الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقة: العلمانية ضرورية وليست كافية

عصام عبدالله

2010 / 6 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المطران جورج خضر رئيس مطرانية جبل لبنان للروم الأرثوذكس كان ضيفا علي فضائية " روسيا اليوم " في البرنامج الشهير ( حديث اليوم) ، صال وجال بعقلانيته المعهودة في الحديث عن التعايش والحوار بين الأديان وآفاق العولمة في مجتمعنا العربي ، كما أفاض في تأييده مسألة الزواج المدني ( الاختياري ) في لبنان .

يؤكد المطران خضر أن السبيل الوحيد لنتمكن من العيش مع بعضنا البعض في العالم العربي ، الذي يضم أكبر فسيفساء إثنية ودينية وعرقية وثقافية ، هو أن ننفتح وأن نتكاشف من أجل الوصول إلي حالة من الفهم المتبادل . وأن النظام العلماني يحافظ علي التعدّدية الروحية ويضمن دورها، مثل الإمبراطورية البيزنطية التي كانت علمانية ومدنية . فالإمبراطورية لم تكن ثيوقراطية ( دينية )، بل كان الحكم يساس بتناغم بين الدولة والدين . لم يحكم الإمبراطور الكنيسة ، ولم تحكم الكنيسة الإمبراطورية ، ناهيك عن أن أغلب نماذج الحكم السياسي الإسلامي التي حفظها لنا التاريخ نحت منحي مماثلاً .

خلاصة القول أنّ العلمانية كحكم مدني هي ( أحد الحلول ) التي يجب اعتمادها لحل مشكلة الطائفية في العالم العربي ، وللحفاظ علي التعدّدية الدينية والتناغم السليم بين ما هو ديني وما هو سياسي . لكن هذا الحل -برأيه - يبقي (حلاً خارجياً)، ضرورياً ولكنه غير كاف، لأنّ جذور المشكلة قابعة في (النفوس)، وهذا هو أهم ما طرحه المطران الفيلسوف ، برأينا . أولا : لأنه أكد أن العلمانية ليست ضد الدين ولا تملك تغيير الشرائع الدينية، لكنها تفصل الدين عن الدولة، لا أن تتدخل في شأن من شئون الدين. فالسلطة المدنية، عند الفيلسوف الإنجليزي "جون لوك" (1632 - 1704)، المؤسس الأول لحقوق الإنسان، لا ينبغي لها أن تفرض عقائد الإيمان بواسطة القانون المدني، سواء تعلق الأمر بالعقائد أو بالشرائع، ولا ينبغي علي الحاكم، كما يقول " في رسالة التسامح "، أن يتدخل إلا فيما يضمن السلام المدني، لأن الدين أمر يخص الفرد وحده، وهو علاقة شخصية بينه وبين الله، وللحق لم يكن الغرب مستعدا للاستماع للوك إلا بعد أن أنهك دينيا ومدنيا، ولا أدري كم سنحتاج من الوقت والجهد حتي نشعر بالإنهاك والانتهاك؟.

ثانيا : اعتراف المطران جورج خضر ( أبرز المؤسسين للحوار المسيحي الإسلامي في عالمنا العربي المعاصر ) بأن المشكلة ليست معرفية ثقافية فقط ، تتعلق بنقص المعلومات بين شركاء الوطن الواحد المختلفين دينيا ، أو الوعي بطبيعة هذا الاختلاف وكيفية التعامل معه من أجل الوصول إلي صيغة للتعايش معا، وإنما أقر بشجاعة بأن المشكلة هي بالأساس تكمن في وجود (معوقات نفسية ) تسكن منطقة اللاشعور ، تمنعنا - غالبا - من التخلص من أحمالنا الثقيلة وموروثاتنا المعوقة لهذا الانفتاح علي بعضنا البعض .

وحسب عالم النفس الفرنسي " بيير داكو " فإن الحوار العقلاني المنطقي لاينفع في هذه الحالة، لأنه يكون حوارا مع اللاشعور وهذه المنطقة لها لغتها الخاصة البعيدة عن الطرح العقلاني، وربما لهذا السبب ظل الحوار بين الأديان في معظمه ، محصورا داخل دائرة ضيقة جدا ولم يتعدها إلي الجماهير المستهدفة أساسا بهذا الحوار، لأنه يستعمل غالبا لغة العقل التي لايوجد بينها وبين اللاشعور أي حوار مشترك .

اللاشعور بحاجة إلي عملية تفكيك وتحليل ، والدفع إلي استبصار طبيعة معوقاتنا الذاتية ، وهو ما يتطلب تضافر جهود المتخصصين من علماء النفس والاجتماع وغيرهم ، وليس رجال الدين فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تفسير أخر
طلال شاكر ( 2010 / 6 / 29 - 23:16 )
تحية الى الكاتب اولاً في رأيي ان منطقة االلاشعور والعائق النفسي التي تحدث عنهما الكاتب هي محصلة وانعكاس لسياق اسمه اختلال توازن المصالح بين الطوائف الاثنيات والاديان و ذلك عندما يجري تسخيره لمصلحة طرف دون اخر تنشأ المعضلات وتتباعد الحلول في هذه النقطة يتولد الحاجز النفسي والذي يصبح اختراقه عصياً ومعالجته باهظة ومديدة وعندها يبقى الحوار العقلاني الخيار الاول والاخير ولايوجد في هذا العالم سوى الحوار العقلاني المتلازم بحس المسؤولية لكسر ثنائية الخوف والتعصب يتقدمه خطاب مسؤول لعلي أجده من اهم العوامل لكسر الحواجز النفسية ومنطقة اللاشعور الراكدة، فحين يشعر الاخر بأنك تعترف به وبمصالحة فأن بواعث كبيرة تتحول الى ارادة لتفكيك العقد... على اية حال اني اتفهم دوافع الكاتب عصام في جعل مثل هذه المواضيع الهامة لها اكثر من عنوان بمعنى واحد وهذا ماعرفت به الاستاذ عصام الذي اقدر دأبه المعرفي ومساهماته في نشر الثقافة السياسة بمنهج عميق ومرن تحياتي له

اخر الافلام

.. ألبوم -كهان الكاف -: قصائد صوفية باللهجة التونسية على أنغام


.. 71-An-Nisa




.. 75-An-Nisa


.. 78-An-Nisa




.. 79-An-Nisa