الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية المغلقة و الوقوع بين محالين

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



نحن نعلم أنه لا وجود ملموس للخير والشر في العالم الخارجي لأنهما فكرتان نسبيتان ترجعان إلى المشاعر الذاتية للإنسان ويتجلى ذلك بالنسبة للظاهرة الواحدة مثل ظاهرة سقوط الأمطار تلك النسبية التي اخترعها الإنسان تمخضت نتيجة إحساسه المهووس بمركزيته في الكون فالأمطار بالنسبة لساكن الصحراء بهجيرها وجفافها وقسوتها هي خير كل الخير لأنها ستروي الوادي غير ذي زرع ونفس الأمطار بالنسبة لساكن ضفاف الأنهار هي شر مستطير إذا فاضت وأغرقت ما حولها من القري . لكن الحضارات القديمة لم تنتبه لتلك النسبية فجعلت مسؤولاً سماوياً بيده الخير يغدقه بغير حساب إذا كان راضياً عن عباده أو يمنع ويحبس الأمطار لأنهم لم يقدموا القرابين الواجبة والفروض المنوطون بأدائها أو شر يكيله على العاصين الجاحدين عبادته إذا كان غاضباً عليهم فيغرقهم كي ما يرتدعوا وينصاعوا مستسلمين للدخول في حظيرة الإيمان لذا فشغلتهم قضية الخير والشر في العالم وتساءلوا ياتري
من المسؤول عن الشر في العالم ؟ الله أم الإنسان .هذا التساؤل أثار بينهم الخلاف ولم يدركوا أن هذة المعضلة هي قضية مغلقة من الطرفين و هي قضية لا حل لها وهذا ما أدركه الأولون من علماء علم الكلام من مشكل وتناقض لم تحسمه الأيات بل تركته بلا حل ولأن المؤمنين مهما تصادموا وتنازعوا واختلفوا وعجزوا عن حل التناقض و بذلوا جهد أيمانهم في التأويل وعدم الأخذ بظاهر النص أو الإحالة إلى المجاز لأنهم وقعوا في القضية المغلقة .وهذا ما سينكشف من التحليل التالي لمشكلة الشر في العالم فلو أن الله مسؤولا عن الشر انتفت عنه صفات الرحمة والعدل وهو كاره للظلم ولو أن الإنسان مسؤولا عن الشر بدا الله عاجزاً عن التدخل لإيقاف ومنع الشر المستشري دون تدخل وهذا أيضاً محال لذا قلنا أن تلك المعضلة مغلقة بين محالين وسببها النص القرآني لوجود الأيات التي تؤيد كلا الطرفين .وخير دليل على ذلك مسألة الإضلال والهداية فهل لله أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء كما تصرح به الأيات ولأنه لا يسأل عما يفعل أم أن ذلك لا يمكن أن يكون وإلا كان مما لا يتفق مع عدالته التامة ؟؟
هذا هو موضع الخلاف الشديد بين أهل السنة والمعتزلة رغم أن كل من الفريقين يستوحي دائما القرآن لتأييد مذهبه وموافقة فيما ذهبوا إليه من فهم وتفسير . هنا نلمح صدام كلا الفريقين المتنازعين فقد تساءل المعتزلة كيف أن الله قد يرضى ويريد أن يضل بعض الناس فكيف نثق بمن أرسل من الرسل لهداية العالم واخراجه من ظلمات الحيرة والجهل إلى نور اليقين والمعرفة ؟وتأتي الخطورة هنا من أن العقل يقبل أن ينسب ما يصدر من الإنسان من عمل إلى الإنسان نفسه أو أن ينسب إلى الله بأعتباره السبب الأول الذي قدّر على الإنسان هذا العمل ودفعه إليه ....أما الضلال عن الحق والإنصراف إلى الباطل والكفر فليس من السهل أن تنسب لله الذي من شأنه أن يهدي ويرشد لا أن يضل لذا ثار الخلاف بشدة بين المتنازعين محاولاً كل فريق أن ينصر مذهبه بالقرآن دون أن يفطنوا إلى أن أس النزاع كامن في النص نفسه وليس شيئاً سواه .
فقال أهل السنة أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( فاطر -8 ) و من يضلل الله فما له من هاد ( الرعد -33 ) فقال الطبري والرازي : أن التزيين والصد والضلال حتما من الله كما هو صريح في الآيات فهو من ختم على سمع الكافر وجعل على بصره غشاوة وأضله عن الهدى و الحق [ تفسير الرازي 5 / 593 لأيات الكهف 28 و الجاثية 23 والمدثر 31 ] فرد المعتزلة على أهل السنة رغم أن أمامهم حجج لا يملكون إلا أن يصدقوها لكنهم حاولوا هدم حجج خصومهم فقالوا : إن الله لما ترك الضال على ضلاله ولم يمنحه اللطف الذي لا يستحقه صار كأنه أضله [ تفسير الرازي 4/ 45 ] وتكون النتيجة أن الله ليس هو الهادي أو المضل بل الهدى والضلال حالتان يخلقهما العبد لنفسه إذا أعانه الله باللطف أو خذله لعدم استحقاقه له .
إذن الخلاف بين ما يؤكده المعتزلة أن الهدى والضلال يخلقهما العبد لنفسه عكس ما يرى أهل السنة أن الضلال يخلقه الله في قلب العبد . إذن التوفيق بين المذهبين محال لأنه كما أوضحنا أن قضية الهداية والإضلال هي قضية مغلقة بين محالين بين إله عاجز وبين إله مستبد فلو جعل أهل السنة لله كامل القدرة والحرية في أن يعمل ما يشاء وإلا لم يكن إلاهاً حقاً ولو جعل المعتزلة لله كمال حريته وقدرته عادل كل العدل وإلا لم يكن إلاهاً حقاً كلاهما سقط في القضية المغلقة بين محالين فإله محدود القدرة مرفوض وإله مطلق القدرة في غير حكمة مرفوض أيضاً. هذة الإشكالية القديمة والتي لم تحل قد آثر الأولون والمعاصرون على ضرورة التوقف عن تبيان حلها لعدم ضروريتها [ القرآن والفلسفة د. محمد يوسف موسى ] ويؤكد المؤلف أنه لولا القرآن ما عرف تاريخ الفكر الإسلامي مذاهب المتكلمين ونزاعاتهم وجدلهم وصراعاتهم وتعسفهم في التأويل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كراهية الفلسفة آفة اسلامية
محمد البدري ( 2010 / 6 / 4 - 09:04 )
الفاضل الاستاذ رافت، اسئلة الفلسفة والمعرفة لا يستحب طرحها عي المنظومة العقائدية الاسلامية. فهي مقتل الاسلام ولن تنقذه علي الاطلاق. ولهذا فالفلاسفة يتم تصنيفهم مع الكفار والضالين. لكن لا الاسلام ولا المسلمين ادركا انهم بفعلتهم هذه اصبحوا اجهل امة اخرجت للناس. لكن الاكثر مدعاة للسخرية ان تكون هناك نصوص واضحة صريحة تربط بين الله والشيطان وظيفيا بل تجعلهما شئ واحد. فالايات التي تقول بان الله يضل عباده بان يجعل في قلوبهم وآذانهم وقرا او يربط علي قلوبهم او يزيغ ابصارهم حتي لا يؤمنوا كلها افعال شيطانية حسب التصنيف الاسلامي للافعال. فالنص المباشر دون اي فلسفة او تحليل او تامل يجعل الافكار الاسلامية في قضية الخلق وادارة الكون متهافتة ولا تشرح او تقدم شيئا منطقيا يقبله العقل السليم. في قناة الرحمة خرج احد دعاتهم الذين يدعون له وبتبركون به ليقول ان العقلانية كفر وان اي استخدام للعقل في وجود النص هو عمل من اعمال الشيطان. أدام الله علي عمل الشيطان ووفقني لما فيه خير الفلسفة والفكر. تحياتي وتقديري واحترامي لكتاباتك ولقلمك النزيه.


2 - شكر وتقدير
رأفت عبد الحميد فهمي ( 2010 / 6 / 4 - 09:53 )
كيف تهاجم العقلانية وتعد كفراً والهدف الأساسي والمحوري للنص القرآني هو آيات لقوم يعقلون وقوم يتدبرون وقوم ذوي ألباب وشكراً للأخ العزيز محمد البدري


3 - القراءة
زين العابدين ( 2010 / 6 / 5 - 12:54 )
للقراءة مناهج وأخطرها على العقل الإنسانى هى القراءة الانتقائية فصاحبها يجعل من هواه (رغباته) الشخصية مرجعيته فى تحديد المختار والمتروك من المقروء ويليها القراءة بلا مرجعية علمية أو ما نسميه القراءة بجهل ثم يليهما قراءة من حظه فى الادراك العقلى قليل ولاتتبدى خطورة هذه القراءات إلا إذا تمكن صاحبها من عرضها على الناس وكان يملك من المساحيق (طريقة العرض) مايجعله مقنعا ومثيرا للإعجاب فهو كبلياتشو فى سيرك الفكر الإنسانى


4 - مسؤلية الشر
رأفت عبد الحميد فهمي ( 2010 / 6 / 5 - 23:21 )
الأخ الفاضل زين العابدين
نرجو تحديد مسؤلية الشر في العالم بالحجة والبرهان دون انتقائية وهوى شخصي ومحاولة ايجاد اجابة مقنعة عن حكمة الموت


5 - القراءة الانتقائية
زين العابدين ( 2010 / 6 / 6 - 00:26 )
يتعمد الكارهون للإسلام القراءة بالطريقة الانتقائية لمصادر الفكر الإسلامى سواء كان نصا أصليا أو نصا اجتهاديا ،فحين يقرأون نصا أصليا -النص القرآنى - فهم ينتقون إما نصا متشابها وهو النص الذى تتعدد تأويلاته أمام الذين لايملكون القدر الكافى من المرجعية العلمية لتأويله تأويلا صحيحا وهو يبدو-لأصحاب القراءة السطحية- متناقضا مع نصوص أخرى أو مع العلم أو يختارون نصا لايكتمل مفهومه إلا بنص أو نصوص أخرى فينتقونه دون النص أو النصوص المكملة لمعناه بالرغم من أن النص القرآنى يرتبط بكافة النصوص الأخرى لأن القرآن كتاب واحد يكمل بعضه بعضا، أما النص الاجتهادى فهو أيسر انتقاء لأن المتصدين للاجتهاد - فى كل المجالات الفكرية - تتفاوت امكانياتهم العلمية وبعضهم قليل البضاعة منها فمن السهل أن يجد أصحاب الطريقة الانتقائية ضمن تأويلاتهم المفتقرة للمرجعية العلمية ما يتناسب ورغبتهم فى إبراز مفهوم يبدو منه مايريدون أن يبدو فى الفكر الإسلامى

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah