الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصخصة الإله واحتكار الحقيقة

طلال سعيد يادكار

2010 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم تتفق البشرية كافة على وجود ( إله ) والذين اتفقوا على وجوده اختلفوا فيه ( اختلافا كثيرا) حتى في أسمائه وصفاته , وانقسموا الى فرق وملل ونِحَل وطوائف يختلفون ويتخاصمون ويتقاتلون ويقطع بعضهم رقاب بعض باسم ( الإله). ويدعي كل فريق ان لديه الحقيقة المطلقة وان ( الإله ) اصطفاه واختاره من بين البشرية وانه في جانبه يقف معه ويقاتل في صفه وينصره ضد الفريق الاخر المشترك معه في الانسانية والمخلوق مثله من قبل نفس الاله! فهل هذا يتفق مع صفة العدالة المطلقة التي من المفروض أن يتصف بها هذا ( الإله)؟؟ وهل من المنطق أن يختار الإله مجموعة من البشر من دون الاخرين ويجعلهم خاصته وشعبه (وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْبًا، وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا. خروج / 6/ 7) أو أن يتخذ منهم أولاداَ (وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ . يوحنا 1/12). أو أن يجعلهم خير البشرية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.. آل عمران/110)؟؟ هذا ماجاء في الاديان الابراهيمية الثلاث والتي تبدأ بإله عالمي ثم تنتهي بإله ( أقليمي أو قومي) يخص فقط مجموعة من الناس.
حتى خاتم الاديان يبدأ فيه الإله ( إلهاَ عالمياَ) لكل الناس ولافرق بين الملل والنحل والطوائف ماداموا يؤمنون به ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .البقرة/62) . الكل هنا متساوون من الناحية الانسانية ابتداءاَ بالعمل الصالح وانتهاءاَ بالاجر والثواب , فالكل متساوون وأحرار في الفكر والعقيدة كأسنان المشط أمام ( الإله).
بعد ذلك تصغر وتضيق الدائرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . المائدة/69) فلا يوجد هنا أجر وثواب, الى أن يلغى العمل الصالح (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. الحج/17). وفي النهاية يلغى فكر وعقيدة ودين الآخر (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ . آل عمران/19.) ويُخَصصْ الإله لمجموعة من الناس ويلغى حق الآخرين به(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ . آل عمران/85). وهكذا تم خَصْخَصَة الإله واحتكاره وتم سلب اللآخرين حقهم في الإله وأصبح إلها خاصاَ بعدما كان إلها عالميا, وأصبح هناك طريقا واحداَ اليه بعدما كانت هناك عدة طرق تؤدي اليه!! وتم دعوة الآخرين على اتباع هذا الطريق ابتداءاَ بالحكمة والموعظة الحسنة ودون إكراه(أًدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة..ِ النحل/ 125 ) وانتهاءاَ بالإجبار والإكراه والسيف (أُمرتُ ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لااله إلا الله , وأن محمدا رسول الله, ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فاذا فعلوا ذلك عَصَموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الاسلام, وحسابهم على الله).حديث صحيح!! ابتدأ باللين والرفق ودون إكره (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...البقرة /256) ثم نسخت واستبدلت بآية السيف (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.. التوبة/5) و (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .التوبة/29).
العنف لاينتج إلا عنفاً وما جمعته البشرية على أساس الانسانية فرقته الأديان , ولايمكن خَصْخَصَة الإله , والحقيقة لايمكن ان تُحتكر وكل الطرق تؤدي الى الله , لأن الله أعظم من أن تحتويه الأديان. وكما قال طه حسين:الفكر لايمكن مصادرته والعقيدة يستحيل سجنها والعنف يولد العنف , أفلا نرحم أنفسنا حتى نستحق رحمة الله, وحتى يكون غيرنا أرحم بنا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيدي العزيز
هاله ( 2010 / 6 / 26 - 12:34 )
قلت في اول جملة من مقالك لم تتفق البشرية كافه على وجود اله
هذا يسميه اهل المنطق مصادرة على المطلوب ومعناها انك تضع اساسا لتبني عليه في حين ان اساسك نفسه يحتاج اساسا ليستقرعليه
من اين عرفت ان البشرية لم تتفق على وجود اله؟العكس اصح, لم تختلف البشرية في وجود الاله وان اختلفوا في اسماءه وصفاته وافعاله بل حتى عباد الاوثان انما يعبدونها باعتبارها اله وازيد علما حتى من يقولون انهم ملحدون انما يؤمنون به لكن يغالطون انفسهم لانهم يستثقلون اوامر الاديان ونواهيها والتزاماتها
شكرا


2 - الدين واحتكار الحقيقة
واثق غازي عبدالنبي ( 2011 / 7 / 25 - 04:41 )
شكرا لك يا استاذ طلال على هذا المقال الرائع.. اود ان انقل فقرة من مقدمة كتابي (الدين والحتكار الحقيقة) لعالها تساهم في اغناء الموضوع: المشكلة الكبيرة في فكرة احتكار الدين للحقيقة هي انها تقود الى عدد اخر من الاحتكارات منها احتكار الاخلاق والفضيلة والحكمة، والتي يدعي عدد من رجال الدين ان مصدرها الدين وحده، في حين يرى المخالفون لهم أنها نتاج مجهود انساني طويل سعى لتحقيقه الجنس البشري منذ ان وجد على هذه الارض، بمعنى انها ليست نتاج الدين وحده، بل هي نتاج الفلسفات والآداب والفنون والعلوم أيضاً. ونرى ان هذا الاحتكار للاخلاق والفضيلة والحكمة يترتب عليه الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعيق النمو السليم للانسان والمجتمع. انتهى الاقتباس.. شكرا مرة اخرى

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah