الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكرة الموت

ماريو أنور

2010 / 5 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لنجرب , أن نتتبع طريقة تفكير أخرى لندخل أكثر فأكثر فى عمق المعانى المفرطة فى التعقيد والذى لا يكفى , لجلائها , وجهة نظر وحيدة . ولهذه الغاية , فلنأخذ مرة أخرى , بمعطيات تفسير مختلفة عن ما يفسر به فى العادة .... يقال لنا إن كلمة جحيم .... ليست سوى ترجمة سيئة لكلمة ( Scheol ) التى يشير معناها , فى العبرية , إلى الحالة التى تلى الموت والتى كانت تمثل بصورة غامضة جداً , وكأنها ظل لوجود أقرب إلى العدمية منه إلى الكينونة . ولكن السؤال هو أن نعرف هل نحن , بهذه الطريقة , قد جعلنا المشكلة أكثر بساطة و أقل غموضاً , ويبدو لى أن بهذا فقط , تنظرح المشكلة الحقيقية القائمة على معرفة ما هو الموت حقاً , وماذا يحدث للإنسان عندما يموت , أو عندما ندخل فى مصير الموت . إننا ولا شك , مرغمون على الاعتراف بالارتباك و الحيرة أمام هذه المشكلة . فما من إنسان يعرف هذا حقاً , لأننا نعيش جميعاً خارج الموت , كما أننا لم نخضع لتجربة الموت . ولكن قد نستطيع أن نجد طريقاً تقربنا من ذلك .
ولنحاول أن نحدد ذلك بمثل : ها هو ولداً عليه أن يجتاز وحيداً , فى الليل , غابة كثيفة , فإنه يخاف حتى ولو بينا له بالطريقة الأكثر إقناعاًُ , ان ما من شىء يخاف منه . ولكنه فى الوقت الذى يجد فيه نفسه وحيداً فى الظلمة , ويختبر الوحدة بطريقة جذرية , فإن الخوف يتضح , خوف الإنسان الحقيقى الذى ليس خوفاً من شىء , ولكنه خوف بحد ذاته . فإذا خاف إنسان مثلا , من كلب مؤذ فمن السهل تسوية الأمر وذلك بربط الكلب . أما هنا , فالأمر يتعلق بظاهرة أكثر عمقاً , الإنسان المتروك إلى أقصى درجات الوحدة يخاف لا من شىء محدد يمكن إبطال مفعوله بأقيسة و أدلة , إنما يختبر خوف الوحدة ¸ و عدم أمان وجوده و قلة ثباته اللذين يستحيل التغلب عليهما بقوة الإدراك . و لنأخذ مثلاً آخر : لو أراد إنسان أن يسهر الليل وحيداً , على إنسان ميت فسيشعر دائماً بقليل من القلق وعد الاطمئنان حتى ولو لم يرد أن يقر بذلك , وحتى لو توصل إلى إقناع نفسه , بصورة جذرية , أن لا مبرر لخوفه . إنه يعرف جيداً أن الميت لا حول له ولا قوة , وأن موقفه كان أكثر خطورة لو أن الميت لا يزال على قيد الحياة . فما يستشعر لهو خوف مختلف , غير الخوف من شىء ما . إن ما يشعر به , وحيداً , مع الموت , هو عدم الاطمئنان بحد ذاته الذى تسببه الوحدة , عدم ثبات الوجود المعرض . ولكن الأمر يتعلق الآن بمعرفة كيف نستطيع التغلب على خوف كهذا . فعبثاً نحاول أن نبين أن هذا الخوف لا مبرر له . إن خوف الولد , فى الغابة , ينتهى حين تمتد يد فتمسك به وتقوده , أو ينطلق صوت فيكلمه . أى فى الوقت الذى يشعر فيه بوجود أحد يحبه , كذلك فإن المتواجد , وحيداً , مع الميت , سيشعر بقلقه يتلاشى إذا كلن معه أحد , فطريقة السيطرة على الخوف توضح مرة ثانية ما هى مسبباته . إنه خوف من الوحدة , خوف كائن لا يقوى على العيش إلا مع الآخرين . فخوف الإنسان الحقيقى لا يمكن التغلب عليه بالعقل و الإدراك , إنما فقط بحضور شخص . علينا أن نتعمق أكثر فأكثر فى هذه المسألة .
فإذا كانت الوحدة حيث لا كلمة من إنسان آخر , تستطيع أن تخترقها فتغيرها و تلطف منها , و إذا كان تخل عميق جداً حيث لا يستطيع أحد النفاذ , فإذاً هى الوحدة الحقيقة التامة , الخوف الكلى الذى يسميه اللاهوتى (( جحيماً )) . وانطلاقاً من هذا يمكن تحديد معنى هذه الكلمة : إنه يعنى وحدة لا تستطيع كلمة الحب أن تنفذ إليهاًٍ , والتى تشكل بحق الكيان المعرض المهدد . من منا لا يتذكر , فى هذا الخصوص , شعراء و فلاسفة معاصرين , يؤكدون أن كل اللقاءات بين البشر تبقى , فى الأساس , سطحية و أن ما من إنسان يستطيع الولوج
غلى عمق الآخر ؟ فما من أحد , بحسب آرائهم , يمكنه الوصول إلى عمق أعماق الآخر , إلى الأخص من ذاته . فأى لقاء مهما بدا حلواً , ليس سوى مخدر لجرح الوحدة الذى لا شفاء له . ففى عمق أعماق وجودنا , إذاً , قد تمكن الجحيم , اليأس , أى الوحدة التى هى , أيضاً , محتومة بقدر ما هى قاسية , وكما نعرف , فإن سارتر بنى تعريفه للإنسان , انطلاقاً من هذه الفكرة , ولكن , حتى شاعر ظريف مشرق كهرمن هس يعبر , فى أعماقه , عن الفكرة نفسها :
غريب السير فى الضباب
العيش معناه الوحدة
لا أحد يعرف جاره
كل يحيا لوحده .
نحن فى الواقع , متأكدون من شىء , وهو وجود ليل لا يصل إلى فراغه صوت و باب لا نستطيع أن نعبره إلا وحيدين ألا وهو بابا الموت . فخوف العالم كله هو فى الأساس الخوف من الوحدة . أنتهت المقالة على الورق ... ولكنها تستكمل فى الحياة فى أختيارين فقط لا غير ... وهما .... هل يمكن عبور الوحدة داخل فكرة التطور و الاندماح .... ام نتجه الى فكرة العدم ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب