الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المندائيون والنقد وتقديس رجال الدين

فائز الحيدر

2010 / 5 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يطلع مشتركوا الياهو المندائية بين فترة وأخرى على رسائل من قبل أشخاص يدعون الحرص على الدين والطائفة ، وتحوي تلك الرسائل في طياتها عبارات إساءة وكلام لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية وفيه الكثير من التجني بحق العاملين في مؤوسسات الطائفة والمثقفين المندائيين ، والقصد منه تشويه سمعتهم والنيل من تاريخهم الشخصي ودورهم السياسي والثقافي ، إننا نعتقد إن هؤلاء الكتبة الجدد قد تجاوزوا حدودهم كثيرا" ، وهم يسيئون بكلامهم الجارح هذا كونهم قد إفتقدوا أدواتهم السياسية وقيمهم الأخلاقية في الحوار ، فليس لهم إلا النيل من التاريخ الشخصي لهذا وذلك من أخوتهم المندائيين ...إن تلك الرسائل إن دلت على شئ فإنما تدل عن مدى الحقد الذي يحملونه هؤلاء تجاه أخوانهم وسبب جملة من الآراء قد تم طرحها في وقت سابق وفقا" لحرية التعبير والنشر التي تنص عليها حقوق الأنسان ، تم في تلك الآراء إنتقاد بعض الظواهر السلبية التي تواجه مسيرة الطائفة اليوم وطرق حلها ، وبالرغم من إن تلك الآراء المطروحة لا تعبر سوى عن وجهة كاتبها فقد تم إستغلالها لتوجيه الأتهامات والتهديد الى الكثير من الأخوة وبحجج مختلفة كان أحدها معاداة الدين ورجاله ( المقدسون ) ، مع إننا واثقين من إن أصحاب تلك الرسائل ينقصهم الحرص على مصالح الطائفة والدين المندائي قبل كل شئ ، ولو كان العكس كما يدعون لما لجأوا الى هذه الأساليب في الحوار الغير حضاري في كتاباتهم .

إن من مشاكل ساحتنا المندائية اليوم وهي تمر بظروفها المعقدة رفضها للحوار الديمقراطي وحرية الرأي وعدم تقبلهم للنقد ، والتشكيك في أي نقد بّناء للظواهر السلبية وإعتبارها أعمال الغرض منها الحط من القيم الدينية وقدسية رجال الدين ، وتهدف لإضعاف دورهم وإسقاط مكانتهم في المجتمع ، واعتقد إن السبب الرئيسي في عدم تقبلنا للنقد بشكل عام ذلك يرجع إلى إننا لم نعرف من النقد إلا جانب واحد وهو النقد الهدام ،! الذي لا يبغي تحسين الأداء أو التنبيه إلى السلبيات لمعالجتها وإنما كل غايته هو تحطيم وتدمير الشخص أو الجهة التي يوجه إليها النقد. لذلك تعودنا على عدم قبول النقد .

إننا ندرك إن النقد البناء ورصد الظواهر السلبية في مسيرة الطائفة الحالية وهو حالة حضارية لإكتشاف الأخطاء في المجتمع المندائي والوسائل اللازمة لمعالجتها وهي مسؤولية الجميع ، وما أحوج ساحتنا المندائية اليوم إلى النقد البنّاء لكثرة الصعوبات التي تواجهنا اليوم ويتيح فرصة التغيير والتطوير إلى الأفضل بعيدا" عن التهريج والصراخ والأدعاء بالدفاع عن مصالح الطائفة والدين المندائي . إن التجارب الحياتية تؤكد لنا إن النقد البناء هو أساس التقدم والتطور لكافة المجتمعات . فبدون النقد لأنفسنا أو لغيرنا لا يمكن أن نكتشف أخطاءنا في العمل ، ومع الأسف أن هناك من الأخوة المندائيين من يحاول الوقوف ضد أي نقد لمسيرة الطائفة ولرجال الدين بحجة إن طائفتنا هي طائفة دينية والواجب على رجال الدين وهم ( مقدسون ) من وجهة نظرهم قيادة مؤسسات الطائفة الدينية والمدنية بدلا" من القيادة الحالية المنتخبة والأبتعاد عن كل النشاطات الأخرى .

ولنعود الى الوراء قليلا" ، فمنذ ألاف السنين ومنذ ظهور الأديان ولغاية اليوم هناك جدال وتسائل بين البشرية ، حول فيما أذا كانت تلك الأديان والسائدة اليوم هي من أنتاج البشر أنفسهم أم من إنتاج سماوي ، ووفقا" لهذا التسائل فقد إنقسمت البشرية ما بين مؤمن وملحد وغير ديني وعلماني ألخ ، وكانت نتيجة ذلك تزايد الصراعات بين هذه المجاميع وأثرت بدورها على كافة المجتمعات ، رافقها وبمرور الزمن ظهور طبقة من الناس أتخذوا من أنفسهم أوصياء على الدين وتعاليمه ونشره وسميت هذه الطبقة بطبقة ( رجال الدين ) التي ساعدت بنشر ( ثقافة التقديس ) بين أفرادها حفاظا" على مراكزهم الدينية والأقتصادية .

ومنذ تلك الفترة إزدادت ثقافة ( تقديس الفرد ) ، حيث شهد التأريخ إن للحكام ورجال الدين الحظ الأكبر من عملية التقديس بدعوى إن شرعية حكمهم وتسلطهم مستندة الى الدين فـ ( الحاكم هو ظل الله على الأرض ) ، وحتمت الظروف الطبقية والأقتصادية أن يكون هناك ما يشبه التعاون بين الحكام ورجال الدين لمسك زمام الأمور ، هذا التعاون الذي شجع الحكام على الإحتفاظ بزمام السلطة وتسلطهم على رقاب الشعوب وإستغلالهم وعلى إستمرار رجال الدين في جمع القرابين التي يقدمها الناس البسطاء لرجال الدين تقرباً الى الله.. ولكن بمرور الوقت وتطور المجتمع الأنساني تراجعت ثقافة ( تقديس الحكام ) بينما بقي رجال الدين يحافظون على قدسيتهم حتى يومنا هذا .
ويمكن ملاحظة ( ثقافة التقديس لرجال الدين ) بوضوح في البلدان المتخلفة أكثر منها في البلدان المتطورة ، كما ويمكن أن نلاحظ إن تقديس الأفراد بسبب منزلتهم الدينية قد تجاوزت الناس البسطاء ووصلت الى السياسيين وحتى بعض المثقفين من مختلف الأتجاهات ، فالويل لمن ينتقد رجل الدين ، والويل لمن ينتقد حزب ديني فهؤلاء ( مُقدّسون ) من قبل أتباعهم متناسين أنهم بشر كغيرهم يُخطئون ويُصيبون وأن مكانتهم في الدنيا والمجتمع تقاس بقدر ما يُقدموه لأوطانهم ومجتمعاتهم من أعمال.

وفي هذا المجال لنعود الى طائفتنا المندائية ، فبالرغم من عدم وجود ( ظاهرة التقديس ) لرجال الدين في الديانة المندائية فهناك من يحاول إدخال هذه الظاهرة بين صفوف الطائفة وإقناع الأخرين بها لغرض إستغلالها في محاربة مؤوسسات الطائفة المدنية المتمثلة بإتحاد الجمعيات المندائية وحملة الأفكار من المثقفين المندائيين وخلق الشك والريبة والمشاكل بينهم وفق خطة مدروسة وموجهة من بعض الجهات لعزل أبناء الطائفة المسالمين عن مؤوسسات الطائفة الدينية والمدنية وإضعافها في مواصلة جهودها الحثيثة لخدمة الطائفة وأبنائها المشردين في أصقاع الدنيا . إن أبناء الطائفة المندائية يعتزون بذكرى رجال دينهم الذين خدموا الطائفة وقدموا لها الكثير خلال تأريخها الطويل ولكن لم نسمع يوما" أن أطلق على أحدهم كلمة ( مقدس ).

لقد حفل التأريخ البشري بالمئات من العظماء من السياسيين والمخترعين الذين قدموا لبلدانهم وللأنسانية الكثير من الأنجازات مثل لينين وتشرشل وأبراهام لنكولن وغاليلو وأديسون ودافنشي وأبراهام أنجلو وبتهوفن وإبن سينا والمتنبي والجواهري وبيكاسو وموزارت وعبد الجبار عبدالله وعلي الوردي ومدام كوري وجايكوفسكي) وبتهوفن وغيرهم المئات ولكن لم يتم ( تقديسهم ) من قبل شعوبهم لا في حياتهم ولا حتى بعد وفاتهم بل أعتبروا رموزا" فنية وعلمية وسياسية وطنية تحترمهم شعوبهم على الرغم من أنهم قاموا بأعمال وإنجازات تأريخية خالدة..... أن محاولة نشر فكرة تقديس رجال الدين المندائيين من قبل بعض الأخوة هو لدليل قاطع على تخلفهم الأجتماعي وعدم أدراكهم وفهمهم للتعاليم المندائية ووضع الطائفة .

وهنا يمكن أن نسأل كيف يحق للأنسان أن يُقدس شخصا" مثله يحمل نفس الصفات الأنسانية ؟

تؤكد كافة الاديان إن ( القدسية ) هي لله وحده ولا ينافسه بها أحد ، لذلك لا يمكن ان يتمتع بها البعض من البشر ، سواء رجال دين أم سياسيين أو غيرهم ، ويمكننا هنا أن نتسائل هل هناك شروطا" من الواجب توفرها في البعض من البشر ليحصلوا على ( القدسية ) ؟.. يعتقد البعض إن التخصص و( التبحر ) في العلوم الدينية هو أحد الشروط الواجب توفرها في الشخص المعني للحصول على القدسية !.. وإذا أفترضنا صحة ذلك !!! ما هو موقفنا من ( المتبحر ) في العلوم والثقافة والفنون وبمختلف تشعباتها والتي يجهلها رجل الدين هذا ولا يعرف منها شيئا" !..هل نعتبرهم مقدسين أسوة برجال الدين . إضافة إلى أن مجتمعاتنا اليوم تزخر بالمئات من المفكرين والباحثين في الديانات المختلفة وهُم أوسع دراسة وأكثر علماً من رجال الدين وقد كتبوا عشرات الكتب والبحوث في مجال الأديان وتفسيرها ولكنهم لم ينالوا التقديس بل حتى أنهم لم ينالوا الإهتمام والتقدير اللازم الذي يناله البعض من رجال الدين..

إن رجال الدين ( المُقدّسين ) من مختلف الأديان في مجتمعاتنا المتخلفة اليوم نسوا كونهم بشراً كغيرهم ، ولكي يحافظوا على قدسيتهم لجئوا الى نشر ( ثقافة التقديس ) وتوصية أتباعهم بالأبتعاد عن العلوم والثقافة والفن والرياضة وغيرها ليسود الجهل بينهم ولكي يسهل قيادتهم وإستغلالهم للوصول الى غاياتهم ، لذلك إن ثقافة تقديس رجال الدين هي مسألة خطيرة دخلت في تراث العديد من الشعوب المتخلفة ولم تعد تقتصر اليوم على الأحزاب الدينية بل تعدتها حتى الى بعض الأحزاب المحسوبة على التيار الليبرالي ، لذا من الصعب تغييرها في يوم وليلة أو ولاحتى في عقود..

لا شك أن وجود رجال الدين في المجتمع المندائي هو أمرا" هاما" ، لما لهم من دورا" أجتماعيا" بترسيخ القيم الدينية الصحيحة بين أبناء الطائفة. ولكن هناك سؤال يحتاج الى جواب ، هل كافة رجال الدين هم من الناس المؤمنين بالدين فعلا" ؟ وهل الذين يخالفون التعاليم الدينية بتشجعهم على الفرقة والذميمة ويمارسون النفاق اليومي وحب المال ويحملون آراءا" تخالف التعاليم الدينية وينسبونها الى الدين يمكن أن نطلق عليهم أسم رجال الدين ؟ طبعا" لا ! فهناك نماذج من رجال الدين وهم بشرا" مثلنا تواصل أخطائها خدمة لتوجهاتها وطموحاتها الشخصية البعيدة التي تقودنا للعديد من الأزمات الداخلية في الساحة المندائية . كما إننا نعتقد إن مكانة رجل الدين المندائي في الطائفة وإحترام أبنائها لهم هو أمرا" ظروريا" أيضا" لتعزيز مكانة الطائفة والتعاليم الدينية ، لكن ممارسة البعض لتلك الأعمال تؤدي ألى أضرارا" بالغة في وسط البسطاء وجيل الشباب الحالي .

وقد يكون من أبرز هذه المظاهر التي تؤثر سلبا" على الدين المندائي ، هو القصور في فهم التعاليم الدينية المندائية من قبل رجال الدين ، لأنهم يختلفون في العمر والمرتبة الدينية والتجربة الحياتية والخبرة الدينية والتحصيل الدراسي وإجادتهم للغة المندائية وحتى اللباس الشخصي والديني ( الرستة ) وتفاصيلها وكيفية خياطتها وكما نشاهدها من الصور التي تنشر على موقع الياهو بإستمرار . لذلك فمن الطبيعي أن نلاحظ أختلاف بالآراء فيما بينهم ، ولهذا السبب تكون آرائهم وتفسيراتهم للتعاليم الدينية والكتاب المقدس مختلفة إن لم نقل متناقضة في الكثير من المواقف ، فهم ولحد الأن يختلفون فيما بينهم على الكثير من النقاط ومنها كيفية عقد المجلس الروحاني الأعلى والذي طال إنتظاره من قبل المندائيون لحسم القضايا الدينية الكثيرة موضع الخلاف ، والتي تسبب في حيرة أبناء الطائفة ولأي رجل دين يتبعون !!
ومما تقدم علينا أن ندرك بإن رجال الدين المندائيين هم أخوتنا وبشر مثلنا وهم جزء" من المجتمع لهم حياتهم وأخطاءهم ، يتأثرون بالمجتمع وسلوكياته ، ويحملون بين جوانبه آثار تربيته الأسرية والإجتماعية بإيجابياتها وسلبياتها ، وعليهم تقّويم أنفسهم بإستمرار وفقا" لما إكتسبوه من العلوم الدينية ، إننا ندرك إن رجال الدين قد حصلوا على مكانتهم الدينية نتيجة لما بذلوه من جهد في دراسة الدين المندائي ونذروا أنفسهم لخدمته وتخلوا عن مباهج الحياة وأصابهم العوز والفاقة والمرض .
أن المكانة التي يتمتع بها رجل الدين المندائي متأتيه من إحترام شخصيته وإحترام العلوم الدينية التي يحملها... وبما إن لكل إنسان مكانته في المجتمع فكذلك لرجل الدين مكانة يتحتم علينا أن نحترمها... وعلينا مؤازرته والتعاون معه في المهمة الجسيمة التي يقوم بها ، فرجل الدين المندائي مهما كان هو إنسان له حرمته وهيبته وعلينا أحترامه وليس ( تقديسه ) ، لأن الأعتقاد بعدم حصول الأخطاء والهفوات منهم إعتقاد خاطئ يضر بهم ولا ينفعهم .

وهذا لا يمنع من أن نوجه له الإنتقاد في حالة ممارسته الأخطاء ليس من باب الإستخفاف به أو التقليل من شأنه أو السخرية منه ... فهذا لا يمكن أن نرتضيه لأقل إنسان فكيف بمن حملوا على عاتقهم أمانة الحفاظ على الدين المندائي وبقاءه ... يجب أن يكون الإنتقاد الموجه لرجل الدين مهما كان مبنيا" على أسس صحيحة لا أن يكون مجرد كلام يلقى من شخص لا يملك أبسط خلفية ثقافية أو دينية ، لأن الغرض من الإنتقاد بالأساس هو من أجل بيان الحقيقة وتصحيح الأخطاء لا مجرد التعريض والتشهير...

إن الديمقراطية والحوار والنقد البناء الذي ننشده لا يسمح أبدا" بالنيل من سمعة الناس والتعرض لهم بالسوء ، بقدر ما تسمح بالمحاججة السياسية والجدل الفكري .. فمتى نتعلم نحن المندائيين كيفية السبيل إلى ذلك ؟

وأخيرا" فأنا مدرك إن العديد من الأخوة سوف يعارضون ما ذكرته بسبب جهلهم وعدم تعايشهم مع الواقع الذي تمر به الطائفة وهذا هو الحوار البناء الصحيح الذي نسعى إليه .

كندا
مايس / آيار 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -محاولة لاغتيال زيلينسكي-.. الأمن الأوكراني يتهم روسيا بتجني


.. تامر أبو موسى.. طالب بجامعة الأزهر بغزة يناقش رسالة ماجستير




.. مشهد تمثيلي في المغرب يحاكي معاناة أهالي غزة خلال العدوان


.. البرازيل قبل الفيضانات وبعدها.. لقطات تظهر حجم الكارثة




.. ستورمي دانييلز تدلي بشهادتها في محاكمة ترمب