الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهرزاد جديدة أكثر تحررًا

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2010 / 6 / 25
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كم من رجال كتبوا عن شهرزاد، من وحي أحلامهم في اليقظة والمنام. الأسطورة المرأة. انتصر ذكاؤها الأنثوي المراوغ على بطش الذكورة الأعمى. عرفنا مسرحية توفيق الحكيم «شهرزاد». تجسّد فيها خيال المؤلف، أشد ذكورية من المؤلف الأصلي. كثرٌ من المبدعين في الشرق والغرب وقعوا تحت سحر شهرزاد. كتبوا عنها بعد أن غزت خيالهم. تصور كل منهم نفسه الإمبراطور شهريار، الذكر المتعطش للدماء، والذي ارتبطت اللذة الجنسية في خياله بلذة العنف والقتل. ألم يقتل العصفورة في طفولته على رغم تغريدها له كل صباح؟ ألم يصطدِ اليمامات البريئات بالنبلة؟ ألم يمزق جسد القطة المولودة بالمطواة لمجرد المتعة؟
كثرٌ أيضًا كتبوا عن «ايزيس» الإلهة المصرية القديمة، منهم توفيق الحكيم (1976)، لم يعرفوا عنها سوى أنها زوجة أوزوريس. لم يكن لها كيان في عقلهم إلا من خلال زوجها، مع أنها كانت إلهة الحكمة والإبداع الفكري، وانتشرت فلسفتها في مصر وانتقلت إلى أوروبا وبقيت حتى القرن السادس الميلادي، على رغم حروب الإبادة التي أرادت دفنها في التاريخ. غالبية المبدعات من النساء تم دفنها بيد مؤرخي النظام العبودي الطبقي الأبوي، من الإلهات القديمات نوت وأنانا وايزيس ومعات، إلى الشخصيات النسائية الخلاقة في عصرنا الحديث. تم دفنهن جسديًا وأدبيًا وفكريًا وهن على قيد الحياة.
تمت سرقة أفكارهن لحساب مؤلفين رجال تابعين للسلطة الحاكمة. نال الرجال جوائز تحرير المرأة والمجد والشرف، على حين توارت المؤلفة الأصلية عن الأنظار، أو اتهمت بالشذوذ والنشاز، أو تم اختزال شخصية المرأة المفكرة، لتصبح الزوجة الوفية أو الأم المثالية. تلد الذكور ولا تلد الإناث. كل المبدعات في التاريخ الطبقي الأبوي أنجبن الابن وليس البنت. ايزيس ولدت ابنها حورس، شهرزاد أنجبت لشهريار ثلاثة ذكور ولم تنجب أي أنثى. كم من الرجال كتبوا عن شهرزاد؟ طه حسين نشر كتابه «أحلام شهرزاد» أول إصدارات سلسلة «اقرأ» عن دار المعارف (1943) عبدالرحمن الخميسي كتب عن شهرزاد، وأندريه جيد الفرنسي، وغوته الألماني، وغيرهم كثيرون من أدباء الشرق والغرب، في الأزمنة القديمة والحديثة، تأثروا بحكاياتها المبدعة، استلهموا منها السحر والخيال، لكن أحلامهم الأبوية الطبقية أعجزتهم عن إدراك شخصيتها النسائية الأصلية.
بعضهم صورها على نحو أكثر تقدمًا من الآخرين، اعتبروها محررة المرأة، انتصرت لبنات جنسها، أخضعت الإمبراطور الدموي شهريار لسحر حكاياتها، ألقى سلاحه وركع عند قدميها عاشقًا مستسلمًا، استطاعت بالدهاء والمكر أن تنقذ نفسها وغيرها من البنات. لكن التحرر الإنساني الحقيقي يقوم على الصدق والمواجهة، وليس المراوغة والتحايل والمكر. التحرر الإنساني الحقيقي يقوم على مقاومة الطغيان في المجتمع كله، ليس ضد الزوج الطاغي فقط، بل ضد النظام الذي ينتج هذا العنف الذكوري الدموي في الأسرة والدولة. من الليلة التاسعة بعد الألف تبدأ شهرزاد طه حسين حكايتها الجديدة. ينهل طه حسين من أحلامه عنها. على رغم تحرره العقلي يظل خياله سجين الوجدان الذكوري، مثل توفيق الحكيم. كانا مثل غيرهما من المبدعين نتاج عصرهما الطبقي الأبوي. كان أبي يحترم أمي، يساعدها في أعمال البيت، لا ينتظر منها أن تخدمه بالنهار، وتسليه بالحكايات في الليل حتى ينام مثل شهريار. في السابعة من عمري اعتبرت الملك شهريار أكثر طفولة مني، لأني أنام وحدي من دون الحاجة إلى الحكايات السحرية عن الجن والجنيات. أيضًا لم تكن شهرزاد تحظى بتقديري، فهي بلا عمل إلا تسلية زوجها، تلهيه بالحكايات مثل الجواري والإماء، وهو حاكم مستبد، يتمتع بحرية مطلقة لسفك الدماء. تعلمتُ من أبي أن الحرية هي المسؤولية وليس الفوضى والاستبداد.
لم تكن شهرزاد مثلي الأعلى في الحياة. تعلمتُ من أمي أن الأنوثة هي الصدق والصراحة وعدم المراوغة أو المكر. لم تغير شهرزاد من سطوة زوجها الذكورية، فقط امتنع عن قتلها وقتل البنات، وظل مريضًا بالسلطة الأبوية مدللاً كالطفل لا ينام إلا على الحكايات السحرية. أنجبت له ثلاثة أبناء ذكور لتشبع ذكورته حتى الثمالة.
أبرز ما يميز شهرزاد هو الدافع الجنسي الأنثوي العبودي، يمنحها المكر والدهاء للسيطرة على الرجل، هنا يكمن الوهم أنها علّمت شهريار الإنسانية، الحقيقة أنها علمت النساء المكر والدهاء والمداهنة، كيف يسيطرن على الرجل بالخداع والمراوغة، ليس بالصدق والشجاعة والمواجهة، انه ذكاء الإماء والعبيد وليس ذكاء الأحرار من الرجال والنساء.
تخرج الأفكار في قصص الرجال عن شهرزاد من المنبع ذاته الذي يخرج منه شهريار، وهي العبودية الأبوية الطبقية العنصرية، فالخادم العبد، أسود اللون، محتقر، منبوذ، نجس، يقطع الملك رأسه من دون سبب أو لمجرد الشك، كما يقطع رؤوس البنات البريئات بعد اغتصابهن.
كان شهريار ضحية امرأة فاسدة شريرة خانته مع الخادم العبد، لكن جاءت من بعدها شهرزاد المرأة الصالحة المخلصة فأخذت بيده وأرشدته كالأم الطاهرة إلى الطريق الصحيح، هنا يتضح غباء الغطرسة الذكورية الطفولية، فالرجل وان كبر وشاخ يظل طفلاً أو ألعوبة في يد الأنثى الشيطانة أو العذراء الملاك، أي أن المرأة هي الفاعلة في مجال الشر ومجال الخير، والرجل هو المفعول به، وان تقمص دور الفاعل، لم يكن لشهرزاد دور في الحياة خارج بيتها، انحصر دورها في تسلية زوجها، التفنن في إغوائه والإمساك به من قرنيه، وإخضاعه لعقلها وذكائها وحيلها الإبداعية. لم يكن لشهرزاد دور في الحياة العامة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، لهذا السبب اعتبرها الرجال نموذجًا للمرأة الصالحة، نموذجًا للزوجة المخلصة المتفانية في خدمة أهواء زوجها، نموذجًا للأم المثالية التي تلد الذكور وليس الإناث. لم يحكم أحد عليها بالمرض النفسي أو الجنون كما حدث لغيرها من النساء، اللائي شاركن في الحياة العامة والفكر والإبداع، اللائي لم يتزوجن ولم يلدن من مثيلات الكاتبة مي زيادة. أي ثمن باهظ تدفعه المرأة المبدعة المفكرة لتحافظ على إبداعها وعقلها في الماضي والحاضر؟


* الحياة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واللة اشتقنا لكتاباتك ياام الكتابة يادكتورة
كوردة ( 2010 / 6 / 26 - 08:05 )
احيكى من بلدي كوردستان العراق والقي عليكى تحية اجلال واقبلك وقلمك الذي
لاينبض عن الدفاع ارجو منك جوابا ولو بكلمة يرد الروح فية ياحبيبتي يادكتورة

كركوك تحييكى من القلب


2 - استغراب
سالوم حاحو ( 2010 / 6 / 26 - 23:12 )
تحية تقدير و احترام لشخص الدكتوة.ولى زمن الصراع بين الذكورة و الانوثة.وكان الاجدر ان تفيدينا بافكارلا تميز بين الجنسين .بل تبحث في اوضاع الانسانية عامة.


3 - احترامي وتقديري الكبير ايتها الكبيرة
مكارم ابراهيم ( 2010 / 6 / 27 - 09:46 )
احترامي الشديد للدكتورة نوال السعداوي
بالنسبة لي التقيت بنوع من الرجال يحاولون استغلال المراة الطيبة بدسها في قضايا ومواقف لكي ينتقم هو من شخص ما ويبقى اسمه سريا وبعيدا عن الانظار فقط كي يحافظ على هالته وشعبيته بين الاخرين وكي لايخسر مكانته العظيمة وحب الاخرين له حتى لو دفعت الثمن امراة مبدعة والسبب ان هذه المراة ذات مسؤولية وصادقة في مواجهة المتخلفين ولاتختبأ بل تواجهة الساقطين بكل شجاعة لااسقاط الاقنعة المزيفة هذه المراة الحقيقة التي يحاول الجبناء استغلال جرئتها للوصول الى غاياتهم الدنيئة

احترامي وتقديري الكبير ايتها الكبيرة
مكارم ابراهيم


4 - إلى سالوم حاحو
بسمة ( 2010 / 6 / 29 - 03:34 )
من قال أن زمن الصراع ولى يا سالوم فقط أنت ترى من عندك ولا ترى إرهاب النساء فى المجتمع والشارع لاترى البنات التى تموت من أجل الختان لإرضاء رغبة مجتمع ذكورى بحت لا يترف بحق المرأة فى المتعة الجنسية ولاتشعر بمعنى الارغام على إرتداء حجاب أو نقاب أو الاضطهاد الفكرى للمرأة ومحاولات إحباطها وهذا فى الشرق أو الغرب الرجل يحارب المرأة دون أن تدرى هى ومن يعرف دكتورة نوال يعرف أنها لاتفصل بين مشاكل المرأة ووضعها والمشاكل الانسانية الاخرى


5 - نطقت بما فى قلوبنا
تهانى صلاح صبيح ( 2010 / 8 / 28 - 21:54 )
ظللت عمرى كله اظلم واعامل من اهلى بدونيه لانى فتاه وانا الان فى الاربعين ولست ببلاغه الدكتوره نوال السعداوى اقول لها يا امى وام كل امراه نصرك الله وحماك فقد نطقت بلسان كل امراه حتى وان انكرت هى ذلك لخوفها من المجتمع لقد اخرجتى صرخاتنا من صدورنا كم من سيده ماتت من القهر والظلم اعانك الله واعطاكى كل القوه لمجابهه كل هذه الحروب ضدك باسم كل النساء اشكرك يا ام كل البنات والنساء


6 - المعايير
عصام الشافعى ( 2010 / 9 / 10 - 02:00 )
الاستاذه الفافضله/نوال السعداوى
ممكن اعرف من حضرتك ماهى معايير اختيارالزوج للانثى وما هى معايير
اختيارالزوجه للرجل؟


7 - تحياتي الى العظيمه نوال
نور محمد صالح ( 2010 / 9 / 14 - 08:28 )
ماذاا اقول سوى ليت لدينا في كل بيت نوال السعداوي لتغير حال العالم بااجمع

اخر الافلام

.. أحلام القروي، مديرة برامج بالمركز التونسي المتوسطي


.. آمال بن خوذ مديرة جمعية شباب بلا حدود




.. من لاجئات إلى نازحات في الشوارع النساء السوريات تحت وطأة


.. أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية




.. ناشطة مغربية هناك أصوات لا تؤيد تغيير القوانين