الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضائل شأن إنساني محض

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفضائل شأن إنساني محض
أن الفضائل بلا شك هي اختراع إنساني محض منذ أن وعى الإنسان وجوده ووعى تاريخيته على الأرض لأن الفضائل ذات خصوصية إنسانية بحتة وليست لغيره من سائر الكائنات الأخرى فلا الجماد ولا الحيوان يمتلكون الفضائل لأنها قد أنتجت كنتيجة حتمية للصراع الإنساني بغية ضبط حركة الواقع التاريخي المعاش لذا نتساءل هل الله ذلك المفارق المتعالي يتحلى بالفضائل الإنسانية مثلنا أم أن الله له فضائل أخرى مباينة و مختلفة عن فضائلنا ؟ ففضائل العدل وبر الوالدين والشجاعة والمروءة والكرم والنبل والشرف والتسامح و الإخلاص والوفاء والحب والصبر والجلد والحلم والآناة والحكمة والعطف كلها فضائل بشرية ولدت من رحم جدلية الواقع الإنساني ففضيلة العدل مثلاً لم تدركها البشرية إلا بعد طول المعاناة الدموية بين المستأسدين المستبدين بالثروة وبين جموع الطبقات المحرومة من كافة حقوقها الإجتماعية والسياسية فلا يولد العدل إلا من جراء حدوث خلل فادح بين متنازعين كل منهما يدعي أنه على حق فلا يندلع العدل إلا بين ظالم ومظلوم بين بشر يجأرون من ظلم واعتداء يحيق بهم ويلتهم حقوقهم المشروعة وبين بشر يستحلون المحرمات ..قس على ذلك سائر الفضائل الإنسانية الأخري فهي وليدة حركة الواقع التاريخي المأزوم بين الجماعات البشرية على اختلاف أطيافها وأجناسها هذا ما لقنه لنا التاريخ منذ فجر الضمير وبزوغ الحضارات لكن التأمل الفلسفي يقودنا للتساؤل فمن أين إذن يستلهم الله الفضائل دون صراعات حتمية ؟؟؟ فنظرية أن الله هو الخالق لكل شيئ تؤدي بنا إلى أن الله قبل الشروع في الخلق والإيجاد قد أستحدث منظومة القيم الإخلاقية على غير مثال سابق فلم يكن الواقع البشري قد دشّن فاعلياته التاريخية بعد [ ليست هناك منظومة أخلاقية خاصة بالحيوانات ] هذه المنظومة الأخلاقية شيّد الله هيكلها بشكل مبني على التوقعات بمعنى أن منظومة الفضائل أستحدثت وفق التصور الإلهي بشكل قبلي لما هو مستقبلي تنبؤي سابق للوجود و للواقع أي أن منظومة الفضائل ليست ذي مثال واقعي فعلي بمعنى أنها ليست انعكاساً لإحداث وصراعات حقيقية تاريخية فكيف ينبثق العدل مثلاً ما لم يستأسد كائن بفرض سطوته ويلحق الظلم والأذى بحقوق الضعفاء قس على ذلك بقية الفضائل الإنسانية .
فإذا كان الله متحلياً بالفضائل الإنسانية فلا بد أن يكون خاضعاً لشروطها الداخلية أي خاضعاً لجملة الأعتبارات العقلية الإنسانية وشروطها التاريخية مثلنا وذلك طبعاً من المحال اثباته أو تقريره .
لكن ذلك يقودنا إلى ضرورة التفريق بين طبيعتين مختلفتين أشد الأختلاف والتباين بين طبيعة الذات الإلهية من جهه وطبيعة الذات الإنسانية من جهه أخرى من حيث المفاهيم التي تنتمي لمجموع البشر الذين هم مجموع الفاعلين في التاريخ بكل تراكماتهم المعرفية وموروثاتهم الحضارية والثقافية . وتتبدى الإشكالية عندما نفترض أن هناك ذهنية إلهية أو عقل آلهي ذو طبيعة خارقة لانهائية يقابلها ويواجهها عقل إنساني ذو طبيعة معرفية محدودة تلك المفارقة التي أنتجها الإنسان هي أس النزاع الفلسفي بين أصحاب الفكر الديني الأسطوري وبين أصحاب الفكر العقلاني التجريبي .
ويتوهم أصحاب الفكر الديني أن هناك عقلية إلهية مفارقة تعمل خارج الزمان والمكان تراقب التاريخ في عنفوانه ودمويته و تتدخل بشروط غير منطقية ولا ندري من أين التمسوها وأين وجدوها وكيف استدلوا عليها واستنبطوها ؟ فكل ما وجدوه نصب أعينهم منذ أن وعوا وجودهم التاريخي هو أنهم قد تيقنوا من وجود كون غامض لا يبوح و لا يفصح عن أسراره إلا ما عنّ لهم سبره واستكشافه ثم وجدوا نصوصاً لغوية شأنها شأن بقية النصوص اللغوية تحمل بين طياتها ثقافة وليدة مجتمع بشري يعج بمختلف تصوراته الفكرية و الثقافية ما الذي جعلهم يستنيمون ليقين موهوم بسلطة النص هذا النص الذي عاش وأنتج خلال حقبة زمنية لها بنيتها الفكرية والتي يعكس أساطيرها وأوهامها ويردد خرافاتها وأباطيلها . هذا النص يحيلهم إلى الإدعاء بأن هناك إله خالق مسؤول عن مشاهداتهم الفيزيائية والتي سميناها "البينة الكونية " هذا الخالق المسؤول لابد أن يتسم بالحكمة والهدف والغاية ويتحلى بالعقل وبالفضائل الأخلاقية التي تتوائم وأخلاقياتنا الإنسانية أو كما أدعوا زوراً قولهم أنه يتمتع بالذهنية الإلهية والتي تختلف اختلافاً بيناً عن ذهنياتنا فمن المحال أن تستقي كلا الذهنيتن مصادرهما المعرفية من معين واحد لذا فقد نسبوا للإله كل أليات الذهن الإنساني من مقولات التجريد والتعميم والتتشبيه ومنحوه أبستمولوجياتهم و تراكماتهم المعرفية من خلال الوسيط المعجز ألا وهو اللغة بكل فاعليتها وآلياتها من المخيال الأسطوري وقدرتها على تجييش العواطف الدينية لكنا نؤكد قول نيتشة الشهير : أنه لن يغفر للإنسان فكرة اختراع الإله .
هذا الإله المؤنسن حامل طموحات وأحلام الإنسان عندما الصقوا له ذهناً مفارقاً سقطوا في الأنسنة والتشخيص ومنحوه ذهنية إنسانية خالصة الصنعة ذهنية منتميةً لمقاصد وحاجات الإنسان في ملحمة صراعاته الجدلية مع الطبيعة ومع العقول الإنسانية الأخرى وكما قال ابن رشد : " لقد أشكل على الإنسان أخيه الإنسان " فنظرة دقيقة إلى التاريخ تكشف بجلاء صارم ديمومة الصراع وجدليته من أجل البقاء والنزاع من أجل الهيمنة على الأرض والاستحواذ الشره للثروات واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان مهما قامت الحضارات ومهما تحلت بقيم وفضائل الحق والخير والمساواة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقاله تذكرنا
سليمان ( 2010 / 6 / 14 - 06:42 )
عزيزى رافت مقالتك البسيطه النيره ذكرتنى بحادثين يثبتوا صحت كلامك ان الانسان السوى لا يفعل الشر بل تكون عيناه بسيطه بصيره.
حادث يوسف ابن يعقوب مع زوجة وزير مصر فى ذاك الزمان وانه لم يرضى الزنا بها وقال كيف افعل هذا الشر العظيم وقد كان قبل الوصايا العشر على موسى باربعمائة سنه.
والحادث الثانى او الحوادث التاليه هو ما فعله انسان اخر لم يوجد لديه اى مشاعر انسانيه فقد زنا وقتل ونهب بعد الوصايا العشر بل وبعد تعاليم الموعظه على الجبل .
ان بعض الاديان اتت من عدو الانسانيه ولذلك اتت بعكس كل القيم البدائيه للانسان

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah