الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرائف عن مباهج العورة وهاجس السوءة

رأفت عبد الحميد فهمي

2010 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عبّر الخيال التوراتي من خلال قصة آدم وحواء بعد الأكل من شجرة (معرفة الخير والشر) عن هاجس العري والتعري كما جاء في سفر التكوين : " فقالت الحية إنما الله عالم أنكما في يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر ..فإذا أكلا من الشجرة .. فإنفتحت أعينهما فعلما أنهما عريانان فخاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر..فسمعا صوت الرب الإله وهو متمش في الجنة ..فنادى الرب الإله آدم وقال أين أنت قال إني سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فإختبأت قال من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي نهيتك عن أن تأكل منها ..وصنع الرب الإله أقمصة من جلد وكساهما وقال الرب الإله هو ذا أدم قد صار كواحد منا يعرف الخير والشر الآن لعله يمد يده فيأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل فيحيا إلى الدهر فأخرجه الرب الإله من جنة عدن" [ سفر التكوين الفصل الثالث من 6 إلى 24 بتصرف ] ولأن القرأن جاء" مصدقاً لما بين يديه من التوراة" ( المائدة 26 ) و "ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم" ( النساء 47 ) و" فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة " ( المائدة 46 ) لذا فقد انتقلت الرواية إلى الخيال الإسلامي اقتباساً بنفس فحوى قصة العري وانكشاف السوءة مع احداث تغاير طفيف في الرواية نلمحه في قوله تعالى :" فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوأتهما "..." فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهاكما عن تلكما الشجرة ".و."يا بني أدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوأتكم وريشاً" .و.".الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما" ..( الأعراف 17 إلى 27 بتصرف ) و قوله : " فأكلا منها فبدت سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى" ( طه 121 ) هاهي العورة والسوءة وقد لعبت بالخيال الإنساني على المستويين التوراتي والقرآني معاً دون كبير فرق في التصورات .
وقبل أن نقارن ونحلل أبستمولوجية الهاجس [ العورسوأتي] لدى الجماعات البشرية نؤكد عدم ورود أي ذكر للعورة أو السوءة لسائر المخلوقات الأخري سواء المخلوقة من النور كالملائكة أو المخلوقة من مارج النار كالشياطين و الجان وكأنها خصيصة فريدة اختص بها البشر وحدهم الذين ألهاهم التكاثر ولعبت بعقولهم الغريزة الجنسية ولعبت بشهواتهم التي لها صفة الدوام عكس الغريزة الحيوانية ذات الطابع الموسمي كالذي نجده لدى أمم الحيوانات . فبهيمة الأنعام لم تنل أي ذكر عن سوءة أو عورة .ونتساءل كيف تم الأرتباط بين الأكل من شجرة ( معرفة الخير والشر) حسب المفهوم التوراتي ومعرفة العري والتعري فهل أودع الله في الشجرة السر الألمعي حيث انكشاف العورة والممقوت كشفها ووجوب سترها لذا تشدد الأمر بعدم الأقتراب والأكل من الشجرة لأنه سوف تنتقل معرفة العورة والسوءة وليس معرفة الخير والشر عن طريق المضغ والبلع من أضابير الشجرة المحرمة إلى معدة آدم بألية سحرية لصيقة بسقوط اللباس ومن ثم انكشاف العورة فليس هناك أي رابط منطقي يجمع بين الأكل والعري .
هكذا ببساطة يجب على عقولنا أن تقبل تلك الفكرة المنسوبة إلى الذهنية الإلهية والتي تنص على أن أكل الثمار المحرمة هو السبب المركزي الذي أدى إلى انكشاف العورة واكتشاف المخبوء من الأعضاء الجنسية والتي استلزمت التستر والتغطية والتي اندرجت تحت المسمى الفقهي ( باب ستر العورة ) لذا تمخضت الأحكام الشرعية كي ما تنادي بضرورة ستر العورة أمام الله خالقها وبارئها ثم سترها عن عيون الناس من باب أولى . ونسأل ما ضرورة ستر العورة للمسلم وللمسلمة في الصلاة منفرداً في البيت ؟ أيعتبر العري في الصلاة سوء أدب ووقاحة كقوله : " مالكم لا ترجون لله وقارا ( نوح 13 ) فلم نستر العورة أمام الله في الصلاة منفرداً أليس الله هو الذي خلقها ؟ أليس الله لا تخفى عليه خافية ؟ فيصبح ستر العورة أمام الله تحصيل حاصل فلا تخفى عليه خافية كما أن أدم وعورته هي من سوّاها الله بيديه لأن الله هو الذي أحسن كل شيئ صنعه فكما خلق لنا الأنف والعينين والأذنين والشفتين فلم لا نسترهم أيضاً في الصلاة ؟ أليس في يوم الحشر سنأتي الله عرايا كقوله تعالى : " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة " ( الأنعام 94 ) و قوله : " وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " ( الكهف 48 ) ومعلوم أن الإنسان يولد عرياناً ويحشر يوم القيامة عرياناً لذا فمسألة العري أمام الله لا مشكلة فيها ولا سوء أدب ووقاحة ولا استهجان ولا استنكار هذا ما يقودنا المنطق إليه . لكن ستر العورة أمام جموع الناس هو ما تخبرنا به علوم الأنثربولوجي عن مدى الضرورة التي حدت بالبشر إلى استحداث ألية التغطي لإعضاءهم الجنسية عن بعضهم البعض ..
وفي كتب التفسير قال الفقهاء في شرحهم للعورة والسوءة فقالوا : سمي الفرج عورة لأن إظهاره يسوء صاحبه ودل هذا على قبح كشفها و أن الله أوجب عليهما الستر (القرطبي 4 / 2614 – 2617 ) و حسب الرواية التوراتية قد اختبأ آدم من الله حياءً وعرف أنه عريان بعد أن بدت عورته وبالتالي سيراها الله فإضطر آدم الذي خالجه الشعور القوي بالخزي إلى التغطية الفورية لأحد أهم الأعضاء الكارثية التي يمتلكها ولا نعلم لم شّعر بالخزي كونه عريان؟ وكون جسدة ينطق بأعضاء مثيرة يجب سترها فكما أكدنا أنه لا ضرورة لستر العورة عن الله لأنه خالقها ولا ضرورة أيضاً لستر العورة عن زوجته حواء فليس ذلك من المحرمات إذن إذا راح يخصف من ورق الجنة كي يغطي عورته سألنا يغطيها من من ؟ وفقاً لتحليلنا السابق كما نعلم أن البدن بكامله تتساوي فيه الأعضاء فسيولوجياً وأن كل عضو منوط بوظيفة يؤديها لكن الأيات جعلت من أدم الخجول يسرع لأن يخصف من ورق الجنة ما وسعته قدرته إلى اخفاء المصيبة التي أودعها الله فيه وطبعاً حاشا أن ننعتها بالمصيبة فهي من نعم الله التي لاتحصى .
فالله هو الذي سوى خليفته آدم بيديه وكذلك حواء ووزّع على جسديهما جميع الأعضاء بحكمة واقتدار ثم نفخ في الجسد الطيني من روحه الإلهية فقد خلق آدم في أحسن هيئة وأحسن تقويم .إلا أن المدهش في الأمر هو الأرتباط غير المنطقي بين الأكل من الشجرة وهاجس العري في المخيلة الإنسانية وأن الشاهد و القرينة التي جعلت الله العليم البصير يعرف أن الخطيئة العظمى قد تمت و قد جاءت إثر الأكل من الشجرة المحرمة فحدثت الخطيئة والطرد ويا هول ما حدث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العناصر واحدة .. ولكن
منتظر بن المبارك ( 2010 / 6 / 17 - 17:04 )
أتابع مقالاتك باهتمام واحترام. دعني أختلف معك هذه المرة. العري لا يمثل مشكلة لله في التوراة، فآدم وحواء كانا عريانين في الجنة ولا يشعران وكان الله معهما. الوقوع في العصيان بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر كان بمثابة حد فاصل بين فترة البراءة (وهي فترة الطفولة في حياة الإنسان) وفترة معرفة الخير والشر حيث عرفا أنهما عريانان، فحالة العري هي حالة إنسانية لا يتأثر بها الله. بينما القرآن يؤكد أن إبليس نزع عنهما لباسهما أي كان هناك لباس قبل الأكل من الشجرة.
رغم تشابه عناصر القصتين إلا أن الهدف مختلف وأيضا ردود الأفعال غير متماثلة.
تحية وتقدير لشخصك الكريم


2 - المسألة مازالت في حاجة إلى إجابة
رأفت عبد الحميد ( 2010 / 6 / 17 - 18:23 )
جزيل الشكر للأخ الفاضل منتظر بن المبارك وشكراً لتنويهك واختلافك وأنني احترم وجهة نظرك لكنني لم أجد إجابة لستر الله لآدم سواء قبل نزع إبليس له أو بعد اكتشاف ما وري من سوأتهما بإنزال لباس الريش من جديد ويظل السؤال الفقهي معلقاً هل تصح صلاة المؤمن وصلاة المؤمنة منفردأً أو منفردة بدون ملابس؟؟؟؟


3 - أسئلة مشروعة
منتظر بن المبارك ( 2010 / 6 / 17 - 18:56 )
أسئلتك منطقية ومشروعة. محاولة الإنسان تقديس الأشياء غير مقدسة هي بمثابة خلق دين جديد. فلم يرى أحد عورة الرسول أو علي بن أبي طالب وكان ابو حنيفة لا يخلع ثوبه بمفرده استحياء من الله. وهذه كلها قصص مدسوسة على الدين.
أنا اختلف فقط في قولك أن التوراة مثل القرآن، لذا حاولت أن أبين أوجه الخلاف رغم تشابه العناصر مثل الشجرة والإنسان والإله والشيطان وحواء (زوج آدم
شكرا لك


4 - بعض العلم يفيد1
زين العابدين ( 2010 / 6 / 18 - 15:46 )
يعتقد الكثيرون أن مجرد إعمال العقل يقودهم إلى الحقيقة وهذا يدل على غيبة الصحة عن كثير من المفاهيم لدى الكثيرين فالعقل مثله مثل أى آلة فمهما كانت جودة هذه الآلة فإنها تعتمد فى جودة ماتنتج على جودة الخامة التى تدخلها والخامة التى يستعملها العقل هى مايمتلكه صاحبه من اعتقادات فكرية وهذه الاعتقادات إما قائمة على علم أو هوى أو وهم فإذا قامت هذه الاعتقادات على علم فالمنتج الفكرى للعقل هو منتج ينشد الحق أما إذا كانت قائمة على هوى أو وهم فالمنتج الفكرى ماهو إلا هراء
ولاشك أن المرء عندما يغير مافى مرجعية علمية فإن ذلك يدل على أنه يتبع معتقدا فكريا يخالف هذه المرجعية ولكنه يحاول بالتزوير أن ينحرف بالمرجعية إلى حيث يهوى ولتذهب الحقيقة إلى الجحيم
القرآن لايؤخذ منه شىء بتصرف فهذا فى مضمونه تحريف له ويبتعد به عن كونه (قرآنا) ويصبح حينئذ قولا من صنع صاحبه وهو سوء أدب مع القرآن
وعجز عن إثبات شىء ما على القرآن
ولو كلف المرء نفسه بعض الجهد فى تحصيل العلم واطمأن على نفسه من الهوى وعلى عقله من العطب لأدرك الحق فى يسر ودون انحراف عن الصواب


5 - بعض العلم يفيد2
زين العابدين ( 2010 / 6 / 18 - 16:40 )
وقد قدم الشيخ الشعراوى فى تفسيره ما هو أكثر اقترابا من الحقيقة
فطعام الجنة هو طعام بقدر فلا ينتج عن تناوله فضلات وفى هذى الحالة لن تتصف فتحات الإخراج بما نعرفه عنها من سوء ولما كان الله قد نهى عن الأكل من الشجرة فهى خارجة عن طعام الجنة وبأكلهم منها تناولا من الطعام ما هو ليس بقدر أى أن له فضلات فأبدى لهما ماساء من فتحا

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah