الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدح الصمت

ابراهيم هيبة

2010 / 6 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مدح الصمت


أحيانا، لا يكون المرء فيلسوفا إلاّ بقدر ما يبقى صامتا؛ لكننا نحن البشر نخاف الصمت ونميل إلى الثرثرة. ما إن تجلس إلى احدهم حتى يبدأ في استخراج كل ما يجول بداخل قلبه، ولن يهدأ حتى يكشف لك عن آخر سر من أسراره. اذهب إلى أي مجلس، وأؤكد لك بأنك لن ترى فيه إلا بشرا يتنافسون في فضح داوخلهم وهتك خصوصياتهم: ليست حواراتهم سوى نوعا من التعري المتبادل والتسابق نحو إفراغ الذات من كل غرابة وغموض. الذي يتكلم كثيرا لا أسرار له، والذي لا أسرار له هو إنسان فارغ. والحق أنه ثمة دائما حدود للكلام، كما أنه ثمة أشياء لا يجب أن نبوح بها لأحد؛ فلا احد يستحق أن نكشف له عما نخبأه في صدورنا. بل يمكنني القول بان كرامة المرء لا تقاس، أحيانا، إلا بقدر ما يخفي من الأسرار- ولإخفاء الأسرار ليس هناك ما هو أفضل من إستراتيجية التزام الصمت.
أسرارنا هي أغلى ما نملك، ولا يوجد هناك معبد أو اله يستحق أن نطلعه عما يجري في كياننا. و إذا كانت هناك من غباوة قد اخترعناها فهي الاعتراف الكاثوليكي وما يشابهه في باقي الأديان والثقافات. الإنسان الذي يبوح بكل شيء ويوزع الألفاظ والعبارات يمينا وشمالا، هو إنسان ساذج ومبذر- إنه متورط في مغامرة كلامية لا تنتهي إلا باستنزاف الذات وهدر طاقتها الروحية، إنه يموت مع كل فكرة أو خاطرة يتفوه بها.
يتحدد العمق الفكري والميتافيزيقي لكل شخص من خلال علاقته بالكلام وموقفه من الصمت. الإنسان الحكيم، مثلا، لا يتكلم كثيرا، وعندما يتكلم فإنه لا يفعل ذلك إلا عندما يتيقن بأن ما سيقوله سيدفع حتما بعجلة الكون إلى الأمام. وفي الواقع، يجب على المرء ألاَّ ينصت لطرف آخر غير ذاته- فكل ما هو حقيقي وجوهري في هذا الكون عصي عن أي ترجمة أو نقل لغوي، وإذا كانت هناك من حقيقة يمكن أن نقبض عليها في هذا العالم فهي توجد في مجال ما قبل اللغة- أي في مجال الصمت.
في حديثهم عن الإشراق الروحي غالبا ما يشير حكماء الشرق إلى ممارسة التأمل، لكن التأمل لا يمكن فهم حقيقته الجوهرية بمعزل عن مفهوم الصمت. فعندما يغلق المرء فمه ويكرّس كل تركيزه وهدوءه للإنصات لصوت الصمت، تتكشّف له حقائق كونية لا يمكن أبدا أن يدركها وهو غارق في جلبة العالم وضوضاءه.
الذين يتكلمون غالبا ما ينصبّ اهتمامهم على الكلمات والأصوات والنبرات؛ إنهم يهتمون بالإشارة والرمز ولكنهم ينسون الكائن. وبالتالي، فإن كل ما يكون مدار أحاديثهم لا يتجاوز مستوى الزيف والبطلان والثرثرة- ملاحظة الفيلسوف الطاوي تشاونغ تسو في غاية الدقة والوضوح: "الذين يعرفون لا يتكلمون، والذين يتكلمون لا يعرفون شيئا". و من هنا نفهم لماذا لا يوجد عمق فلسفي لدى النساء؛ فلأنهن يعشقن الثرثرة، لا يلامسن الحقيقة أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 6 / 1 - 10:16 )
الأخ الكاتب تحية جميل ما كتبته هذا بإستثناء السطر الأخير حول النساء ، فلا أتفق معك حوله .. مع التحية


2 - فى بيتنا فيلسوف
منجى بن على ( 2010 / 12 / 22 - 11:53 )
اشكر موقع الحوار الذى اتاح لنا فرص الحوار والالتقا مع هذه الكوبكه الرائعه التى تضم كل من الاستاد سيمون خورى والاستاد ابراهيم هيبه وغيرهم من الكتاب الممتازين...فى الواقع انا اتفق تماما مع الاستاد ابراهيم وما ذهب اليه من ان النساء ليس لديهن عمق فلسفى فهن مجرد حامل للجينات وفى الحقيقه هن غير مسؤلات على كونهن نساء فاذا كان هناك من خطا او صواب فالامر يعود للصدفه وحدها فلا احد يملك خيار او امتياز...الا ان وجود المراة او الانثى فى الحياة اعطى لها معنى وجعلها اكثر جمالا وستكون هذه حقيقه مؤلمه الا ان يصل الانسان الى الفهم الدقيق للنظام العشوائى للحياة والكون وبالتالى الى الانسان الاله الذى يخلق الحياة حيت لاحاجه للاكل والجنس والقتل بل لاحاجه للذكر والانثى

اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام