الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البينة المفقودة والغائبة

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البينة والدليل والبرهان والإثبات كلها تفيد معنى واحداً ودوما كان طلب البينة هو أس النزاع بين الرسل و بين أقوامهم لأن مسألة البينة هي التي تفحم المكذبين لكل ادعاء من قول أو قضية أو نظرية فيطلب القوم البينة من صاحب الإدعاء سواء كان رسول أو عالم أو كاهن حيث أن ظهور البينة هي الحجة الدامغة لصدق كل ادعاء إعمالاً للقاعدة القانونية " البينة على من أدعى " . وتشهد الآيات القرآنية على ذلك حين يسمح الله بكشف البينة للقوم المعاندين طالبي التصديق وللمكذبين لكل ما هو غير معقول وخارق مثل " قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ( هود – 53) و" ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا " ( غافر – 22 ) لكن العجيب المدهش أن يحكي لنا النص جحود بعض الأقوام برفضهم التصديق رغم انبلاج البينة أمامهم سافرة لا تحتاج إلى دليل ولا برهان .
وتتفق الفلسفة بكل أشكالها على أن الطبيعة بكل مظاهرها الفيزيائية هي بينة بحد ذاتها فلا تتطلب برهاناً عقلياً عليها فالطبيعة هي دليل وبرهان نفسها . هذة البينة الطبيعية هي ظواهر الكون المرصود بملايين مجراته ومليارات نجومه والتي جعلت الفكر الإنساني وفق قانون السببية يبحث عن علته ويتساءل كيف انبثق الكون هكذا إلى الوجود وهل هناك مسؤول عنه هو صاحب تلك الفاعلية فقالوا هناك المحرك الأول أو العلة الأولى أو الله الخالق وفقاً للفكر الديني حيث أن الإنسان لم يقبل فكرة الصدفة أو أن الأحداث الكونية تحدث بلا غاية ولا هدف وطاف بخلده التساؤل الأبدي ما الحكمة الكامنة خلف هذا الكون الغامض الفسيح وقد قاده المنطق الإنساني إلى تسويغ فكرة أن هناك مسؤول فوق الطبيعة يملك القدرة والقوة والإرادة لإحداث الكون بهذة الكيفية واستهجن كيف تكون تلك القوة غير ذات غايات ومقاصد تعمل من أجل الإنسان صاحب الأحساس المتضخم بأهميته ومركزيته في هذا الكون المجهول . هنا تمخض الفكر الفلسفي وأنتج فكرة المحرك الأول وراح العقل الأسطوري يبحث عن صاحب الفيوضات المسؤول عن تلك الظواهر الكونية فيا ترى من هو صاحب تلك البينة المشاهدة كالشمس والقمر والنجوم والأمطار والبرق والرعد والبراكين والزلازل وكافة الظواهر الفيزيائية وهي ما أكدنا أنها المقصود بالبينة التي تثبت نفسها بنفسها وليست في حاجة إلى برهان عقلي .
ورغم اللجوء إلى اختراع هذا المسؤول المفترض الخالق الواجد إلا أنه لم يحسم المسألة ولم يحل الإشكال بل زاد الأمر تعقيداً و سوءاً كما قال الزهاوي :
لما جهلت من الطبيعة أمرها
وأقمت نفسك في مقام معــــــــــــــــلل
أثبت رباً تبتغي حلاً به
للمشكلات فكان أكبر مشـــــــــــــــــكل
هذة المشكلات انبجست من التساؤل إذا كان الله هو علة الوجود فيا ترى من هو علة وجوده
وهذا يدخلنا في متاهة سلسلة الأسباب المفتوحة والتي لا نهاية لها وما زاد الأمر إعضالاً وتعقيداً هي مشكلة مشاريع التوكيلات الدينية أي التوكيلات التي تتحدث نيابة عن المحرك الأول أو نيابة عن الله ذلك المستتر خلف البينة الكونية و التي يرصدها الأنسان أينما ولى وجهه في سماء لا أول لها ولا آخر ولسوف يبدأ التاريخ الإنساني في صراعات مريرة بين أصاحب الإدعاء بلا بينة ( المقصود التجربة العينية الملموسة ) وبين طالبي البراهين أو طالبي البينة الغائبة ( التي لم يقدمها صاحب الإدعاء والمتحدث بالنيابة عن الخالق الذي آثر الإختفاء وعدم الظهور ) والسؤال المطلوب الإجابة عليه كيف نصدق كافة الادعاءات التي لا برهان تجريبي و فيزيائي عليها .وكل ما استشكل عليهم أمراً قالوا هذا من علم الغيب أو استأثر الله بعلمه واخترعوا مقولة الإيمان بالغيب أي الإيمان بالمجهول وهي ببساطة تصديق ادعاءات بلا بينة ولا براهين .وأمثلة الكرسي والعرش على الماء والجن والملائكة والسماوات السبعة هي غيض من فيض .
والأستاذ عادل ضاهر في كتابه الأسس العلمية للعلمانية يؤكد على أن العلمانية تقوم على مبدأ أسبقية العقل على النص وينقلنا إلى تساؤل فاتك ومثير وهو كيف نميز نحن الخارجون دائرة الوحي بين مجموعة من المتنبئين أصحاب الإدعاء بأن كل منهم يتلقى وحياً يهبط عليه من السماء ؟ كيف نحكم نحن بثقافتنا وسقفنا المعرفي واعتباراتنا العقلية واللغوية والعلمية أيهم صادق في ما يدعي و أيهم زائف وكاذب في ما يدعي مع التأكيد علي أهمية أن جميعهم يفتقرون إلى تقديم البينة الفيزيائية الدامغة ..
فما أكثر البراهين التي طلبها عقلاء الكفار من النبي ونظراً لأنه لا يملك البينة الظاهرة قال : قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( الإسراء -93)
فقد طلبوا أن يفجر من الأرض ينبوعا أو يكون له جنة من نخيل وعنب فيفجر الأنهار فيها أو تسقط السماء كسفا أو يأتي بالله والملائكة أو يكون له بيت من زخرف أو يرقى في السماء ( الإسراء 90-93 ) وكان الجواب هل كنت إلا بشراً رسولا وأخيراً نسوق تساؤلنا الذي لن نمل من تكراره هو كيف تجعل ادعاءك وقولك هو الحجة و البينة والإثبات بلا تجارب عينية ملموسة للقاصي والداني؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - باردوكس
محمد البدري ( 2010 / 6 / 6 - 19:15 )
جاء بالمقال: إذا كان الله هو علة الوجود فيا ترى من هو علة وجوده.

هذا سؤال ملغز سيعجز عن اجابته كل المؤمنين حتي ولو ابتهلوا وصلوا وصاموا وحجوا الي بيته المعمور لياتيهم باجابة تشفي ضمير السائلين. اما السؤال الاكثر الما وموجعا وينخر في عظام المؤمنين ياتي في القول: إذا كان الله علة الوجود فأين حكمته وعدله وقدرته ونحن نشهد عالما من الفوضي والتهريج والمسخرة فيما بين من قال بانهم اهل كتاب يخصه هو، إضافة الي انه لا يستطيع توفير الغذاء ولا الدواء لمخلوقاته الفاقدة للاهلية والرشد كجميع الحيوانات والاسماك حيث ياكلون بعضهم بعضا وهو ما تحاول القنوات الدينية تحاشيه في برامجها لعدم كشف قصور الله في هذه المملكة الحيوانية. يدعي انه رحيم فاين رحمته بصغار الحيوانات عندما يلتهمها كبيرهم. ولن نتطرق الي المسائل الفلسفية كالسؤال: هل يقدر الواحد الاحد علي خلق شريك له؟ فاذا لم يقدر فانه يفقد اهم صفة تحلي بها وهو القدير ولو فعلها لاثبت ان له شريك ويفقد صفة الوحدانية. هل يمكنه خلق حجر ضخم لا يستطيع رفعه؟ فالاجابة ايا كان نوعها تحيلنا الي تناقضات فكرة قدرته التي يدعيها. تحيه للاستاذ رافت وتقدير وتحيه له.

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah