الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن والغرب.. قصة صراع تاريخي طويل

هاشم صالح

2002 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


 
على عكس ما قد نتوهم، كان الصراع بين العالم العربي والغرب لا يعود فقط الى نكبة فلسطين او حتى الى زمن الاستعمار قبلها، وانما هو اقدم واعمق بكثير. في الواقع انه يعود الى فترة ظهور الاسلام ذاته وتوسعه السريع بعدئذ عن طريق الفتوحات في حوض البحر الابيض المتوسط، فقد استطاع الاسلام ان يكتسح مواقع مسيحية اساسية في سورية وفلسطين ومصر والعراق وشمال افريقيا ايضا.
وهذا التوسع لم يهضمه الغرب ولم يستوعبه طيلة فترة قرون عديدة. والدليل على ذلك ان المؤرخ البلجيكي المعروف هنري بيرين تأسف في بدايات القرن العشرين لأن الاسلام حقق كل هذه الانتصارات وكسر، بحسب زعمه، الوحدة العميقة لحوض البحر الابيض المتوسط بضفتيه الشرقية والغربية، الشمالية والجنوبية. فقبل هذا الانتصار كان المتوسط كله للمسيحية.. وكان منسجما رائعا لا تشوبه شائبة.. ويمكن تقسيم الصراع التاريخي بيننا وبين الغرب الى ثلاث فترات اساسية.
اولا: فترة العصور القديمة الممتدة منذ ظهور الاسلام وحتى مشارف القرن التاسع عشر. وكان صراعا دينيا او ذا جوهر ديني في الغالب. وقد زادت من ضراوته الحربان الصليبية الاولى والثانية وذلك بعد الصراع الطويل الذي جرى بين الامبراطورية العربية ـ الاسلامية وبيزنطة طيلة عهد الامويين والعباسيين. ثم تسلمت الامبراطورية العثمانية قيادة الصراع عن الجهة الاسلامية بعد القرن السادس عشر. وكانت امجادها عسكرية وسياسية اكثر مما كانت حضارية او فكرية على عكس ما جرى في المرحلة السابقة: مرحلة الحضارة العربية الاسلامية الكلاسيكية او ما يدعى بالعصر الذهبي للاسلام. فقد دقت جحافل العثمانيين ابواب «فيينا» وحاصرتها شهورا عديدة واخافت الغرب المسيحي كله. ولكن بدءا من القرن السابع عشر اصبحت الغلبة للغرب نتيجة التقدم العلمي والاقتصادي، ثم بالاخص التكنولوجي: اي اختراع الاسلحة النارية والآلية.
ثانيا: فترة الاستعمار والعصور الحديثة. ويمكن القول بانها تمتد منذ بداية القرن التاسع عشر مع حملة نابليون بونابرت على مصر وحتى مطلع الستينات، تاريخ استقلال الجزائر. ولكن يمكن القول بانها لا تزال مستمرة حتى الآن اذا ما اخذنا مشكلة فلسطين بعين الاعتبار. عندئذ اصبح الصراع جاريا بين الغرب بالمعنى العلماني للكلمة، وبين العالم العربي والاسلامي بشكل عام، وذلك لان مفهوم الغرب اخذ يحل محل المسيحية او العالم المسيحي بعد عصر التنوير والثورة الفرنسية. لكن ذلك لا يعني ان الصراع الديني قد انتهى تماما. فالواقع انه ظل مستمرا تحت ستار الحملات التبشيرية من كاثوليكية او بروتستانتية.
وقد شهدت هذه الفترة ايضا صراعات دموية حامية لا تقل خطورة عن الصراعات التي جرت ايام الحروب الصليبية قبل ستة او سبعة قرون. وكان اصعب هذه الصراعات واكثرها ندوبا وجراحات هو ذلك الذي جرى بين الجزائر وفرنسا. نقول ذلك ونحن نعلم ان الوعي الجماعي الفرنسي لا يزال عاجزا حتى هذه اللحظة عن هضم تلك المرحلة او عن تجاوزها وتحمل مسؤوليات فظاعاتها امام الله والتاريخ. وقد اثيرت في الشهور الماضية وعلى صفحات كبريات الجرائد الفرنسية مسألة التعذيب الذي مارسه بعض قادة الجيش الفرنسي في الجزائر، وظهرت كتب لبعض الجنرالات تعترف بذلك.. واحدثت هذه الاعترافات ضجة واسعة لا تزال اصداؤها تتردد حتى الآن، نقول ذلك ونحن نعرف ان الجزائر تحتفل حاليا بالذكرى الاربعين لاستقلالها، وفي ظروف مأساوية تحز في نفس كل عربي، ونأمل من الله تعالى ان يخرجها منها عما قريب، فقد طالت المحنة اكثر مما يجب.. والشعب الجزائري العظيم يستحق شيئا آخر.
ثالثا: الفترة الحالية الممتدة منذ اوائل الخمسينات وحتى اليوم. ويمكن تقسيمها الى قسمين اساسيين: الاول هو فترة القومية الناصرية (1952 ـ 1970). وفيها كانت الغلبة للآيديولوجيا القومية العربية. ولكن هذه الفترة استمرت مع البعث والحركات الناصرية حتى ما بعد السبعينات، بل تلونت في لحظة ما باللون اليساري الماركسي. والثاني هو فترة الآيدولوجيا الاصولية او ما يدعى كذلك (1978 ـ 2002). وهي لا تزال مستمرة حتى الآن. وفيها تتجلى الغلبة للآيديولوجيا الدينية على الآيديولوجيا القومية او الماركسية، ليس فقط في الاوساط الشعبية وانما احيانا في اوساط المثقفين ايضا. بالطبع فان سقوط الشيوعية والاتحاد السوفياتي بعد عام 1990 ساهم كثيرا في انحسار شعبية او مصداقية التيار اليساري والقومي العربي. ولكن يمكن القول بان هذه المصداقية كانت قد تلقت ضربة موجعة منذ الخامس من حزيران 1967 والنكسة الاليمة.
والآن هناك سؤال ملح يطرح نفسه: هل سيحصل للتيار الاصولي ما حصل للتيار القومي واليساري الذي سبقه؟ اقصد: هل سيفقد مصداقيته بعد ان جرب نفسه وسيطر على الشارع طيلة ثلاثة عقود؟ ليس ذلك مستبعدا. فما يحصل في الشارع الايراني من ردة فعل ضد الخمينية بصيغتها الجامدة والمتحجرة، وما يحصل في الشوارع الاسلامية والعربية الاخرى من تململ وحيرة وتساؤلات بعد عملية 11 سبتمبر، يدل على ان هناك شيئا يتخمر ويتفاعل. وأعتقد ان العالم العربي بشكل خاص والاسلامي بشكل عام سائر نحو فكر التنوير والعقلانية والمسؤولية. ولكن كان ينبغي عليه ان يدفع الثمن قبل الوصول الى وضوح الحقيقة. وبالتالي فرب ضارة نافعة ولن تذهب كارثة 11 سبتمبر سدى. كان ينبغي عليه ان يمر بالمرحلة الاصولية المتطرفة لكي يكتشف ان هناك تفسيرا آخر للدين، تفسيرا عقلانيا، معتدلا، وسطيا.
بهذا المعنى فان المرحلة التي سوف تنفتح امامنا في السنوات القادمة سوف تكون ليس فقط رد فعل على المرحلة السابقة لها، وانما تحضيرا للنهضة العربية ـ الاسلامية الحقيقية التي طال انتظارها. ولكن هذه النهضة لن تحصل قبل حل مشكلة فلسطين.
اقول ذلك وانا اعرف ان الليل الفلسطيني الطويل لا يزال مستمرا، بل ازداد حلكة ورعبا في الآونة الاخيرة. وهنا تبدو مسؤولية الغرب الاميركي والاوروبي واضحة جلية. فهو لا يستطيع ان يديننا بتهمة الاصولية والتعصب من جهة، ثم يسكت على سحق الحقيقة والعدالة في فلسطين من جهة اخرى. لم تنتهك الحقيقة ولم تغتصب في اي مكان آخر في العالم مثلما انتهكت واغتصبت في فلسطين. ان ما اغتيل في فلسطين ليس فقط الارض والجغرافيا او البشر والحجر وانما مفهوم الحق والعدل ذاته. وانا اقول للغرب بالحرف الواحد والفم الملآن: اني معجب بحضارتكم وفلاسفتكم وحرياتكم. لم تذهب فلسفة في استكشاف الحقيقة والهوس بها الى العمق الذي ذهبت اليه فلسفتكم من ديكارت، الى سبينوزا، الى جان جاك روسو، الى كانط، الى هيغل، الى نيتشه.. الخ. ولكني استغرب ولا استطيع ان افهم كيف يمكن ان تسكتوا على طمس الحقيقة في فلسطين الى مثل هذا الحد؟! كيف يمكن ان تسكتوا على اهانة شعب بأسره ومحاولة كسر ارادته وتطويعه على ارض آبائه واجداده؟!
اذا كنتم تريدون فعلا ان ينتهي التطرف في العالم الاسلامي فافعلوا شيئا من أجل العدالة في فلسطين، والباقي علينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah