الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا محمد عابد الجابري

فتحى سيد فرج

2010 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مسيرة الثقافة العربية رموزا باهرة أنتجت علما وأسست معرفة، أبرزهم العلامة "ابن خلدون" صاحب العمران البشري الذي أسس علم الاجتماع، ولا غرو أن منهم المفكر والفيلسوف المغربي "محمد عابد الجابري" الذي أسس منهجا في نقد الثقافة العربية، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورات متسارعة، وتتسابق الأمم والبلدان لتحقيق التقدم، نجد أن بلدان العالم العربي والإسلامي تقف عاجزة عن مواكبة هذه التطورات والدخول إلى مرحلة التقدم، هذا الأمر كان مثارا لاهتمام عددا من الكتاب والمفكرون العرب وغير العرب، بحثا عن استمرار هذا التخلف المقيت والركود الحضاري والثقافي للعرب والمسلمين على وجه العموم .
وإذا كان العقل اعدل الأشياء قسمة بين الناس كما قال " ديكارت" فقد جعله أستاذ فلسفة العلوم المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" مدخلا لفهم هذه الظاهرة المحيرة، حيث تمكن من اكتشاف أسباب عدم نجاح المحاولات المتكررة لمشروعات النهضة العربية، فبينما ركزت اغلب محاولات النهضة على واحد أو أكثر من مكونات الثقافة العربية سواء أسسها الفلسفية أو أصولها العقائدية ومذاهبها الدينية أو تياراتها السياسية، فأن الجابري توصل إلى الجذر الأساسي والسبب الحقيقي لعدم نجاح مثل هذه المحاولات واستمرار حالة التخلف عند العرب والمسلمين، وذلك في مشروعه الثقافي الشامل عن "نقد العقل العربي" بأجزائه الأربعة : "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي" و"العقل السياسي العربي" و"العقل الأخلاقي العربي" .
وينطلق هذا المشروع من النظر إلى العقل العربي على أنه «جملة المفاهيم والفعاليات الذهنية التي تحكم رؤية الإنسان العربي إلى الأشياء وطريقة تعامله معها في مجال اكتسابه للمعرفة، ومجال إنتاجها، وإعادة إنتاجها، والذي كان الإطار المرجعي له عصر التدوين الذي يشمل العصر الجاهلي، والعصر الإسلامي الأول. فالمعطيات والصراعات والتناقضات التي عرفها هذا العصر هي المسئولة عن تعدد الحقول الأيديولوجية والنظم المعرفية في الثقافة العربية .
ومنذ البداية يربط الجابري الأبستيمولوجي بالأيديولوجي، فيقول: «إذا كانت الثقافة، أية ثقافة، في جوهرها عملية سياسية، فإن الثقافة العربية بالذات لم تكن في يوم من الأيام مستقلة عن الصراعات السياسية والاجتماعية، بل كانت باستمرار، الساحة الرئيسة التي تُجرى فيها الصراعات، فتحليل الفكر العربي الإسلامي، سيظل ناقصاً، وستكون نتائجه مضللة، إذا لم يأخذ في حسبانه دور السياسة في توجيه هذا الفكر، وتحديد مساره ومنعرجاته. ذلك أن الإسلام التاريخي الواقعي، كان في آن واحد ديناً ودولة، وبما أن الفكر الذي كان حاضراً في الصراع الأيديولوجي العام كان فكراً دينياً، أو على الأقل في علاقة مباشرة مع الدين، فإنه كان أيضاً، ولهذا السبب في علاقة مباشرة مع السياسة . ويصل حضور السياسة في مشروع الجابري إلى درجة أنها لعبت، في نظره، الدور نفسه الذي قام به العلم في الثقافة الأوربية الحديثة .
هذا المشروع الذي تفرغ له الأستاذ الجابري ما يقرب من نصف قرن هو الإنجاز الذي رأت اليونسكو أنه يستحق أن يُكرم في الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة يوم 16 نوفمبر 2006 . لم يكن الجابري منذ البداية مجرد باحث أكاديمي بل كان فاعلا ومؤثرا وصاحب رأي ومناضلا ثوريا انشغل بقضايا وطنه، فانخرط في مقاومة الاستعمار الفرنسي للمغرب في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وخلال الستينات تحول إلى قيادي بارز في الحركة اليسارية وأصبح عضوا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قبل أن يعتزل العمل السياسي ليتفرغ لمشاغله الأكاديمية والفكرية، بعد أن حصل على دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) عام 1967، ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة بداية السبعينيات من القرن الماضي من كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، وكانت الأطروحة التي نال بها الدكتوراه عن ابن خلدون بعنوان "العصبية والدولة.. معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي"، وعمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي في الكلية نفسها .
وهكذا يمكن القول أنه امتاز بحضوره المتنوع والمتعدد في فضاء الفكر والسياسة، فقد لعب دورا بارزا في الحركة الفكرية بترسيخ ثقافة التنوير والنقد في الفكر العربي المعاصر، تميز عطاؤه بالعناية بالفكر الفلسفي، إذ يعتبر دون جدال واحدا من أكبر الذين أسهموا في تقديم ومناقشة الكثير من المذاهب والتيارات والمفاهيم الفلسفية .
ترك لنا الجابري أكثر من 30 كتابا متنوعا، كلها مهمة وأصيلة، لكن كثيرين يجمعون على إن أهم كتبه هو «نقد العقل العربي»، وكذلك توطين العقل العربي بكتبه عن الحضارة العربية والإسلامية منها "المشروع النهضوي العربي.. مراجعة نقدية" و"الدين والدولة وتطبيق الشريعة"، إضافة إلى كتابه الصادر قبل 4 سنوات بعنوان «مدخل إلى القرآن الكريم»، الذي اعتبره مشروع عمره لأنه حاول فيه فهم وتفسير القرآن بما يؤدى إلى تكوين رؤية جديدة ومختلفة،
إذا كان المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري قد فارقنا بجسده فقد ترك لنا أفكاره ما زالت حاضرة في أعماله القيمة والتي سوف تساهم في خلق مشروع النهضة العربية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشروع مازال تحت الانجاز
محمد البدري ( 2010 / 5 / 15 - 16:39 )
كلمات هادئة انجزها عقل واع ومرتب هذا اول انطباعاتي عن المقال، ويبقي الجابري كقامة فكرية في الفلسفة والتي حاول الانتقال منها الي مجال الاجتماع والسياسة حيث ولغ فيه العقل العربي منذ جاهليته العربية فلم يحقق كثيرا. وهذا ما جعل الجابري قامة كبيرة ينبغي ان نضيف عملها الي اعمال طيب تزيني وهشام شرابي. فالفلسفة كانت غريبة عن عالم العرب ولم يتعرفوا عليها الا مع العصر العباسي. تشابك وتعارك العقل العربي مع السياسة ومع الاجتماع بل والاقتصاد دون فكر سوي كلمات هي من موروثات جاهليتهم فيما يعرف بالقرآن وسلوكيات السنة. فلم يفلحوا لا في السياسة ولا في الاجتماع ولا في الاقتصاد بل تقدمت كل المجتمعات التي بدات بالفلسفة اولا وتركتهم يلوغون في نصوصهم المقدسة كعملية ارتجاع او اجترار دائم الي يومنا هذا. اليس الاستناد الي الفلسفة مرة اخري مع اقتحام المقدس الذي لم ينجز شيئا كان من واجبات الجابري او من سيتولي المهمة بعد رحيله. تحيه للراحل علي جهده الذي لم يكتمل وتحية للاستاذ فتحي فرج لجمال عرضه وروعه كتاباته.

اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل