الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة السباحة والتسبيح...

فاضل الخطيب

2010 / 5 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثقافة السباحة والتسبيح...
هذا الموضوع لا علاقة له بالسباحة في المياه "المقدسة" أو النظيفة المقطرة ولا حتى السباحة الافتراضية في العسل أو الشنينة! ومن خلال ملاحظة "العوم" يمكن الاستنتاج أنه يمكن السباحة في نفس الماء عدة مرات بشرط التسبيح وتبقى المياه نظيفة منعشة مثل الـ"أزّوزة". وهذا يُذكّر بتعويم العملة المحلية مقابل الدولار أو الدينار. وروزنامة اليوم تدعو لتعلّم "السباحة والرماية وركوب الخيل" مع الانتباه لجهة وقوة الريح ولغة التسبيح. "وما اشربش الشاي، أشرب أزوزة، أنا"!..
.................
قرأت قبل فترة إعلان دعائي –بكسر الدال وليس ضمها، وأرجو عدم التفكير بالضم خارج المحارم لأنه يُفسد تسبيح السباحة-، المهم إعلان يصف السباحة بأنها الدواء بالماء الذي يؤكده الأطباء، وأن السباحة تُطيل العمر، وهو موقف علمي يستند إلى حقائق عن دور السباحة في العلاج، وبالتالي العيش في ظروف أكثر صحية تساعد أكثر على التكاثر، والتكاثر كما هو معروف فضيلة للتباهي في هذه الدنيا وفي الزمن الآخر!.
وكما هو معروف أيضاً، أن نظافة الجلد ورعايته تعتبر من أهم عوامل الوقاية من الأمراض، وهذا يعني "إطالة العمر" إذا الله أراد!. والحقيقة أن الحمّام اليومي للجسم بالماء النظيف وتدليكه يجدد الحياة لكافة أجهزة عمل الجسم –وإذا كان التدليك في تايلاند تكون فائدته مضاعفة وجزاءه أكثر.

إن استعراضاً سريعاً لثقافة السباحة والحمّام في أوربا منذ العصر الوسيط يُشير إلى غرائب عديدة، منها دور رجال الكنيسة الذين تحالفوا مع "النخبة" وباسم وحجة الأخلاق لتحريف العلم خدمة لأفكار –نسميها اليوم قروسطية- وكانت وقتها "أخلاقاً". ويظهر أن الزمن يتابع عندنا روزنامة أوربا التي عفا عليها حتى أنهك رعاياه! وصارت بعدها قيم الأخلاق تبدأ بالعمل والسلوك الشريف وتنتهي بهما وبدون تشويهات للعقل وللعلم، وذلك بعد أن عاد رجال الإله ورجال العقل كلٍ إلى مكانه يعيش حياته أو حلمه الشخصي بسلام.

كان الحمّام في العصر الوسيط جزءً من حياة الفئة المتنورة في المجتمعات الأوربية بشكل عام، وانتشرت الحمّامات في كل المدن وصارت بمتناول أي إنسان يريد الاغتسال –ويقال أن الأوربيين لم يستعملوا الرمل أو الرماد أبداً لوجود ماء تسقط من السماء زلالاً-. وكان يقوم رجلاً في مساء كل يوم سبتٍ يُذكّر المارة في الشوارع بصوت خاص ومسموع بأهمية الحمّام، ويشبه ذلك "المسحراتي" عندنا في رمضان. وصار الحمّام موضع اهتمام وحديث تتناقله العامة كأحاديث السياسة وفتاوى كبار القوم اليوم.
وكان العامل الذي يحمل معه العرق والغبار والأوساخ والتعب طيلة الوقت، صار يشعر بشيء من السعادة في الحمّام بعد تنظيف جسمه من كل مخلفات العمل.
وقد ساهم علم الطب بالدعاية أيضاً إلى حمّامات البحر وأشار إلى منافع السباحة وتبليل الجسم بالماء المالح وما له من فوائد على الجهاز العصبي خاصة. ويعتبر البحر واحد من أهم وأبسط أشكال العلاج، لما في حمّامه من أثر طبيعي مفيد للجسم، يضاف إلى ذلك الهواء النقي الذي يحمله البحر، وكل هذا يعطي شعور نفسي وسعادة روحية داخلية. يكفي النظر إلى البحر اللامتناهي والسماء وغيرها، لتكون متعة وعلاج بنفس الوقت يُتمم ويُقوّي بعضها الآخر. شروق الشمس –التي تدور حول الأرض بإذن الله- أو غروبها في البحر، تلاطم الأمواج وهيجان البحر أو ربما الطبيعة القريبة من البحر كالجبال..إلخ. كل هذا يمكن اعتباره حسب الاختصاصيين أنه جزء من العلاج لأي مرضٍ كان وبدون أدوية.
لكن منذ متى أخذ اهتمام الإنسان بالسباحة بشكل مبرمج ومقصود؟
تشير بعض الدراسات أن ثقافة الحمّام والسباحة في أوربا وصلت إلى أسوأ وضع لها في القرن السابع عشر، عندما ذهبت رغبات الناس عن السباحة بسبب موقف الكنيسة المتشدد وفتاواها بحجة حماية المجتمع من السقوط الأخلاقي. في تلك الفترة حتى "علماء طب" وتحت تأثير تعاليم الكنيسة نشروا "دراسات" تظهر أضرار السباحة على الصحة العامة وأن وجود الجسم في الماء يؤثر سلبياً على نشاط الخلايا الجلدية وتجددها الطبيعي..إلخ. أي أنه نتيجة تلك الأفكار انخفضت ثقافة النظافة أيضاً،- وكما قلنا لم تكن ثقافة التيمم معروفة-. وهذا يُذكرنا اليوم ببعض "الأطباء" عندنا والذين يكتبون وبجدية مثلاً عن فوائد بول البعير ومكوناته الصحية بإذن الله!
إن دور قشور الدين في التأثير التشويهي للعقل والمنطق وبمساعدة بعض "العلماء" والمشعوذين يعيش مجده القروسطي في بلداننا حيث يلتقي قمع السلطة مع قمع التشدد الديني وهدف الاثنان هو تأخير استحقاقات الدولة العصرية وتفعيل العقل.

وعودة لموضوعنا، وكنتيجة لما سبق، ازداد الاهتمام أكثر بالبودرة والعطور كعناصر نظافة، لتقوم بإملاء الفراغ الذي سببه انحسار السباحة والحمّام واستخدام الماء للنظافة بشكل عام. وحتى الآن لا يُعرف بالضبط أسباب الأوبئة التي حلت بأوربا بعد ذلك، أهي بسبب الإقلاع عن الحمامات والسباحة وإبدالها بالبودرة؟ لكن الأكيد أن الأوبئة التي تدخل في الرؤوس تبقى أخطر بكثير رغم سهولة تشخيصها.
ومع حلول عصر التنوير وما حمله من تطور ثقافي اجتماعي وعلمي، وطبي خاصة، تبين أهمية الماء والاستحمام فيه، ليس فقط بسبب النظافة بل لأسباب إيجابية كثيرة تتعلق بتأثير الماء على راحة ونفسية الإنسان، أي أنه عاد الماء من جديد ليأخذ دوره ومكانته الطبيعية في حياة الإنسان، وبعد ذلك عادت أيضاً من جديد السباحة والاستحمام بدون حرجٍ اجتماعي أو ديني، وما عادت تعبّر عن سقوط أخلاقي، بل صارت مقبولة ويُثنّى عليها في الصالونات الأدبية والاجتماعية.
وعلى اثر ذلك ظهرت عند الأسر الحاكمة والمتنفذة حمّامات خاصة وتفننوا في بنائها وفي الخدمات التي تقدمها حتى نرى - كما لو - أنها كانت "تنافس" اليوم أضخم واحات "ويللنس".
كانت تلك الأماكن هي "المقدمات" وبدايات صالونات "الفيتنس" ورعاية الأجسام. لكن المواطن العادي بقي يستحم في المطبخ، وظلّ كذلك فترة طويلة حتى صار مقبولاً الاستحمام مرة في الأسبوع وأصبح عادة.
بعد ذلك بدأت من جديد تظهر المسابح العامة عند ضفاف الأنهار والبحار والبحيرات، ثم داخل المدن.
في منتصف القرن التاسع عشر بدأت أولى تمديدات المياه للبيوت الميسورة جداً في كثير من دول أوربا، ثم ظهر ما يُسمى اليوم غرفة الحمّام داخل المنزل.
كان يجب على الناس التأقلم مع المياه الطبيعية، مثلاً بقي البحر وأمواجه وهيجانه يُمثّل الخوف من الطبيعة حتى تغيّر هذا المفهوم إلى ما تحمله تلك الظواهر من رومانتيكية وجمالية ساحرة، وخصوصية لا تثير الخوف والتوتر.
تأقلم الناس ببطء مع السباحة، حيث أنه منذ عهد الإغريق لم يعد للسباحة في أوربا من ثقافة وتقليد، ومن جديد بدأ الناس تعلُّمها وممارستها وتعليمها أيضاً.
رغم أن السباحة كانت قديماً تتم بدون ثياب بالمرة، يعني بالعربي الفصيح "عراة" كما خلقهم الباري، صار وقتها الإنسان الأوربي يسبح بكامل ثيابه ـالرجال والنساء كما هو الآن على سواحل إيران وغزةـ.
والمثير في تاريخ السباحة، هو أنه ظهر في باريس ما يسمى "باخرة الاستحمام" حيث تقوم الباخرة بتنظيف وتسخين ماء النهر وضخه إلى حوض الاستحمام بجانب الباخرة، وكان هذا الشكل مقتصراً على الميسورين فقط، ثم انتشر هذا النموذج في مدن أوربية أخرى. وظهرت "باخرة" الاستحمام تلك على سواحل البحر أيضاً، حيث يدفعوا "الباخرة" إلى البحر بمسافة مناسبة، بعدها ينزلون على درج صغير عراة إلى الحوض، ويمكن اعتبار ذلك الشكل وكأنه مسابح أو "أحواض متحركة". ثم بدأ انتشار المسابح العامة بعد ذلك.
وفي سنوات 1800 ازداد الاهتمام الأكاديمي بكيفية بناء الحمَامات وملحقاتها وشروطها العامة، وكانت تختلف عن أشكال وطرق بناء الحمامات الرومانية أو الإسلامية القديمة.
إلى جانب الاستحمام في البحر، ظهر أهمية الاستحمام بالمياه المعدنية، وصارت مكان جذب من نوع آخر. ومنذ بداية القرن التاسع عشر صارت المياه المعدنية مكاناً وهدفاً للبحث عنها والسباحة فيها لما تحمله من عناصر علاجية شاملة، لكنها كانت صعبة المنال والاستخدام حينها.
إنها "العودة للطبيعة"، وصفها وأعلنها جان جاك روسو كصرخة مدوية. ووجدها في البداية الأثرياء بما تحمله من متعة روحية، بينما اعتبر علم الطب أن الماء والاستحمام هو "تمديدٌ للحياة والعمر".
المياه العذبة، الشمس، الريح، الصحراء والبحص، وغيرها مما أعطتنا إياه الطبيعة هو بمتناول الجميع، لكنه يجب استثمارها والتعامل معها بشكل عقلاني، لأن فيها العلاج للجسم وللعقل أيضاً – إن لم يكن اليوم سيكون غداً ونعود نحن أيضاً إلى أمنا الطبيعة بعد أن نتخفف من تعسف السلطات الفاسدة التي شوّهت نظراتنا واهتماماتنا، ونتخفف طبعاً من بعض فضلات وقشور أفكار حلفائها القروسطيين التي نحمل أو التي علَقت علينا وفينا! ونعيد تعريف ثقافة وممارسة السباحة والتسبيح..

بودابست، 12 / 5 / 2010. فاضل الخطيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - !حمامه بيضه وبيضتين
Zahi ( 2010 / 5 / 12 - 19:24 )
!حمامه بيضه وبيضتين


2 - شكرا على حبك للسباحة والتسبيح
الحارث السوري ( 2010 / 5 / 13 - 14:09 )
ولكن إذا كان الحمام والسباحة أفضل الرياضات التي تريح الجسم وتحرره من الأوساخ ... فمن يحرر العقول التافهة المستسلمة للإستبداد والهوان الأسدي منذ أربعين عاماً .. ومن يغسل اّثام وجرائم حكام الردة والجريمة المستمرة - أطال الله عمرك ومتّعك بصسيف ممتع على الشاطئ ؟؟

اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة