الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحظور من الكلام في تاريخ العرب والشام ..؟ -4

جريس الهامس

2010 / 5 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المحظور من الكلام , في تاريخ العرب والشام ..؟ - 4
مملكة ماوية – ملكة دمشق وسورية ؟؟
......
لم تكن معاهدات الصلح التي تفرض عقدها تاكتيكات الدويلات العربية السريانية مع الإمبراطورية الرومانية المحتلة عبر التاريخ في المشرق العربي .. سوى هدنة موقتة بين شعوب المنطقة الطامحة للإستقلال الوطني بقياداتها الوطنية النابعة من صفوف أبنائها وبناتها دون تمييز ,, وبين الإمبراطورية المهيمنة على البحر المتوسط وأوربا كلها... وكان كل طرف ينقض الهدنة كلما إشتد ساعده وقويت شكيمته ببنائه الداخلي وطموحه ,, وشتان بين طموح الشعوب للحرية والإستقلال الوطني ... وطموح الأباطرة للسيطرة على العالم القديم وإخضاعه ونهبه .. لذلك كانت تنقض المعاهدات من جانب واحد عندما يشتد ساعد هذا الجانب أو ذاك ويرى وهناً واستهتاراً في الصف المقابل ..
ولم تكن وحدة الدين بعد تحويله لخدمة الأباطرة والإحتلال بعد تنصر الإمبراطور قسطنطين ووالدته هيلانة عام 330 م لتحول دون انتفاضات وثورات السكان الأصليين – العرب والسريان والأقباط وغيرهم -- في بلاد الشام والرافدين ومصرخلف قياداتهم الوطنية ضد الإمبرطورية وجيوشها الجرّارة ... وهذا ماسبق أن رأيناه في مصر في القرن الثاني الميلادي حين ثار أقباط مصر خلف قيادتهم الوطنية مستقبلين جيش تدمر بقيادة " زبدا " قائد جيش زنوبيا وتحرير مصر كلها من الإحتلال الروماني ولو لفترة قصيرة -- والحرب سجال -- ولنا عودة لهذه الصفحة المشرقة المطموسة في تاريخنا ...
....
يحدثنا المؤرخ اليوناني سقراط : ( أنه في حوالي عام 373 / زار الإمبرطور فالنز إنطاكية , وما كاد يغادرها حتى رفع العرب لواؤ الثورة . وإلأى هذه الحقبة يرجع موت " الفيلارخ " زوج ماوية – الذي لم يذكر إسمه – ولم يعوزها أن تجد ما تبرر خرقها لإتفاقية الصلح ..) كما قال: ( إن العرب الذين كانو خاضعين للروم من قبل ما عادوا يعترفون بالتبعية لهم ) ( 9 )
أما الروماني " سوزومينوس " أورد مايلي : ( فسخت إتفاقية الهدنة إثر موت – الفيلارخ – زوج ماوية – وأغارت ماوية على قواعد الرومان في مدن فينيقية وفلسطين – حيث يتمركز الرومان - إضطر الرومان لإستدعاء قوات من الفرسان أملين في الصمود أمام جيش ماوية العربيي ) ثم قال :
( لعل أبلغ دليل على شدة وطأة هذه الحرب على جنود الإمبراطورية ,, هو أن وحدات " الهيجمون "
Hegemon – إضطرت للتدخل في القتال المباشر في وجه قوات ماوية , كي تمكن ال stratige-- -- ( القائد الأعلى للجيوش الرومانية ) من الإنسحاب لئلا يقع في الأسر ..) (10 )
وأكدت جميع المصادر السابقة شراسة تلك الحروب وبطولات أهلنا في التصدي لجيوش الإمبراطورية الرومانية المحتلة والإنتصار عليها .. وهذا ما أكدته المستشرقة الروسية " نينا فيكتورفنا " في مؤلفها العلمي بعنوان " العرب على حدود بيزنطة وإيران من القرن الرابع إلى القرن السادس "
لكن كل المصادر التي عثر عليها حول مملكة ماوية – ولايوجد بينها مصدر عربي واحد مع الأسف -- لم تذكر لنا شيئاً عن ملك العرب زوج الملكة ماوية ..؟ وإسم قبيلته والمتحدين معها من السكان السريان واليونان والاّراميين وغيرهم , ولماذا لايكون من أصل اّرامي سرياني إستطاع أن يوحد الجميع لمجابهة الإحتلال وهذا ما أرجحه .. كما لم يتفق المؤرخون سوى على تاريخ وفاته ( 373 م ) دون أن نعلم هل توفي وفاة طبيعية أم قتل في ساحات القتال وهذا المرجح .
كما لم تسجل أسماء القبائل العربية التي سكنت منطقة دمشق وجبل – سنير – القلمون اليوم وجنوب دمشق حتى عجلون التي كانت تشكل القاعدة الشعبية لمملكة ماوية , وبعدها لمملكة الغساسنة التي امتد نفوذها في القرن الخامس الميلادي - بعد قرن من الزمان - كما سيأتي من فلسطين حتى الجابية قرب دمشق ..؟
علماً أن أهم القبائل العربية التي قطنت هذه المنطقة هي : قبائل طي – وسليح - وضجعم – ولخم – وتنوخ – وجذام - وجديلة – إلى جانب غسان وكندة ( والمناذرة وبني شيبان وبكر وائل وسعد وغيرها في العراق ) وربيعة وتغلب في الجزيرة بين الرافدين بين حلب والموصل...
إلى جانب السكان الأصليين الاّراميين – السريان – وفروعهم والأنباط بعد سقوط مملكتهم وانتشارهم في المنطقة كلها إلى جانب الجالية اليونانية الكبيرة التي لاتزال بقاياها في دمشق حتى اليوم محافظة على لغتها وعاداتها ومجتمعها الخاص .. ونأمل أن تكشف التنقيبات الحديثة المتوقفة منذ مدة طويلة الكثير الذي لايزال مدفوناُ تحت الأنقاض عن هذه المملكة وغيرها التي تنتظر معاول علم الاّثار الحديثة والأمينة ..
وجاء في تاريخ روفينيوس الروماني وهو من أقدم المصادر :
( إن الملكة ماوية كانت مسيحية عربية الأصل وإن الأسقف المضطهد موسى الذي أصرت على تنصيبه بطريركاً على دمشق – كما مر في الحلقة السابقة –كان عربياً من قبيلتها ..( 11)
ويرى المؤرخون المتأخرون أمثال ثيوفانس اليوناني وميخائيل السرياني : ( إن ماوية من أصل يوناني أو روماني وقعت في الأسر فاختص بها ملك العرب لروعة جمالها ,, وبهذا وجدت طريقها للعرش ) ..
هكذا دون ذكر إسم زوجها ملك العرب .. وقد أطلق المؤرخون اليونان على ماوية إسم - ملكة – ولم يطلقوا إسم فيلارخوس أي زعيمة أو رئيسة قبيلة ...
ويرى العالم الألماني تيودور نولدكه صاحب كتاب " أمراء غسان " ما يلي :
( إن الروم لم يطلقوا إسم ملك على ملوك الشام , بينما سمّى الكتاب السريان رؤساء القبائل العربية باسم ( الملك ) وهذا مانجده في الشعر العربي الذي كان الإعلام الرئيسي في ذلك الزمان ) ( 12)
وأياً كان أصل ماوية وزوجها , فقد بنت مملكة على الكرامة والعزة الوطنية والمنعة بالتفاف الشعب حولها ,, وقادت مملكة عربية مسيحية , حطمت غرور أباطرة روما , وهزمت جيوشهم , جيوش الإحتلال , -- رغم وحدة الدين – وقادت النضال الوطني العربي والسرياني نحو الإستقلال والتحرر.. ولوكان ذلك تتخلله شعارات أو حوافز دينية مشرقية محلية ترفض الإنصياع لمشيئة باباوات روما وأباطرتها ... ولاغرابة أن تغلف الثورات والتمردات والحروب في تلك الأيام بشعارات دينية متواصلة في الكثير من الأحيان حتى أيامنا .. وإن كانت تخفي خلفها أهدافاً أخرى ...
وترى المستشرقة السوفياتية –نينا فيكتورفنا ما يلي :
( إن رغبة ماوية تنصيب أسقف عربي الأصل لنصارى قومها أمر مفهوم .. وذلك لأن الشعوب التي اعتنقت المسيحية , كانت تطمح عادة إلى الإستقلال عند اختيارها لرجال الدين .. مما اضطر بيزنطة إلى الموافقة . على غرار ما حدث مع الأرمن , والشعوب الصقيلبية – المصدر السابق )
لكن حصر كفاح المسيحيين الاّراميين السريان والأشوريين والعرب سكان المنطقة ضد الإحتلال الأجنبي وفي سبيل الإستقلال الوطني . بالإستقلال الديني عند اختيار رؤساء الدين فقط هو تحليل قاصريجعل الرؤيا التاريخية ناقصة للعوامل الوطنية والقومية والإقتصادية والإنسانية الأساسية في التغيير ,, وإن كان هذا المزيج كله يشكل السيادة الوطنية في مواجهة المحتل ...
كما وقعت فيكتورفنا بنفس الخطأ الذي وقع به مؤرخو الإمبراطورية كان المفروض ألا تقع فيه .. وذلك بتسمية – العرب – ب ( البرابرة ) وتسمية ماوية : ملكة البرابرة .. الأمر الذي شوه مؤلفها القيّم وأخرجه من نطاق النهج العلمي غير المتحيز من هذه الناحية ,,
... لم تكن ماوية والقبائل العربية أو سكان مملكتها بشكل عام شغوفون للحرب من أجل التوسع على حساب غيرها كما وصفها المؤرخون الغربيون .. بل كانت الحرب دفاعاً عن الإستقلال والسيادة الوطنية ومن ضمنها الإستقلال الديني _ أي تحرير الكنائس الشرقية من هيمنة باباوات روما , وتحرير الكرسي الإنطاكي من التبعية لبيزنطة أو لروما ... ورفض بدع وهرطقات القصر الإمبراطوري وأتباعه وتحطيم سيف الإمبراطورية الذي استعبد الشعوب وشرد رجال الدين الشرقيين في الكهوف والبراري ..باسم الدين الرسمي للأباطرة ..
لذلك كان البند الأول في معاهدة صلح ماوية المنتصرة مع الإمبراطور " فالنز " إطلاق سراح المعتقلين في السجون .. وعودة المنفيين في الصحارى والبراري .. ومنهم الرهبان الأرثوذكس (13) الذين تصدوا للاّريوسية وغيرها من البدع التي رعاها الإمبراطور .. ثم الإعتراف بالبطريرك الإنطاكي – موسى – المنتخب من الأساقفة المنفيين والقائمين في المملكة السورية .. أي التحرر من التبعية للإمبراطورية عملياً ... وهذا أمر يستحق التوقف والتمحيص طويلاً مع الأخذ بعين الإعتبار الزمان والمكان .. بعد أن أصبح الأباطرة يحكمون باسم السماء والمسيح وتسخيرهم الدين الجديد لخدمتهم ... بعد أن عذبوا واغتالوا اّلاف المسيحيين والمسيحيات تحت التعذيب الهمجي أو ألقوا بهم طعاماً للحيونات المفترسة في ساحات روما..ثلاثة قرون ونيف ..؟؟
والتزمت ماوية بمعاهدة الصلح بعد تحطيمها غطرسة الإمبراطورية وعدوانها ,, كما فعلت زنوبيا من قبلها..وكانت الإمبراطوريات القديمة عموماً هي التي تنقض معاهداتها مع الدول الصغيرة التي تبغي العيش بأمان مستقلة كريمة . لكن لا أمان في المجتمعات التي تسودها شريعة الغاب قديماً وحديثاً .. ويروي المؤرخ سقراط : ( تحسن العلاقات بين مملكة ماوية – مادامت قوية الشكيمة -- وبين الإمبراطورية . حتى أنها زوجت إبنتها من ( الإستراتيلات ) فيكتور – والإستراتيلات هو لقب قائد الجيوش النظامية عند الرومان -
المراجع :
-----
- 1 تاريخ الكنيسة السريانية –سويرس توما – 1953 – ص 288
2 – تاريخ ميخائيل الكبير ص 150 – 152
3- enseleim werk die kirehengeschichte herausgebenvon e bd 112- leipzig 1908 1011—1010 - في هذا المصدر لم تقبل ماوية الصلح إلا بشرط رفع بيزنطة وروما يدها عن الكنيسة العربية الأرثوذكسية ..
4 - العرب على حدود بيزنطة وإيران من القرن الرابع إلى القرن السادس – نينا فيكتورفنا –
5-المسيحية العربية – للمؤرخ نقولا زيادة
6 – تاريخ الكنيسة القبطية – القس منسى يوحنا – القاهرة
7 – rufinus—histoir ecclesiastica x1 7 p 1012 روفينيوس
8– الألماني – نولدكه – أمراء غسان – تعريب قسطنطين زريق و بندلي جوزي – بيروت 1933
9- sozommenos – histoir ecclesiastica 1 – 1v – 38 ed hassey t11 oxonil 1960 p > 667
10 – اصطلاحات رومانية : الهجميون : وتعني قائد الفرقة العسكرية أو الزعيم العسكري – الإستراتيج : القائد الأعلى للجيوش الرومانية --- الستراتيلات : قائد الجيوش النظامية ...
11 - socrates – histoir ecclesiastica 1v ed russey t11
12 – نولدكه المصدر السابق ص 56
13 -- قديسات وملكات من المشرق السرياني وجزيرة العرب ..سوزان هارفي – سباستين برك – غلن بورسك –تعريب فريدة بولص – حلب
14- الأرثوذوكس : كلمة يونانية تطلق على المسيحيين الشرقيين وتعني – المستقيمي الرأي – ومن المفروض إبقا ؤها بالعربية فقط , وإلغاء كلمة " روم " المرافقة لها بشكل معيب من مخلفات ما قبل العهد العثماني و المفروض أن يصحح الإسم إلى " المسيحيون الشرقيون أوالمسيحيون العرب " وحذف الصفات الدخيلة على إسم شعب عريق وأصيل على أرضه ..؟
15 – تاريخ العرب – لجرجي زيدان ص 45 – تحت عنوان : إحراق مكتبة الإسكندرية _ يتبع
لاهاي - 18/ 5








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أستاذي المحترم
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 19 - 05:25 )
شكراً لك من القلب على هذه الدراسة التاريخية التي تفتح عيوننا على جزء هام من تاريخنا لا نعرف عنه شيئاً . وبعد اسمح لي بسؤال ورد في المراجع رقم 14 ملاحظة أنكم تفضلون إلغاء كلمة _ روم _ المرافقة للأورثوذكس وتصحيحها إلى : المسيحيون الشرقيون أو المسيحيون العرب . المسيحيون الشرقيون فهمتها , لكن لمَ المسيحيون العرب ؟؟ منذ متى كانت بلادنا عرباً ؟ العربي هو القادم من صحارى الجزيرة الذي صبغ دخوله بلادنا بالصبغة العربية وأخرجوا أصحابها من هوياتهم ولغاتهم فقالوا عنا أننا عرب , والمعذرة لنقد كلامكم المحترم أستاذ لكني أرى استعمال المؤرخين اليوم هذه الصفة في دراساتهم غير صائبة تماماً , أرجو أن أكون موفقة في سؤالي , ما رأي حضرتكم ؟ وشكراً لجهودكم


2 - العرب في بلاد الشام
المترصد ( 2010 / 5 / 19 - 06:04 )
سكن العرب مناطق عديده من الشام والعراق والاردن وفلسطين قبل الاسلام وهناك مغالطه تاريخيه بان العرب لم يسكنوا الا الجزيره العربيه قبل الاسلام وانهم انتشروا في هذه البلاد بعد الغزو الاسلامي وهذا خطأ فادح كانت هناك ممالك عديده عربيه ذات حضارات عريقه كمملكة الانباط في جنوب الاردن التي كانت قائمه قبل اكثر من الفين وخمسمائة عام اي قبل مجيء يسوع ولا زالت اثارهم العظيمه حاضره في جنوب الاردن في مدينة البتراء التاريخيه وكانوا متطورين جدا في الزراعه وانشؤؤا نظام ري لسقي مزروعاتهم يعني كانوا مستقرين متحضرين وليسوا بدو رحل كما يحلو للبعض وصفهم صحاري الشام والعراق والاردن وفلسطين كانت مليئه بالقبائل العربيه قبل ان ياتي المسيح ناهيك عن الاسلام هذه المنطقه كما ذكرت اخي الكاتب كان يسكنها خليط من السريان والارمن والاشوريين والبابليين وغيرهم وطبعا بعد مجيء الاسلام والغزوات واحتلال هذه المنطقه فرض الدين الاسلامي واللغه العربيه وتم طمس باقي اللغات لان اللغه العربيه اخذت الطابع المقدس بدو الجزيره العربيه لم تكن لهم حضاره اما العرب الذين كانوا في هذه المناطق فهم قصة مختلفه تحيه كبيره للكاتب على هذا المقال

اخر الافلام

.. فرنسا -غارقة في المجهول-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان، من س


.. هل فرنسا قادرة على تشكيل -ائتلاف حكومي-؟ • فرانس 24




.. -مواجهات محتدمة- وإطلاق الغاز المسيل للدموع في ساحة الجمهوري


.. رفع علم فلسطين على جسر موستار الأثري بالبوسنة والهرسك




.. عاجل| 10 شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي على جباليا النزلة