الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركات الأقليات الإثنية في السودان:محاولة لمقاربة الذهنية السياسية وطرق الممارسة

محمد سيد رصاص

2010 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان العقيد جون غارانغ من أوائل من نقلوا،على الصعيد العالمي،بندقيتهم من الكتف الأيسر إلى الأيمن،وبسرعة قياسية لم تتجاوز الحدود الزمنية لعام1989الذي شهد انتهاء الحرب الباردة بهزيمة موسكو أمام واشنطن،بعد أن كان طوال ست سنوات سابقة من تأسيس"الحركة الشعبية لتحرير السودان"من أكثر الموالين للسوفيات وحليفهم الإثيوبي الكولونيل منغستو هيلا مريام.
كان الفرق،بالقياس لحركات تنتمي لأكثرية قومية وقفت في وجه قوى داخلية منافسة أوخارج مستعمِر مثل حزب البعث أوحزب الوفد المصري أوحزب الإستقلال المغربي،أن العقيد غارانغ لم يحمل أيديولوجية محددة وإنما تموضع يساراً في مرحلة الحرب الباردة لحسابات تتعلق أولاً بوضع نظام جعفر نميري الموالي لواشنطن في النصف الأول من عقد الثمانينيات ولإعتبارات تتصل بتوجهات داعميه في موسكو وأديس أبابا.هذا مايفسر أن ذلك التموضع اليساري لغارانغ لم يشكل عائقاً أمام الإستناد أيضاً إلى دعم تل أبيب ومجلس الكنائس العالمي في نفس الوقت الذي كان يجلس به في احتفالات الذكرى العاشرة لخلع الإمبراطور الإثيوبي بأديس أبابا (أيلول1984) بجانب قادة الأحزاب الشيوعية العالمية والعربية الحاضرين تلك الإحتفالات إضافة لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
من هنا،كانت السهولة القصوى عند غارانغ في الإنتقال من اليسار إلى اليمين ولكي يصبح،منذ عام1990،من أكثر حلفاء واشنطن الذين يعتمد عليهم بالساحة الإفريقية،بعد أن تلاقت مصالحه مع العاصمة الأميركية ضد نظام حكم اسلامي وصل للسلطة في الخرطوم(30حزيران1989) في لحظة انتها ء الحرب الباردة وماعناه انتهائها من طي صفحة التحالف الذي كان قائماً بين الأميركان والحركة الاسلامية العالمية ضد السوفيات ثم انتقال الحليفان السابقان إلى مواجهة ذات طابع عالمي في مرحلة مابعد الحرب الباردة.في هذا الصدد،كانت حيثية هذا التحالف بين غارانغ وواشنطن متصلة بعداء الأميركان للتوجهات الأيديولوجية- السياسية لحكام الخرطوم الجدد فيماكانت عند غارانغ متعلقة بكل من هو يحكم الخرطوم،وهو مادلَت عليه فترة الحكم المدني التي أتت بعد عام من سقوط نميري عبر انتخابات نيسان1986لماصعَد غارانغ من عملياته العسكرية ضد حكم الثنائي المهدي- الميرغني قبل أن يطيح بهما الثنائي الترابي- البشيروينتقلا لتشكيل(تجمع أسمرا)الذي جمعهما مع غارانغ،ثم دلَ على هذا أيضاً توقيع مذكرة تفاهم بين غارانغ والترابي في شهر شباط2001إثرابعاد الأخير عن الحكم في الشهر الأخير من عام1999بعد أن كان الشيخ الترابي وتوجهاته الاسلامية هو موضع التصويب من قبل غارانغ في فترة ثنائيته مع الفريق البشير بالحكم طوال عشر سنوات.
هذه الإنسيابية في الحركة بين المواقع والتحالفات كانت تأتي عند غارانغ من (الهدف) الذي هو عنده انشاء"السودان الجديد" الذي "سيلغي" سودان مابعد استقلال1956"الذي حكمته أقلية عربية من الشمال قامت بتحوير الهوية الإفريقية للسودان لصالح هوية عربية- اسلامية تقسم السودان ولاتعبر عن واقعه"وفق تعبير غارانغ الحرفي في مقال نشره بفصلية"ميديترينيان كوارترلي"بعدد خريف 1996. لهذا فإننا نجد العقيد غارانغ ليس ذو نزوع انفصالي،وإنما كان يطمح لحكم كل السودان ومن العاصمة الخرطوم واعطائه هوية جديدة،وهو ماكان يجعله على تناقض مع انفصالية حركة تمرد جنوب السودان الأولى بين عامي1955و1972 ثم على افتراق مع النزوع الانفصالي لخليفته (سيلفا كير)الذي تولى قيادة الحركة بعد مصرع غارانغ في حادث تحطم طائرة بتموز2005.
رغم هذا الإفتراق فإن التوجه يبقى واحداً نحو"الأفرقة"،سواء كان مسار الحركة هو نحو الإنفصال أوكان هو"السودان الجديد"،مع رفض"الهوية العربية - الاسلامية" عند أنصار التوجه الافريقي ضمن إثنيات السودان غير العربية،حيث يمتد هذا التوجه إلى أبناء جبال النوبة في وسط السودان عبر ممثلهم السياسي الرئيسي وهو"الحزب القومي السوداني" الذي عبر، في مذكرة رفعها بعد أيام من توقيع بروتوكول مشاكوس في 20تموز2002 لمنظمة (ايغاد)الراعية لمفاوضات الحكومة مع تنظيم غارانغ بين عامي1993و2005،عن تضامنه مع الجنوبيين"ضد هيمنة الطرف الآخر وسيطرته في الشمال..وأن كل الأطراف المعنية تلتقي في وحدة القضية،أي الصراع ضد الهيمنة الاسلامية - العربية،أومايمكن تسميته الهيمنة الشمالية،كماتلتقي في وحدة الأصل والهوية،إذ أنها جميعها من أصول افريقية".
كان هذا قبل أشهر من انفجار تمرد دارفور في شباط2003،الذي تزعمته حركتا تمرد،واحدة أتت من وسط شيوعي هي "حركة تحرير السودان"والثانية اسلامية هي"حركة العدل والمساواة"،لم يمنعهما تنافسهما المستند إلى الإفتراق القبائلي بين (الفور)و(الزغاوة)من الإلتقاء على التوجه الإفريقي والعداء للعرب،كماأن حركتهما لم تعرف حدوداً للتحالفات خارجياً حتى وصل الأمر بعبد الواحد محمد نور زعيم "حركة تحرير السودان"إلى تبرير فتح مكتب لحركته في اسرائيل ،فيما داخلياً تستند التحالفات السودانية عندهما إلى مبدأ"اتحاد الأقليات" مع أبناء النوبة والجنوبيين بقيادة سيلفا كير الذي تخلى عن طروحات غارانغ حول "السودان الجديد"لصالح انفصالية جنوبية تقول بالتعاون والتحالف مع "الشعوب المهمشة"في دارفور والنوبة وجنوب كردفان إما لتشكيل كياناتها الإنفصالية أومن أجل ضمها إلى الكيان الجنوبي "القادم"وفقاً لمايأمله زعيم"الحركة الشعبية لتحرير السودان"من استفتاء كانون ثاني2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa