الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يكفي الفصل بين السلطات في العالم العربي ؟

محمد نبيل الشيمي

2010 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعد الفقيه الفرنسي مونتسكيو (1689-1755) أول من وضع الخطوط العريضة والملامح المفصلة لمبدأ الفصل بين السلطات كسبيل لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة (التنفيذية/ التشريعية / القضائية) (1)... وعلى الرغم من أن جذور هذا المبدأ ضاربة في التاريخ حيث كانت محل اهتمام من ارسطو ومن قبل استاذه أفلاطون ثم بعدها بقرون طويلة كانت محل اهتمام الفيلسوف الانجليزي جون لوك الذي حدد في كتابه الحكومة المدنية المغزى من ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث والتي حددها في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة الاتحادية ورأى أن الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية سيؤدي إلى الاستبداد على أنه يلاحظ ان جون لوك لم يبد رأي في السلطة القضائية ولم تتضمن كتاباته عنها شيء ذلك أن هذه السلطة في عصره كانت تحت ولاية الملك الذي كان يعين القضاه ويعزلهم وفق رغبته ومن هنا لم يعر لوك هذه السلطة اهتماماً .
أصدر مونتسكيو كتابه روح القوانين عام 1748 الذي كان بمثابة خلاصة مشاهدات ومحاورات ومجموعة متنوعة من أفكار وآراء المفكرين الذين سبقوه كأفلاطون وأرسطو طاليس ونيقولا ميكيافللي وجان بودان وغيرهم. كانت الغاية التي ابتغاها مونتسيكو من روح القوانين البحث عن نظام مقبول عقلياً يحقق سيادة القانون في المجتمع من خلال دور محدد واضح للسلطات تحافط من خلاله على الحريات وهذا لن يحدث إلا من خلال عدم تركيز السلطات في يد شخص واحد وأن الصحيح ان توضع في عدة مؤسسات تحكمها ضوابط محددة وفي حدود معينة تحقق التوازن بين هذه السلطات وتحول وتدخل أحدهما في شئون الأخرى بما يضمن حكماً صالحاً للمجتمع ويمنع الاستبداد الناتج عن هيمنة سلطة على الأخرى او تركيز السلطات في يد واحدة ... كان مونتسكيو يؤكد على أن فصل السلطات هو المدخل الآمن لتوزيع الصلاحيات بين السلطات وهو الأسلوب الأمثل في إدارة شئون الدولة ضمن إطار ديموقراطي يتيح لكل فئات الشعب وطبقاته المشاركة في إدارة نظام الحكم من خلال توازن لا يسمح بالتدخل والتشابك بين أداء كل سلطة إلا أن من الواضح أن موتسيكو على الرغم من ذلك لم يدع إلى طلاق بين هذه السلطات أو فصل شديد بينها بل كان يدعو إلى التناغم بينها على أساس توازن القوى ...
وعلى الرغم من أن مونتسكيو كان ليبرالياً مخلصاً الا أنه لم يكن أبداً من أنصار الليبرالية المطلقة فإلى جانب رؤيته في الفصل بين السلطات كان يمتلك أيضاً رؤية اجتماعية جديرة بالاحترام فكان يعتقد ان على الدوله دور في الإعاشة الاجتماعية للمواطنين فهي ملزمه بتوفير مداخيل الحياة لمواطنيها من غذاء وملبس ونمط حياتي يتماشى مع قواعد الصحة فضلاً عن ضرورة الاهتمام بالمرضى والأيتام ومحاربة الفقر ويرى البعض ان اهتمام مونتسيكو بأوضاع المواطنين وضرورة أن يكون للدولة دور في حياتهم بداية لفكرة اشتراكية الدولة .
أعود لمبدأ الفصل بين السلطات ... كانت الأسس الفلسفية التي استند إليها مونتسكيو في رؤيته حول المبدأ أن الإنسان الذي يمتلك السلطة يكون دائماً معرضاً للسقوط والانزلاق ما لم تكن أمامه حدود تحول دون ذلك ومن ثم فإن اجتماع السلطات الثلاث وتركزها مع شخص بعينه يؤدي إلى الفساد والاستبداد وتجاوز القانون والدستور وهنا يكون الفصل أمراً حتمياً لصيانة الحريات ومنع الاستبداد فضلاً عن أن هذا الفصل يمكن كل سلطة من اتقان دورها ويعمل على توفير المناخ المناسب لتيسير الأعمال لصالح المواطن ... ولتحقيق هذا المطلب فإن مونتسيكو رأى أن لكل سلطة الحق في مراقبة السلطتين الأخريين ووقف تجاوزاتها أن حدث منها أي تجاوز وهذه النقطة بالذات كان مونتسيكو يرى بشأنها أن رقابة السلطات على بعضها البعض كفبل بتطوير وتحسين آدائها بما يخدم مصالح المجتمع وصيانة حقوق المواطنين وعدم التعدي عليها كما أن الفصل بين السلطات يعمق من فوائد مبدأ التخصص وتقسيم العمل ... هذا فكر موتيسكو ودوافعه لضرورة الفصل بين السلطات ولن نتطرق هنا كثيراً لما يسمى بالمفهوم المطلق والمفهوم المرن لهذا المبدأ إلى شرح طبيعة النظامين الرئاسي والبرلماني في الحكم حيث سيكون ذلك في إطار دراسة شاملة عن طبيعة أنظمة الحكم في العالم العربي .
... وهنا اتساءل هل يكفي الفصل بين السلطات في العالم العربي دون أن يكون لهذه السلطات الاستقلالية الكاملة لممارسة دورها ؟

.. على الرغم مما يثيره الفقهاء المسلمون عن وجود فصل بين أداء السلطات في الإسلام فإن هناك اختلاف حول هذا الرأي فالواضح أن هناك نظم تحكم من منظور ثيوقراطي ديني قائم على فكرة الحاكمية لله وحده .
... وأن الحاكم المسلم هو المنوط وحده بتصريف شئون الرعية ويملك بيده كل خيوط إدارة الحكم ومن ثم فإن الإسلام لا يفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ... وفي دراسة تحت عنوان "ممارسة السلطة في الدولة الإسلامية الصدر والمودودي نموذجاً"(2) ... أن الدولة الإسلامية خلال فترة النبوة ثم الفترة التي تولى منها الخلفاء الأربعة ـ كان خلالها رئيس الدولة (النبي أو الخليفة) رئيساً لأركان (السلطات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وكان أهل الحل والعقد يشيرون فيما يدير شئون البلاد الإدارية وكانت لهم أيضاً مهمة تشريعية أما القائمون بالحكم والإدارة فقد كانوا لا يتدخلون في التشريع وتنحصر وظيفتهم بالجانب الإداري وهم من غير أهل الحل والعقد بينما كان القضاه آخرين غير هؤلاء وأولئك ووظيفتهم غير وظائفهم حيث كانوا يختصون في الفصل في القضايا المعروضة عليهم ... وكان الخليفة هو الذي يعينهم إلا أنه لم يكن يملك حق التدخل فيما يقضون به .
هكذا نرى أن مبدأ الفصل بين السلطات في مطلع الدعوة كان شكلياً فكل السلطات مركزة بيد الرسول (ص) والخلفاء من بعده واستمر هذا تقريباً في عهد الدولتين الأموية والعباسية فكان الحكم توتاليتاريا (شمولياً) إلا أنه من المؤكد أن قيادة الرسول للدولة اتسمت بالديموقراطيـة السمحاء وعدم استئثاره بالرأي دون الآخرين
.... وإن كان عليه الصلاة يملك كل السلطات فهو المشرع وهو القاضي وهو الحاكم ويطرح بعض الفقهاء المعاصرين رؤيتهم حول السلطات التي تشمل عليها الدولة الإسلامية وحدد منها ما يلي /
- السلطة التشريعية ويمارسها الإمام (الرئيس) فيما يصدر من تشريعات تنفيذية للكتاب والسنة ويشاركه أهل الشورى في حدود ونظام الشورى الإسلامية .
- السلطة القضائية ويتولاها القضاء .
- السلطة التنفيذية ويقوم عليها رئيس الدولة أو مجلس الوزراء .
- السلطة المالية وسلطة المراقبة والتقويم يمارسها المجتمع عن طريق مجلس الشورى .
... أما رؤية الاسلام حول السلطات الثلاث فإن الدراسة المشار إليها تشير إلى أن من خصائص التشريع الإسلامي أنه من عند الله تبارك وتعالى الذي يعلم ما كان وما سيكون ولا يظلم أحدا ولا ينحاز في حكمه إلى أحد من خلقه ولهذا لم يترك الله للناس التجارب في مجال الحقوق والواجبات والحلال والحرام وغير ذلك من الأمور التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ... كما أن رسل الله مكلفون بإقامة العدل بين الناس وقد حدد الله سبحانه وتعالى ذلك بالسلطات الثلاث التشريعية / القضائية / التنفيذية ... فالتشريع رمز الله إليه بالكتاب والقضاء رمز الله إليه بالميزان والتنفيذ رمز الله إليه بالحديد وهو رمز القوة ومصدر هذا التفسير الآية الكريمة "لقد أرسلنا رسلنا بالبيانات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس" .
وبهذ التطور يقول الإسلاميون أن الإسلام سبق مونتيسكو في التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات ... ومن حيث أن التشريع سواء بالقرآن أو السنة النبوية مصدره الله تبارك وتعالى ومن ثم فلا اختصاص للناس في التشريع فيما يخالف


القرآن والسنة وهذا يضمن استقلال التشريع عن الناس وعن السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ولأن الرسول جمع بين القضاء والتنفيذ فإن ذلك لكونه معصوم من الخطأ وقد كلفه الله بالقضاء ... (سالم البهنساوي ـ مجلة الوعي الإسلامي ـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ـ الكويت) (3) ، ولعلي أرى أن ذلك يعني أن فقهاء المسلمين انحصرت رؤيتهم حول الفصل بين السلطات على أساس الشكل لا الجوهر فهم يرون أن مجرد وجود القرآن والسنة كمصدر التشريع وأن وجود السلطة التنفيذية في مؤسسة الخلافة وأن الخليفة لا يستطيع التشريع ولكون القضاء يعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية من هذا يعتبر من قبيل الفصل بين السلطات .. حتى وإن سلمنا بأن ذلك يعد فصلاً بين السلطات في الحكم الإسلامي ولكن هل يعتقد أحداً من المسلمين كان يملك القدرة على التعقيب على ما يصدره الخليفة من أحكام أو قرارات تخص الرعية ضارباً عرض الحائط بما يقوله رجال القضاء أحياناً وما تقرره أحكام الشريعة أحايين ... الفصل فصل شكلي فلا استقلال لأي سلطة عن سلطة الحاكم .
يبقى السؤال ... ماذا عن حاضر نظم الحكم الحالية في العالم العربي ؟
وهل في ظل الاستبداد الذي تشهده الشعوب العربية ... يطبق مبدأ الفصل بين السلطات .
قراءة سريعة في النظم الحاكمة نرى أن هناك النظم ذات الطبيعة العشائرية والأسرية ( الأبوية ) وهناك نظم أخرى تأخذ بنظام الفصل بين السلطات... ولكن إلى حد كبير لا تعد سلطات مستقلة تملك إصدار القرار دون وصاية ولدينا في كافة الدول العربية أمثلة حية على عدم قدرة السلطة التشريعية الذهاب بعيداً عن سلطان الحاكم الذي يوجه ويحدد ما هي التشريعات التي يراها مناسبة لإدارة حكمة أو تحقق رغباته في الاستمرار في الحكم وتمرير سياساته وتبدأ هذه الحالة عادة من صناديق الانتخابات التي تفرز أعضاء موالين للحكومة من خلال تدخل إداري في الانتخابات أو التزوير المباشر رد على ذلك ان بعض المجالس التشريعية يتم تعيين أعضائها من خلال الملك أو الرئيس فمجلس الشوري السعودي يتم تعيينه بالكامل من جانب الملك وليست له أية اختصاصات دستورية ومازال نظام الحكم فى المملكة يقوم على فكرة رفض تام لنظام الانتخاب انطلاقا من فكرة الابوية العشائرية... وهذا يعني الولاء الكامل للملك ويكون دور هذه المجالس مقيداً وامتداداً لرئيس السلطة التنفيذية ....
ثم أن في بعض الدول العربية لرئيس الدولة حق تعيين القضاه وأعضاء الهيئات القضائية ... ويملك في الوقت نفسه مكافأتهم ووضعهم في أماكن مميزة والاكثر من هذا ان هناك بعض النظم العربية التى ابتدعت اسلوباً مغايرا لكل قواعد وانظمة الحكم وليبيا نثال على ذلك حيث مؤتمرات الشعب العامل التى تكاد تجتمع فى يدها كل اختصاصات السلطات الثلاث وهى بالتبعية مؤتمرة بفكر ورؤية وقرارات قائد الثورة !!. مثال اخر يمكن طرحه حيث لا يوجد اي صلاحيات للسلطة التشريعية فى دولة الامارات وهكذا احوال العرب السياسية هناك فصل شكلى بين السلطات او غير موجود من الاساس وهو غير الفصل الذى قصده مونتيسكيو وهذا يؤكد على واقع النظم العربية الحاكمة وتؤكد ايضا على أن هناك قيوداًَ على الديمقراطية لصالح الاستبداد والطغيان . ان هذا الواقع احد اوجه القصور فى إدارة شئون الحكم في العالم العربي .
هوامش
(1) جاك توشار وآخرون – تاريخ الفكر السياسى – ترجمة د. على مخلط
(2) عقيل سعيد – ممارسة السلطة فى الدولة الاسلامية ( الصدر والمودودى نموذجا)
(3) سالم البهنساوى – الاسلام والفصل بين السلطات – مجلة الوعى الاسلامى - الكويت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة