الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحظر و الوصاية (دفاعا عن الفن و الجمال)

أحمد عصيد

2010 / 5 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يتوقف دعاة التقليد عموما عن مطالبة السلطة بالمنع و المصادرة، منع أعمال أدبية و كتب و موسوعات علمية، منع أفلام سينمائية ، منع مهرجانات و أنشطة فنية، منع تنظيمات و إطارات جمعوية، منع بيع الخمور و استهلاكها، منع التبشير بالأديان الأخرى، منع تيمة الحب في المقرر الدراسي الأدبي، و هم يفعلون ذلك من منطلق مرجعية دينية يرون أنها المرجعية الوحيدة التي ينبغي أن تسود بالمطلق باعتبار الناس جميعا "مسلمون" أي نسخة واحدة، و على دين واحد و مذهب واحد، وخاضعين لمنظومة قيم مغلقة ثابتة ونهائية، فيعبرون بذلك عن أزمة العقل السلفي الذي لا يقبل وجود الآخر المختلف و لا يتحمله، و لا يطيق التعامل معه، كما لا يعترف بتعدد المرجعيات و اختلاف الإنتماءات التي هي حقيقة اجتماعية ناصعة.
و مكمن الخلل في هذا الموضوع هو مفهوم الإيمان على الطريقة الإسلامية، الذي يقوم أساسا على مبدإ "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" الذي يجعل المؤمن مسؤولا ليس عن نفسه فقط بل عن وضعية الآخرين و إيمانهم أيضا، و هو المبدأ الذي يتميز بمرونة تجعله قابلا للملاءمة مع وضعية المؤمن ضعيفا كان أو في موقع قوة، فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يمكن أن يكون باليد أو باللسان أو فقط بالقلب، و ذلك حسب موقع المؤمن و سياق وجوده و مدى قدرته على الفعل، مما يعني أنّ امتلاك السلطة يلزم عنه حتما السعي إلى فرض نمط من التدين بقوة السلطة و غلبتها، و هذا ما يفسر تاريخ الإستبداد الإسلامي الطويل.
معنى هذا من جهة أخرى أن الإيمان إن كان في جوهره عملية نفسية فردية إلا أنه في الإسلام يصبح منطلقا لتعميم حالة الفرد على الجماعة، لأن هذا النوع من الإيمان ـ و الذي تمّ التنظير له فيما بعد في الفكر الفقهي على أساس نصوص تتفاوت درجة صدقيتها لدى الفقهاء ـ أصبح إطارا منظما لـ"جماعة المؤمنين" و ليس لمجموعة من الأفراد المؤمنين، و لهذا وضع الفقهاء حدّ الردّة ضمن الحدود المتعارف عليها، و هو حدّ قتل من غيّر دينه لأنه يصبح "مفارقا للجماعة" أي خارجا عن ضوابط الإنتماء إليها و التي هي علاوة على أنها محددة دينيا أصبحت إطارا سياسيا للإنتماء، فنسق الحقوق و الواجبات منصوص عليه في الكتاب و السنة، و محروس من قبل السلطة القائمة التي مهمتها "حماية البيضة"، مما يجعل الفرد لا يتمتع بأية حماية خارج هذا النسق و يصبح موضوع إدانة و اتهام بالخيانة للجماعة ككل إذا ما ثبت عدم خضوعه لثوابت إيمان الجماعة.
ومن أخطر نتائج مبدإ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو أنه أدّى إلى شرعنة عنف السلطة و الجماعة في الثقافة الإسلامية، حيث أصبح إلزام الآخر بسلوك ما أو قهره لثنيه عن فعل ما أمرا محمودا لأنه يتمّ لصالح الجماعة المؤمنة، و إن كان ضدّ حرية الفرد، ما دام في النسق الديني المشار إليه لا مجال للحريات الفردية، و هو ما يفسر ردود أفعال الإسلاميين و الفقهاء و قوى التقليد ضدّ الحريات الفردية بمعناها الحديث في عصرنا.
لقد قامت الدولة العصرية بتحرير البشر من وصاية رجال الدين، و كان هذا أعظم إنجازاتها، لأنها جعلت العقل حكما بين البشر، و هو كما يقول ديكارت "أعدل الأشياء قسمة بين الناس"، فسمحت للناس أن يعملوا من منطلق المساواة على ترتيب بيتهم الداخلي و تدبير شؤونه من حيث هم أفراد "مواطنون" لا جماعة من المؤمنين، و لا رعايا سلطة ذات حق إلاهي أو تمثل ظلّ الله في الأرض، و هكذا توقف الناس عن السعي إلى ممارسة الوصاية الدينية على بعضهم البعض، و فهموا بأن استقرار حياتهم و تعاونهم على العمل الصالح لا يرتبط بدين أو عقيدة أو عرق أو لون لأنهم قد يختلفون في ذلك كلّه، و إنما على وحدة مصالحهم المشتركة التي تربطهم بالأرض في مجال جيوسياسي هو الدولة الوطنية، و على جعل الإنسان قيمة عليا و كائنا ذا كرامة يتمتع بالحقوق و الحريات الأساسية، ليتمكن من القيام بواجبه كاملا و على أحسن وجه.
هكذا استطاع الغربيون حلّ مشاكلهم و افتتاح صفحة جديدة من تاريخ مجتمعاتهم التي أنهكتها الحروب و الفتن في القرون الوسطى المظلمة، و هي الخطوة التي لم يستطع المسلمون إنجازها بعد لأسباب ثلاثة :
1) اعتبارهم الدّين نظاما شموليا للدولة و المجتمع و ليس موضوع إيمان فردي، و هو ما نجم عنه الخلط بين المعتقد الشخصي و تدبير الشأن العام.
2) فهمهم لتجارب الشعوب المتقدمة و الراقية على أنها تجارب خصوصية ملازمة لمجتمعات الغير و لا علاقة لها بمجتمعاتهم ذات الخصوصية المميزة.
3) إصرارهم على إسقاط الماضي على الحاضر و إلغاء التاريخ و اعتبارهم الدين الإسلامي قادرا على أن يشكل منطلقا لاستعادة الأمجاد الغابرة، أي إعادة التاريخ من أساسه و إقامة القوة و الإزدهار على أسس دينية.
و لم يستطع المسلمون فيما يخصّ العنصر الأول تحقيق نموذج واحد للدولة العادلة المتقدمة انطلاقا من شمولية المرجعية الدينية خلال القرن العشرين، و أعطوا من خلال الأنظمة الإستبدادية السيئة التي أقاموها أوضح الأدلة على استحالة إقامة العدل في عصرنا هذا على أساس مرجعية دينية مهما كانت.
كما لم يستطيعوا فيما يخصّ السبب الثاني إيقاف التأثير الكبير لنماذج الدول الغربية القوية على كافة مجتمعات العالم، وفشلوا في البرهنة على أنّ الأنظمة الغربية الديمقراطية ليست النماذج الأفضل، و لم يستطيعوا إقناع مجتمعاتهم بصرف النظر عن مكاسب الحياة العصرية.
و لم يوفقوا أيضا بالنسبة للسبب الثالث ـ بسبب إغراق فكرتهم عن الماضي في الخيال و الطوباوية ـ في بناء وعي إسلامي تاريخي يضع النصوص الدينية على محكّ الواقع، و يعيد قراءة التراث من منطلق علوم عصرنا و قيمه، و يدرك مقدار الإسهام الإسلامي فيما وصلت إليه البشرية من رقي، مما كان سيمكنهم من أن يفهموا كيف أن رصيد البشرية الحالي من الحضارة ليس غربيا صرفا بل هو نتاج كل الحضارات السابقة، التي خطت كل واحدة منها خطوة في تاريخ رقي الكائن البشري، لكنها تظلّ خطوة و مرحلة وليست نهاية التاريخ.
يتضح من هذا كله أسباب عنف الخطاب الوعظي الزجري، و أسباب ركون أهل التقليد إلى ثقافة المنع و الحظر، فبسبب عجزهم عن توجيه المجتمع ككل، و إخضاعه لمنظومة قيمهم التراثية، يعمدون إلى الإستنجاد بالسلطة و مطالبتها بالتدخّل السلطوي و استعمال آليات الزجر و المنع، و ما يسمح لهم بذلك و يضفي عليه شرعية ما هو زعم السلطة بأنها حارسة الإيمان و حاميته، فعلى "الدولة الإسلامية" أن تعطي الدليل على إسلاميتها بالتدخّل الزجري العنيف و بفرض حالة الطوارئ الدينية و تعليب الناس داخل نمط نهائي من القيم الثابتة و كأنهم من أهل الكهف أو داخل قمقم مختوم. و طبعا ترضخ السلطة أحيانا لهذا المطلب عندما تجد مصلحتها في ذلك، و أحيانا لا تقوم بأي ردّ فعل عنيف عندما تولي وجهها شطر شركائها الأوروبيين و الأمريكيين، غير أن لعبة الوجه و القناع هذه إن كانت تنفع في الإمساك بخيوط التوازنات الداخلية الهشة، إلا أنها تشكل عرقلة حقيقية في طريق التطور الفعلي نحو الديمقراطية.
متى يفهم المتشددون في الدين بأننا أحرار راشدون، و أننا نحب الحياة، وأننا لا نقبل أن يمارس أحد الوصاية على حياتنا، و أنهم أحرار في أن ينبذوا نمط حياتنا وأن يكرهوا ما نحب، و لكنهم لا يحق لهم مطلقا أن يسعوا إلى حرماننا منه، لأننا لن نستطيع أبدا أن نحيا خارج الحياة، و لا أن نبصر في الظلمة، فلهم دينهم و لنا دين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هم الرشداء و الغير قاصر
امـازيـــغ ( 2010 / 5 / 28 - 11:49 )
ان الطريق ما يزال طويلا وشاقا لردع هؤلاء النصابة و المحتالين يا فارس السجال ا|لأمازيغي المحبوب ان النضال من اجل تقليم اظافرهم لواجب على كل غيور على حريته و اخيه الأنسان ن انضر سيدي كيف يلصقون اتيكيت مسلم لمولود لا حول له و لا قوة ليتمكنوا بعدذلك برميه بالردة عندما يختار لنفسه معتقده فهم الراعي و الغير رعية وو فق هواهم وجب عليه التصرف هم الرشداء و الغير قاصر انه فكر البدو الأعراب,
ثانميرث

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل