الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان و الأديان...!

باهي صالح

2010 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إحتاجت البشريّة منذ فجر تاريخها لقوى عليا تقف بجانبها ضدّ جبروت الطّبيعة و الأعداء و تعطي حياتها معنى متساوقا مع مفهوم الخلود و يضفي على كينونتها بعدا إفتراضيا يمتدّ إلى ما ما بعد الموت طالما أنّ مكانتها و أهمّيتها في الكون الشّاسع لا تكاد تُذكر...حجر الزّاوية الأوّل في أيّ دين إمّا نصّاب زعم أنّه إله أو نبيّ مُرسل من عند اللّه و صدّقه أوّل غبيّ، أو رجل جاء بني عصره مصلحا أو مفكّرا أو مناديا بنشر الأخلاق أو بتجديد المبادئ و المفاهيم البالية السّائدة ثمّ إنتهى الأمر بأن ألّهه و قدّسه قومه بإرادته أو بغير إرادته و غدا نبيّا أو إلها أو قدّيسا يتناقل ذكره و فكره الأجيال عن الأجيال...!

يتدعّم و يترسّخ رصيد الدّين و أثره على الشّعوب و الثّقافات عبر الزّمن بفضل تشكّل طبقات و مجموعات متراصّة من الاستغلاليين و المستنفعين من الحكّام و المشايخ و أوصياء الدّين رغم أنّ جميع الآلهة قديما و حديثا أثبتت عجزها البيّن في إثبات أيّ وجود فعليّ أو أثر ملموس لها على كوكبنا فضلا عن فشلها الذّريع و الواضح في التدخّل الإيجابي بشكل محسوس في عالمنا الأرضي و بقاءها على طول الزّمن على الحياد بحجّة تأجيل تدخّلها في حياة البشر و تأخير القيام بدورها المنوط بها في الجزاء و العقاب إلى عوالم افتراضيّة ماورائيّة لا يعرفها الإنسان و لا يدركها إلاّ عندما يموت و يعود مرّة أخرى إلى الطّبيعة التي أتى منها...!

ليس هناك دليل علمي واحد على جدّية ما يحفل به تراث الأديان من خوارق و معجزات مزعومة تتحدّى قدرات البشر و الطّبيعة نُسبت لأشخاص أو لأمكنة كانوا يعيشون فيها أو لأشياء كانت تخصّهم لأنّهم أذكياء أو لعبثيّة الأقدار وترسّخت في الأذهان عبر النّقل و التّكريس و التّراكمات ثمّ توارثتها الأجيال و تناقلتها فيما بينها كحقائق و كمسلّمات بل كدلائل و كحجج تستشهد و تحتجّ بها لصالح معتقداتها و قدّيسيها...!

مع أنّ كلّ الدّلائل الحسّية و المنطقيّة و العقليّة تنسف فكرة الإله الإنسانيّة المتداولة من أساسها و تؤكّد بقوّة فكرة اللاّدينيّة بكيفيّة صارخة ما فتئت تُحرج و تُربك معسكر المتدينين (و هم الأكثريّة الطّاغية) منذ القدم رغم إستماتتهم في المحاججة و المناكفة العبثيّة المندفعة و النّابعة أساسا من عواطف حماسيّة و حالات نفسيّة مرتهنة و رغم القسوة و التّعالي الّلذان عُرفا بهما إزاء معسكر الإلحاد... لم يتركوا وسيلة على مرّ الأزمان إلاّ و استخدموها من أجل اضطهاد الملحدين و اللاّدينيين و التّضييق عليهم و اعتبارهم الأوطى و الأدنى منهم و إرهابهم و التكبّر عليهم و كأنّهم أقلّ شأنا منهم في سلّم البشريّة أثناء حتّى أيّ جدل أو حوار فكري بينهما...!

في رأيي برزت حاجة الإنسان إلى الدّين عندما شعر بهشاشته و حساسيته و قابليته العالية للمهالك...إحتاج هذا الإنسان الضّعيف في هذا الكون المترامي الأطراف إلى الدّين لأنّ مشاعره بالدّونيّة و بالضّآلة ما انفكّت تتعاظم و تتجلّى له أمام غلبة و قهر قوّة الطّبيعة الطّاغية لذلك نراه عَبد الشّمس و عَبد القمر و عَبد الحيوانات و كلّ ما تقمّص أو رمز في ذهنه للقوّة و التأثير و الطّغيان و الخلود...احتاج الإنسان إلى الدّين لأنّه وعى حجمه المتناهي في الصّغر في هذا الكون اللاّمتناهي في الكبر...

إخترع الإنسان الدّين لينظّم نفسه و ليتمكّن حكّامه من السّيطرة على محكوميه...هناك دائما أشياء يمكن أن تردعها القوانين و اليد الحديديّة لكن تبقى أشياء خاصّة تلعب فيها القرارات الشّخصيّة الدّور الحاسم لأنّه يصعب حصرها أو مراقبتها من طرف أيّ هيئة مراقبة أو ردع...دائما و ابدا هناك تحالف مصلحي بين الحكّام و أهل النّفوذ من جهة و بين رجالات الدّين و أوصياءه من جهة أخرى لكي تسهل السّيطرة على النّاس...

الأنبياء رجال مثلهم مثل السّياسيين و المفكّرين الثّائرين يمتازون عن غيرهم بالذّكاء و بنزعة أقرب إلى الهلوسة و الشّعور بالعظمة قد تكون فطريّة أو مكتسبة تجعلهم يرغبون في التميّز و يشجّعهم محيطهم و الظّروف الّتي حولهم إلى كسر الرّتابة و السّعي إلى إحداث التّأثير و التّغيير في حياتهم و في حياة و عادات و أنماط حياة مجتمعاتهم...ينتهي بهم صبرهم و إصرارهم ضمن محيط معيّن و معطيات إجتماعيّة و بيئيّة مؤاتيّة تتميّزغالبا بعاطفيّة النّاس في تلك الأزمان و بقابليتهم العالية على التأثّر و التّصديق...ينتهي بهم نضالهم الممتع بأن يضعوا المعتقدات و يؤسّسوا لأديان تتدعّم بالأتباع و المؤمنين عبر الزّمن و التّكريس المتواصل...و تحضرني مقولة لست أدري من قائلها يقول "نشأ الدّين عندما التقى أوّل نصّاب بأوّل غبيّ"...يصدّق غبيّ نصّابا ثمّ يصدّقهما أغبياء و أغبياء و يتزايد الأتباع و المصّدقون بمتوالية هندسيّة حتّى يتبلور القالب العقائدي و يستقوي بنائه شيئا فشيئا و يتدعّم رصيده الفكري و المحاججي بما يكدّسه و يصنعه و بما يكرّسه مفكّروه و دعاته و أتباعه عبرالزّمان و المكان بسلاحي التّرغيب و التّرهيب و هما أقوى سلاحين تستخدمهما أغلب الأديان...السّلاح الأوّل و هو التّرغيب في الجنان و جائزة الخلود أمّا السّلاح الثّاني و هو التّرهيب من غضب الإله و جحيمه الّذي أعدّه للعصاة و المارقين...!

يتشكّل القالب الأوّل لأيّ ديانة من مجموعة من التّوصيات البسيطة المتوافقة نسبيّا مع الأعراف و التّقاليد السّائدة في مجتمع ما و المتطابقة مع قائمة الأخلاق الإنسانيّة العامّة مثل فعل الخير و الصّدق و الإحسان و نبذ الظّلم و الغشّ...إلخ..يبدأ الدّين مسالما مهادنا و عندما يستمكن و يستقوي بتراكماته و برصيد أتباعه يستغول فيه الظّلم و تسكنه روح الشّر و لا يبقى لنا منه غير ذلك الجزء الشّيطاني الّذي نبرّر به مساوئنا و نغطّي به فضائحنا و قبحنا..!

رغم ذلك فإنّي أرى أنّ الإنسان لا زال في حاجة إلى الدّين كمبادئ أوّليّة عليا و سيبقى في حاجة إليه لألفي أو ثلاثة آلاف سنة أخرى على الأقلّ قبل أن يتحرّر نهائيّا من تلك الحاجة أي بعد أن يقضي على احتكار الدّين للأخلاق و المبادئ الّتي تنظّم حياته و بعد أن يطوّر وعيه و إدراكه لذاته و للكون و بعد أن يرفع قدراته التقنيّة و المعرفيّة و هو يجالد قوى الطّبيعة و يستطلع أبعاد الكون الفسيح...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تكن متشائما
ملحد ( 2010 / 5 / 16 - 21:44 )
رغم ذلك فإنّي أرى أنّ الإنسان لا زال في حاجة إلى الدّين كمبادئ أوّليّة عليا و سيبقى في حاجة إليه لألفي أو ثلاثة آلاف سنة أخرى على الأقلّ قبل أن يتحرّر نهائيّا من تلك الحاجة أي بعد أن يقضي على احتكار الدّين للأخلاق و المبادئ الّتي تنظّم حياته و بعد أن يطوّر وعيه و إدراكه لذاته و للكون و بعد أن يرفع قدراته التقنيّة و المعرفيّة و هو يجالد قوى الطّبيعة و يستطلع أبعاد الكون الفسيح...


انت اما مخطئ في تقديرك او متشائم جدا !!
لن يستغرق الامر اكثر من جيلين الى ثلاث اجيال على ابعد تقدير, اي من 50-70 عاما وسوف تختفي ما يسمى بالاديان بشكل شبه كامل مع اني اعتقد ان الثمن سيكون باهظا جدا جدا!!
يبدو انك نسبت اننا في عصر ثورة الاتصالات كالنت والموبايل و.....
تحياتي


2 - التغير قادم لا محاله
المترصد ( 2010 / 5 / 17 - 08:14 )
تحياتي اخي الكاتب اعجبني مقالك فهو يوضح حاجة الانسان القديم للالهه والاديان لقلة معرفته بالظواهر المحيطه به وبما ان الانسان عقله متطور ومدرك وواعي لما يجري حوله فكان بحاجه ماسه لاجابات على تساؤلاته كلما ازدادات الثقافه كلما ابتعد الدين فلذلك تجد الدول الغربيه بها نسبه مرتفعه من الملحدين واللادينيين بعكس منطقتنا هنا التي تحتاج الى فترة طويله ولكن التغير قد بدا فعلا وخصوصا بعد انتشار الانترنت


3 - مقال رائع عزيزى باهى
سامى لبيب ( 2010 / 5 / 17 - 13:20 )
تحياتى عزيزى باهى

مقال أكثر من رائع وأفكاره واضحة ومتماسكة وإن كنت أأخذ عليك شيئا ً ..
أنت طرحت عدة رؤي صحيحة وكل رؤية فيها تحتاج أن تكون مقال بذاته أو سلسلة مقالات .

أتفق معك فى حاجة الإنسان لإبداع الإله والدين ..وأن الأمور لا تكون إلا لتلبية حاجات نفسية .
وأن السياسيين والطغاة أبدعوا النصوص والتراث لتخدم مصالحهم وتسوقها .

أما حاجة الإنسان إلى الدين فأوافقك الرأى بأنه مازل هناك من يحتاجون هذا الأمر ولكن أختلف معك فى تقدير تجاوز هذا ..فنصف العالم الأن لا يحفل بالأساطير والأديان ويكفى أوربا .

أنا أأمل منك المزيد من المقالات التى تخوض فى الأسباب النفسية التى أنشأت فكرة الألهة والأديان .

خالص مودتى ..


4 - تحية لك يا باهي
حسن ( 2010 / 5 / 17 - 17:32 )
مقالك رائع عزيزي باهي, ولو سمحت لي ان اضيف , ان مايزيد من سطوة تأثير الاديان الكثرة المهولة للمنتفعين بها وبطريقة مباشرة من مشايخ دعاة , وأئمة مساجد , ومتسولين ,وتجار وغيرهم , فيلق المنتفعين هذا يحارب بضراوة لتثبيت الفكر التغيبي
سمعت احد المقرئين ينهي حديثة (بعد جولة فصال مضنية على اتعابةفي مأتم ) الجنة طبقات يا اخي (يقصد كما المقرئين)

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah