الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أما من وصفة لحماية ذاكرتنا المسلمة!

منهل السراج

2010 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أبدأ مقالي بأني لا أصلي ولا أضع الحجاب، وأمور العقيدة في ذهني كما في ذهن معظم الناس غير واضحة، ولن أُكره نفسي عليها، كما لا أقبل، كي لا تقل محبتي، أن أسمح لشيء بإكراهي، ولا أظن أني بتصريحي هذا، أدفع إلى ما يكفّرني ويخطّئني ويحول دون قراءة مقالي.

كلنا وحين تُذكَر كلمة الإسلام أمامنا، تحيلنا إلى مفهوم ما، تكوّن في أذهاننا عبر الزمن. كلمة الإسلام، حالياً، تحيل العديدين شرقاً وغرباً إلى مفهوم الإرهاب، بالضبط بن لادن وطالبان، وهذا مسوّغ طبعاً، طبقاً لأحداث التاريخ.

أما من ناحيتي، فإن كلمة الإسلام تحيل إلى المنطقة التي كبرت فيها، حيث لم أتعرض يوماً إلى أي إكراه من الأهل من أجل أن أقوم بفرائض الدين. كانت الأم تشجع بالمكافآت من أجل الصلاة وحفظ القرآن، وحين، بنظرها، يقصر أحدنا، تهمله. الإخوة كانوا معتدلين مع ميل الكبير إلى التدين. تركنا الأخ الكبير وكنت في التاسعة. أحاول أن أركز كي أمسك بحدث سلبيّ له في البيت، عبثاً، كان يدللنا ويصغي لإخواته.

حين صرت في الرابعة عشرة وحتى الثامنة عشرة، وضعت غطاء الرأس حرجاً من الشيخات، لم أكن أرتاح لمواعظهن حين السبابة مرفوعة، منبهة ومهددة تارة، وموحّدة بالشهادة تارة أخرى، ولكن لسبب غير واضح، ربما كان الوضع السياسي، وعلى رغم نفوري من تشدد الشيخات، ارتفع خط التدين عندي، وبات حفظ القرآن وصلاة قيام الليل، أداءً يومياً، وأظن أن هذا الارتفاع الحاد في الخط البياني هو ما ساهم في عزوفي عنه بعد ذلك، أو ما جعل تجاوبي مع فروض الدين غير سلس. أود أن أقول إن النصح بمزيد من التعمق في الدين، يؤدي فيما بعد إلى عكس الغاية، لكن على رغم التجربة لم تشكل هذه الفرائض عائقاً أمام طموحي في الحياة، ولم تشكل عبئاً على ذاكرتي.

لم يحدث من بين أكثر من 300 طالبة تضع غطاء على الرأس إسلامياً أو حسب العرف والعادة، أن اشتكت أن سبب أزمتها النفسية كانت من أداء فروض الدين الإسلامي. كانت بعضهن يمارسن هذا بتشدد منفّر وبعضهن يمارسنه بطيب خاطر وكثيرات يمارسن هذا محرجات، إنما لم يصل الإحراج إلى درجة التأزم، وغالبية البنات كانت تفعل هذا بالفطرة، كأنه العرف والعادة. لم يحدث أن بنتاً في المدرسة أيام المراهقة، اشتكت من تعامل الأخ أو الأب، ولم يحدث على الإطلاق أن تزوج أبو بنت على أمها. كثيرات أكملن التعليم، ولم يقف أخ في سبيل تعليم أخته أو مانع سفرها إلى جامعة في مدينة ثانية.

إفطار رمضان والسحور، وقفة العيد، صلاة التراويح، وعودة الحجاج، كانت كلها مبهجة، وقد أدينا العمرة في السعودية، وكانت لطيفة ومفرحة، وربما لم أعد ألقى هذه البهجة حين بدأت أبحث في الثقافة والسياسة.

وكان هناك في الحارة نفسها أسرة أتردد إلى بيتها. البنت صديقتي، وأمها في منتهى الطيبة، حين فوجئت بأن شاب البيت يحمل سلاحاً، صدمت، وعلى رغم نفوري الشديد، أبت ذاكرتي، أن تقبل أن تلك العائلة تربي شاباً يحمل السلاح وباسم النص الديني يقتل، متيقنة أن إجرام الشاب كان خارج إرادته وخارج طبيعته وخارج أهل بيته. وأن لا علاقة بين سجادة صلاته وبين تجنيده ليكون قاتلاً، إذ كيف يمكن أن نفهم أن من يجلس على سجادة الصلاة، يمكن أن يفزّ إلى سلاحه، بدل أن يستمر في سلام العبادة؟

سؤال يحيّر ويربك، كيف ما زال بعضهم ينطلق من نصوص غير واضحة أو مشكِلة...؟ كان هناك خيط رفيع وليس فاصلاً بين الاستسلام لكل النصوص، وبين الحفاظ على الكينونة، ونجحنا أخيراً، بألّا نستسلم للنصوص، إنما أيضاً أن لا ننفر منها، لكي لا تصبح عصيّة علينا ولا نصبح عصاة على بعضنا، نحن أولاد بلد واحد.

تصيبنا النخوة حين نقرأ تهجماً على الإسلام والمسلمين، كيف لنا أن نحمي الهوية من ممارسات القتل؟ ولا أخفي وبسبب نخوتي تلك، حاولت في فترة أن أتعمق في النصوص الفقهية، ووجدت أن مواجهتها بأدواتي أمر مرهق، فلكي يعالجها الإنسان ويتعامل معها، يجب أن يكون مشبعاً بها، والأمر لم يعد كذلك في داخلي، ولا أستطيعه، وأدواتي ليست منها. فهي تحتاج علماءها لتهيئتها، وأود أن أحامي، إنما أقف عاجزة عن فعل هذا حين أجد خطاباً إسلامياً حانقاً موتوراً...

بالطبع يوجد الخطاب الحانق نفسه من بعض اللّادينيين ضد الدينيين، ولكنني، في الواقع، عاطفياً أميل إلى الاعتناء بالبيئة التي اعتنت بي، وأتلهف أن يكون للإسلامي خطاب واقعي عقلاني.

أردت القول إن الحنوّ للعيش في هذه الأجواء، جيران يصلّون، ويصومون ويحجّون، يريد حباً وسلاماً... سلاماً يبرر لنا نخوتنا ويحافظ على توازن هويتنا.

أتمنى نصوصاً تأتي قدسيتها من جمال معتنقيها، سلامهم، وليس نصوصاً تختلف تفسيراتها باختلاف نزعات معتنقيها.

حين كنت أُسأل عن ديني في بداية قدومي إلى أوروبا، ولأن السؤال التحقيقي يستدعي جواباً خاصاً، كنت أجيب إني آتية من عائلة مسلمة، أما الآن فإني أجيب، مسلمة أتحدث العربية. أقول مسلمة كي أحمي منبتنا، من الانتزاع، على رغم الحرج الذي يصيبنا من عقيدة بن لادن وطالبان. وتجد من يريد أن يلغي الدين الإسلامي أو يمحوه، يبادرك بجملة واضحة «الذبح على الطريقة الإسلامية» والبرهان طالبان. وأقف متلعثمة لأن محدثي محق تماماً، ولأن الجملة ذاتها يستخدمها بعض من يظنون أنفسهم حماة للإسلام «الذبح على الطريقة الإسلامية» أسوة بطالبان.

واذا كان هناك من سيأتي الآن بنصوص قرآنية تحضّ على العنف، فإن في نصوص كل العقائد والديانات في التاريخ فتاوى لا يمكن أن يقبلها عقل، يفهم المرء أن عليه أن يدع هذه الفتاوى بعهدة التاريخ، ويعي أنها كانت بنت زمانها وظرفها.

أفلا من وصفة تترك الدين بسلام، بعيداً من الصراعات السياسية والنزاعات البشرية؟ ألا من وصفة تحمي روحانيات العقيدة، ثقافتنا؟ أم سأصاب باليأس وأترك أمر حماية «الإسلام الجميل» الذي في ذاكرتي، عاداتنا وأعيادنا؟

سيأتي إسلامي متشدد، ليقول إنني أستخدم أنعم الكلمات كي أتسلل إلى العقيدة، وللقائل الحق، إذ إن كل الأغراض والأمنيات الآن، هي تخفيف حدة التعصب، وإبطال فتاوى، رفض وتكفير الآخر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Vive VOLTAIRE
أحـمـد بـسـمـار ( 2010 / 6 / 24 - 10:41 )
سيدتي المحترمة
رغم علمانيتي الكاملة وإيماني الوحيد بها وفصل الدين نهائيا وكليا, بلا أي استثناء فقهي أو عاداتي أو عرفي أو قانوني, عن الدولة والسياسة. أقول لك ـ بكل فولتيرية ـ
صادقة أن مقالك صحيح رائع. وأنك علمانيه كاملة.
آمل أن شهادتي وتأييدي لا يؤديا إلى جلب الشتائم عليك وعلي, ولا تهم التكفير...
متمنيا لك ديمومة العزم والأمل والبحث عن الحقيقة... ولك ـ يا سيدتي المحترمة ـ كل تأييدي وتحية مهذبة.
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة


2 - سيدتي مقال رائع
هاله ( 2010 / 6 / 24 - 11:31 )
الاسلام
دين الوسطية والاعتدال لا افراط اليهودية ولا تفريط المسيحية وتعاليمه السمحاء ارقى ما يكون
بن لادن لا يمثل الاسلام وليس حجة عليه
افتخري بانك مسلمة ومن اصول عربية وعودي لصلاتك بعقل واع وقلب مفتوح
تحياتي لك


3 - لافض فوك
عبد القادر برهان ( 2010 / 6 / 24 - 13:16 )
ابتداءا اود ان اشكر الاخ احمد بسمار لانه ارسل لي مقالك الرائع
انك ياختاه عبرت بهذا ال قال عن همومنا الكبيرة نحن المسلمون الذين يعيشون في بلاد الغرب فنحن نحب ديننا الاسلام ونعتبره دين تسامح لكن البعض من المسوبين على الاسلام
شوهوا هذا الدين العظيم واباحوا للحانقين عليه بان ينتقدوه كايدلوجية ودين ,,,فاعمال ابن لادن وفتاوى المتخلفين لاتمثل الوجه الحقيقي للاسلام كما ان وعاظ السلاطين من رجال الدين


4 - لافض فوك2
عبد القادر برهان ( 2010 / 6 / 24 - 13:30 )
فوعاظ السلاطين من رجال الدين المسلمين الذين ينافقون الحكام ومحبي السلطة من المتلبسين
بلباس الدين اساؤا ويسئون كل يوم الى هذا الدين الحنيف ولذلك فاننا نعاني وبشدة من المارقين على الدين وتعاليمه ,,,ارجو ان تستمري بحبك وتعلقك بالاسلام ونبذك لكل مايتعارض مع سماحته ودعواته الانسانية شكرا جزيلا لك وفقك الله


5 - انت امام مفترق طرق
T. Khoury ( 2010 / 6 / 24 - 20:59 )
الاخت الفاضلة منهل
هذا اصدق مقال تكتيبنه , وانا افهم واتعاطف مع كل كلمة كتبتيها, ان هذا الاسلام الجميل الذي مارستيه انت واهلك ومعظم ابناء بلدي الحبيب سوريا , هو ما تبقى بوجدانكم من دينكم المسيحي الاصلي قبل ان تتحولوا الى الاسلام لسبب او لاخر!!لقد دخلتم الاسلام اسميا فقط ولكنكم مارستم تعبدكم المسيحي الذي توارثتموه ابا عن جد دون ان تدروا , فلا يمكن لاي انسان ان يغير عقيدته من المسيحية الى الاسلام بين ليلة وضحاها!! والذي حدث لك ولاحمد بسمار هو ان جائت ثورة الانترنت وقالت لكم هذه حقيقتكم وهذه حقيقة الاسلام , وهي القران والسنة التي لم تدروا قط ما كانت تحوي, ثم جاء بن لادن ليعطيكم مثالا عمليا لما يجب ان يفعله كل مسلم حقيقي.
عزيزتي هذه هي الحقيقة ويجب ان تواجهيها بشجاعة, وانت امام مفترق طرق,اما المواجهة ووضع النقاط على الحروف او دفن الرأس بالرمال والادعاء بان الاسلام جميل.

مودتي


6 - اسلام نص نص
Zagal ( 2010 / 6 / 25 - 00:50 )
الاسلام التى انت تدعينه ليس اسلام القران او الاحاديث..

انه اسلام نص نص (على راى الاستاذ ابولهب) ... انه اسلام متطور زمنيا بتطور الشعوب والحاجه الى الهدوء بعيدا عن قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم .... التى هى موجوده فى القران ... بينما الاحاديث منها قبل الهجره حيث المسكنه والضعف ومنها الثوريه العنيفه وقت الاستقواء بمساعدة قطاع الطرق المشهورين..

ابحثى عن جوهر الدين وليست الممارسات المظهريه


7 - الأديان متشابهة
علي ديوب ( 2010 / 6 / 25 - 10:14 )
الدين معاملة يا سيد زاغال. نعم الدين هو ما يمارس على الأرض؛ و هذا ينطبق على جميع الأفكار النظرية التي يقتنع فيها البشر. و هل تستطيع أن تتجاهل حقيقة الفوارق بين معتنقي أية ديانة من حولك. فهل يستوي المتشددون و غير المتشددين- حتى في ممارستهم للأعراف و العادات الاجتماعية العامة؟


8 - خجلانة مو هيك..
محمود داية ( 2010 / 6 / 25 - 18:20 )
انت تجملين القذارة يا سيدتي وهذا التدليس المتراقص الافعواني ليس جديدا..ان العبادات التي كنتي تقومين فيها انتي واهلك وانا واهلي هي نفس مايقوم به بن لادن فلا يوجد اسلام بن لادن بل كل المسلمين هم مثل بن لادن ولكن هناك اناس كامنون مرقطون مثلك وهناك اناس يقومون بالقتل..بالمناسبة هل لك ان تحثينا قليلا عن مدينتك وعدد الجرائم التي ارتكبتوها وانا ايضا لو طلبتي مني سأحدثك عن عدد الجرائم التي ارتكبناها في حلب ونتستر عليها

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي