الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصية ومصير - الزهري.

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2010 / 5 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري. وهو نموذج للمثقف البارد! أي الخالي من نزوع الرؤية الاجتماعية والسياسية النقدية والمعارضة للسلطة حالما تخرج عن جادة الصواب والحق. أما التعويض الوحيد الذي يفرضه منطق العلم والمعرفة عن هذه النقيصة الجوهرية في شخصية الزهري، فيقوم في دعوته للأخذ بالسند والالتزام به. وهو انجاز علمي ثقافي كبير يعكس ملامح القوة الفكرية وضعف الطاقة الاجتماعية والروحية فيه. من هنا موقعه المتميز في أحضان السلطة واستقلاله النسبي في ميدان الثقافة. مما جعل منه رجل العلم الناقل، شأن أبو هريرة وأمثاله. بمعنى ديمومته الفاعلة ضمن تقاليد الجمود الفكري ودحرجة الحديث من جيل لآخر! وهي صفات لم تكن معزولة فيما يبدو عن ضعفه الجسدي وشخصيته منذ البدء. فقد كان الزهري أعمشا منذ الصغر، قصير القامة، خفيف العارضين. وولعه الوحيد منذ الصغر يقوم في تدوين كل ما يسمعه. ونقل احدهم الصورة التالية "كنت أطوف أنا والزهري ومعه الألواح والصحف. فكنا نضحك منه".
لقد كانت شخصية الزهري تتسم بالفقر الروحي والضعف المعنوي. بمعنى أنها لم تكن شخصية قوية. وفي هذا يكمن سر تحسسه الشديد من قوة السلطة والتصاقه بمغناطيسها الجاذب! من هنا تحول العلم إلى وسيلة للاكتساب والعيش. وقد أورد ابن سعد في (كتاب الطبقات) صورة حية عن فقر الزهري في بدايته وكسبه بالحديث والمعارف الأولية بالدين. كما ينقل لنا لقاءه الأول بعبد الملك بن مروان، وصدفة اللقاء. فقد أراد عبد الملك بن مروان معرفة حكم الإسلام بقضية ما يسمى بأمهات الأولاد. فأجاب عليها عوضا عن قبيصة بن ذؤيب (مفتي الديار!). فقربوه من الخليفة. وأجاب على أسئلة كثيرة. وبالأخص ما يتعلق منها بحديث الأمهات عن عمر بن الخطاب. وحاور الزهري نفسه بأنها فرصته لكي ينتهزها. من هنا مبادرته الخليفة بعبارة:
- إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي، وان يفرض لي فرائض أهل بيتي، فاني رجل مقطوع لا ديوان لي، فعل!".
- أيها الآن! امض لشأنك!
وقد أنبه على فعله هذا قبيصة بن ذؤيب، الذي أسدى له لاحقا خدمات كبرى في تقريبه من السلطة. وقد حصل الزهري على نفقاته، بحيث جعلته يقول، أن الخليفة "ريشني وجبرني"! وعندما حان وقت لقائه مرة أخرى بالخليفة نرى قبيصة بن ذؤيب يقول له بلغة الآمر:"إياك أن تكلمه بشيء حتى يبتدئك! وأنا أكفيك أمره!". وقد كفاه الخليفة بالمال والجاه. وسأله في آخر الحديث:
- أين تحب أن يكون ديوانك؟ مع أمير المؤمنين ها هنا أم تأخذه ببلدك؟
- يا أمير المؤمنين! أنا معك؟ فإذا أخذت الديوان أنت وأهل بيتك أخذته.
عندها أمر بإثباته. وبعدها أمر عبد الملك بن مروان أن يثبت في صحابته ويجري عليه الرزق. واختتم قبيصة بن ذؤيب إرشاده له بعبارة "الزم باب أمير المؤمنين!". وكان على عرض الصحابة رجل فظ غليظ يعرض عرضا شديد، كما يقول الزهري نفسه، "فتخلفت يوما أو يومين، فجبهني جبها شديدا! فلم اعد إلى ذلك التخلف!". وهو موقف يمكن رؤية ملامحه الجلية والخفية في ملازمته السلطة الأموية حتى آخر نفس من أنفاسه!
فقد خدم الأمويين حتى آخر لحظة في حياته (حوالي أربعين عاما). ويقال أنه وضع الحديث لهم. لكنه رفض هذا الاتهام عندما قال مرة قولة مأثورة بهذا الصدد:"فولله لو نادى من السماء أن الله احلّ الكذب ما كذبت!". وهي عبارة يمكن أن نشم فيها رائحة انتشار الكذب في المرحلة الأموية. وإذا كان لم يكذب فعلا، بمعنى انه لم يلفق الحديث النبوي للأمويين، فانه كان يخدم نزوعهم السياسي بوجوده بينهم بوصفه "عالما" و"فقيها" تولى القضاء وعمل به حتى أواخر حياته. فقد لازم عبد الملك بن مروان ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك. وحج مع هشام وصار مربيا لأولاده حتى مات بالمدينة عام 124 للهجرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل