الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية والمطالب المدنية -مجرد رؤية -

محمود الزهيري

2010 / 5 / 21
المجتمع المدني



برغم المآسي التي يعيشها الأقباط المسيحيين في مصر , وكم الجرائم المتمثلة في الإذدراء والتحقير , والتي تصل لجرائم القتل أحيانا , إلا أن هناك وعي متنامي لدي العقلية القبطية المسيحية وهذا ناتج من الضغوطات التي كانت من صنائع النظام الحاكم المتواطئ مع بعض من رجال الكنيسة المصرية علي خلفيات مصلحية تدار بين مؤسسة الحكم والسلطة والأجهزة الأمنية , وبين بعض المنتمين إلي المؤسسة الدينية الكنسية , والتي جعلت من الأقباط المسيحيين بمثابة رهينة لدي النظام المصري , ولا أقول رهينة لدي الحكومة المصرية أو الدولة المصرية , بل أقول تحديداً لدي النظام الحاكم الباني فعاليات وجوده وإستمراره في السلطة علي الإستبداد والطغيان والفساد , والناظر للمسألة القبطية علي أنها المنطقة أو الجزء الرخو , أو الضعيف في الجسد المصري , ومحاولاً الضغط علي مناطق ضعفه بالتلويح بورقة التيارات الدينية الأصولية تارة , وتارة أخري بالضغط علي رجال الكنيسة المصرية , لدرجة اصبح معها الوضع متأزم بين الأقباط وبين المؤسسة الكنسية , والمأزوم في النهاية هو المواطن المصري المسيحي أو المسلم الشيعي أو السني أو البهائي أو غيرهم .

بالرغم من أن الأوراق مختلطة لدي النظام الحاكم إلا أنه يقوم بترتيبها من وقت لآخر حسب منطلقات منظومته الإستبدادية في الطغيان والفساد , ومن ثم كان الزج بالأقباط وبالقيادات القبطية الكنسية نحو درج المطالب الدينية بالتأسي بالمطالب الدينية المتاحة للمسلمين , وكان السير في طريق حتماً مغلق تجاه التحرر من ربقة وذل واستعباد النظام الحاكم للمواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين بل شيعة وبهائيين , وحتي النوبيين , وقراءة الواقع المصري المفضوح يشهد بذلك .

الأقباط بدأوا في السير تجاه مطمح الحقوق المدنية , والكنيسة تدفعهم تجاه مطمح الحقوق الدينية , ولكن خطايا النظام الحاكم وإجرامه في حق الأقباط تحديداً جعلهم يخرجوا علي إرادة الكنيسة المصرية التي في الظاهر وكأنها تريد أن يتحول الأقباط جميعهم إلي سالف التاريخ فيما تم التعرف عليه برهبان العامود !!

أعتقد أن المظاهرات الأخيرة التي تأهب لها العديد من الأقباط واستعدوا لها لدرجة أن يأتوا للقاهرة من الصعيد أمام دار القضاء العالي منددين بحملة الإعتقالات التي طالت أهلهم , بل ورافضين بعض النداءات لمن يفترض فيهم أنهم قيادات مدنية حينما نادي بشعار ( إحنا ولادك يامبارك ) وخالفوه في النداء ورددوا الشعارات التي تروق لهم !!

بل وكانت مظاهرات مركز المليون ورائدها هاني الجزيرى بمثابة إنطلاقة نحو البوح والفضفضة ولكن بالصوت العالي , وفي الشارع العام .

هذه المظاهرات والوقفات الإحتجاجية كانت تسبقها مظاهرات ووقفات إحتجاجية لأقباط الخارج في معظم دول أوروبا وكندا وأمريكا وأستراليا , ومع شديد الأسف فإن الكنيسة المصرية ترسل مندوبيها في محاولة لمماراة الطغيان والإستبداد المصري , محاولة منع تظاهرات وإحتجاجات الخارج بإدعاءات واهنة تخدم علي الطغيان الكنسي المتوائم مع الطغيان السياسي في سلب الحقوق المدنية وتحويل رصيدها ليكون في المقابل رصيداً دينياً مؤجلاً للآخرة بزعم رضاء المسيح وفقط , وهذه المسالك لاترضي المسيح ولا ترضي أي نبي من الأنبياء في الديانات السماوية أو حتي الديانات الوثنية .

مطالب الكنيسة روحية سماوية متمثلة في الخلاص من علائق الفساد والطغيان والظلم , ومتمسكة بالخلاص من العفن الدنيوي , ناظرة للطهر السماوي , ورسالة السياسة تنظر وتبحث في مطالب الجسد وإشباع غرائزه في إطار منظومة دستورية وقانونية تحظي بالتقدير والإحترام في كل نصوصها القانونية المتوجب إتباعها , ومن يخالفها يقع تحت طائلة منظومة العقاب الآني وليس المؤجل .

فمن يحاول أن يسرق الآني لصالح المؤجل , لن نراه إلا مؤيداً للفساد والطغيان ومؤيداً لمنظومة الإستبداد .

الأقباط في مجملهم أصبحوا علي وعي بمطالبهم كمواطنين رسالتهم الحقيقية في إرساء دولة المواطنة , وهم من أوائل الناس الأقدر علي حمل تبعة إرساء قواعد دولة المواطنة , ولكن الكنيسة المصرية بمساعيها المتدخلة في المسائل السياسية ومساندة السلطة هي التي تعرقل أولي خطوات السير في وضع لبنات دولة المواطنة , مثلها في ذلك مثل باقي التيارات الدينية الإسلامية التي تمسك بتلابيب الأطراف وتترك أصل الموضوع , وتنظر للشكل وتهمل المضمون , فالمضمون هو الديمقراطية والحريات الفردية والإجتماعية وحقوق الإنسان المجرد من أي إنتماء سياسي أو ديني , وهذا هو المطمح الإنساني للرقي بالمجتمعات وتحقيق دولة المواطنة .

الأقباط ليسوا أرانب بطاريات , ولم يريدوا أن يكونوا كذلك , ولكن هناك من يريدهم كذلك , والفترة البسيطة الماضية أظهرت أن هناك تحولات في الوعي القبطي , وكان مرجعها في الأساس هي سلطة الطغيان الحاكمة , وطغيان الكنيسة المصرية الواقع علي الأقباط أنفسهم بتدخلاتها السياسية , فهم بين فكي سياسة النظام الحاكم , وسياسة الكنيسة المصرية الرافضة أن يكون لها قرار ضد الإنتهاكات الواقعة علي الروح والجسد القبطي .
يؤكد ذلك ماحدث في الوقفة الإحتجاجية داخل الكاتدرائية بالعباسية وأمام المقر البابوي , وماردده الأقباط من هتافات تندد بالحزب الحاكم وتدخل ثلاثة اساقفة لمنع هذه الوقفة ومنع هذه الهتافات , وكذلك تدخل أمن الكاتدرائية لفض هذه الوقفة الإحتجاجية المنددة بالحزب الحاكم , والتي أعلنت عدم النية في إنتخابه .

الأقباط والتظاهرات


الأقباط هم وباقي الأقليات الدينية قد أصابتهم عدوي التظاهر مثلهم في ذلك مثل باقي الأقليات المثقفة والكاريزمات المقهورة , حتي أن الهتافات التي أصبح يحملها الأقباط ويرددوها في هتافاتهم وكأنها مكررة بتعديلات بسيطة لتعبر عن الهم القبطي بشأن خاص , وعن القضايا الداخلية بشأن عام , وعلت الهتافات لتطال رموز الحزب الوطني الحاكم في مصر , وكأن كمال خليل , وكمال أبو عيطة هما من يهتفا , ويردد ورائهم الأقباط الهتافات التي تطال الحزب الحاكم نفسه في حالات من الرفض وبالصوت العالي , ولكن هذه المرة داخل الكاتدرائية بالعباسية وأمام المقر البابوي مباشرة , بل وأثناء العظة الأسبوعية لرأس الكنيسة المصرية البابا شنودة , ولكن الكمالين كانا من الأقباط .

واللافت للنظر أن هذه الوقفة الإحتجاجية حضر إليها من صعيد مصر بعض الشباب والشابات وأذكر منهم فيرونيكا وأبانوب من قنا وهما أبناء هالة المصري المغضوب عليها من النظام الحاكم , والمنظور إليها من الكنيسة المصرية علي أنها من الضالين سياسياً , لما تقوم به من أعمال نضالية من أجل القضية القبطية تخالف في الرأي والتوجه بعض القيادات الكنسية .
الغريب في الأمر أن يتم التعتيم الإعلامي علي هذه الوقفة الإحتجاجية ويتم منع وسائل الإعلام والفضائيات عن تغطية هذه الوقفة الإحتجاجية التي تحولت لتظاهرة , وهذا لأنها ضد الحزب الحاكم ورموزه .
وما كان من رجال الكنيسة المصرية إلا أن توافقت إرادتهم مع إرادة أمن الكاتدرائية في السعي لفض هذه التظاهرة , في مشاركة غير نزيهة , لدرجة أن سكرتارية البابا شنودة تعلن عن :" عدم جواز الهتاف ضد الحزب الوطني " وكأن الكنيسة المصرية قد تحولت بإرادة فاعلة وناجزة لتكون بديلاً موازياً لدار الإفتاء المصرية , أو لجنة الفتوي بالأزهر, بل وتمت ممارسة التهديدات للمتظاهرين بالإنصراف وفض هذه التظاهرة الموجهة ضد الحزب الحاكم , بما أرتكبته أيادي المنتمين إليه من جرائم ضد الأقباط , واعتراضاً علي مذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد .

إن شكوي الأقباط من التعتيم الإعلامي علي أزماتهم ومصائبهم من قبل الدولة والكنيسة تمثل تحالف خفي غير شريف تنبئ عنه ممارسات كنسية في العلن , منها ماحدث في هذه الوقفة الإحتجاجية يوم الأربعاء أمام المقر البابوي بالكاتدرائية بالعباسية .

وتهديد الكنيسة للشباب بالإنصراف وفض الوقفة الموجهة ضد الحزب الحاكم الذي خرج منه أحد المحرضين المجرمين يعتبر تدخل سافر من الكنيسة في السياسة رغم تصريحات الكنيسة بعدم التدخل في السياسة وأنهم روحانيين فقط , و هذا يعتبر مؤشر خطير علي تواطوء الكنيسة مع النظام الحاكم , وإلا ماذا يعني أن ثلاثة أساقفة هم من يمثلوا الزراع الأيمن للبابا شنودة هم من هددوا الشباب بإبلاغ الأمن عنهم لفض الوقفة الموجهة ضد الحزب الوطني لما اقترفت يداه بحق الأقباط بمذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد , واعتبر الشباب زيارة أحمد عز للغول رسالة صريحة للأقباط ان الحزب الوطني يبارك ويحمي قتلة الأقباط
.
أهتزت كراسي الأساقفة حينما سمعوا هتافاً ضد الحزب الوطني ( موش هنرشح حزب وطني , نوابه بيقتلوا القبطي ) وهرولوا إلي أسفل تاركين المقر البابوي الي حيث الوقفة علي سلالم المقر البابوي وطالبوا الشباب الذين أتوا خصيصاً من نجع حمادي ومعهم بعض أهالي الشهداء , وطالبوهم بالإنصراف فوراً وعدم الهتاف ضد الحزب الوطني , ولكن تصميم الشباب القبطي علي توجيه الرسالة كان حازماً مما أزعج الأساقفة , ووضعهم في موقف مخجل , وقالوا لأحد المشاركين والذين حاولوا التفاوض معهم : إنت كدا بتصغرنا !!
فهل يعقل هتاف شباب غاضب أن يصغر من هامات أساقفة لهم كينونة دينية موقرة !
وهل يعقل أن أمن الكاتدرائية بدعمه من ثلاثة أساقفة هم الأنبا إرميا والأنبا يؤانس والأنبا بطرس من سكرتارية البابا، وهم من يطالبوا الأمن بالتوجه إلى المتظاهرين ويطالبوهم بوقف المظاهرة، مؤكدين أنهم ينقلون تعليمات من البابا بالامتناع عن الهتاف ضد الحزب الوطنى داخل الكاتدرائية.


.

فهل قداسة البابا شنودة هو من أصدر الأمر للثلاث أساقفة المقربين من قداسته , أم أن هذا تصرف شخصي تم زج إسم البابا شنودة فيه لإرضاء السيادة الأمنية , والقداسة السياسية ؟ وهل يرضي بهذا التصرف , وهل يرضيه منع وسائل الإعلام من تغطية العظة الأسبوعية بسبب الوقفة الإحتجاجية , وهو الرجل الصحافي المعروف وعضو نقابة الصحافيين إلي الآن .
مدير أمن الكاتدرائية وقف يصرخ في الشباب مهددا تارة , ومتوعداً تارة أخري , ومحاولاً الوقيعة بين الشباب ومنظمي الوقفة الإحتجاجية مستخدماً لغة العمالة وقبض الأموال وأن هذا العمل من أجل حفنة من أصحاب المصالح فقط !!
ماحدث في الكاتدرائية من وقفة إحتجاجية تحولت إلي تظاهرة أمر يمثل تقدم في المطالب السياسية للأقباط , ويعتبر تحول في التوجه من المطالب الدينية المهدورة إلي المطالب السياسية المغدورة , بل ويضع القيادات الدينية في الموضع الذي يتوجب عليها أن تكون فيه , وهو الأعمال الدينية والسمو بالروح عن الدنايا والخطايا , وماحدث في هذا اليوم أعاد للكثير من الأقباط بعض من الروح المفقودة والعزلة المبتغاة , لتكون بداية تحرر للأقباط ليقولوا علي الدوام أننا لسنا أرانب يتم تربيتنا في بطاريات , وإنما ستكون بداية لمرحلة الأرانب البرية التي تمتلك حريتها الكاملة وتصنع بدائل للحفاظ علي أمنها وسلامتها من السباع والضباع الضارية في غابة الوطن .
أعتقد أن الأقباط بصفة خاصة , والمصريين بصفة عامة بات رفضهم لأن يكونوا أرانب بطاريات أو حيوانات داجنة كما يريد لهم الطغيان السلطوي والفساد والإستبداد السياسي ــ وهذا الرفض والتحول قد بات وشيكاً لأن يكونوا مواطنين كاملي المواطنة , شريطة تخلي السلطات الدينية والروحية عن توجهاتها السياسية الخادمة للطغيان والإستبداد بجملة المطالب الدينية علي حساب المطالب الإجتماعية والإفتصادية .

الأقباط والمشترك الإنساني

الحديث عن الكنيسة المصرية وتمازجها السياسي مع النظام الحاكم ليس الغرض منه الحط من قدر الكنيسة الديني الروحاني , فهذا عبث وهراء إن كان الظن كذلك .
الباعث علي هذا الأمر ليس من قبيل النقد الديني , ولكن حينما تتعرض الكنيسة المصرية لأمور متعلقة بالسياسة والحكم , فهذا لايليق بالديني أن يتدنس بالدنيوي الخاضع للأهواء والرغبات والنزوات والمصالح .
الأقباط بالفعل تراد لهم القوي المجرمة أن يظلوا مهمشين في الحياة الإجتماعية قبل الحياة السياسية , وهذا مشاهد في الصورة الإجتماعية والسياسية المصرية , وإن كان هناك في المشهد الإقتصادي العديد من النجاحات , إلا أن الإقتصاد والثروة دائماً تحتمي بالسلطة , والسلطة الغاشمة علي الدوام تتقرب من أصحاب الثروة وتحاول أن تمنحها قدراً من المصداقية المزيفة .
الدور يأتي علي مهمشي الأقباط وفقراؤهم , مثلهم في ذلك مثل بقية المصريين الحاملين لنفس الأوجاع والأمراض والممارسين لذات العذابات المصنوعة بأيادي أرباب الطغيان والإفساد السلطوي الإستبدادي . فهم من يعانوا علي الدوام .
المتوجب علي الكنيسة المصرية أن يكون حديثها في السياسة حيادي فقط , وغير منحاز لسلطة الفساد والإستبداد والطغيان المصري , ويتوجب عليها أن تترك المساحة الحرة للأقباط في إختياراتهم السياسية حسب موائمات كل مواطن قبطي ومدي علاقته بمن سيمثله سواء في النقابات المهنية أو الأحزاب السياسية , أو هيئات ومؤسسات المجتمع المدني , من غير أن يكون هناك سلطان ديني علي إختيارات سياسية متصلة بإدارة الحكم والسلطة , أو إدارة مصالح المواطنين , وحتي في السياسات الخارجية العابرة لحدود الوطن , وخاصة أقباط المهجر , فهم لهم الرؤية الخاصة بهم في إدارة مصالحهم السياسية عبر الداخل والخارج , ومن حقهم النقض والنقد للسياسات العنصرية التمييزية البغيضة التي تمارسها السلطة في مصر , بل وإبلاغ الصوت القبطي للخارج .
وهذه الجزئية لها أصداء أضرت بالشأن القبطي داخلياً وخارجياً بسبب من تدخل الكنيسة المصرية في شئون أقباط المهجر .
الكنيسة المصرية من الممكن أن يكون لها الدور الريادي في تحسين ظروف وأحوال ومعيشة الإنسان المصري بجدارة علي المستوي المسيحي أو الإسلامي أو حتي علي مستوي الأقليات الصغيرة جداً داخل مصر , وهذا من خلال المطالب الإجتماعية والإقتصادية التي تتمثل في المشترك الإنساني ببساطة مفاهيمه , وأما الحديث عن المطالب الدينية , والولوج في قضايا يصنعها النظام الحاكم والتعتيم عليها فهذا من باب السكوت عن تعرية فسادات النظام الحاكم .
الحديث عن مطالب دينية ضيقة من باب الإستجداء من السلطة أو بعبارة أكثر ظرفاً "جريمة الصلاة في كنيسة بدون ترخيص " لأن الحاكم بأمر الله لم يعطي الترخيص بعد للمؤمنين المسيحيين بعبادة الله , وكذا الحديث عن إصلاح وترميم الكنائس والمرافق الخاصة بها كدورات المياه والصرف الصحي , بل وصنابير المياه التي تحتاج إلي موافقات أمنية مدعومة بخلفياتها السياسية العنصرية البغيضة , لإصلاحها .
فإذا كان الأمر علي هذا المنوال , فلماذا تقف الكنيسة المصرية مع النظام الحاكم وتدعمه , وتعلن تأييدها لمنظومة إستمرار وجوده ؟!
ناهيك عن الجرائم الممنهجة في حق الأقباط , والمجال لايتسع لسردها , وآخرها مجزرة نجع حمادي .
الأقباط قد يكونوا حصرياً هم من يدخلوا إلي دور العبادة وهم مؤمنين بالدولة المدنية , ويخرجوا منها وهم أشد إيماناً بها , وبل وتذداد مساحة الإيمان المسيحي القبطي بالدولة المدنية كلما يذداد حجم الظلم والإضطهاد الواقع عليهم أثناء ممارساتهم اليومية .
رهان الكنيسة المصري علي النظام الحاكم رهان خاسر ومعوق لطموحات الأقباط , حال كون هذا الرهان قائماً علي تغذية الوجدان المسيحي بالتخوف من البديل الإستبدادي الطغياني الآخر المجسد في صورة الجماعات الدينية الراديكالية , وعلي الرأس منهم جماعة الإخوان المسلمين , وتغذية هذا الشعور بالعداء لتلك الجماعات وفقط , علي زعم أنهم البديل المتخوف منه , ومن ثم يكون الإرتماء في أحضان النظام الحاكم أرحم وأهون من هذا البديل . هذا من باب القراءة المغلوطة للواقع , فالإخوان والنظام الحاكم وجهان لعملة واحدة , أحد وجهيها الإستبداد المبني علي الوصاية واحتكار الوطنية بالنسبة للنظام الحاكم , وبالنسبة للجماعات الدينية وجه الوصاية واحتكار الدين ومصالح الأمة الإسلامية , والوجه الآخر هو الطغيان الظاهر في بؤر الطغيان الإستبدادي في العالم العربي إن جاز الوصف . أو كمال قال الناشط الحقوقي مجدي خليل مدير منتدي الشرق الأوسط للحريات : نظام مبارك والاخوان أخوة فى الرضاعة.
البديل السياسي المتفق عليه في الجماعة الدولية هو دولة المواطنة المؤسسة علي مدنية المجتمع , وهذه الدولة مفرداتها تستلزم لغةغير اللغة الدينية أو الطائفية العنصرية , لأنه وكما يعلن سمير مرقص في مقاله بالشروق المصرية 15 / 2 / 2010 من أنه : مع انطلاق النزاع الدينى منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضى، بدأ السجال الدينى يأخذ طريقه إلى المجال العام بين المسلمين والمسيحيين، إنه سجال يقوم على التجاذب العقدى: الفقهى واللاهوتى، حول أفضلية كل دين، وقد ساهمت الفضائيات والإعلام الالكترونى من غرف دردشة، ويوتيوب، ومواقع على تكوين عالم سجالى شبكى واسع، على تأجيجه.. ومطالعة سريعة لما يتضمنه تؤكد ما أقول كما تشير إلى أن هناك عالما آخر غير الذى نعرفه هو الذى يشكل الوجدان والذاكرة لعموم المواطنين.. حيث تم توظيف الاختلاف الدينى باعتباره خلافا يستدعى القتال والسجال والنزاع.. وعليه بات كل طرف يستدعى ما يبرر له الانقضاض على الطرف الآخر أو ما أطلقنا عليه، مرة، «نفى الآخر».. ويتدرج النفى من: الإهمال إلى إنكار الوجود إلى إهدار الدم.
ويذهب إلي أنه: بدلا من أن ننحاز للنقاش الوطنى المشترك ولقضايا الوطن كما حدث فى 1911، خرجنا بعيدا عن المجال العام الجامع إلى خنادق تمترسنا فيها.. خندق يعلن مطالبه الدينية بالأساس.. وخندق مضاد ينشر مقاطعة اقتصادية للشركات المملوكة لأقباط.. كل ذلك تحت مظلة فقهية ولاهوتية تدعم الفرقة وتباعد بين المصريين.. ومقولات تجرح فى عقيدة كل طرف.. ولعل الحوارات السياسية التى دارت عقب جريمة نجع حمادى تشير إلى التراجع الشديد الذى أصاب حواراتنا حيث مالت إلى أن تكون دينية .
والسؤال الذي يفرض نفسه عن ضرورة التفرقة بين الوصاية الدينية والوصاية السياسية , وأهمية نزع الوصاية السياسية عن الوصاية الدينية للكنيسة المصرية حتي لاتتماثل مع المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية التي هدفها ورسالتها الحقيقة المنوطة بها هي أسلمة الدولة ومؤسساتها , وليس أسلمة المجتمع , فالفارق ضخم وشاسع لأن أسلمة الدولة هي علي الدوام ضد التدين الفطري الطبيعي للمجتمع أياً كانت إنتماءات أعضاء المجتمع الدينية , في حين أن الجماعات الدينية الخارجة عن إطار المؤسسات الدينية الرسمية هي من تسعي لأسلمة المجتمع في البدء وصولاً لغاية أسلمة الدولة , وهدفهما السامي المشترك حسب معتقداتهم الدينية يلقي نقطة إتفاق وتلاقي مشتركة , والكنيسة حينما تمارس هذا الدور ويصبح لها وصاية سياسية علي الأقباط تنحي نفس المنحي وتتجه لنفس الوجهة المرفوضة من التيار الديني الإسلامي الرسمي , وغير الرسمي , ومن ثم يتم التعزيز لأركان الدولة الإستبدادية بطغيانها وفسادها , والتي تنقلب في نهاية الأمر علي كافة الأقليات الدينية والعرقية بإعتبارها الجزء الرخو أو الضعيف في جسد الوطن , ويتم فرض الوصاية الدينية علي هذه الأقليات لتكون تحت وصاية لون جديد من ألوان الذمية أوأهل الذمة !!
دور الكنيسة دور ديني روحاني يبدأ مع الله وينتهي مع الله من أجل متطلبات الروح , أما متطلبات الجسد فتديرها شئون السياسة وتنظمها الدساتيروالقوانين واللوائح والنظم التي تهتم بأمور الحياة من تعليم وسكن ومواصلات وصرف صحي , وعلاج , وغير ذلك من الأمور الأخري التي تنظمها خطط السياسة وبرامجها .
أظن أن الأقباط قد أصبح لديهم الوعي الكافي في الإعلان عن حقهم في المطالبة بمساواتهم في الحقوق والواجبات داخل إطار منظومة الوطن والسعي لبناء دولة المواطنة , وأن الكنيسة بمحاولات فرض سيطرتها وتوجيهاتها السياسية ستجعل الأقباط في حالة عصيان سياسي للكنيسة خاصة في ظل المتغيرات الداخلية والخارجية الدولية , ومظاهرات الأقباط تشهد علي ذلك !!
وأعتقد أن خطاب المشتركات الإنسانية هو الخطاب المناسب للكنيسة المصرية لكسب التأييد القبطي والتأييد الدولي لقضية الأقباط بإعتبارهم أقلية دينية مصرية , ونظام الطغيان الحاكم لايتعامل معهم بوصفهم مواطنين مصريين لهم حق المواطنة وهذا مايشهد به الواقع المعاش ويقر بذلك !!
والأقباط من حقهم أن يقرروا مطالبهم المدنية والسياسية , والكنيسة تنفرد حصرياً بالمطالب الدينية والروحية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مكالمة هاتفية
مصرى100 ( 2010 / 5 / 21 - 17:56 )
الأخ الفاضل محمود

بحسب ماورد بجريدة الكرامة فى ذلك الحين , فقد وردت لقداسة البابا مكالمة هاتفية من قيادى كبير - لم تذكر أسمه - طالبه فيها بفض هذه التظاهرات والتوقف عن الهتاف ضد أحمد عز والحزب الوطنى . للعلم والاحاطة , مع جزيل شكرى وتقديرى لسيادتكم على هذا الاهتمام ورؤيتك المنطقية العادلة وفكرك التنويرى .

تكرم عزيزى


2 - لا تخلطوا الأوراق
كاره المذلّ المهين ( 2010 / 5 / 21 - 20:12 )
أستاذ محمود الزهيري و مصري ...

الدين المسيحي لا يخلط بين الروحانيات والسياسة و لا يمزج بينهما...

بل أنه بحسب الدين يجب على المسيحي قبول كل سلطة لأنها من الله كما يقول بولس الرسول بل و أن يصلّي في الكنيسة من أجل الحكام ويدعو أن يباركهم الله ويلهمهم لفعل ما فيه الصالح العام وهذا جزء لا يتجزّأ من قداس الأحد

هل تريدون من البابا شنودة والأساقفة أن يعملوا بما يخالف عقيدتهم لتستريحوا؟

داخل الكنيسة لا سياسة يا إخواننا وما فعله الآباء الكهنة صحيح !
لا سياسة في الدين كلمة حق ...قالها غبي متعصب ثم عمل بعكسها
لا سياسة داخل أسوار الكنيسة يا أخي الأستاذ محمود الزهيري

أمّا خارجها فالأمر لكل مواطن حسب رأيه السياسي فإن تجمّع الأقباط وحدهم أو تجمّعوا مع مسلمين إخوان لهم في الشارع وهتفوا مع أو ضد حكومة أو سياسة ما فأحرار هم..أمّا من أراد الإحتماء داخل أسوار الكاثدرائية للهتاف فهو يعمل ضد تعاليم دينه


3 - صفقات ما بين الكنسية والنظام
سامي المصري ( 2010 / 5 / 23 - 04:51 )
السيد كاره أتعجب جدا من تعليقك! عجيب أن قبطي يستخدم الكتاب المقدس ليدافع عن إدارة كنسية تبيع اِلأقباط في كل يوم لنظام فاسد بثلاثين من الفضة، بذلك تفوق المتأقبطون على المتأسلمين في اِلإساءة لدينهم، فما كتبته بالأسف بقدر ما يسيء جدا للكتاب المقدس وللمسيح لحساب سيادة الكاره المذِّل المهيمن (الحقيقي وليس الكودي) بالكرسي المرقسي، ففي نفس الوقت دفاعك المرفوض لن يعفي البابا شنودة ورجاله من وقفتهم أمام الله ومن محاكمة التاريخ لهم على ما ارتكبوه ويرتكبوه كل يوم من مفاسد ضد المجتمع القبطي. الكاتب الوطني الرائع المهتم بقضية آلام الأقباط والمدافع عن حقوقهم يكشف النقاب في مقاله عن فساد متجذر في أعماق إدارة كنسية يعتمد عليها النظام لذبح الأقباط وإذلالهم. الصفقات الجارية بين النظام والكنيسة هي من أهم أسباب مواجع المجتمع القبطي بشكل خاص والذي تجاوز كل حدود في أفسد الحياة المصرية كلها؛
تحيتي وشكري للكاتب العظيم الذي تزداد في كل يوم معزتي له وإجلالي؛


4 - الأستاذ سامي المصري
كاره كل مذل مهين ( 2010 / 5 / 23 - 08:59 )
ردي لم يكن للدفاع عن أحد بل جاء لتوضيح نقطة هامة وهي وجوب الفصل بين الدين والسياسة...بل إنني أوافقك بأن من بين رجال الكهنوت الصالح والطالح المخلص والعميل كما بين باقي البشر فلا عصمة لهم البتة

إنما جاء تعليقي أمام استهجان الأستاذ الكبير محمود الزهيري منع الهتافات الدينية ((( داخل أسوار الكنيسة ))) فوضّحت لكل من معاتب أن هذا المنع صحيح وأساسه من المسيحية ذاتها

تقع المسيحية في تناقض مع نفسها إن حملت السلاح كما تفقد روحها إن سمحت للسياسة بالدخول في (((ساحات وأماكن العبادة العقيدة)))....

في المقابل أوضحت ان العمل السياسي والحزبي لا حجر عليه شرط أن يكون خارجا وغير مرتبط بدين بل هو عمل وطني صرف حتى لو كان للدفاع عن حق الأقباط حيث يقف معهم كل مصري شريف من كل عقيدة من منطلق العدل وحقوق الإنسان

يفخر اخواننا الأقباط دائما بكلمات أحد بطاركتهم عند رفضه رعاية قيصر روسيا بإن الكنيسة لا تعتمد على قوة بشر يموتون بل على الحي غير المائت...وهذا الموقف أكثر تطرفا من مجرد منع هتافات من فهل كان ذلك البطريرك على خطأ؟


5 - الأستاد كاره تحياتي؛
سامي المصري ( 2010 / 5 / 23 - 12:27 )
الأستاذ كاره الفاضل دعني أولا أعتذر لك فلم أفهم قصدك، وبالمناسبة ليتك تغير اسمك فهو يوحي بالعدوانية رغم أنه يحمل نفس طيبة. المشكلة القبطية يعرضها الأستاذ الزهيري بكل المصداقية والدقة. الأنبا شنودة متواطئ مع السلطة لحساب مفاسده الشخصية. الفساد الديني والفساد السياسي ضرب مصر وهم في تعاون كامل ضد مصر وشعبها. المسيحية ترفض الجمع بين السياسة والدين وتاريخ الكنيسة يسجل عظمة البابا بطرس الجاولي الذي رفض الحماية الروسية للأقباط كإنسان حر. وفي نفس الوقت البابا كيرلس الخامس وقف بجانب عرابي ضد الخديوي توفيق والاحتلال البريطاني للإسكندرية. الكنيسة أيدت أولادها في الوقفة الوطنية للأقباط مع سعد زغلول. الإدارة الكنيسة القبطية اليوم مختلفة فهي تعمل بالسياسة في تواطؤ مع السلطة، وهي لا تتحمل مسؤوليتها الأولى لتبذل الحد الأدنى من الجهد للدفاع والاحتجاج ضد جرائم الدولة بل تمسك الأقباط لتسهل مهمة النظام في ذبحهم. في مقابل ذلك النظام يترك للإدارة الكنسية حق التمتع بثروات الأقباط بلا ضابط لذلك يؤيدون مبارك والتوريث وحتى الشريعة الإسلامية. آسف مرة أخرى تقبل تحياتي مع مزيد إعزازي ومحبتي للأستاذ الزهيري؛


6 - أخي العزيز الأستاذ سامي المصري
كاره كل مذل مهين ( 2010 / 5 / 23 - 13:08 )
أشكر لك كرم أخلاقك في ردك اللطيف على تعليقي وأعيد التأكيد على أن رجال الدين ليسوا فوق مستوى الشبهات بالضرورة بل إن هناتهم وأخطائهم تتطلب عقابا أكثر صرامة من أخطاء غيرهم لأن المفترض أنهم يشكلون القدوة

أما عن رأيي في هذا أو في ذاك منهم فأعتبر أنه ليس لي للأسف معرفة كافية ودقيقة تسمح لي أن أدين..لكنني عالم أن المتاح لغيري من معلومات قد تتيح له إبداء رأي يتحمل المسئولية الأدبية عنه

مع تحياتي وجزيل شكري لك و للأستاذ الكريم محمود الزهيري

اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م