الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبور

ماريو أنور

2010 / 5 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليست المرأة صبية كبيرة , والمرأة التى تكون صبية كبيرة تكون مسخاً . ولا تصبح امرأة إلا بالتحول , اى بالموت عن حالتها , عن وضعها كصبية , للولادة الى وضع المرأة البالغة و حالتها .
نتناول هنا شيئاً أساسياً . ان سألت الصبية ماذا يمكننى ان أعمل لكى أسرها , أجابت عفوياً : أريد ان اكون كبيرة كأمى . لكنها لا تفكر ثانية أنه يجب عليها لذلك ان تتخلى عن لعبها وعن حياتها الخالية من الهموم , للانتقال الى شىء جديد على الاطلاق , وهذا أمر لا يتم من دون ألم . إنها لا تعلم بأنه يجب عليها , لتصبح شخصاً بالغاً , ان تموت عن طفولتها لتلد الى البلوغ . تبدو هذه الملاحظة قليلة الاهمية , لكنها فى الواقع تبلغ شأواً بعيداً , لأن فيها وجهاً لما يسمى فى عصرنا الأسطورة . ومن الوجوه الاساسية فى الأسطورة أن من طبع الانسان أن يسقط فى المستقبل صورة الحاضر كما هو , من دون اى تحويل .
بهذا المعنى , يمكننا إن نقول إن الدين يحتوى على الفن الاسطورى على صعيد البلاغة . فالدين يصور لنا الحياة الابدية بصورة راحة , ونحن نميل الى تصور الحياة الابدية فى خط تلك الراحة التى تهمنا فى حياتنا الارضية , حين نكون تعبين . إذا تركنا مخيلتنا تشرد ولم نؤدبها بالتفكير , تصورنا تلك الحياة الابدية نوعاً من البطالة الهادئة الابدية .
لابد من الاعتراف بأن الاديان لها وجوه اسطورية يجب نقدها نقداً جذرياً .
لا تستغربوا ان اقول لكم إن البلاغة الكتابية تحتاج الى نقد . فكلمة الله كلمة بشرية , كان يريد أن يفهموا الله , فاستخدموا الاساطير القديمة التى كانوا يفهموها . فمن اختصاص علم اللاهوت ان يقوم بالنقد , اى ان يفكر و يفهم ما يختفى تحت الاسطورة , لكيلا تستسلم مخيلتنا للتجربة الصبيانية فتسقط فى المستقبل صورة الحاضر كما هو بدون اى تحويل .
دودة تصبح فراشة
ليست الفراشة دودة كبيرة , لأن النمو لا يكون ابداً مجرد كبر . فلو كان للدودة وعى وكنت استطيع ان اخاطبها , كما يجرى فى قصة الجن , لسألتها بماذا تحلم . لا شك أنها تجيبنى , بوجه اسطورى , أنها تحب أن تكون أكبر دود الغابة , وملكة الدود , تلك التى تستطيع ان تملك , بفضل حجمها ووزنها على سائر دود الغابة .
يسمى ذلك ارادة قوة , وما هو إلا المزيد على الوضع الحاضر , من دون اى تحويل . لا تعلم الدودة بأن عليها , لكى تصبح ما يجب ان تكون , ان تتخلى عن جسدها الدودى و ان تعطى جسماً جديداً , اذ لا وجود لها إلا لتصبح فراشة : هذه هى دعوتها . ولن تكون ما يجب ان تكون إلا يوم تصبح فراشة .
لابد لذلك من تحول جذرى . ان اراد الانسان ان يصبح الله , وجب عليه ان يحول تحويلاً نهائياً . وهذا التحويل يفترض موت شىء وولادة شىء جديد . فإن كانت دعوتنا ان نؤله , فلابد ان يكون مصيرنا على شكل موت و قيامة .
من المهم لن يحدد هذان اللفظان . عندما اتكلم عن الموت , طوال هذا العرض , لا اعنى موتنا الأخير , الموت الذى تنتهى به حياتنا , ساعة نلفظ النفس الأخير , بل اقصد ذلك الموت الدى لابد منه طوال الحياة , الموت عن النفس , الموت عن الانانية المسمى تضحية . لا يخفى على احد أن إنجاب الاولاد و تربيتهم يفرضان الكثير من التضحيات . وعندما اتكلم على القيامة , لا أعنى العودة , بعد الموت , إلى الحياة التى كانت قبل الموت . فالقيامة انتقال الى حياة تختلف كل الاختلاف .
اريد أن ابين لكم ان الانتقال الى الحياة الالهية , الى حياة الله نفسها , الذى يتم , لابد من الموت فقط , بل طوال الحياة , يفترض دائماً موتاً وولادة جديدة او قيامة . نختار امثلتنا فى أبسط أنواع الحياة . المطلوب ان نفهم ان النمو ليس كبراً , بل هو تحول . لا وجود للكبر إلا فى عالم الجماد . وحالما يتناول اهتمامنا جسماً حياً , وان كان حيوانياً , يدور الكلام على التحول .
إنه لأمر رهيب ان ننتقل من العدم الى الوجود البشرى , ولكنه لأمر أرهب بكثير ان ننتقل من الوجود البشرى الى الوجود الإلهى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ