الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التصنت والإستماع سألوني

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 5 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أن المتأمل لسورة الجن والتي نزلت أثناء المرحلة المكية بعد سورة الأعراف يجد أن النص القرآني يذهب بنا بعيداً في عوالم خرافية ويثير التساؤلات في عقولنا المتشوقة للفهم و نظراً لأننا نحن المتلقون للرسالة المنوطون بالفهم المأمورون بالتدبر والإستيعاب فمن المحال أن يخاطبنا النص المقدس بلغة غير مفهومة وإلا فقد هدفه الأساسي والمركزي وهو البيان والهدى لذا فهو يخاطبنا بلغة موحّدة الدلالة والموّظفة لخدمة بيان القصد حيث نرى أن الإتفاق على الدلالة والمعنى قد سبقها عهود من الزمان توحدت فيه الدلالة واستقرت الأفهام وتم الإتفاق على الخلفية الثقافية التي تدور خلالها الأحكام والتشريعات وأن اختيار الله للّسان العربي المبين لغة للتخاطب والتواصل هو خير دليل على ما ذهبنا إليه من ابراز اللغة كعامل مشترك حاو وناقل للتراث الإنساني و الإعجاز هنا هو إمتطاء النص لمنطق لغتنا العربية والإتفاق ضمنياً على الأرضية المشتركة التي تدور فيها المشاهد والأحداث هذا التحديد نركز على أهميته و بيان ضرورته وإلا أصبح النص كحديث الطرشان فيطلق المقولات التي ليس لها دلالة في قواميسنا الثقافية والفكرية فلا نفهم ما يقال ونحن لا نملك غير عقولنا فهي الوسيلة الوحيدة للفهم والنقد والمقارنة نقول أن هذا التراكم المعرفي هو الخلفية التاريخية للمخزون اللغوي و الحضاري الذي تكّون عبر آلاف السنين .
هذة المقدمة ضرورية لنا حين نحاول زحزحة الصور والأشكال المتولدة لدينا عند سماعنا للنص المقدس المصوّب إلينا جملة من المعاني ذات الدلالة الصريحة والمتفق عليها . وقبل الدخول في إشكاليات النص يجب أن نفرق بين الحقيقة والمجاز وبين المحكم والمتشابه فمنهجنا هو التعامل مع المحكم من الآيات وهي التي لا تحمل إلا معنى واحد اً والحقيقة هي القصد والهدف من سرد النص الذي يكشف عن نفسه وعن بناءه وعن مرادة وعن معانيه لنا نحن المتدبرون العاقلون .كما نعيب من جهتنا على الفقهاء والمفسرين إذا استشكل عليهم أمر اً احتاروا وتوقفوا فيه قالوا جملتهم الشهيرة : هذا من الغيبيات التي استأثر الله بعلمها مما يكشف عن تهافتهم وضعفهم و عن مخاوفهم المرضية من مس النص بما يقدح فيه لذا جاء المسكوت عنه وفيراً بعد أن تخيلوا أنهم قد سدوا الذرائع وحموا النص من التحريف و التأويل .فإذا استبعدنا المجاز والمتشابه واجهنا النص في زخمه وقصّديته دون مواربة ولا مماحكات وهذا ما سوف نناقشه ..
هؤلاء الجن المخلوقون كما تذكر الآية [ وخلق الجان من مارج من نار] ( الرحمن – 15) مكلفون بالعبادة مثلنا لذا فهم يمتلكون أذن يسمعون بها وعقل يدرك الواقع أمامهم فقد سمعوا القرأن وتعجبوا من جمال نظمه وتيقنوا أنه يهدي إلى الرشد وليس الغيّ فاقتنعوا به وآمنوا بما فيه بعد فهم وتدبر [ المفترض أنهم فهموا فقط السور التي نزلت حتى سورة الأعراف ] ثم نفهم من السياق أن لهم القدرة على الطيران والتحليق لمسافات شاسعة تبلغ عنان السماء حيث يسكن الملأ الأعلى فإذا ما حاولوا الإقتراب من ذلك التجمع شاهدوا الحّراس الغلاظ الأشداء المتربصين للمتطفلين ولكل من تسوّل له نفسه التصنت واستراق السمع فيرجموهم بالشهب الحارقة والمهلكة وقد قالوا : ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فلما سمعوا القرأن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ( تفسير القرطبي -10/ 6795 ) . ومن ثم بدأ الجن يتحسرون على الأيام الخوالي التي كانوا فيها يسترقون السمع بسهولة دون اعترضات أومنغصات و التي كانوا فيها قد اتخذوا مقاعد للسمع لتلك المهام اللصوصية جوار العرش والحضرة الإلهية أما الأن فيندبون حظهم العاثر فلن يحصلوا على بغيتهم من أخبار السماء فلن يسترقوا شيئاً ذا بال كصريح الآية :" فمن يستمع يجد له شهاباً رصدا ( الجن – 9 ) فياترى لمن كانوا يستمعون وأي شئ بالتحديد كانوا يسمعونه متداولاً ومتاحاً خلال تلك الحقبة ؟ . تلك الأسئلة تحيلنا إلى ما قاله المفسرون أمثال ابن كثير والقرطبي فقالوا : إن الجن كانوا يسمعون الملأ الأعلى من الملائكة المتحدثين بأخبار السماء فيسترقون الأخبار ليسارعوا بها بعد أن أحاطوا بها علماً كي يهبطوا إلى الأرض لإخبار الكهنة ( بالطبع كهنة مكة ) بها بعد أن يغّيروا في فحواها الزخمي وهذا بالطبع مرفوض حالياً حيث قطع الله عليهم طريق اللصوصية وأبعدهم عن المناطق المحرمة التي استطاعوا قديماً ولوجها وتبوأ مقاعدها فالعقاب اللحظي المباشر جاهز للتصويب والإبعاد كي ما يرتدعوا عن تكرار فعلتهم الشنعاء بقذائف الشهب المهلكة فلن يحصلوا بعد بعثة النبي على أية معارف ولا معلومات باستراق السمع ثانية ومن ثم جٌعلت أخبار السماء حكراً على جبريل وحده لتوصيلها مصانة محفوظة كي ينطق بها النبي خالصة وسليمة معافة .. عندئذ ينهزم الكهنة والمدعين والمتنبئين فلم يعد لديهم وسطاء من اللصوص للإتيان لهم بأخبار السماء. هذة هي الصور التي وصلت إلينا ولعبت بمخيلاتنا فمن المستحيل تأويل النص بتفسير آخر مغاير لذلك فالدلالات واضحة لا لبس فيها ولا غموض . كما نفهم من السياق السابق أن المشاهد تعتمد على التسلسل المنطقي الذي أدى إلى انبجاس تلك المفاهيم هذا التسلسل ينقلنا بسلاسة إلى إشكالية التدوين التي لجأ الله إليها ( الرق المنشور – اللوح المحفوظ ) حيث تتبدى أهمية الكتابة والتسجيل والتدوين والتي تشهد لها الآيات :
( فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ) الأنبياء-94
و ( كتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة ) الأعراف – 145
وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين ) الأنفطار – 11
ثم نأتي للملائكة سكان الملأ الأعلى فنفهم من السياق أنه قد سنحت لهم الفرصة للإطلاع على نصوص اللوح المحفوظ فقرأوا فيه ما تيسر لهم من شؤون ما قدّره الله من مقادير ومحن وغيوب وبلاء وأرزاق لأهل الأرض ثم راحوا يتحدثون فيما بينهم هكذا مشافهة و في علانية دون اتخاذ المحاذير أو أي تدابير من الحيطة كخفض أصواتهم كون اللصوص المتسترقين للسمع قابعين على المقاعد المهيئة للسمع و الذين ينهلون أول بأول ما شاءوا سماعه من غيب محجوب عنا لكنه ليس محجوباً عن رهط الملائكة الكرام البررة . ثم يتخطّف الجن المسترقون الأنباء ورغم صحتها وصدقها إلا أنهم قد استحقوا العقاب للتحريف الذي يدخلوه على أخبار السماء على افتراض أن الذي سمعوه كان صادقاً وأصيلاً فالمأزق الذي واجه المفسرين كيف و متى حدث ذلك الإستراق فهل كان قبل تكليف الحرس الأشداء المدججون بالشهب أم أن الله حينما اكتشف حصول كهنة مكة على ما هو غيب لديه مكين فأدار تحقيقاً موسعا تم الإستدلال منه كون لصوص الجن قد تمكنوا من الإستماع إلى رهط الملائكة حسني النية ً..ويبدو أن اللجوء الى تصويب الشهب هو الحل الأمثل لإبعاد المسترقين و لاتثريب على الملائكة في التحدث بأخبار السماء فيما بعد دون اتخاذ أية محاذير ولا خفض للأصوات فيما بينهم أليس كذلك ما يفهم من الآيات .................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah