الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على ضفاف المونديال

ابتسام يوسف الطاهر

2010 / 6 / 20
عالم الرياضة


مع التحية للأستاذ القدير مؤيد البدري


في لقاء على الفضائية الجزائرية سمعت اللاعب الجزائري المعروف رابح ماجر يقول "كانت فرحة تعادل فرحة الاستقلال" كان يتحدث عن مشاركتهم في مونديال المكسيك 1986 وفوزهم على الفريق الألماني الذي شكل ويشكل عقدة لمعظم الفرق العالمية لاسيما الفريق الانكليزي. فبالرغم من أنهم (أي الفريق الجزائري) لم يصلوا ولا للربع نهائي لكن فوزهم ذاك كان حقا مفاجأة كبيرة للشعب الجزائري الذي استقبلهم يومها استقبال الأبطال.
لو سمعت هذا الكلام قبل ثلاثون عام لسخرت منه واستنكرت المبالغة والمقارنة أيضا. لأننا في الصبا وفورة الشباب والحماس الثوري (لقضايا الأمة) لم نكن نعترف بأي جهد غير النضال السياسي!! وبأحلامنا أو بالأحرى أوهامنا بتغيير المجتمع للأفضل! والاهم (تحرير فلسطين). لنكتشف أن القادة العرب لاسيما القوميون، قد استغلوا سذاجتنا وحماسنا ليجعلوا من تلك القضية شماعة يعلقون عليها تقصيرهم بواجباتهم إزاء شعوبهم ، وحرماننا من ابسط حقوقنا حتى اليومية بحجة (قضايا الأمة) تلك، التي جعلوها مسخرة الأمم.
للأستاذ مؤيد البدري الفضل الأول باهتمامنا ولو بشكل نسبي بكرة القدم من خلال متابعة بعض مباريات كأس العالم لكي نسمع تعليقه عليها. فالأستاذ البدري، صاحب الفضل الكبير بجعل الرياضة برنامج ممتع يتابعه الصغار والكبار، وكرة القدم تستحق الاهتمام لما تمنحه من الفرح والحماس الذي يجدد الحيوية، حتى في حالة الجهل بقوانينها فلم نكن حينها نفرق بين (الأوف سايد) والفاول.
في السبعينات من القرن الماضي، شعرت بالحقد على ابن الشاه الإيراني يوم فاز الفريق العراقي بكأس شباب آسيا.. (إذا لم تخني الذاكرة)، بالرغم من محاولات الحَكَمْ المفضوحة للتحيز للفريق الإيراني حينها وإلغاء العديد من الأهداف التي سجلها الفريق العراقي! فما كان من ابن الشاه الا أن يتصرف بشكل همجي بعيد عن الروح الرياضية، ويرمي على أعضاء الفريق الفائز ميدالياتهم بدلا من تقليدها لهم بنفسه، كما هو متعارف عليه في الأصول الرياضية العالمية! ولكن ذلك لم يؤثر على حجم الفرح الذي غمرنا كلنا بفضل فريقنا العراقي الرائع.
وتجدد فرحنا بمشاركة الفريق العراقي بمونديال 1986 بالرغم من خسارته بكل المنافسات، وبالرغم من محاولة النظام البائد والبائس بجعل تلك اللعبة كما لو هي دعاية لسياسته وحروبه الحمقاء، وبالرغم من معرفتي عن حجم المعاناة التي عاشها فريقنا بصراعه مع عصابة البعث الصدامي وعدي (ابن الشاه العراقي) بتصرفاته المخزية والمجنونة.. فاللاعب الذي يحقق فوز وشهرة يقصيه ويجبره على الاستقالة لأنه سرق الأضواء عنه! كما حصل مع حارس المرمى بعد فوز العراق بكأس الخليج! والذي يخسر يناله العقاب والتعذيب النفسي وحتى الجسدي ربما!.
بينما جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق، استقبل زيدان (اللاعب الفرنسي - الجزائري) أجمل استقبال بالرغم من تسببه بخسارة فرنسا أمام ايطاليا في المونديال الماضي.
ولكن من أجمل ما عرفت عن مونديال المكسيك 1986، والذي صادف مع شهر رمضان، ان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد أفتى بوجوب الإفطار على اللاعبين خلال فترة المنافسات، لاستحالة إمكانية اللعب وهم صيام، فالجهد الذي يبذلوه وكمية الماء والأملاح التي يفقدوها يجعل حياتهم معرضة للخطر اذا لم يشربوا الماء، والشيخ الغزالي عرف عنه اعتداله وحرصه على الدين الإسلامي، الذي لا يدعو للتهلكة! ليجعل منه دينا سمحا وسهلا كما أمر الله. على خلاف دعاة الدين اليوم ممن شوهوا الدين وجعلوه مهزلة.
وبعد أن صرت أتابع في بعض الأحيان المونديال العالمي لكرة القدم، اقدر أن أقول أن رابح ماجر لم يبالغ بوصفه ذلك الفرح الذي عاشوه يومها. فهو انتصار في ساحة معركة الفارق أن الساحة الرياضية جميلة، والانتصار نقي من الدماء والقتل والتعذيب الوحشي، بل فيه عدالة للمنتصر والخاسر وان كان هناك بعض الاستثناءات. فمازلت أعيش طعم الفرحة يوم فاز الفريق العراقي مؤخرا بكأس آسيا، حين بشرني احد الأصدقاء كنت في السيارة فلم اصبر لحين وصولي للبيت، بل صرت كلما لمحت وجها اعتقده عربيا أصيح بفرح "مبروك". فرح جعل كل العراقيين في كل أرجاء العالم ولأول مرة يخرجون للشوارع محتفلين وهم يرفعون علم العراق. فرحة لم يعرف مثلها حتى فرحة سقوط صدام بالرغم من انتظارها عقود طويلة!
فكرة القدم تشكل الصدارة بشعبيتها واهتمام كل الفئات من رئيس الدولة الى اصغر طالب بالمدرسة وهذا سر الفرح الذي يغمر الكل حين يفوز الفريق الذي يناصروه. وبالفرح تتجدد الحياة وحيوية الإنسان. ولو ان البعض استغل ذلك الحماس تجاريا بل البعض من المتخلفين حولوها لوسيلة للقمار كما حصل بالأكوادور حين قتل أهم لاعب بالفريق لأنهم خسروا المباراة!. ولكن هذه استثناءات ضئيلة لم تؤثر على حب لعبة كرة القدم ولم تقلل من مناصريها.
يعترض البعض ممن لم تتاح لهم فرصة المشاركة بذلك المهرجان، على الاهتمام بتلك اللعبة، ويتهم الكل بالجنون "لأنهم يتصارعون على كرة مليئة بالهواء"!
فهل يا ترى لو كانت الكرة مليئة بالحصى أو أي شيء ثقيل آخر، لكان من حقهم الجري تسعون دقيقة؟! وهل الغاية هو الحصول على تلك الكرة!؟..أم العبرة بالأهداف التي يسجلها الفريق ضد خصمه ليحقق الفوز بقوة لاعبيه وبروح الفريق التي تميز تلك اللعبة عن غيرها من الألعاب الرياضية، وربما هذا ما منحها تلك الشعبية.
لعل السياسيون يأخذون درسا منها، اذ لولا روح التعاون بين كل أعضاء الفريق لما حقق أي منهم الفوز المطلوب. وطبعا هناك استثناءات لبعض اللاعبين الموهوبين. أليس هذا أفضل من الصراع على شعارات هوائية؟.
وما الذي يمنع لو أن الكل يحاول ان يبدع باختصاصه، الرياضي بمجاله والطبيب بحقل عمله وهكذا.. والسياسي بمجاله أيضا دون أن يشعر انه الأفضل والأرقى لأنه منشغل بالسياسة!.
ولكن في عالمنا المتخلف من كل النواحي، هناك خلط بالأوراق وهناك تشتت بالفكر والجهود. فلو كل واحد سعى مخلصا لمجتمعه ووطنه ويبدع بمجال تخصصه وعمله، لصرنا ربما "خير امة".
في لندن وخلال مباريات كاس العالم يتغير المزاج الشعبي لغالبية الناس، بل يتصاعد لدى البعض الحس الوطني أكثر فترى الأعلام ترفرف على شبابيك المنازل، وترى الابتسامة لا تفارق الوجوه اذا فاز فريقهم، بل يتغير مزاج بعضهم لدرجة الرغبة بالحديث مع كل من يراه والابتسامة تملأ وجوههم، وهم المعروف عنهم الانغلاق على الذات ونادرا ما تجد الجار يحيي جاره.
لكن هذا لم يمنع عموم الشعب، شباب وكبار، من الاهتمام الفعلي بقضاياهم المهمة بل حتى بقضايا العالم، فكم من الاعتصامات والتظاهرات التي عمت كل مدن بريطانيا وليس لندن وحدها تضامنا مع العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها من الدول المهدّدَة، بالرغم من ترصد المسلمين الإرهابيون للشعب البريطاني وارتكابهم جرائم القتل والتفجير ضدهم.
إذن الاهتمام بالرياضة لن يؤثر على الاهتمام بقضايا الأمة بشكل سلبي، إذا كان كل مسئول وكل عامل وموظف ووزير وغيرهم يعملون بإخلاص وبحس وطني عالي. بل ربما سيفكرون بشكل أفضل وبروح رياضية، وقد ينسحب الوزير او القائد المهزوم من الساحة بلا ضجيج ليحل محله قائد آخر لعله يعمل بروح الفريق، ولا يهتم بمصلحته الشخصية وكم سيحقق من أرباح، اقصد أهداف، بل كل همه ينصب على إعلاء شأن فريقه اقصد شعبه.

لندن
16-6-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نتمنى ان لاتبقى احلاما
غازي الجبوري ( 2010 / 6 / 20 - 12:46 )
ان يكون السياسي كالطبيب والرياضي هذا امر جيد ولكن الحصول على الامتيازات الافضل هدف الكثيرين ليس في مجال السياسة فقط بل في كل المجالات لان البشر هم نفس البشر الا ان الامر الاكثر اهمية هو ليس الرغبة في نيل مانريدبل بالطريقة التي نريد ان نحصل على تلك الامتيازات من خلالها ان كانت مشروعة ام لا.اما في المجال السياسي فان الامر يختلف لان السياسي هو الذي يصنع القرارات السياسية ولان موقعه يضمن له امتيازات واسعة مالية وادبية لذلك نجد ان التنافس في هذا المجال اكثر شدة وقساوة لكننا نحلم ونامل ان يرى حلمنا النور يوما ما في تنافس سياسي متحضر لايلحق ضررا باحد


2 - نا اشعر بانسانيتي وانا اقراء هذا النص استاذه
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 6 / 20 - 22:32 )
شكرا لك استاذه ابتسام هذا نص جميل خصوصا انه مشكل - كما كنا في طفولتنا نطلب دوندرمه مشكل الانسان في داخله مناطق متعدده ان الختياريه امثالي عاشوا في القرن العشرين نشوء وتطور هذه التعدديه الداخليه اول مرة سمعت عنها في الخمسينيات حينما صرح رئيس وزراء فرنسا الاشتراكي حينذاك معلقا على احداث اجتماعية شديده قال - اني اثق بان البروليتير الفرنسي يمكن ان يكون عاملا ثوريا وفي نفس الوقت كاثوليكيا متدينا لان كل منها ينتمي الى منطقة اخرى في تكوينه كان هذا ثوره هل حقا ان يكون الانسان الى هذه الدرجه
عظيما في داخله
في حوالي 1955 كنت مسؤلا عن بيت حزبي - كان يسمى وكرا يقع في نزلة الفضل الى شارع غازي كانت المنطقه مرعبه لانها قوميه - اي فاشيه وكانت ماءمونه فلااحد يشك بساكنيهاوكان شبابها العدواني ضد الحياد الايجابي او معه
وكنت في هذا الوكر كمسؤل مع عائله رائعه وفي منتهى الجمال الى درجة كنت امنع البنات من الخروج لئلا ياءتينا خطابون ونحن مختفون وكان مسؤلنا الاعلى الراحل دلي مريوش زوج المناضله الرائده خانم
الاهم هنا اني كنت حريصا على البيت وساكنيه واذا بي الاحظ عزيزاساهرا مستلقيا يستمع لام كلثوم

اخر الافلام

.. آلاف المواطنين يؤدون صلاة العيد في 153 ساحة صلاة و 4202 مسجد


.. شرطة هامبورغ تطلق النار على رجل هددها بفأس وعبوة حارقة قبل س




.. رمي الجمرات يتم وفق توقيتات محددة بالتنسيق مع المخيمات


.. المنتخب الألماني يتغلب على اسكتلندا في المبارة الافتتاحية لب




.. إمام عاشور يحصد جائزة أفضل لاعب في مباراة الأهلي وفاركو