الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية والدين

روجيه عوطة

2010 / 6 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"لاأعرف شيئاً تحت الشمس
أكثر بؤساً منك أيتها الآلهة"



بعد أن صرخ بروميثيوس بوجه الآلهة، معلناً كرهه لها وإعتبارها الأتعس تحت أشعة الشمس، وعلى أنها تتغذى من لهاث صلوات التعساء، لقيَّ هذا الصراخ/التمرد حيزاً كبيراً عند متمرد الفلسفة .
خرج ماركس من صفوف الفلاسفة المفسرين بفلسفتهم/النظرية والتي يمكن إعتبارها بمثابة "فلسفة المكتب" أو البيروفلسفة، حيث يضع الفيلسوف نظريته ويفسر على أساسها كل ما يدرك من ظواهر، هذه الطريقة في التفكير رفضها كارل ماركس وصاغ في وجهها منهج تفكري جديد، إبتعد بفعله عن هيغليته الشبابية وأصبح ماركسياً، رحل عن لعبة الفلسفة المفضلة : "الثنائية" ، من فوق الى تحت، من الأرض الى السماء، وإكتفى بأرضه وواقعه.
من تمظهرات هذا الواقع أو هذه الأرض، "فينومن" ذات تأثير كبير على الإنسان، الدين، ووراءه مصدره الإله، قلما نرى مفكر أو فيلسوف لم يتحدث بهذا الموضوع، أو لم يبوء برأي ما به.
قبل ماركس، كان هيغل قد حدد مسيرة الفكر نحو الروح المطلق، بثلاث تمظهرات أساسية: الفن، الدين وهو نفسه الفن مع فارق فعل "التقوى" الذي يتمتع به الدين، وأخيراً الفلسفة وهي قمة إكتمال هذا الفكر/الروح نحو المطلق.
هيغل ينظر لمسألة الدين كتمظهر جوهري لإنتقال الفكر من الذات الى الموضوع، إنها نظرية تعالج الدلالات الفكرية، وليس كما نظر ماركس الى الدين، على أنه مخلوق أرضي ذات مدلول واقعي، بإختصار "نقد الأرض يؤدي الى نقد السماء" ومن فيها.
إذاً ما هي الأسباب التي جعلت من الإنسان كائن يعبد ويصلي ويتجه بكل ملكاته الفكرية نحو تلك التمظهرات السماوية؟ لماذا الإله بدينه هو المسيطر؟ لماذا لا نبحث عن أصل هذه الفكرة في" تجربة القوى الخارجية التي تحكم فعلياً وجود الناس اليومي"؟

بادىء ذي بدء لا بد من القول أن نقد ماركس للدين ليس سوى نقده للآلهة، أي أن هذا النقد ليس سوى نفسه الموَجه نحو فكرة الإله ومؤسسته البشرية "الدين".
كان لوكريس يقول بأن "الخوف هو الذي خلق الآلهة"، لكن ألا تنبع قوة الإله من ضعف البشر تجاه الطبيعة وتجاه علاقاتهم الإجتماعية الخاصة؟
ينحدر الإنسان من الحيوان، وهذا الأخير يستخدم البيئة، أما الإنسان فيسيطر على الطبيعة من خلال عمله، ولكن هذا الأمر، لا يمكن إكتسابه إلا عبر تدرب تاريخي طويل.
فمع بقاء القوى المنتجة فطرية جداً، لم تتغير وجوه الطبيعة إلا قليلاً.وإستمر الإنسان في صراع مباشر مع العالم الحيواني الذي كان ينتمي إليه. ووببطء، تكيف مع العالم النباتي بحسب حاجاته وتحمل عوامل الطبيعة الذي إعتبرها بادئ الأمر أقداراً لا يمكنه السيطرة عليها.
كما أن عدم الأمان وسوء التغذية فرضا عليه قلقاً دائماً.
فكيف والحالة هذه، لا يتعبد الإنسان القوى المتحكمة بمصيره؟
إن الخوف من الطبيعة والرغبة بالتآلف معها لا يزالان يحتلان مكاناً رئيسياً في الشعور الديني عند الجماهير.
لكن مع التراكم المعرفي التجريبي، تمكن الإنسان من السيطرة أكثر وأكثر على الطبيعة، فمثلاً أصبح الصيد هواية لا حاجة، فهل يؤدي ذلك الى دفن كل "الآلهة"؟ أم صنف واحد منها فقط؟
سيطر الإنسان بوسائل إجتماعية متعددة على الطبيعة، فأدى ذلك الى تحول العجز من طبيعي الى إجتماعي.
فالعجز التاريخي هو ثمن سلطانه على العالم حيث الآلهة تسترجع قيمتها منه.
فما هذه القوى التي أضحت "غذاء لعودة الآلهة"؟
إن الشرط الأولي لتقدم الإنتاج هو تقسيم العمل وهذا الأخير يُشكل بحد ذاته عبودية.
من جهة، يسمح هذا التقسيم بزيادة الإنتاجية وحجم العمل (التعاون والإختصاص...)، ومن جهة أخرى يُحدد وقت فراغ المجتمع لتطوير الثقافة والتسلية والحرية.
لكن هذا التقدم الذي يسمح به تقسيم العمل لا يتم إلا على حساب تشويه كل فرد.
حيث يرى كل إنسان نفسه مربوطاً الى مهنة واحدة لا أخرى من أجل تأمين معيشته.
فيتجزأ الجنس الإنساني الى عدد لا متناهٍ من "الكائنات الحية" المثبتة وراثياً في طبقات مغلقة، كما يقول بلزاك .
فإذا كان الفلاح يمتلك أرض والحضري مهنة، فإن الأرض تستولي على الفلاح والمهنة على الحضري.
كما أن تقسيم العمل ينتقل الى الحرفة أو المهنة وإلى العاملين بها طبعاً، حيث يصبح العامل المتخصص بمهارة فائقة في عمل معين "جزءاً من هذا العمل نفسه" ، وينمحي الذكاء الإنساني أمام العادة الآلية.
إن تقسيم العمل يقسم الإنسان أيضاً، يقول إنجلز.
فهذه العبوديات ( تقسيمات العمل: مرأة/رجل، قروي/حضري) ليست كافية لتخليد الإيمان لو لم تؤدي الى عجز أكثر خطورة .
إن تقسيم العمل سمح بوجود ثروة إجتماعية فائضة في الكومونة البدائية، مما أدى بدوره الى نمو عام للحضارة، لكنه حال دون إمتلاك جماعي/إجتماعي لوسائل الإنتاج لكنه بَعَثَ، في كل فرد، الرغبة في أن يمتلك بشكل فردي فائضاً من الثروة الإجتماعية، فغدت الملكية الخاصة حاجة لتراكم الثروة وتنمية القوى المنتجة، فتخدم "المصلحة الخاصة" مصلحة المجتمع ككل، "لكن هذا المجتمع يدفع حالياً للملكية الثمن الأكثر مأساوية".
أمام هذا المشهد، تنطلق "حرب الجميع ضد الجميع"، ويُصبح الغير عدواً نتيجة مصلحة كل فرد (الخاصة)، وندخل في دوامة التنافس الشامل الذي يخضع الإنسان له.
والأبشع، أن الملكية الخاصة تبعث في كل فرد المصلحة لإستغلال الآخر أو حتى إمتلاكه ووضعه تحت رحمته من أجل إستخدامه كأداة إنتاج رئيسية لكي تتراكم ثروته الخاصة، فيُستغل الإنسان، إذ أن الثروة تتجمع في مكان والبؤس في مكان آخر.
أما المجتمع فيخضع بكامله للحياة الإقتصادية مع سيطرة الملكية الخاصة على المبادلات والإنتاج، وتفقد الجماعة السيطرة على المبادلات من جهة والإنتاج من جهة أخرى.
كما أن هَم كل فرد هو أن يُنتج بواسطة وسائل إنتاجه العائدة للصدفة، ومن دون الأخذ بعين الإعتبار حاجاته الإجتماعية وكيفية إشباعه.
إن المجتمع بأفراده يخضع لنظام السوق حيث يُعمه الإنتاج الأعمى، وتسيطر البضاعة على المنتج وعلى علاقات الإنتاج أيضاً.
إذ تتحول قوانين السوق الإقتصادية كلها مُحددة للعلاقات الإجتماعية كأنها قدر أو صدفة تُنظم كل شيء، ففرداً يعتبر هذا القدر نقمة وآخر يعتبر الصدفة نعمة، ولكن الإثنان (النقمة والنعمة)، هما صورتان للعجز.
عندما يكون الإستغلال هو قانون إجتماعي، لا بد من سيطرة طبقة ضد أخرى، طبقة تضم من يمتلك وسائل الإنتاج وطبقة محرومين منها.
عندها تتبلور الحرب بشكل واضح أو مستتر، الأمر الذي يُهدد وجود المجتمع بأكمله.
لذا للحفاظ على سيطرة طبقة الملاكين لا بد من قيام هذه الطبقة بتنظيم نفسها في طبقة مُسيطرة سياسياً، وتركز وسائل العنف بين أيدي أجهزة متخصصة ضمن جهاز جامع لها متميز عن المجتمع، إذ أن هذا الجهاز يتشرعن بالقانون ويُقدس بالعرف فيما بعد.
لكن هذا الجهاز، جهاز الدولة لا يمثل إلا جهاز الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، السياسي، والذي يعمل مع الأقوياء ضد الضعفاء، أي قوننة حيوانية الإنسان.
وبالتالي فلعبة الصراع الطبقي، تفرض نفسها على الجميع كلعبة قدر محتوم لا يكون الأفراد فيه سوى أدوات.
فبالنسبة لكل الناس، تُصبح السياسة هي القدر، فينتهون بأغلبيتهم ضحية له.
في ظل مجتمع الإستغلال، يشعر الناس بضياع الرقابة على حياتهم، حيث تُصبح الحياة مسيطرة على الأفراد، لأن المسرحية قد كتبت من قبل، وهم يكتفون بلعبها.
إذاً هم مستلبون لأنفسهم دون إدراك لحالتهم.أضحى تاريخهم حافل بالعجز والجهل واللامعرفة، ومع الإستلاب، تلتجئ الناس لآلهة كانت قد دُفنت بالطبيعة.
لكن هذه المرة، الآلهة تعود الى التاريخ بإسم العناية، وتحل أديان الإنسان مكان أديان الطبيعة.
يحتوي الإستلاب الإجتماعي على إستلاب نفساني، لأن مع إضاعة الفرد للرقابة على علاقاته الإجتماعية فإنه يفقد بالضرورة الرقابة على ذاته.
الإستلاب الإجتماعي يقطع الحبل السري الذي يَشُد الفرد الى المجموعة التي ينتمي إليها وبالتالي يقطع حبل إنسجام الإنسان مع ذاته في حياته.
إذ أن حياة الفرد محددة في الواقع بمجموع العلاقات التي تربطه بالعالم والناس والآخرين.
كما كل أنواع العجز، فالعجز النفساني غذاء أساسي للشعور الديني.
فالفرد الذي يخضع لحياته الذاتية يشعر أنه مستلب بنفسه أو مسكون بقوة غريبة، ممكن أن تكون الإله أو الشيطان، أي العواطف القوية التي تستمد قوتها من الأشياء القوية (قوة العواطف من قوة الأشياء).
كيف يمكن التغلب على الأنانية كشعور وشرطه الوضعي موجود في الحياة التنافسية الإقتصادية (نظام السوق).
فالخير أو الشر، لا يستوليان علينا إلا إذا كانا مستوليان سابقاً على العالم بعلاقاته الإجتماعية/الإقتصادية، فهكذا يتضح التعليم الديني.

في النهاية، نحن أمام آلهة ودين من نوع جديد، آلهة خرجت من عجز الإنسان، والدين خُلق من تجربة تحكم وجود الإنسان اليومي، وجود محكم يظن الداخل فيه أنه داخل نص أشبه بسيناريو كتبته الآلهة بحبر القدر على أوراق دينية، لكن ما يحكم سيطرة هذا السيناريو بكلماته علينا هو الأشياء القوية الموجودة في واقعنا. رفع ماركس القدسية عن هذه الأشياء والسيناريو المكتوب من قبلها والمستثمر من قبل طبقة تملك وتسبب الجهل والضياع لإنسان إغترب عن حريته.
كيف بإمكاننا أن نمأسس لمجتمع بعيد عن الظروف الخالقة لجهاز الخوف والجهل والضياع، وقريب من الحرية ؟ هل بتدمير السناريو أم كاتبه الواضح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد