اخي بسام
ان محبة البشر لبعضهم ومحبتهم لباقي المخلوقات على الارض هي اسمى العبادات - يسعد مساكم


2 - منطق سديد
كامل النجار ( 2010 / 5 / 1 - 16:56 )
السيد بسام
موضوع جميل ومنطق سديد، فقط تحتاج إلى عقول غير مؤدلجة لتفهمه، لكن للأسف هذه بضاعة نادرة في شرقنا المكلوم


3 - الاذلال والاذعان
الكاشف ( 2010 / 5 / 1 - 22:57 )
تحليل منطقي جميل،ولكن السؤال اذا كان الاله موجدا فما هي الفائدة التي تنم علينا من وجوده هل هي من اجل عبادته فقط وهذا يجعل من الشخص ذليل امامه ام من فرض وجود الاله ما كان الا صيغة اتخذها اشخاص في الماضي لاذعان الشعوب من اجل تحقيق ماربهم وانتقلت الينا مورثاتها تحت غطاء القدسية لاني لاارى اي فائدة من وجود هذا الاله الا للضحك على ذقون الجهلة يقولون عنه الرازق والمعطي وهم يتضورون جوعا ويقولون عنه المحي ويقتلون الابرياء باسمه ولاجله يقولون عنه العادل ويظلمون كل من لايتبعه ونرى كل صفاته لاتنطبق عليه فهو عكس كنياته الا لمن يستغل ذلك من اجل مصالحه والنتيجة الحتمية والنهاية هي عدم وجوده تكون اكثر خدمة للبشرية والعالم تحية واحترام.


4 - حسد
المنسي القانع ( 2010 / 5 / 2 - 07:59 )
أخي المحترم بسام
مقال موزون ومنطق مقبول وفكر واضح بل وجهد مشكور --- عزيزي منذ أيام كنت أشاهد إحدى قنوات الكوكائين الإسلامية وكان فيها شيخ ! يتكلم بمنتهى الأدب الإسلامي (كلام بذيْ لايصدر إلّا من أحط السوقة ) يشتم العلمانيين ويقول إنهم يريدون أن ينحوا الدين جانباً - هل يستطيع الإنسان أن يعيش من غير دين --- إستحالة! - وجلست أفكر فأنا من غير دين منذ أن كنت في الثالث الإبتدائي وأنا الآن في الخامسة والستين ولم ولم ولم أشعر في يوم بأني بحاجة لغير الصدق مع النفس ومع الناس وهي صفة لم أجدها لدى أي متدين على الإطلاق بل لم ألدغ إلّا من المتدينين ( إسلاماً ومسيحيين ) .
كنت أفكر بهؤلاء الذين يشكرون الله على النعم التي أعطاهم كما يقولون ويكلفهم بالمقابل بالخضوع والصلاة ؤالشكر ولايطلب من الحيوانات التي تتمتع بنفس النعم أية تكاليف ( وهي التي أحسد ) .
عزيزي لقد صنفت الناس ثلاثة أصناف -- الأول يقول بوجود -- والثاني لا يعتقد -- والثالث لايعنيه -- أنا سيدي من الصنف الرابع المتأكد من عدم وجوده و -- وأي إنسان عنده ذرة من العقل يجب أن يعرف أنها إسطورة صنعها الأجداد لقصور في فكرهم ومن أوهامهم .
محبتي ودمتم


5 - الإجابة
وليد طارق ( 2010 / 5 / 2 - 10:41 )
الإجابة على سؤالك في عنوان المقال هو : طبعا لا


6 - أحييك
مايسترو ( 2010 / 5 / 2 - 13:43 )
على هذا الموضوع الفريد والمثالي بطروحاته يا أستاذنا العزيز، وبالنسبة لي شخصياً فإن الله هذا لا يستحق مجرد التفكير به، ولا يعنيني وجوده من عدمه، فكيف لي أن أفكر بعبادة شيء هو في الأصل نكرة بالنسبة لي.


7 - العبادة هي طاعة خالقي الالهة
حسن ( 2010 / 5 / 2 - 15:56 )
العبادة تعني الطاعة ,والهدف الازلي للعبادة هو تدجين البشر وجعل انقيادهم الى اتجهات مضادة لمصالحهم اسلس ,ولذا يمكن تعريف العبادة للالهه بأنها (طاعة خالقي الالهة )


8 - أوافقك ولكن
جورج فارس ( 2010 / 5 / 2 - 21:43 )
الأستاذ المحترم بسام
إن كلماتك اعلاه تحمل فكراً رائعاً وأوافقك على ما كتبته إن كنت تتحدث عن العبادة المشتقة من العبودية، فالإله الذي يريدني عبداً ليكون هو سيداً يحركني كيفما شاء فهو إله لا يستحق العبادة، ولكن عندما نتحدث عن العبادة كعلاقة بين أب وابنه قائمة على المحبة فهنا يختلف الموضوع لأن سلوكي عندها سيتحدد بما يليق بانتمائي لعائلتي وهذا ما اكده السيد المسيح بقوله يرون أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات.
عندما تكون العبادة هي علاقة محبة بين أب محب يرعى ابنه وابن يجلّ أباه ويحبه ويحترمه عندها لن نسأل إن كان الله يستحق العبادة لأن العبادة هنا لم تعد استحقاق من عدمه لكنها محبة من طرفين
أعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الكثيرين شوّهوا مفهوم العبادة وحولوها إلى عبودية ومجرد طقوس لا معنى لها.

ولك محبتي واحترامي وشكراً على أفكارك الرائعة


9 - الأساس هو الحب
مرثا ( 2010 / 5 / 2 - 22:38 )
الاستاذ الفاضل : سلام لك
هذه هي وصيتى ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا
هذا مايريده الله الذي اعبده بكل ارادتي ، هو لا يطلب منى العبادة ولايجبرني على ذلك والا لكان مريضا بل لأنه اعطى المحبة التى ليس لها حدود
كما قال اخي الفاضل جورج مايريده الله علاقة اب باولاده ، ولهذا قال لا أعود اسميكم عبيدا بل أحباء نحن البشر نريد ان نعطى اولادنا اعطايا حسنة رغم محدوديتنا وبهذا الإعتبار أرى الله
تقديري واحترامي


10 - وهل تستحق أنت الحياة ؟
خريج مايكروسوفت ( 2010 / 5 / 3 - 10:49 )
إن العجب كل العجب يكون عندما يتفوه الإنسان بالشئ وضده والأعجب أيضا عندما لا يعلم بذلك ويسترسل في الكتابة ليظهر جهله الفاضح للقراء وهذا حال السيد بسام البغدادي
والحقيقة الواضحة لدينا أن موضوع الكتابة في الحوار المتمدن هي مسألة فد تكون متاحة للكثير ممن يسمون أنفسهم كتاب وباحثون وهم ليسوا على مستوى من الثقافة والعلم والمعرفة حتى بالمبادئ التي يؤمنون بها
وسيكون من العبث المطلق أن يكلف الإنسان نفسه ويضيع جهده في الرد على هؤلاء تفصيليا ولو بذل بعض هؤلاء الكتاب قليلا من الجهد وبحثوا في الكتب الموجودة عن الله والخلق والكون وغيرها من الكتب الفلسفية التي تناولت هذا الموضوع لتوقفوا عن التفوه بالكثير من تراهاتهم وعباراتهم التي لا يمكن وصفها إلا بالفارغة
باختصار , يحاول الكاتب في مقالته الهروب من مسألة وجود الله عز وجل وينتقل إلى مستوى أخر من النقاش ليبحث إذا كان هذا الإله الذي افترض وجوده يستحق العبادة أم لا والمسألة لديه كعلاقة بين أب وإبنه فإذا أحسن الأب العلاقة مع الإبن استحق الطاعة وإن لم يحسن ( وهو الحال مع الله كما يزعم مفترضا )فقد حلت عليه اللعنات والسخرية
ياله من هذيان


11 - لنفترض ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 5 / 3 - 15:50 )
لنفترض أن مجموعة إرهابية دخلت بيتا وفتكت بكل من في الدار ... وتسببت في كثير من الخراب والدمار ... ولنترك أسباب ذالك وتمكنت من وجه العدالة الهرب والفرار ... والسؤال هل هنالك من عاقل يعتقد أن كل شئ قد إنتهى كالغبار ... أرجو الجواب مادم الكل على الجريمة شاهد ويفكر ما النتيجة والقرار ... فالعلة ليست في ألإله بل العلة في عقول تصدق كل ما ترى وتسمع وتقرأ من خزعبلات وأوهام وأفكار ... تحياتي لك ياعزيزي بسام البغدادي فالحياة ألغاز وأسرار ....!؟