الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب

أمير أمين

2010 / 5 / 19
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الأيام الأولى من نيسان عام 1985 , حيث كنت أدرس في معهد العلوم الإشتراكية في عدن , إشتد المرض على الفقيد عزيز مدلول ( أبو سعود ) كما كنا نسميه وإقترح الأطباء إرساله فوراً الى لندن لمحاولة إنقاذه من أزمة قلبية حادة ألمت به لا سيما وأنه قد أزمن مرض القلب , قمنا بتوديعه في النادي العراقي الكائن في خورمكسر في عدن , كان شاحباً مصفراً ونحيلاً بشكل ملفت وقد إحتار الرفاق في طريقة إرتداءه للحذاء بحيث كانوا يقومون بإستبداله بآخر لتعذر ذلك بسبب الورم الكبير في قدميه .. إبتسم قليلاً وهو يستمع الى أحد الرفاق الذي حاول أن يتلاطف معه قبل سفره بالقول ( هذي بنتك مطلعها كوبي عليك ) , تمنينا له السلامة وغادر لكنه عاد الينا بعد أسبوع محمولاً بنعش لندني من النوع الفاخر بلون سماقي .. كان يوم الرابع عشر من نيسان يوماً ساخناً في عدن حيث تجاوزت الحرارة كالعادة الأربعين درجة وكنا على موعد مع مراسيم دفن الفقيد عزيز حيث تجمع عشرات الرفاق والرفيقات في مقبرة أرضها سبخة وموحشة .. تجمعنا حول النعش وقرأ الرفيق أبو سامي كلمة الحزب التي لم يستطع من إتمامها فكانت العبرات تستوقفه لعدة مرات.. كان الألم يعصر قلبي ولم أستطع أن أذرف دمعة وكنت أشعر أن حزني قد تضاعف بحيث أنني خفت أن تكون فاجعة ما قد ألمت بيّ عدا هذه التي أنا الآن بصددها لسوء وضعي النفسي والآلام التي شعرت بها تنزّ في صدري ذلك اليوم وقبيل وبعد تلك السويعات القليلة التي كنا نواري بها جثمان الفقيد أبو سعود..لم أكن أعلم حينها أن حدسي أو ألمي كان في محله حيث أنه جرى في هذا اليوم بالذات تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بحق حبيبة قلبي الغالية في العائلة وأختي الصغرى والتي ساهمت بتربيتها وبشكل يومي الى أن ودعتها في يوم 21 من نيسان عام 1979 بسبب إشتداد الحملة على الحزب الشيوعي والقوى الوطنية من قبل زمر البعث المجرمة ولم أستطع من رؤيتها منذ ذلك اليوم ولحين إستشهادها..., الشهيدة سحر بنت الحزب والتي إعتلت أعواد المشنقة في الرابع عشر من نيسان قبل ربع قرن من الزمان بعد أن قام المجرم المقبور عواد البندر بتحويل الحكم الأولي الصادر بحقها من المؤبد الى الإعدام شنقاً حتى الموت ...صعدت الى المشنقة بخطا واثقة وهي تزغرد وتهتف لحزبها وشعبها وكانت أقدامها الجميلة الناصعة البياض فوق رؤوس الجلادين المارقين وقد رفضت أن تضع الكيس الأسود فوق رأسها لكي تقوم بتحية الرفاق والرفيقات المرشحين بعدها لنيل الشهادة ولكي ترى بأم عينيها الوجوه الصفر للجلادين الذين كانوا حتماً يرتجفون من قوة شكيمتها ومن هتافات الشيوعيين الوداعية لها .... ربع قرن من الزمان مر ولم نسمع نكتة أو ضحكة من أختنا الصغرى سحر التي كانت تملأ البيت غبطة وسرور وكانت لاتتوانى عن تنفيذ أي مطلب لنا بإبتسامة ورضى ودلال بالوقت الذي كان يجب علينا تدليلها لأنها كانت آخر العنقود..ذهبت سحرولم تكمل ربيعها الحادي والعشرين ومعها آلاف الرفاق والرفيقات شهداء في سبيل أن تشرق شمس الحرية فوق سماء مدن الوطن الجميل الذين ضحوا بأرواحهم في سبيله .. ذهبوا بكل قناعة وبشجاعة نادرة ولم يدركوا أو يتوقعوا يوماً ما سيزول النظام بقوة أجنبية غازية وسيحل محله أناس ما كان أغلبيتهم الساحقة في المعارضة يوماً ما !! بل كان عدد لا يستهان به منهم الى يوم سقوط النظام جزء حيوي من حزبه وماكنته السياسية والعسكرية المحركة وفي غفلة من الزمن لبسوا ثوب الدين المدجج بالدجل ودخلوا من منافذ عدة ليملؤا الفراغات الهائلة التي تركها نظامهم السابق ويصبحوا وزراء وأعضاء برلمان وفي مجالس المحافظات خصوصاً ما عدا القلّة والتي كانت معنا في سوح النضال والتي قارعت النظام بصدق وإخلاص وهم لا يشكلون إلاّ جزء يسير من القوى البديلة للنظام السابق في الوقت الحاضر !! في هذه المناسبة الحزينة مناسبة مرور ربع قرن على إستشهاد سحر وفقدان الرفيق أبو سعود لا يسعني إلاّ أن أتقدم بالشكر للأخ نوري المالكي هذا الإنسان الشجاع الذي لم يتردد لحظة في توقيع حكم الإعدام بحق صدام وعواد البندر والمجرمين الآخرين بالوقت الذي رفض فيه السيد الطالباني التوقيع بحجج غير منطقية كما تردد النائبان طارق وعادل عن التوقيع بالوقت الذي أعتقد فيه أن هذا التوقيع يشرّف أي مواطن عراقي قد تضررمن جرائم النظام المقبور...لم تستطع السلطة المقبورة من إخفاء جريمة إعدام سحر وقد إضطرت الى الإعلان عن ذلك في حزيران من نفس العام 1985 لكنها لم تسلم الجثة لأحد وجرى العثور على إسمها الثلاثي بعد سقوط النظام في مقبرة أحمد السكران في بغداد ..,وفي أواخر تشرين الأول عام 1986 وبعد عدة أيام من مراسيم دفن الفقيد ستار كناوي في صوفيا عاصمة بلغاريا .. وضع رفاقنا بين يدي عدة أوراق وصحف لكي أطلع من خلالها على إستشهاد أختي الكبرى الشهيدة أنسام ( موناليزا أمين ). والتي كانت قد إستشهدت في كردستان في 7 أيلول عام 1986..... كانت كارثة حقيقية بالنسبة لي علماً أن حزني على صديقي الفقيد ستار قد إمتص جزءً من الألم .. لكني في اليوم التالي كنت على موعد مع رفاقي لتنظيم إجتماع حزبي لهم وقبيل بدأ الإجتماع الذي كان بحضور مشرف تصفحت بعض الوثائق ومن خلالها قرأت خبر إستشهاد أختي الصغرى سحر ( والذي عرفت أن جميع الرفاق كانوا ملمين به لكنهم لم يستطيعوا من مفاتحتي بذلك ) وتركوا الوثائق عمداً لكي أقرأ الخبر بنفسي وهذا ما حصل .. وكنت في حيرة وإرتباك وخجل لأنني سوف أقوم بإدارة الإجتماع وأمام المشرف ! فكيف سأتصرف !.. إستطعت بصعوبة بالغة جداً أن أكبت حزني وأقود الإجتماع لكني إنتقدت الرفاق على عدم إشعاري بذلك قبل عدة أيام ليكون حزناً واحداً على الأختين .. إعتذروا مني ولا أدري كيف قدت ذلك الإجتماع حيث أن أفكاري كانت مشتتة الى حد كبير وكنت أشجع نفسي على الصبر وتحمل المصيبة بعد سماعي خبر إستشهاد أختي الكبرى الموناليزا ( أنسام ) وتأملت خيراً ببقاء سحر على قيد الحياة لا سيما وأنني كنت حينها أعلم أنها لا زالت في السجن في العراق .. وفي هذه اللحظة الحرجة خاب أملي بشكل مفاجيء وكلي ووقعت أسير الأحزان والتي خف جزء منها أيضاً من خلال قيام جمعية الطلبة العراقيين في بلغاريا بعمل حفل تأبيني للأختين ولشهداء آخرين من داخل الوطن ولهم أقرباء في بلغاريا ..المجد لشمعة العائلة الأخت الحبيبة سحر بنت الحزب الشيوعي العراقي وجميع رفاقها ورفيقاتها الذين نذروا أرواحهم الغالية في سبيل وطن حر وشعب سعيد والموت للجلادين المارقين من أي طائفة او دين أو قومية وعاش الحزب الشيوعي ,حزب المناضلين والمناضلات في وطننا الحبيب العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشاعل على الطريق
الحارث العبودي ( 2010 / 5 / 19 - 10:53 )
المجد والخلود لشهدائنا الابرار والخزي والعار للبعث الصدامي الفاشي.


2 - المجد والخلود
مصباح جميل ( 2010 / 5 / 19 - 12:07 )
المجد والخلود للابطال 0ابطال الحزب الشيوعى 0المجد لك يا وردة الشيوعيين سحر 0 ستكونى انت وجميع شهداء الحزب نبراسا لنا ينير دربنا 0فاعواد المشانق لن تثنينا عن النضال 0


3 - رسالة الى امير امين
عبد الرزاق حرج ( 2010 / 5 / 19 - 20:50 )
الى السيد امير .تحياتي أليك
اعتقد لاتزال نفسي تتنفس ارواح زنزانات الاعدام ..لكن ياامير ..هناك غبن في صحت بعض المعلومات ..لان كنت انا ورفيق قضيتها المدعو مهدي المصاب بأحد رجليه متقابيلين في الزنزانات ..لهذا ارجو ان اوصلك العملومه بدون تشنج عاطفي ..سحر نفذ بها ليس في تاريخ 14 نيسان ..ولم تصعد على منصت الاعدام وهي كانت تزغرد وتهتف بالرغم كانت شجاعة بالتحقيق ..أعدمت بعدما وضعت ولدا هي ومهدي في حملة اعدام الشيوعيون الذي بدأ في الشهر الاول في عام 85 الى الشهر الثالث ..لآن انا نزلت من الاعدام في الشهر الخامس الى الاحكام الخاصه بالحكم المؤبد والتقيت مع اخ صباح طارش في الاحكام الخاصه..اما اذ تريد معلومات كثيره عن قضية سحر ..اعتقد اساعدك في هذا المنوال ولك تحياتي


4 - الى الأخ المعلق الثالث عبد الرزاق
أمير أمين ( 2010 / 5 / 19 - 22:14 )
عزيزي ..لقد إستلمنا وثيقة حديثة أي بعد سقوط النظام موقعة بإسم عواد البندر تنص على تحويل الحكم الصادر بحق سحر من المؤبد الى الإعدام شنقاً حتى الموت ونفذ بها بعد تنفيذه بحق الشهيد مهدي.. علماً أننا كعائلة حصلنا على معلومات كثيرة من قبل شيوعيين كانوا معها وفي نفس يوم التنفيذ وذكر أحدهم كيف أنها رفضت تغطية رأسها بالقماش الأسود وكيف زغردت وكيف أزاحت من رقبتها قلادة لكليوباترا من الذهب لترميها نحو السجناء لكي يستفادوا منها فيما لو بقي لهم من حياة.. وعندي رسالتها الأصلية من سجن الرشاد الى والد زوجها وكانت تريد الإطمئنان على وضع إبنها محمد الذي ولد في الخدج وهناك وثيقة نشرتها السلطة في حزيران عام 1985 تشير بها الى تنفيذ الشنق بحقها وبعد سقوط النظام عثرنا على إسمها الثلاثي في مقبرة جماعية في بغداد هي مقبرة أحمد السكران..علماً أن أغلب الأخبار التي وصلتنا من الشيوعيين وغيرهم والذين كانوا على دراية بوضعها منذ القبض عليها وإستشهاد زوجها صباح كانت الى حد ما متطابقة..شكراً لإهتمامك بالموضوع وسحر وكل الشهداء هم بنات وأبناء الحزب الشيوعي وإذا توفرت لك أو لغيرك أية معلومات موثقة يمكنك إرسالها الى الحزب.


5 - اخواتنا
ايار ( 2010 / 5 / 20 - 00:39 )
اخي العزيز سحر والمونليزا وعميدة وغيرهن من المناضلات البطلات لسن فقط اخواتك بل هن اخوات لنا اضئن درب النضال بنور ارواحهن المشرقة المجد والخلود لهن في كل يوم وكل ساعة


6 - رساله مرة ثانيه
عبد الرزاق حرج ( 2010 / 5 / 20 - 06:27 )
الى السيد امير
بقى من الشيوعيون هم مابين سته او سبعه في زنزانات الاعدام ثلاث نزلوا من الاعدام هم عبد الحسين فالح وخضير مطيلج وعبد الرزاق حرج ..اما الدين بقوا في زنزانات الاعدام هم عبد الحسين كحوش وحيدر ورار وثماني واجد سيف ..اعدم كل من حيدر وعبد الحسين في نهاية الشهر الثالث اما ثماني واجد في الشهر الرابع ...اما رمي قلادتها الى السجناء ..فهذه معلومه غير دقيقه ..لان غرفة الاعدام غرفه مستقله عن قاطع الاعدام ..فكيف ترمي القلاده الى الاخرين اي المعدومين معها في غرفة الاعدام ..لكن يحصل احيانا من _السجناء من الثقيله الذين يوزعو الطعام لنا _العنقرجي هم ينظفوا المكا ن خلال التنفيذ وبعده يحصلوا على ساعات وملابس واساور المعدومين ..اما نحن قبل التنفيذ ننزع ماعندنا من ساعات ومحابس واشياء اخرى الى الباقين في الزنزانه ..اما بصدد بعث المعلومات الى الحزب ..فهذه مساله اخرى انا ارت ان ادقق حول المعلومه لان قتل الانسان جريمه مع تحياتي اليك مرة اخرى


7 - تنويه لتصحيح معلومه
عبد الرزاق حرج ( 2010 / 5 / 20 - 06:45 )
الى السيد امير
في الرساله الاولى قلت اليك انا نزلت من قاطع الاعدام في الشهر الخامس ..لكن نقلت المعلومه غلط ..انا نزلت في الشهر الثالث في يوم 24 من زنزانة الاعدام انا واثنين من الشيوعيين واثنين من تنظيمات المسيحيه واثنين من الحزب الديمقراطي الكردستاني ..لك تحياتي


8 - هل مر ربع قرن؟
نادية محمود ( 2010 / 5 / 20 - 09:04 )
كأنها لازالت تعيش معنا، و كأن ما حدث قد حدث قبل ايام، يا لطزاجة الذكريات، لم تتمكن سحر من تحقيق حلمها في ان ترى الاشتراكية و الشيوعية التي ناضلت من اجلها، و لكن يكفيها فخرا انها حاولت ..حد نهايتها، اما مهتنا وجزء من وفاءنا لروحها و قلبها هو اصرارنا على اننا سنواصل الطريق

مع عميق محبتي للاسرة الرائعة

اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية