الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قُرَنٌ شهيدة

نقولا الزهر

2010 / 5 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



صيدنايا القديمة، التي سميتها في مقالٍ سابق لي(وادي القديسين)،محاطة بالمرتفعات الصخرية من كل جهاتها، ما عدا جانبها الشرقي فهي تنفتح على سهل مشترك مع قرية معرة صيدنايا. في محيط قريتنا المرتفع وبين كرومها وسهولها ووديانها كانت هنالك ذرىً صخرية جميلة، سمَّاها أباؤنا وأجدادنا بالقُرَنِ(جمع قرنة). في محيطها الغربي كانت قرنة (حَسْنا) و في جنوبها (نُقر الزيت) أو قرنة (مار جريس)، ومن شمالها صخور (القلعة) ومن جنوبها (القرنة الصغيرة) وقرنة (شيرْ نَطْبة) و(قرنة غِرا)، وصخرة (الأووز) التي كانت تبدو لمارة الطريق الجنوبي كتمثالٍ منحوت على ظهر هضبة ترابية. و في الكروم الشمالية الشرقية قرنة (حِصبْنًيَّة) و قرنة (رْحوبيث) وفي كرومها الغربية قرنة (الغرب). وهنالك قرن أخرى أكثر بعدا ...مأساة قريتنا القديمة جاءت مع الغزو الاسمنتي والناظم المعماري الفالت من عقاله، واكتمل المشهد بأن معظم هذه القُرَن الجميلة لم يعد على قيد الحياة . فإحداها شوهت بالمداجن وأخرى شوهت بالسجن، وبعضها مُسِح من على وجه الأرض بفضل أصحاب المرامل والكسارات وداعميهم، وبعضها الآخر سرقه وطُوِّبَه المدعومون ليتحول إلى غابات من الأبنية الرمادية االشاهقة.. ولم يبق من هذه القُرَن التي كانت تشكل جزءاً من جغرافية القرية وتاريخها وحكاياها غيرُ أسمائها. فيبدو أن أسماء الأمكنة لا تموت وهي أطول عمراً من مسمياتها، وتبقى في ذاكرة الناس ولكن هذه الذكريات حزينة في أغلب الأحيان، وخاصة أن هذه القُرَنَ التي تم اغتيالها لم يرتفع فوقها بناء جميل واحد يسر العيون... والمفارقة أن قبل ألف وخمسمائة عاماً أقيم على مرتفع صخري يقع شمال شرقي القرية دير جميل يشبه سفينة راسية على جبلٍ لا يزال قائماً بكهوفه وتضاريسه الجانبية، وهو عامر حتى الآن برونقه وجماله ويزوره الناس من كل أنحاء المعمورة... كم كنت أتمنى أن يبنى على سفح القرنة المقابلة (نقر الزيت) قصر بلدي يليق بقريتنا التاريخية... كتبت هذه المقالة القصيرة بينما كنت أقرأ عن أول قرية أيطالية قد بنت قصرها البلدي في عام 1350. فيبدو أن لديهم المستوى المعماري للقصر البلدي يعتبر مقياساً لتقدم ومدنية أي مدينة أوقرية....
دمشق في 25/5/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سراة القوم في هذه الأيام يرفضون القمم ..؟؟
غطفان الدمشقي ( 2010 / 5 / 26 - 00:48 )
ليعيشوا أبد الدهر بين الحفر ..؟ هذه القرن كانت صلدة عنيدة ينام في كهوفها ويستظل بصخورها أصحاب الأرض وحماة القرية والعرض اباؤنا.. في أشد الظروف قساوة ومرارة عبر التاريخ ,, وكانت مقاماً في الليل للنقط , هل تعلم ياعزيزنا أبانسرين ماهي النقط ؟؟ هي مفارز أجدادنا واّبائنا ببنادقهم وأسلحتهم البسيطة وأجسادهم التي حموا بها وجود القرية عبر متاريسهم في هذه القرن وصدوا كل الهجمات الهمجية والمذابح الطائفية التي مرّت على سورية .. وهذه الأجيال التائهة والضائعة في مجتمع الإستهلاك والهمبرغر والإستبداد اليوم ,, تنفذ مايطلب منها وماتطلبه
الغرائز وشرائع الغاب المنفلتة...كل شيء مستباح ومهدد بالإلغاء مادام وعاظ السلاطين يبيعون الضمير برخص التراب ..حماكم الله
ملاحظة : سبق أن هدموا بناء الصرنوبة الجميل في رأس العامود وسرقوا صخوره الضخمة التي كانت بشكل هرم صغيرأثري خلف مبنى المدرسة...؟


2 - انهم يمسحون التاريخ باحذيتهم العسكرية
دمشقي ( 2010 / 5 / 26 - 08:28 )
إنهم مصممون على مسح سوريا من الوجود ، إنهم مصممون على مسح تاريخ سورية من الوجود ، إنهم يسرقون الاثار ويبيعونها ،ويدمرون الانسان فيها . إنها حكاية بلادي التي انهكها الفساد والاستبداد


3 - الأستاذ نقولا الزهر المحترم
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 5 / 26 - 09:17 )
ها هو عقل أزور جديد تدلنا عليه بعد مقالتك ( ثقافة الكم والحجوم ) بالنسبة لي اذا سألني أجنبي ماذا تمثل لك صيدنايا فسأجيبه دون تردد : واحدة من اثنين , إما مداجن , وإما ويا للهول سجن , بعد أن كانت حقاً وادي القديسين . ثم إن أمنيتك غريبة أستاذ , فقد ذهبت في جولة حول صيدنايا ومعرة فدهشت من كم القصور التي لا نراها إلا بألف ليلة وليلة , وحدثني أحد المهندسين أن قصراً لمسؤول كبير من إياهم بعد أن انتهوا منه وعلى بنا رح يسكنوه قامت زوجته المصون وغيرت الحنفيات والمغاسل وكلفت اثني عشر مليون ليرة سورية , مليون وليس ألفاً أستاذ . اليوم قرأت في صفحة السيدة الأستاذة مريم نجمة نسائيات , فهل ترى صورة زوجة هالمسؤول هالخنفشارية بين صورة النساء التي طرحتها ؟ آه لو كانت صيدنايا بيد الأجانب !لأحالوها جنة صيدنايا بحق وحقيق , شكراً لك ودمت بخير


4 - إن البلاد في طريقها للاستشهاد
فلورنس غزلان ( 2010 / 5 / 26 - 21:56 )
ياعزيزي الكبير الرائع، يامن تحمل هم كل بقعة جميلة في وطن ارتبطت به وأحسست أن كل مافي جسدك معجون من مائه وترابه وصخوره، يضنيك أن تمحى مدرسة تار يخية ، وأن تتحول المتاحف لصالات أفراح، وأن تطال يد العبث تحت اسم - الحداثة والتحديث والعمران!- أجمل مافي بقاع الأرض من طبيعة كانت منحة من رب قدر أهلها، لكن ماذا تفعل حين تمتلك أيدي السوء مالاً وسطوة وحظوة؟ وأمام مصلحة زيادة أرصدتها لاتقف - قُرَن - ولا صخور ولا أديرة ولا تلال ولا كروم ..حتى الغوطة جنة الشام وحارستها من التلوث ومن التصحر...انتهت لتصبح سلة من سلال- الاسمنت الحضاري- والأبنية العشوائية التي تنمو كالسرطان وتعمل تقطيعاً وتخريباً في التراث وفي الفن والجمال...فلماذا نستغرب اليوم وقد أصبحت درجات الحرارة في دمشق تقارب السعودية؟!...لأن بلدنا صار بدون أشجار وبدون ماء..لكن له أيدٍ - تحميه-!! من مواطن يحبه كما تحبه أنت وكل غيورمثلك!
بكل الحب والمودة


5 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 5 / 27 - 07:58 )
أخي الكاتب المحترم تحية لك ، في مادتك الجميلة زرت معك هذه القرية التاريخية ، حبذا لو أننا عرفنا عن دورها في تاريخ بلاد الشام و مع التحية لك


6 - طوبى للغيّور على جذوره
مريم نجمه ( 2010 / 5 / 27 - 18:40 )
المكرّم الأخ نقولا
هواجسكم هي هواجسنا يا إبن بلدنا الحبيب , شكراً للقلم الضليع والعنوان البليغ ..
.. هنيئاً للوطن والتاريخ الوطني الشعبي التراثي بكم ..
بارك الله فيكم يا أعمدة الحق

طبق من زهور الأكاسيا( السنط ) الفواحة أقدمها لكم يا إبن الخالة , التي كانت تعبق وادي وقرنة القديس جاوارجيوس في مثل هذه الأيام ونحل البلدة يحوم حولها ,, هل قلعت هي أيضا أم ..!؟؟

شوق ومحبة


7 - تحيات وشكر للأخوة المعلقين على المقال
نقولا الزهر ( 2010 / 5 / 27 - 22:08 )
شكر وتحية
أشكر السيد غطفان الدمشقي على مروره وتعليقه على المقال وذكرتني بالصرنوبة وأساطيرها وبالشباب ونزهات المساء والتجمع حول أحجارها الكبار. ولقد تعرفت على معلومة كنت لا أعرفها عن النقاط الي كان يحددها رجال القرية حينما كانت تتعرض لأخطار من خارجها. وكذلك تحياتي لقارئة الحوار المتمدن ومشاعرها وإحساساتها العميقة،وأما بالنسبة للقصر البلدي الذي تمنيته على قمة نقر الزيت فهو دار للبلدية جميلة وانيقة ونظيفة تليق بقريتنا التاريخية. وتحيات جزيلة للسيدة فلورنس غزلان ولإطرائها المقال وهي المهتمة بالمواضيع البيئية والنسوية والاجتماعية بالإضافة إلى المواضيع السياسية. وأشكر الأستاذ والأخ سيمون خوري على مروره وتقييمه وأتمنى أن تكون لدي المقدرة لكي أعرف بقريتي ومدن وقرى بلادنا


8 - رد وتحية لقارئة جبران خليل جبران
نقولا الزهر ( 2010 / 5 / 27 - 22:39 )
حين قرأت تعليقك ذكرتني بجبران خليل جبران واسلوبه يا صديقة الطفولة،وأطمأنك بان أشجار البطم لاتزال موجودة في القسم الشرقي المتبقي من القرنة والذي يدخل في ملكية مار جريس، وهي برعاية الخوري يوحنا، والدير والمقام القديم على مايرام وهو في تحسن معماري مستمر، وكل جذع شجرة من اشجار البطم القديمة محاط بحرم وسياج

اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية