الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فين فارس؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المعروف أن الخلاف والاختلاف من شيم البشر منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل غير أن الخصوم فى الماضى القريب كانوا يكتفون بالمشادات الكلامية التى قد تتطور أحيانا إلى تبادل السباب واللكمات ثم يذهب الطرفان كل إلى حال سبيله. أما اليوم فإن أقل خصومة أو اختلاف فى وجهات النظر تتحول إلى ضربات قد تودى بحياة إنسان يكد ويشقى لتوفير لقمه العيش تماما كما حدث فى محافظة أسوان التى تقع جنوب مصر حيث كاد سائقان أن يفقدا حياتهما نتيجة العنف البدنى الذى بات منتشرا فى مجتمعاتنا الريفية والحضرية. لا نبالغ إذا قلنا إن الاحباطات التى يعانى منها المواطن قد جعلته غير قادر على التحكم فى أعصابه. لعل أحد مبادئ عالم النفس النمسوى فرويد قد تساعدنا فى تفسير ذلك السلوك البشرى الذى يتسم بالعنف والانتقام.

من الملاحظ أن الاعتداءات البدنية غير المبررة فى بلادنا باتت سمة من سمات هذا العصر. لقد شهد شهر مارس المنصرم حدثين فى مناطق مختلفة من محافظة أسوان حيث تم الاعتداء على سائقين، أحدهما سائق ميكروباص والآخر سائق توك توك. لقد وقع الحادث الأول فى موقف الأقاليم بأسوان حيث توجه شاب لكى يستقل سيارة إلى قرية فارس التى تقع غرب النيل وتتبع مركز كوم امبو. وبدأ الحادث عندما وجه الشاب سؤالا بريئا لسائق لم يقابله أو يراه من قبل: فين فارس؟ (يقصد السيارات المتجهة إلى قرية فارس التى تقع غرب النيل فى منطقة جبل السلسلة بأسوان) فجاءت إجابة السائق على النحو التالى: فارس راح يحلق. لعل السائق أعتقد أن الشاب يسأل عن مسئول "الكارتة" وأسمه فارس وبالفعل كان فارس قد ذهب لحلاقة ذقنه. أما الشاب فقد أعتقد أن السائق يستهزأ به ويسخر منه، فاندلعت مشادة كلامية بين الطرفين لكنها سرعان ما انتهت. لقد كان السائق مخطئا حين ظن أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد، إذ فوجئ بالشاب يأتى من الخلف ويطعنه ب"كتر"، وهى آلة حادة تستخدم فى قطع الموكيت، ثم يولى الأدبار هاربا غير أن السائقين استطاعوا الإمساك به واقتياده إلى مركز الشرطة. هذا فى الوقت الذى توجه فيه السائق بصحبة زملائه إلى اقرب مستشفى حيث تطلب الأمر إجراء غرزتين لإيقاف الدماء.

أما الحادث الثانى فقد طال سائق توك توك فى قرية صغيرة حيث ينطلق السائق ذهابا وإيابا يجمع القروش القليلة التى يحصل عليها من الركاب وقد حدث أن كان هذا السائق يسير بسرعة كبيرة أزعجت شابا من قرية مجاورة، لذا فقد حذره الشاب من القيادة المتهورة فتوقف السائق ليتبادل اللكمات مع الشاب الذى تلقى علقة ساخنة لم يستطع أن ينساها. لقد صمم الشاب على الانتقام لكرامته، فتربص للسائق منتهزا فرصة وقوفه منفردا لينقض عليه من الخلف وينهال عليه بالمطواة محدثا جرحا غائرا فى منطقة الرأس مما أدى إلى سقوط السائق غارقا فى دمائه، فحمله المارة إلى أقرب وحدة صحية حيث فشل طبيب الوحدة فى إيقاف نزيف الدماء، مما دفع الطبيب إلى استدعاء سيارة إسعاف أقلت السائق إلى مستشفى مدينة كوم أمبوا .

ورغم أن لجوء ضحيتى الحادثين إلى الجهات الأمنية قد أسفر عن القبض على الجناة إلا أن أقاربهما استعانوا بوسيلة فعالة وهى عبارة عن زيارات مكوكية إلى منازل الضحيتين ولم يهدأ لهم بال إلا بعد أن حصلوا على التصالح اللازم لإنقاذ أبنائهم من براثن السجون التى يستحقونها. لا شك أن هذه الوسيلة أثبتت فعاليتها فى إفلات المتهمين من جرائمهم. لذلك فلم يبق أمامنا سوى محاولة تفسير ذلك العنف غير المبرر الذى يلحق الأذى بالأبرياء.

لعل مبادئ علم النفس التى أرساها فرويد قد تعيننا على تفسير تلك الظواهر السلوكية التى تتمثل فى ثورات الغضب التى تتحول إلى اعتداءات بدنية قاتلة، اعتداءات تتجاوز الأسباب التافهة التى تؤدى إليها. من المؤكد أن الإحباطات الحياتية والأزمات النفسية التى تواكبها تلعب دورا فى تحديد سلوكيات الإنسان، وهى أزمات قد تدفع المرء للتخلص من حياته. وبما أن الإنسان لا يرغب فى إلحاق الأذى بنفسه فإنه يبحث عن آلية يفرغ من خلالها التوتر والقلق اللذين يسيطران عليه. يرى فرويد أن النفس البشرية تتصدى للقلق والتوتر النفسى من خلال أساليب لاشعورية مختلفة تستخدم كآليات دفاعية. وتأتى آلية "الإزاحة" على رأس آليات الدفاع التى تقبع فى اللاشعور، فقد يتعرض الإنسان لإحباطات وضغوطات حياتية غير أن آلية الإزاحة لا تترك الإنسان إلا بعد أن يجد هدفا سهلا. وللوصول إلى هذا الهدف فإن المرء قد ينتظر أية إهانة وهمية أو حقيقية لكى يفرغ ما فى جعبته من كبت وغضب وثورة تراكمت نتيجة تلك الأزمات والاحباطات وخيبة الأمل التى مر بها فى مراحل الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ