الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلف وبلاهة الفكر

محمد البدري

2010 / 6 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جلس بلهاء العصر العباسي من المسلمين واخترعووا قصة كانت مزحة في بدايتها ثم انقلبت الي كوميديا ثم الي تراجيديا لم يعد من الممكن السيطرة علي تداعياتها ونتائجها. إنها محنه خلق القرآن.
ولن نتطرق اليها كمشكلة لاننا لسنا بصدد تكرار البلاهة بل الي فهم العقل الابله الذي اخترع تلك المحنة ليصبح هو ذاته في محنة. ولان الفكر العربي ميت بكونه مكدس بالاجابات الجاهزة والحلول الناجزة المستقرة التي وفرها له الاسلام كمحطة نهائية وكحتمية تماثل حتمية اخوانهم المراكسة فان جميع اشكاليات الحياه القديمة والجديدة والمستجده لا نجد لها حلا واحدا يخرجها من الظلمات الي النور ضمن كل تلك الحلول الجاهزة والمستقرة في كتاب لا ياتيه الباطل من اي جهه.

فتراكم المشاكل طوال تاريخ الاسلام هو إذن ناتج من ناتج العقل العربي بالانغلاق علي ذاته في دائرة محكمة يحصنها بنص مقدس لكنه غير فاعل فاصبح التدهور العام في حياة شعوب المنطقة امرا حتمي. فقضية خلق القرآن هو اول ما طرق باب العقل عند المسلمون العرب، فتعاملوا معها كما يتعامل السفهاء من الناس، لكن ان يشترك فيها المأمون وابن حنبل والمعتزلة فان الحكم بالسفاهة هنا والبلاهة يطول راس الدولة وفقهاء الشريعة وفلاسفة المجتمع.

أخذ المأمون الامر في بدايته علي انه عرض من عروض القيان او الغلمان بالدفوف رقصا وطربا لامتاعه كما يحدثنا تاريخ الخلافة الاسلامية من مجون ومفاسد داخل القصور وخارجها. فكانت تعقد حلقات النقاش امامه ويتباري الفريقين ويقدم كل منهم الادلة علي مسالة الخلق من عدمه. وطبيعي ان تكون الذات الالهية موضع نقاش وجدل فهي صاحبة النص كما يعتقد اهل ذلك الزمان، او في قول آخر حسب ما تواضعوا عليه طالما حقق مصلحة لهم.
لم تكن تلك العروض بعيدة أو مختلفة عن عروض المبارزات الشعرية في اسواق قريش حيث يتباري الشعراء ويتراهن الناس وتمضي الامور قتلا للاوقات وتبديدا للهموم. كان الشعر قبل الاسلام مناط الحوار والحامل للتراث والموثق للاحداث. اما في مجلس الخليفة فاصبح ما يحتكم اليه الناس باعتباره الحامل للاجابات الجاهزة والحلول الناجعة موضع تساؤل مع كل اخفاق او فشل. وهو ما اضطر الناس الي البحث لاول مرة وبشكل مستتر عن صدقيه هذا النص ومدي صلاحيته وبالتالي بدأ الشك بايمانهم في ذواتهم المسلمة.
لم يكن سهلا التجرؤ لاعلان الشك بعد الايمان لهذا هرب العقل المتسائل الي مشكلة جانبية تحوم حول النص فهو المتهم الاول ولا سبيل لتفاديه الا بوضع السؤال بشكل لا خطر منه. وانطلي الامر علي الخليفة ووجدها فرصة لتغيير مشاهد الرقص من الغواني والقيان الي الرقص الاقرب الي صراع ديوك بين الفقهاء والمشايخ.
كان السؤال: هل القرآن أزلي ام مخلوق؟

فلو انه كلام الله كما يعتقد الناس لاصبح جزءا منه وبالتالي فازليته لا شك فيهان فالله ازلي وخالق كل شئ قبل ان يخلق اي شئ. اما الفريق الاخر فلم يكن دوجمائيا الي هذا الحد المتصلب فاقام براهين من داخل النص علي انه مخلوق وحاججوا ابن حنبل بان آيات تبرءة عائشة من مواقعة صفوان ابن المعطل لم تكن لتاتي لولا حديث الافك الذي اذاعه عبد الله ابن ابي سلول واكده بعض من الناس في طريق العودة من غزوة بني المصطلق. فالخلق في الاحداث والمواقف يستلزم الخلق في النصوص. ثم استشهدوا بما جاء في سورة التحريم في واقعة استعادة الجارية بعد ان طلق النبي كل نسائه دفعة واحده. فلولا تحريمها ولولا طلاقهن لما كان هناك حاجة لان تكون سورة التحريم ازلية وجزءا من الذات الالهية.
يعود ابن حنبل ويرد الكرة عليهم بانه لولا علم الله لما هو مقدر سلفا وخلقه مسبقا لما هو حادث لاصبح النص مخلوقا، فهل ينكر المهتزلة علم الله؟ هكذا دارت سجالات وحوارات الاطراف والخليفة يقهقه ويشرب مع ندمائه وتسعد اساريره سرا، فكيف اصبح خليفة بفعل نص لا يعلم احد هل هو محدث ام ازلي وهل ما فيه من مستجدات قد توقفت بينما مستجات الامويين والعباسيين بل والراشدين ايضا لم تكن لها من نهاية. فاين النصوص التي لولاها لما قتل عمر وعثمان وعلي والحسين وبنو امية؟

وعندما وصل خبر المجادلات والسجالات الي العامة من الناس ادلوا هم ايضا بدلوهم، اليسوا مسلمين ولهم الحق في القول بحقيقة القرآن وخاصة ان علماء الامة وندماء الخليفة في حيرة من امرهم. فكيف هم مطالبون بسؤال اهل الذكر إذا غم عليهم امر او فتوي، بينما اهل الذكر واقعون في مازق الاصول وليس الفروع.
فيما بعد سميت تلك الواقعة محنة لا لسبب الا بان ابن حنبل – الذي ساد فكره المنغلق الازلي - تم حبسة ثم تعذيبه لان الخليفة كان مع الرائ بخلق القرآن مما يدفع بالشك في توجهات الخليفة بعقده مثل تلك المناظرات. فما الذي يضيره من ازليته إذا كانت الامور كلها تجري بين يديه ويحكم بما يراه هو ضاربا بالنصوص المخلوقة أو الازلية عرض الحائط. فلا النص قال بالحبس او بالجلد لابن حنبل لو انه مخلوق او ازلي اللهم الا مزاج ليالي الانس والفرفشة العباسية علي ايقاع الغلمان والقيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عهد صوفان ( 2010 / 6 / 28 - 11:49 )
تحية عزيزي محمد البدري لدخولك الجريء مجالس الخلفاء وهم يشربون كؤوس ندامتهم يتحاورون على أصوات الموسيقى وتمايل الجواري وهن يرقصن لخليفة الرسول. هذه مجالس العلم عندهم فما ترجوه منهم غير الاستعباد لنصوص حجرت على الفكر وحنطت العقل وما زالت خارج التاريخ
الحقيقة بينة لصاحب العقل المنفتح ومخفية عن صاحب العقل المخدر والمهووس بمتع الحياة وفي مقدمتها النساء هذه حقيقة تاريخنا وتراثنا الذي وضعنا في آخر الأمم
تحياتي لك


2 - إعذرني أن أختلف
محمد ( 2010 / 6 / 28 - 13:42 )
ياأخي الكريم مقال ظريف ولكنه معرفياً ناقص لحقيقة لابد من ذكرها وهي أن النص الجامد قد إنتصر بسبب تبني الحاكم لذلك المنطق وليس بسبب نقص في شخصية أو عقلية أهل المنطقة الذين لاتزال حضرتك تسميهم بالعرب . كأن العرب قد حكموا المنطقة منذ العصر العباسى؟

ماهو الفكر العربي الذي تتكلم عنه حضرتك؟ هل هم عرب عرقياً أم ثقافياً؟ ماهي نسبة عروبة المنطقة؟



العرب والعروبة والفكر العربي صفات غير دقيقة لوصف أي شيئ قد حصل للشعب الشرق أوسطي.

غير العرب هم من فرض هذا التفكير الجامد ، وغير العرب هم من حكم المنطقة وهم سكان مدن معظم الشرق الأوسط منذ العصر العباسي وحتى الآن. إنهم من خارج المنطقة الشرق أوسطية ومن حسن حظهم وجود فكر جامد مثل فكر إبن حنبل وإبن تيمية من بعده من فرسان الخط السلفي
.

.


3 - من كتاب الاصفهاني رقص وخمر واغاني
رستم علو ( 2010 / 6 / 28 - 14:38 )
اجتمع قوم حول محمد البدري يسألونه :
قد أعطاك اللـه هذه الفكر النيير
وأنت تستنهض الشباب والشابات
إلى رفض الزعبلات والخرافات .
وتسمح لهم بالتمتع بالقليل من المشروبات .
والتفرج على بعض المباريت .
فقال : واللـه :
لو شئت لمددت يدي
ونتفت ذقن كل من يحرم الملذات .
ثم قال :
الذين يجمعون بين الخمر والصلات اثناء المباريات .
لهم كثيرا من الحسنات .
ولا تسمعوا ولا تهتموا للترهات .


4 - الانغلاق الفكري كنتيجة لتقديس الماضي
Yousef Rofa ( 2010 / 6 / 28 - 16:45 )
ولقد آتينا إبراهيم رشدَه من قبلُ وكنَّا به عالمين، إذ قال لأبيه وقومه: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ قالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين. قال: لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين. (الأنبياء، 51-54)
********************************************
المجتمع الإسلامي اليوم أشبه ما يكون بقوم إبراهيم الوارد ذكرُهم في الآية : قوم إبراهيم يعبدون تماثيل وأصنام، والمجتمع الإسلامي اليوم يعبد تماثيل من نصوص وأصنام من شخصيات الماضي! إذًا، بناءً على الآية السابقة ومن حيث المبدأ، فالمجتمع الإسلامي اليوم، أو( الإسلاموي)، كما يحبذ تسميته محمد أركون، يسير في طريق الضلال، كما ورد في القرآن


5 - الإسلام هو مُمزٌق المسلمين من حين بدْئِه
J Hayek ( 2010 / 6 / 29 - 16:26 )
نعم قرأت مشكلة هل ( القرأن مخلوق أم أزلي { غير مخلوق } )في كتاب إسمه
-- ضُحــــــــى الإســــــــلام--
سبب هذا الإختلاف إل قتل العديدين وبصورة وحشية أيضا
للأسف للآن المسلمون يتقاتلون ويكفٌرون بعضهم بعضا بسبب أمور دينية لإسلامية التناقد فيهاأصلا مثل
زواج القاصرات، مفاخذة الرضيعات، إرضاع الكبير ،
هل محمد أزلي قبْلَ آدم، هل كرٌم محمد المرأة أم أهانها،
هل الإسلام أصله وفصله يعتمد على القدماء والخرافات؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لهذا نطالب شيوخ الأزهر أن يضعوا المسلمين على
حافة الحقيقة ويوحدوا الأفكار بالقضاء على التناقضات القرآنية
التي هي سبب التناخر والذي لا يأتل يوم إلا ونسمع
قنابل إنتحارية في الجوامع لقتل المصلين الذين يُخالفونهم الرأي


6 - إزدواجية شخصية المسلم
الحكيم البابلي ( 2010 / 6 / 29 - 18:04 )
الزميل العزيز محمد
أكبر علامة فارقة في شخصية المسلم هي الإزدواجية
وسببها هو شخصية محمد ونصوصه وتعاليمه ، فهو يدعو إلى أشياء متناقضة ومتضاربة ويحاول مزج الزيت بالماء ، وهذا مستحيل
ومنه - كسيرة حسنة !!! - إنتقلت هذه الإزدواجية للشعوب المسلمة وبطريقة تلقائية ، فهم يحاولون أن يكونوا دائماً ( سيف الرحمة !!! ) وهذا عجيب إن لم يكن مُضحك
إزدواجية المسلم تُثير عجب العالم المتحضر !، إذ من الصعوبة على أي عاقل - ما عدى المسلم المُبرمج منذ الصغر - أن يفهم : كيف يمكن لمن كان يؤمن بالله أن يدعوا الناس لقتل الناس !!!؟ فالله في نظر ومفهوم الآخرين ... محبة
ولكن محمداً وحده إستطاع جمع النقيضين ، حيث كان له فيه مآرب أخرى
الإسلام أزمة إجتماعية تحمل عدة رؤوس ، وكل رأس يحاول أن يلدغك ، فهل هناك غير طريقة واحدة لحماية نفسك وعائلتك ومجتمعك منهُ !!؟
تحياتي


7 - شرّ البلية ما يُضحك
رعد الحافظ ( 2010 / 6 / 29 - 19:32 )
عزيزي الكاتب الجريء / محمد البدري
معظم المشايخ وما يسمون علماء الكلام في الإسلام يصح وصفهم بالمثل الشعبي / اللي ماعنده شغل......الخ
وصراعهم حول خلق القرآن أو أزليتهِ , قادهم كما أشياء أخرى عديدة الى تطير بعض الرقاب حيث كانوا يستتابون أولاً ومن يُصّر على فكرتهِ وهي عكس إعتقاد الخليفة تطير رقبتهِ
***
وأغلب الظنّ لو شاهدني أحد المشايخ أعمل الكيكة قبل مباراة إسبانيا والبرتغال لخرج علينا بالحديث التالي / من صنعَ كيكة ولم يغسل الأواني بعدها فالنار أولى بهِ وسيحشر مع كيكته ويكب على وجهه يوم القيامة مذموماً محسوراً وسيلعنهُ الله وملائكتهِ أجمعين ( طبعاً الملائكة بلا شخصية , شغلتهم بس يلعنوا الناس ) ,والله أعلم
***
تحياتي لكَ دوماً

اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع