الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وضرب لنا مثلاً..

سعد تركي

2010 / 6 / 6
المجتمع المدني


يحفل موروثنا الشعبي بالعديد من الأمثال التي نستشهد بها كلما تعرضنا لموقف ما أو أردنا أن نسدي نصيحة لأحد، بما حوّلها من مجرد تجربة شخصية مرّت بفرد إلى نص فيه قداسة ملزمة -أحياناً- يفرضها وعينا وذاكرتنا الجمعية، وكل من خالفها يعد شاذاً لا يمتلك حكمة ولا يستفيد من عبر الجماعة وتجاربها التي أثبتت الأيام صحتها وجدواها، على الرغم مما في هذه الأمثال -في غالب الأحيان- من مفارقة وتعارض شديدين..
يقول صاحب المثل: (اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب)، ويقول صاحب آخر: (الفلس الأبيض ينفع في اليوم الأسود)، وهناك العشرات من نمط هذه الأمثال التي يتعكز عليها الناس في اتخاذهم القرارات على وفقها دون الانتباه أو تجاهل تعارضها.
الخطير في الأمثال ليس بكونها خلاصة لتجربة مرّ بها فرد ما في زمان ومكان معينين، إنما الخطر-كل الخطر- حين تستقطع من زمنها ومكانها والتكوين النفسي والعقلي لقائلها، لتصبح -بفعل قداسة الماضي- قانونا نسترشد به، وننصح من هو أقل حكمة ووعيا منا في تطبيقه والأخذ به، خصوصاً من لا يتمتعون -مثلنا- بالجلوس في الدواوين العشائرية ومجالسها التي فيها يتعلم الرجال!!
ننصح الشاب المتحدي الذي يرفض الذل والخنوع (الباب التي تجي منه الريح، سده واستريح)، ولمن يقف بوجه الطاغية والظالم (الايد الما تگدر تلاويها، بوسهه وادعي عليها بالكسر)، لا نكتفي بذلنا وخنوعنا إنما نريد من الجميع أن يحذوا حذونا (الياخذ أمي يصير عمي)، ونثبط من همة الطموح الساعي الى التغيير والثورة على واقعه المزري (مد رجلك على گد غطاك).. يريد منا أبو المثل الذي لم يدع تفصيلا صغيراً الا وقال فيه شيئاً أن نكون متشابهين جميعا في كل شيء فـ(المصيبة إذا عمت طابت) و(الحشر مع الناس عيد)...إلخ.
أن مجتمعاً يؤمن بقداسة المثل، ويتخذه حكمة تسيطر على حياته وتسيرها، غير قادر على حكم نفسه وتغيير حاضره ومستقبله إلى الأفضل فالأفضل، مجتمع لا يستطيع -غالباً- صناعة أفراد متميزين فيقمع الطموح والمتفرد الذي يحاول إلقاء حجر في المياه الراكدة.. مجتمع ينسى أن الثورات العظمى التي غيرت من حاضر ومستقبل وتاريخ الأمم والشعوب جاءت بفعل أفراد وشخصيات متميزة استطاعت بحكمتها ووعيها وتفردها الخاص والاستثنائي أن تتحدى قيماً وأعرافاً كانت راسخة ومقدسة.. فلو كان النبي الأعظم (ص) أغلق الباب التي أتت منها الريح لما كان الإسلام وما كنا مسلمين، ولو أن الحسين (ع) قد رضي أن يقبل يد الطاغية -حاشاه- واكتفى بالدعاء عليها لاندثر دين عظيم أو تشوه..
قال جلّ وعلا: (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ومادامت حياتنا تسير على هدي وحكمة أمثال تدعونا وتأمرنا بالخنوع والخضوع والاستسلام، فإننا باقون كما كان ماضينا وحاضرنا، هدفاً سهلاً لكل غاز يغتصب ثرواتنا وينتهك حرمنا، ولكل طاغية يستحل دماءنا ويتلذذ بعذابنا وفقرنا وجهلنا.. باقون إلى أن تحين ساعة الأجل نتجاهل عد أيام وشهور العمر التي تتسرب كحبات الرمل من بين الأصابع دون أن تكون لنا في هذه الأيام والأشهر والسنين أي (خبزة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطباء بلا حدود لـ-الحرة-: الوضع الإنساني في الفاشر بالسودان


.. نافذة إنسانية.. تحذيرات أممية من تدهور أوضاع النازحين بمخيما




.. الفقر والإهمال يحرم أبناء النازحين بكردستان العراق من الدراس


.. نتنياهو وبوتين والسعودية..كيف استفادوا من قرار المحكمة الجنا




.. مندوب فلسطين الدائم بالأمم المتحدة: نتوقع مفاجآت من دول مثل