الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا إصلاح ديني إلا بانتصار ثقافة التنوير!

سعيد علم الدين

2010 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نعيش في العالم العربي ومنذ مئة عام تقريبا وحتى هذه اللحظة حالة حرب فكرية حقيقة شرسة جدا، أخذت وللأسف الشديد في العقدين الأخيرين منحىً دمويا مأساويا اجراميا بشعا جدا.
فاق في بشاعته كل الحروب ضراوة وخسة ونذالة وقذارةً وحقدا لا يوصف على الإنسان. ووصلت الأمور وبلا مبالاة عند المتطرفين والإرهابيين من الإسلاميين والأنظمة المجرمة الداعمة لهم الى حد ارتكاب المجازر الرهيبة المخجلة الفظيعة: الجزائر، السعودية، الأردن، العراق، تانزانيا، نيويورك، اسبانيا، المغرب الصومال وغيرها.
والاغتيالات المنكرة والتفجيرات البشعة: مصر، لبنان، العراق، ايران، باكستان، السودان، وغيرها من الممارسات الوحشية.
هي حربٌ نهدر فيها طاقاتنا البشرية والمادية والمعنوية الكبيرة جدا سدى، ولن يصح في نهايتها الا الصحيح، حتى ولو استمرت مئة عام اخرى. وهذه الحرب ومن خلال تجارب التاريخ لا يمكن ان تنتهي الا بانتصار:
النورُ على الظلام والانفتاحُ على الانغلاق، العقل على الجهل والعلم على التأخر، التقدم على التخلف والحقيقة على الزيف، النباهة على الغفلة والمعرفةُ على الضلالة، الحاضر على الغائب والواضح على الغامض، الحق على الباطل والصائب على المخطئ، الحرية على العبودية والديمقراطية على الدكتاتورية.
والأهم من كل ذلك هو انها ستنتهي بانتصار ثقافة الحياة الإنسانية الحاضرة بربيع الأرض وازهارها وعطرها وفراشاتها وألوانها وثمارها وخضارها وتنوعها وقيامها واستقامتها،
على ثقافة الموت الخرافية الغائبة بخريف الأرض واشواكها وعفنها وغربانها وسوادها وسمومها وأمراضها ونفاقها وأسقامها وعقمها ويباسِها واندثارها وضلالها.
هي حرب لا مثيل لها بين باقي الأمم، خاصة في هذا العصر الحديث الكاشف ذو العينين الثاقبتين لاسرار الكون والكائنات.
حرب ضارية بين فريقين:
الفريق الاول هو فريق الفكر التنويري الحداثي الرائد، وحملة مصابيح النور والفكر الحر والعلم والتقدم والاختراع، ومشاعل الحرية والديمقراطية والحداثة والفن والابداع من نساء فاضلات شامخات بهمم عالية ورجال أفاضل شجعان ينطلقون في حملاتهم بلواء الكلمة الجريئة والقلم الحر والمنطق السليم والعقل الناضج والفكر المتفتح والاقناع والإفهام والتفهم والسلام والسلم.
والفريق الثاني هو فريق الفكر الديني التبريري التكراري الاجتراري التراجعي الرجعي بضجيجه الإعلامي الهلامي، منطلقا في حربه الشعواء من آفات التخلف والهزيمة والجهل والتزمت الديني والتعصب المذهبي وفي تقديس ثقافة الموت والأموات الى حد الموت الرخيص انتحارا.
مستعملا كل الوسائل المتاحة له من المدفع الى الخنجر الى الحزام الناسف في محاولاته الكأداء بالعودة بالمجتمع الى الوراء والحفاظ على القديم البالي الصنمي وبأي ثمن حتى ولو أدى هذا الثمن إلى أن نصبح غجر الكرة الأرضية ونعود قبائل رحل كما كنا في الأصل، ولكن هذه المرة ليس طلبا للماء والكلأ، وإنما طلبا للرزق والعيش بكرامة وحرية تحت ظلال أمريكا وفرنسا والسويد وبريطانيا وألمانيا وغيرها من دول القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية حتى ولو كانت هذه الدولة تحت حكم امرأة كالمستشارة الألمانية السيدة انجيليكا ميركل.
وفي الحقيقة أن التنوير لن يكون ذا تأثير، اذا لم يؤد إلى كشف الزيف المتأصل منذ قرون، وزلزلة جبال الأضاليل التي ينوء تحت ركامها المجتمع العربي والمسلم مستسلما لأقداره المقدرة من فوق بيد الزعيم السياسي والشيخ الجليل لا حول له ولا قوة في مجابهتها جيلا بعد جيل.
التنوير يجب ان يعيد الامور الى نصابها، والمجتمع الى توازنه، والحرية الى أهلها، والحق الى اصحابه.
ولكي ينتصر التنوير فهو بحاجة ماسة في هذا العصر المستنير الى انتفاضة فكرية ثقافية جبارة يشارك فيها دفعة واحدة اكبر عدد من المفكرين لتعيد للإنسان العربي والمسلم المسلوب الحرية والارادة باسم الدين، حريته وارادته ليصبح سيدا حرا مستقلا صاحب قراره في حياته وليس عبدا تابعا ذليلا مكبلا متكلا خانعا طائعا مستسلما مكسور الخاطر يعيش حياته في مهب ريح ثقافة الموت ومهزلة الفتاوي.
لا بد من نبذ الهرطقة والجهل، وإعلاء كلمة المنطق والعقل، إظهاراً للحقيقة من خلال وضع الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف دون وجل او خوف.
فمرضنا العقيم في بلاد الشرق هو هذه السيطرة الدينية الإسلامية الغير مبررة دينا ودنيا والتي تسلطت على المجتمع تسلطا قمعيا في البداية بحد السيف وحروب الردة تشهد شهادة تاريخية ساطعة على سيفها وقمعها واستبدادها وارهابها للقبائل العربية التي عارضتها، وتعلقها المادي الدنيوي المشبوه جملة وتفصيلا بالسلطة وكرسي الحكم.
أنا لا أدري، ولا استطيع أن افهم أو أتفهم:
كيف أن خلفاء محمد وهم رجال دين يخافون عقاب الله، وفي الوقت نفسه يتركون لسيوفهم العنان ذبحا ونحرا وطعنا ببعضهم كرمى لعيون الكرسي وكأنها جنتهم الفردوسية.
وما زال هذا التعلق صفة ملاصقة للإسلاميين والإسلام كماركة مسجلة ومهما أريق من دماء في سبيل الكرسي وحكم القوي يكسر أضلاع الخصم باسم جاء الحق وزهق الباطل!
انقلابات عسكر العصر الحديث في العالم العربي تؤكد ذلك.
حيث اصبح الدين مطيتهم المحببة والمطيعة والطيعة للاستيلاء على الكرسي وقمع المجتمع وتحقير الإنسان واستعباده وعدم الاعتراف بحقوقه. وخاصة المرأة التي صارت في نظرهم وبدائيتهم وفكرهم وعاداتهم وتراثهم وذكوريتهم القوامة على النساء عنوانا لكل ما هو فاسد وشيطاني اذا لم تخنع لمطبخهم وتنقاد ذليلة مطيعة تحقيقا لمآربهم.
ويا للغرابة وكأن الرجل هنا هو المنزه والفاضل والشريف والمستقيم والصالح والكامل والآدمي.
كيف لا، وآدمُ لولا حواء حسب الأسطورة، لما زال يسكن رغدا الجنة!
ثقافة التنوير يجب ان لا تساوم على كلمة الحق، بل يجب ان تنير عليها الأضواء بجرأة وصدق.
فالكلمة الحرة الجريئة الثابتة الصارخة المنيرة ستنير بالتاكيد طريق الإصلاح لمن أضاع الطريق وهو يهوي فرحا مسرورا واحيانا مغرورا الى الحضيض.
وإلى متى هذا التمسك بتلابيب التخلف الديني الذي اوصلكم الى الحضيض اليقيني؟
أوليس هذا هو البرهان الأكبر على هذا اليقين، كيف أصبحتم في هذا العصر الانساني المتألق، في مصاف آخر الأمم، وليس خير أمة أخرجت للناس؟!
وما هو الخير الذي تقدمونه للناس؟
سوى أنكم في بلادكم تلهثون وراء الرغيف، وفي العالم عالة على المجتمعات المتقدمة، مهاجرون مشردون في كل بقاع الأرض تحملون معكم تخلفكم وعنوانه الكبير:
انواع الثياب من الجلباب الى الحجاب الى النقاب.
ولأنه دون انتصار ثقافة التنوير، فسنتابع الدوران في الحلقات المفرغة والفارغة من أي تفكير، التي تحاكي ابداعات أفانين التبرير، ولن يحدث التغيير، ولن نستطيع الخروج من هذا المأزق التاريخي المرير!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكن متى يااستاذ
عامر الكافر بالاساطير ( 2010 / 5 / 18 - 22:47 )
نعم يجب معهم نبشا اركيولوجيا لطبقات ثراتهم المزبلة يجب استنساخ كتابنا التنويريون من امثال علم الدين وكامل النجار وعساسي لكي نستطيع قهر وذحر الفكر الظلامي القابع في امثال بسيوني وبوفيم وداليا الناقصة عقل ودين ..كيف نقضي على عشاق الحور وعلى مدمني الكراهية كيف نقضي على ابطال الركوع والسجود ولكن متى يا استاذ انا في نظري الحل الاوحد والسريع هو نسف الكعبة وقبر قثم بن امنة...وشكرا


2 - معك في كلّ كلمة ولكن
سناء ( 2010 / 5 / 19 - 06:03 )
مع الأسف، يا أستاذ، سعيد فالطريق مظلم ولا امل في إستفاقة الجماهير المغيّبة.كم هوّ عدد التنويريّين بالمقارنة مع التسونامي الإسلامي؟ ومن يقرأ لهم؟بالطّبع لاتوجد أية مقارنة.الإسلاميّون إستعملوا كلّ الوسائل من اجل نشر الفكر الظّلامي في اوساط المجتمعات الّتي تشهد إنتكاسة وردّة حضاريّة وما انتشار الحجاب والجلباب والنّقاب إلاّ دليل على هذه الإنتكاسة.ثمّ لم يكتفوا بهذا فقط بل يحاولون أسلمة العالم كلّه واوروبّا بالتّحديد مستغلّين حرّيتها وديمقرطيّتها ليجرجروها لعالمهم المتعفّن.إنّنا بحاجة لمفكّرين جريئين ليتصدّوا للفكر الرّجعي المتخلّف الهدّام الذي تسبّب في كل ما نحن فيه الآن.شكرا لك على المقال القيّم وتحيّاتي


3 - العزيزة سناء
سعيد علم الدين ( 2010 / 5 / 19 - 06:57 )
الطريق مظلم يحب ان نضيئه بالمصابيح. ما ذكرتيه صحيح الا انه ضجيج اكثر مما هو جوهر وحقيقة. ولن يصح الا الصحيح. العالم ليس مغفلا. واوروبا في الطريق الى الانتفاض على الضجيج الاسلامي. مؤشرات للصحوة الاوروبية: الصحافة الحرة التي بدات تنتقد بصوت عال، طبيعة الاوروبي الحرة التي ترفض العبودية الدينية، انتصار اليمين في اكثر من بلد بسبب ممارسات الاسلاميين الاستفزازية والغير حضارية. منع النقاب. منع المآذن والحبل على الجرار.


4 - واجب العقلانيّين
سناء ( 2010 / 5 / 19 - 07:43 )
صحيح ان اوروبّا بدأت تستفيق قبل فوات الاوان .وكم أسعدتني هذه الإستفاقة الميمونة واثلجت صدري لانّ اوروبا والعالم الغربي هوّ أساس نهضتنا وتقدّمنا بفضل منجزاته الخارقة والعجيبة ومنها الانترنت هذا العالم السّحري الّذي قرّب المسافات وفتح امامنا كل النّوافذ لنطلّ من خلالها على العالم ونتواصل معه.لكن ماذا يوجد في العالمين العربي والإسلامي:سطوة المشايخ على كل وسائل الإتّصال الحديثة ليبثّوا من خلالهادروسهم و فتاويهم المسمومةالّتي تلقى رواجا وإقبالا كبيرا من طرف الغالبيّة العظمى ،ناهيك عن المساجد والمدارس القرانيّة الّتي تتكاثر يوما بعد يوم .حتّى معارض الكتب طغى فيها الكتاب الدّيني على غيره في عصر اتّكنواوجيا الزّاهي.امّا الفنون فتلك رجز من عمل الشّيطان ممنوعة في قاموسهم حتّى اصبح من يعشق الموسيقى مارق عن الدّين.ثم لا حظ معي هذه المعارك في البرلمانات العربيّة ،ومنها البرلمان الجزائري ،حول ضرورة منع الخمر.اليست هذه بداية لفرض القانون الإسلامي ؟أنا لست متشائمةولكنّها الحقيقة المرّة لذلك صار من الواجب على كلّ مفكّر متنوّر ان يعمل من أجل التّصدّي للتسونامي البدوي المتخلّف


5 - بُوركت أقلام العقول النيَرة حرة الفكر والروح
نور علي ( 2010 / 5 / 20 - 14:30 )
الأستاذ سعيد المحترم سلمت يداك لمقالك المميز الفكر حقا ولجرأتك وشجاعتُك بقول الحق البـيَن المستنير وبصوت عالي. لا لا خلاص ولا نجاة -الأََ َبكشف الزيف المتأصل منذ قرون، وزلزلة جبال الأضاليل-.ا
نعم انها حرب ويجب ان تكون و-انتفاضة فكرية ثقافية جبارة-، السبيل الوحيد لنجاة العرب المسلمين من ظلام قبر وجُحر تخلفهم وعَوقهم العقلي والفكري المتجذر وعقدهم النفسية المريضة المتأصلة فيهم بالسليقة واللذين لم يكتفوا بالمستوى الحضيض في بلادهم من خلال مشايخهم ومساجدهم ومآذنهم التي تصدح صبح ومساء بسمومهم وبأسغلال كل وسائط التقنيات الحديثة -الغربية المسيحية-، وسعيهم الحثيث لسلطة كرسي الحكم بكل الصيغ والوسائل لأنهم مسكونيِ سلطة وتسلط، بل يسعون جاهدين بنشر الغيُوم السوداء لتخلفهم الرهيب المخيف العقيم لأمريكا وأوربا الأنسان الحر الديمقراطية والعالم.ا
شكرا جزيلا لك سيدي ولكل الاقلام الخيَرة النيَرة حرة الفكر والروح.

اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah