الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن النقاب والنفاق والسلطة

نوال السعداوى

2010 / 6 / 2
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


الثلثاء 1 حزيران (يونيو) 2010


وقف عدد من المبدعين والمبدعات ضد الردة الثقافية والفكرية التى اجتاحت بلادنا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، وقفوا بشجاعة ضد النقاب والختان والاستعمار والفساد، و قضايا الحسبة التى خرجت من قبور الماضى لتضرب حرية الفكر والإبداع الأدبى والعلمى والفنى.


أصحاب وصاحبات الشجاعة أقلية، يساندون علنا من يتعرض لبطش المتاجرين بالدين فى سوق السياسة والوطنية والأخلاق، يحظى بالمساندة أكثر من غيره ممن تدعمه السلطة الحاكمة فى مجال الثقافة والإعلام.




كانت حملة قوية إيجابية تلك التى ساندت طبع كتاب ألف ليلة وليلة، فلماذا لا يحظى بمثل هذه الحملة مبدعون ومبدعات غير مدعمين بالسلطات الحاكمة؟.




كان يوسف إدريس يقول لى: «لا يمكن لك يا نوال أو لأى كاتب مبدع أن يحظى بلقب كاتب كبير، دون أن تكون له كبارى مع السلطة الحاكمة، مؤسسة الأهرام لها سلطة أكبر من الحكومة، نحن نعارض الرؤوس الكبيرة على صفحات الأهرام بمن فيهم الوزراء ورئيس الوزراء مطمئنين إلى حماية السلطة، يقول لنا رئيس التحرير: «اسحبوا السجادة من تحت قدمى المعارضة، أنا يوسف إدريس أكتب مقالات بالأهرام تنقد الحكومة أكثر شجاعة من مقالات المعارضة، لأن لى ظهراً، ومن له ظهر لا يضرب على بطنه».




قرأت فى جريدة «المصرى اليوم» الصادرة ٢٤ مايو ٢٠١٠ مقالا بقلم الأستاذ أحمد المسلمانى، يقول فيه: «وبات على الأهرام التى تربح أكثر من مليار جنيه سنويا أن تواجه شركات أهرامية خاسرة وإنفاقا يتراوح بين الخطأ والسفه وديونا……… كتب أحد أعضاء مجلس إدارة الأهرام… يضع ألف دليل ودليل على صحة ما تنشره الصحف بشأن فساد الرئيس الأسبق للأهرام، وكانت الصحف تنشر مع اتهاماتها نصوصا ووثائق للرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات.. وقيل وقتها إن ثروة الرجل من الأهرام أكثر من مليار، ووصل أحدهم بالرقم الى أربعة مليارات جنيه، وبعد كل ذلك وغيره كسب المسؤول الأهرامى الكبير كل المعارك فى ساحة القضاء… ثم عاد إلى مبنى الأهرام قبل أيام…….. كيف للعقل أن يفهم وكيف للضمير أن يستريح؟»




تصورت أن هذا المقال وغيره سوف يفعل شيئا، إلا أنه لا شىء حدث، وكم من رؤوس كبيرة كشفتها تحقيقات الفساد دون أن يصاب أحدهم بسوء، لا يعاقب فى بلادنا إلا الضعفاء الفقراء الذين ليس لهم ظهر فى السلطة والثروة الحاكمة.




كيف نخرج من هذا المأزق؟ لم تعد الكتابة أو المعارضة فى الصحف تقود إلى التغيير المنشود، تتمزق فرق المعارضة وتسقط فى أى امتحان بسيط، تتعشى مع الحكومة واليمين والدينيين، وتفطر مع المعارضة واليسار والعلمانيين، تحت اسم التعددية والليبرالية والديمقراطية، تصل المسافة بين الضمير الحى والضمير الميت إلى أربعة مليارات جنيه.




الخروج من المأزق يقتضى تغييراً جذرياً فى مفهوم المعارضة ذاتها، بما فيها مفهوم الأحزاب السياسية «يسار ويمين ووسط»، بهدف تغيير جذرى فى شخصية الشعب المصرى نفسه، تغيير عقلية المتعلمين وغير المتعلمين، تغيير التعليم والثقافة والإعلام، لن يتم ذلك عبر الكتابة فى الصحف، أو الحوارات السطحية فى الفضائيات، أو إعطاء النصائح للآخرين، أو اتهام الآخرين.




على كل واحدة أو واحد منا أن يبدأ بنفسه أو نفسها، من هنا والآن نبدأ وليس غدا أو فى مكان آخر غير مكانى، علينا إصلاح أنفسنا وبيوتنا وأسرنا وجيراننا فى الشارع الذى نعيش فيهالضمير الحى لا يموت فى حياتنا الزوجية الخاصة ثم يصحو فى حياتنا الوطنية العامة، ما أسهل تبنى قضايا حقوق الإنسان العالمية، وما أصعب تبنى قضية الزوج أو الزوجة المسلوبة الحقوق فى البيت، وقد جاءت إلى عيادتى النفسية زوجات يعانين القهر والظلم من أزواجهن، وبعض أزواجهن قيادات عالية الصوت دفاعا عن حقوق الإنسان بل حقوق المرأة أيضا.




هذا التناقض الخطير سمة شائعة بين القيادات السياسية، «حكومة ومعارضة، يسار ويمين»، هى نتاج التربية الأبوية الطبقية فى البيوت والمدارس، يرضع الطفل والطفلة احتقار المرأة والخادم فى نفس واحد، يترسب فى وجدان الأطفال أن اسم الأب هو الشرف واسم الأم عار، تنخر الازدواجية فى عصب الشخصية المصرية من الولادة حتى الموت.




الخروج من المأزق يقتضى الصدق وعدم النفاق أو المراوغة فى الكلام، من الواضح أن وجه الإنسان ليس عورة بل شرف وكرامة تدل على الهوية الإنسانية، إنسان ليس له وجه يعنى لا إنسان، من الواضح أن المرأة إنسان فكيف نفرض عليها إخفاء وجهها بالنقاب؟ تحت اسم الدين أو الأخلاق أو الهوية أو حرية الاختيار؟




أى مجتمع إنسانى يجب أن يمنع إخفاء وجه الإنسان بالقانون، سواء كان الإنسان رجلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا، غنيا أو فقيرا، حاكما أو محكوما، فما هذه الضجة حول منع نقاب المرأة بالقانون داخل أى بلد فى الشرق أو الغرب؟ هؤلاء الذين يقولون إن نقاب المرأة رمز إسلامى مثل مئذنة الجامع يسيئون إلى الإسلام، ويراوغون وينافقون التيارات السياسية الدينية، إن منع النقاب بالقانون واجب على كل دولة فى العالم مثل قانون منع العرى، إخفاء الوجه فى الأماكن العامة جريمة إنسانية واجتماعية، مثل تعرية الأعضاء الجنسية فى الطريق العام، هل يمكن أن تمشى عاريا فى الشارع دون أن يوقفك البوليس؟ التغطية الكاملة للإنسان مثل التعرية الكاملة ضد الإنسانية والمجتمع الصحى السليم.




الخروج من المأزق يقتضى منا الشجاعة والصدق والنقد البناء، ومساندة المبدعين والمبدعات وإن كانوا خارج السلطة، كم عدد الذين تصدوا لمساندة مبدعات ومبدعين ليس لهم ظهر فى السلطة الحاكمة؟ وكم عدد المساندين لنشر كتاب ألف ليلة وليلة؟ أليس الفارق ضخما؟ هل يدل هذا الفارق الضخم على ضخامة النفاق فى بلادنا؟ نحن فى حاجة إلى تجميع أسماء كل المبدعين والمبدعات الذين يتعرضون لقضايا الحسبة وغيرها من أساليب القهر والمنع، من أجل التضامن معهم، وشرح أعمالهم للناس، وتحليلها ونقدها علميا أو أدبيا على نحو بناء، فمن يقوم بهذه المهمة؟



عن جريدة المصري اليوم 1/6/2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
يزن احمد ( 2010 / 6 / 2 - 03:00 )
السيدة والمناضلة الفاضلة نوال
تحياتى لك ولقلمك الرائع
دمت مناضلة لحقوق المراءة العربية
تحياتى


2 - الفاضلة د.نوال
مرثا ( 2010 / 6 / 2 - 06:33 )
د.نوال : سلام لكِ
أفتخر بكِ مثال عظيم للمرأة صاحبة كلمة وقرار ، تقبل وترفض بكل قوتها ، مقال رائع وكما أشرتي ،الخروج من المأزق يقتضي تغييرا جذريا ، ليس فقط في مفهوم المعارضة ولكن في مفهوم الإنسانية ، بدلا من إرضاع الأطفال دونية المرأة . أشعر كثيرا بالإحباط ، كم نحتاج من مقالات وتوعية مقابل الأصوات العالية في المساجد وفي وسائل المواصلات والشوارع والتي ترهب وترعب الفتيات ، الحجاب طريقك الى الجنة وغيرها !! اتفق معكِ سيدتي في ان المجتمع يجب عليه منع إخفاء الوجه بالقانون ، كما يمنع العري لأنه اساءة للإنسانية . ولكن لاتوزن كل الأمور بميزان واحد ، أشعر أن هذا المجتمع الذكوري يخاف من إكتساح المرأة ، فهي ليست فقط ندا له بل تفوقت عليه في مجالات عديدة
تقديري واحترامي


3 - النور والظلمة
ليلى ابراهيم ( 2010 / 6 / 2 - 07:48 )
استمرى يا سيدتى ولا تيأسى فلابد للنور من الانتصار على ظلمة العصور الوسطى القبلية. لكى منى ومن كل المثقفين كل احترام وتقدير


4 - السيدة نوال السعداوي المحترمة
نور 2 ( 2010 / 6 / 2 - 08:17 )
مقال عظيم يفضح في إحدى فقراته الدعوات الساذجة لتحرير المرأة باللسان والصراخ , يكفيني من كل المقال ما جاء في فقرته التاسعة زوجات مظلومات يعانين من ظلم أزواجهن القيادات العالية في الدفاعه عن حقوق الانسان والمرأة . يا لك من سيدة شجاعة أفتخر أن يكون وطني وطنها . أقوالك ننادي بها وننشرها لكن هناك من لا يرى إلا النقص في نفسه فيأخذ في مقارعة فارغة لا هدف لها إلا الشوشرة . الشكر لك


5 - مع تحياتي 1
حمادي بلخشين ( 2010 / 6 / 2 - 10:59 )

قبل ان اتوجه الي الكاتبة اقول لو كان في امكاني لقايضت عشرة آلاف راس كاهن سلفي متدين براس واحدة لنوال سعداوي .
ــــــــــــــــ
سيدة نوال تحية طيبة و بعد
حضرتك قلت:
أصحاب وصاحبات الشجاعة أقلية
بناء على ذلك اقول:، -

ان الدين الإسلامي الذي مسخته المنظومة السلفيةالكهنوتية البغيضة هو الكفيل لوحده بما وعد من اجر اخروي ( و ليس مبادرات شخصيات استثنائية و شجاعة مثلك و مثل الرائع صنع الله ابراهيم) بتجييش الثوار و حشد الجماهير بعد اعطاء الناس شحنة معنوية لمقاومة الفساد و دفع فاتورة تلك المقاومة اعتقالا و تعذيبا و قتلا. فدين يعتبر أن الموت في سيبل الدفاع عن الممتلكات الشخصية شهادة (من قتل دون ماله فهو شهيد) و دين يقول احد اتباعه عجبت لمن بات جائعا و لم يخرج عن الناس بسيفه. مثل هذا الدين لا يمكن ان يوضع اتباعه تحت جزمة حاكم مهما امتلك ذلك الحاكم من ادوات بطش و ارهاب
لئن كنت قد ابدعت في تشخيص الأمراض
فقد حملك الغضب على تحميل الإسلام ذاته أخطاء السذج من اتباعه
فهل من مصالحة ؟
اعتز بان اهدي لك قصة قصيرة عنوانها نقاب


6 - مع تحياتي 2
حمادي بلخشين ( 2010 / 6 / 2 - 11:00 )
نقاب

حين أحطت جدّي علما بأن مجلس النوّاب البلجيكي قد قرّر بالإجماع حظر النقاب في جميع الأراضي البلجيكية بحجّة أنه يستهين بآدميّة المرأة، لم يصدقني في أوّل الأمر ،لأجل ذلك أمرني بقراءة الخبر كما أوردته وكالات الأنباء العالمية.
حين فرغت من ذلك حكّ رأسه، زمّ شفتيه، ضرب كفا بكف ثم هتف متعجبا:
ــ والله غريب!
صاحت به والدتي:
ــ مالغريب في الأمر؟
ثم وهي تضيف؟
ــ وهل كان يتوقع من برلمان نصراني غير ذلك؟
أبتسم جدي، مسح لحيته الشيباء ثم قال:
ــ الغريب في الأمر يا بنتاه.. أنني ولأول مرة في حياتي المقرفة أسمع عن برلمان أروبي يحكّم كتاب الله و سنة رسوله في قضيّة ما !
أوسلو 12/05/200


7 - الى الامام يا حملة المشاعل
خالد المصرى ( 2010 / 6 / 2 - 14:43 )
شكرا للاعزاء فى الحوار المتمدن لفتح ابواب الموقع لكل اصحاب الفكر المستنير مثل السيدة نوال ,,,,,,, والى الامام يا حملة المشاعل


8 - عادة وليس عبادة
البراق ( 2010 / 6 / 2 - 15:31 )
تحية للمبدعة دوما الدكتورة نوال واقول حتى المرحوم شيخ الازهر الطنطاوي منع النقاب في جامعة الازهر وقال انه عادة وليس عبادة لاحدى الطالبات المنقبات في الجامعة وطلب منها رفعه انه فعلا اهانة للمرأة وانسانيتها ولو كان شيئا من الدين لما فرض على المرأة التي تحج في مكة ان تكون كاشفة الوجه واليدين والقدمين وامام مليونين من الحجاج فما هذا التناقض والازدواجية ياشيوخ ؟؟؟


9 - وميض فى الظلام
محمود ( 2010 / 6 / 3 - 07:54 )
اولا احب ان اوجه الشكر والتقدير للدكتوره الرائعه التى افخر ي÷نها مصريه اصيله الدكتوره نوال السعداوى واقول لها يا ليتنا نستفيد ونقدر هذا العقل المستنير فى حل مشاكلنا وقضيانا اطال الله فى عمرك يادكتور لتبدعى وتورى عقول الكثريين من الذين حجبو عقولهم بأسم الدين ونجح مروجو ومتاجرو الدين فى حجب عقولهم وللأسف ان الكثير منهم من المتعلمين والمسنيرسن الذين كان يجب عليهم ان يكون لهم دور فى تنميه المجتمع حقا ياخساره
ياحسرتاه ان ترى المرأه نفسها تهان وهى تسكت بل وتوافق على هذا الى اين نحن ذاهبون فنحن نسير الى الوراء بسرعه الصاروخ ونترك مشاكلنا وقضايان المتعلقه ببقأنا ومستقبلنا وننهمك فى التفكير والكتبات والحورت التفزيونيه المكلفه بالمليارات فى الحديث عن الحجاب والنقاب ونترك موضعاتنا العلميه والفكريه والاجتماعيه الهامه وننهمج وراء موضوعات لاتزيدنا الا تخلف وجهل ونتكرك العلم والتقدم والتكنولوجيا للغرب الذى يدس لنا هذه الافكار حتى ننهمك فيها ونزداد تخلف وجهل


10 - النضال ضد عبودية المرأة
حامد شريف الحمداني ( 2010 / 6 / 3 - 18:05 )
إن النقاب يا سيدتي الكريمة الدكتورة نوال السعداوي هو مثال صارخ لعبودية المرأة ، وهو يمثل ردة كبرى في مجتمعنا العربي، حيث لم نشهد في الخمسينات من القرن الماضي مثل هذه الظاهرة كالتي نشهدها اليوم ، ولقد هالني ماشهدته في مصر العزيزة هذا العام حيث النساء تسير في الشوارع مكللة بالسواد وتقود السيارة ، وهذا أمر غريب على المجتمع المصري الذي عرفناه متفتحاً. أن النقاب ليس رمزاً للعفاف ، بل رمزا لعبودية المرأة، وأن واجب المثقفين أن يتولوا مهمة فضح وتعرية هذه الظاهرة ، والنضال من أجل تحرر المرأة ،لتؤدي دورها في المجتمع الذي تمثل نصفه ، ولا بد أن يكون لها دور فاعل في تقدم وتطور المجتمع جنباً إلى جنب مع اخيها الرجل، وعلى قدم المساوة ،


11 - اجمل تحية لاجمل كاتبة، ومبدعة عربية
Huda a ( 2010 / 6 / 3 - 23:52 )
اجمل تحية لاجمل كاتبة، ومبدعة عربية

اخر الافلام

.. أحلام القروي، مديرة برامج بالمركز التونسي المتوسطي


.. آمال بن خوذ مديرة جمعية شباب بلا حدود




.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة


.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية




.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين