الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن طفيل- حكمة التجانس والاعتدال!

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2010 / 6 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ولد أبو يكر محمد بن عبد الملك الأندلسي قبل عام 506 وتوفي عام 581 للهجرة (1110-1185) في وادي آش. وعمل طبيبا في غرناطة. ويقال انه كان تلميذا لابن رشد. رغم انعدام الدلائل على ذلك. أما المؤكد عنه فانه عمل كاتبا لأحد أبناء عبد المؤمن ثم ترقى في مناصبه إلى أن أصبح طبيبا لأبي يعقوب يوسف المنصور خليفة الموحدين. (1163-1184). وصنف كتبا في الطب والفلك والفلسفة. لكن شهرته ارتبطت بكتاب (حي بن يقظان)، الذي ترجم منذ زمن طويل إلى مختلف اللغات الحية.
وقد ارتبط اسم (حي بن يقظان) بشخصية ابن طفيل. والسبب الرئيس لذلك هو أصالة الكتاب وغرابته الجميلة. إذ استطاع أن يولف بصورة خلابة حبكة الخيال الشعبي، والتأثير التاريخي المتبادل بين الثقافات، وتراث الفكر الفلسفي بمختلف مدارسه، والارتقاء بهم جميعا إلى صورة أخاذة تستجيب لروح التصوف الإسلامي. فقد استكمل فكرة ابن سينا عن الارتقاء بالعقل إلى مصاف الحكمة، وفكرة السهروردي عن الحكيم المتأله من خلال رسم إحدى أجمل الصور الفنية عن ارتقاء المعرفة التلقائية صوب الحدس المتسامي بوصفها المهمة الكبرى للروح والجسد. وقدم في قصة (حي بن يقظان) نموذجا لتأمل بحر الوجود وهو يرمي بكل ما فيه، كما لو انه أراد القول، بأن مد البحر وجزره (المد والجزر) هي الحركة الحية التي تنتج بقدر واحد مدّ الثقافة وجزرها. وفيها ومن خلالها (الحركة) يتبين زبد الوجود من درره وجواهره، بوصفها المكونات الضرورية للحياة، ولكل منها دوره وقيمته، وظيفته ومهمته، وسيلته وغايته. ولم يكن هذا الموقف معزولا عما يمكن دعوته بفلسفة الاعتدال الواقعية التي ميزت مواقفه ورؤيته للوجود كما هو والغاية الكبرى منه. من هنا تعايش الصورة النقدية والمبجلة في نفس الوقت لإبداع ابن سينا والغزالي، والكمون الساري لتقاليد التفلسف والتصوف الأندلسي، وبالأخص لآراء وشخصية ابن باجة وفكرته عن شخصية (تدبير المتوّحد)، التي تتماسك بنبتتها بين صخور الوجود عرى الألفة الجميلة للشمس وظلالها، والأمطار وسيولها، وكل أشكال الوحدة الضرورية لسمو الطبيعي والماوراطبيعي في الإنسان.
ومن الممكن رؤية الألوان النقية والمثيرة لهذه اللمحات في حبكة القصة ومضمونها كما بلورها وقدمها ابن طفيل في (حي بن يقظان). ففيها نستطيع رؤية فسلجة الروح، ومن ثم نمو المعرفة النظرية والعملية بوصفها تأملا عقليا تلقائيا. إذ نقف فيها أمام صيغ متنوعة لتناول طبيعة الولادة. وهو شيء ليس جوهريا لأنه جزء أو نموذج لأوجه الصيرورة الملازمة للوجود. وسواء كان ظهور الإنسان طبيعيا خالصا أو إنسانيا، فأنهما يتمثلان حقيقة واحدة وهو ترابطهما في الحس والعقل والحدس. وقد تتبع ابن طفيل هذا الترابط من خلال تأمل حركة العقل ووقوفه المحتوم أمام "الأسئلة الخالدة" بوصفها أسئلة المنطق ومفارقاته المرهقة. لكنه وقوف يحتوي في ذاته أيضا على إمكانية كسر جدار الصمت المتراكم في قواعد المنطق الشكلي. وهي العملية التي تصنع ركام الحدس الأول، ومن خلاله يمكن بناء صرح البدائل! وحالما يبلغ العقل حالة الحدس، عندها يصبح الاعتدال والنزوع الإنساني مصير الروح والجسد. ويغض النظر عن تنوع أشكال ومستويات هذا المصير، لكنه يتمثل من حيث الجوهر معنى وقيمة الحكمة، بوصفها خروجا على أحكام العقل بمعاييره، والبقاء في نفس الوقت ضمن حيز النزعة الإنسانية. وذلك لأنه يدرك بوضوح اقرب إلى اليقين الحقيقة القائلة، بأن الإنسان يولد حيا واليقظة جوهرها. مما يجعل من جوهر الإنسان شيئا يعادل معنى الحياة بوصفها يقظة معرفية دائمة. حينذاك يصبح الرجوع إلى حقائق النفس الأولى بوصفها ذات أبدية غاية الوجود الإنساني. مع ما يترتب عليه من مساعي لصنع الذات المتوحدة بذاتها والموحدة لذاتها بالمطلق (الله). وهو شيء واحد، لأنه باق وما عداه عرضة للتغير والفساد والزوال. وفي هذا يكمن السبب القائم وراء طرح ابن طفيل فكرة البقاء والخلود. فهو السقف الذي يكشف عن حدود الإنسان ووجوده، أي اكتشاف حقيقة الحكمة بوصفها اكتشاف حدود النفس وقدرتها وإرادتها. ومن ثم العيش بمعايير هذا الوعي الأخلاقي المتسامي. انه أفق الحكمة العملية. ومن ثم أفق المصير التاريخي للشخصية المبدعة، باعتباره التعويض المعرفي الذي يفرضه إدراك حتمية اندثار الجزئي والعابر والجسد. وبالتالي تحويل الاندثار إلى جزء من قلق البحث عن الخلود بوصفه التعويض الضروري لإسباغ المعنى على دورة الحياة والموت الأبدية.
***
إننا نقف أمام ثلاثة نماذج متوحدة في مساعيها المختلفة لتأسيس قيمة الحكمة بالنسبة للفرد والأمة والتاريخ والروح. لقد أراد ابن سينا والسهروردي وابن طفيل، كل بطريقته الخاصة نفي الأنا العادية، ونزع حراشف الجسد، والتحرر من لذة الاستمتاع الرتيب بعبارة الماضي الميتة! ومن ثم إشراك الجميع في توسيع مدى اليقظة الفلسفية. ولم يكن هذا الموقف معزولا عن ملامح الصعود والسقوط في تاريخ الحضارة الإسلامية. ففي مواقفهم يمكن أن نلمح ديناميكية الحكمة في صعودها الملازم لصعود إمبراطورية الثقافة (ابن سينا)، ومواجهة جمودها بتمرد الأنا (السهروردي) وبحثها عن قيم الاعتدال والسمو الروحي (ابن طفيل). ولم تفقد هذه المواقف قيمتها بالنسبة للمعاصرة. على العكس! إن إشكالية الشفاء والنجاة ما زالت هي هي، لأن العالم المعاصر ما زال يعاني من عدم تناسب العقل والمعرفة. إذ أن معارفه اكبر وأكثر من عقوله. من هنا خطورة التهور الكامنة في سيادة القوة والقهر والعنف المنظم. وهي الخطورة التي تدفع، كما كان الحال في زمن ابن طفيل مهمة البحث عن قيم الاعتدال وتأسيسها العملي، إي مهمة البحث عن المعنى وتأسيسه في مبادئ التجانس والاعتدال لكي تبلغ البشرية الحد الضروري من الحكمة. وليس المقصود بذلك استعادة دورة التاريخ والثقافة، بقدر ما تعني السير بخطى حثيثة وواعية لما اسماه ابن عربي بالحقيقة المحمدية، وما أطلق عليه هيغل عبارة العقل المطلق. وبدون ذلك فان الإنسان سوف يقف أمام مهمة امتلاك نفسه من جديد عبر مروره مرة أخرى بطريق الآلام المبرحة للصراع من اجل البقاء للأحسن!! فالحكمة تفترض ألا يكرر المرء حتى أفضل وأنبل الأفعال!
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزة.. ماذا بعد؟ | المعارضة الإسرائيلية تمنح نتنياهو -الأمان-


.. فيضانات في الهند توقع أضراراً طالت ملايين الأشخاص




.. مواجهة مرتقبة بين إسبانيا وفرنسا في نصف نهائي يورو 2024


.. الاستقرار المالي يثير هلع الفرنسيين




.. تفاعلكم | مذيعة أميركية تخسر وظيفتها بسبب مقابلة مع بايدن!