الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوانين نهايتها

علي شكشك

2010 / 6 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



في منتهى خزيها وفي عنفوان نبذها من بني البشر وفي سياق أقذع الاتهامات التي توجّه إليها من المجتمع الدولي ورايات الضمير الإنساني, فإنها تنكفئ على سوءتها وتتكاثر فيها, فما دامت العاصفةُ عاتيةً عليها والغضبُ جامحاً منها واللعنُ منصباً بلا هوادة عليها, فليكن هناك ما يستحقه كلُّ هذا, وليمرروا في غمرته أسوأ الذي يمررون, فهي فرصة تقيهم استيقاظ غضب آخر في زمان لاحق, فليكن الآن إذن ضريبة مبكرة لغضبٍ كونيٍّ مقيم, وليكن كلُّ هذا التحدّي في القدس والإبعاد والهدم والمصادرة والاستيطان والتهويد, ليكن كلُّ هذا الجنون, وليعلنوا الآن عن نقاء الدولة واستئصال الفلسطينيين, فماذا سيزيد هذا من الغضب الماطر على رؤوسهم, وماذا يزيد السوادُ المضاف إلى المضاف إليه في سواد صفحتهم الآنية, هي إذن فرصتهم, وهو خزيٌ وسيمرّ, وفي قاع الخزي ظلامٌ لا يزيده مزيدٌ منه ظلاما,
وفي منتهى عزلتها تتشرنق على ذاتها, وتمارس تلقائية طقسها, الغيتو, كأنها تتحقق وتنتشي, وقد اعتادت على أن تنبذ نفسها, أو أن تستفزّ البشرية حتى تنبذها, لتمارس دونيتها وتصرخ به بمنتهى ابتزازها متلبساً في كلّ زمانٍ مصطلحاً يليق به, كأنما هو شبقها أن تتبدّى دونيتها عقدةً وأن تكشف عنها علانية في مشهد يتهم الآخرين بجرائم يرتكبها هو نفسه بحق ذاته وبحق الجوييم في آن, وفي مزيج تتماهى فيه الدونية الكاملة بالسادية الكاملة المترعة بالاستعلاء وجهاً آخر لاكتمال النقص والمهانة,
وهي في كلِّ هذا تواصل عادتها في اعتبار نفسها الجديرة بالحياة على الأرض ووراثتها, فتمارس منطقها على أساس أن لا منطق غيره, وأنّ التاريخ يبدأ من أجلها وينتهي من أجلها, وإن لم يستقم ذلك مع المنطق الكوني سيلجأون لتحميله على إرادة الخالق, وإن ظهر أنبياء يقولون غير ذلك سيصنعون إلهاً خاصاً بهم يُحمّلونه كلّ ما يريدون, ويُكيّفونه على هواهم, فقد اختار عِرْقَهم وحده, وجعلهم أبناءه وأحبّاءه, ومنحهم ما شاؤوا من الأرض, وسخر لهم باقي البشر عبيدا, وأباح لهم فيهم ما يريدون قتلاً وغصباً وتشريدا, وحلّل سرقتهم ولم ينه عن الزنا مع نسائهم, فهم الأصل الذي حوله تتأقلم الأشياء والأجناس, وعلى البشر أن يقبلوا بما يقذفونه إليهم من فتات, فالأشياء لهم إن أرادوها, ولهم ولنسلهم هذه الأرض, ومن لحظة انتهائهم يبدأ الحساب, فالتاريخ يبدأ من لحظة اقتحام السفينة, حيث من بعدها يبدأُ العدُّ, فمن يقاوم الجنديّ الذي احتلّ السفينة هو إرهابي وهو الذي يعتدي ويخدش السلام, والتاريخ يبدأ بعد احتلالهم لفلسطين بالنار والدمار والقتل والتزوير والتآمر, فمن يحاول مضايقتهم بعد ذلك فهو إرهابيٌّ معتدٍ أثيم, وهو كلَّ مرةٍ يبدأُ بعدهم, كأنهم خارجه, وكأنّ وجودهم وممارساتهم ورغباتهم هي الموازين القسط للبشرية, وما يخالفها هو الشذوذ عن الصراط والطريق القويم, ولهذا لا يجوز أن يكون هناك منطق آخر إلى جانبها, فلها قانونها الخاص ومنظومتها الخاصة التي يجب أن تسود على البشرية, أنهم هم الشريعة وغيرهم المروق, فلا لقرارات الأمم المتحدة, ولا لقرارات المنظمات الدولية, ولا لمحكمة لاهاي, أما أعضاء الفلسطينيين وباقي الأغيار فهي أمرٌ مستباح, ولا للعودة ولا للاجئين, ولا للجنة تحقيق في جنين ولا لمذبحة سفن الحرية ولا لأي لجنة تحقيق, فهم الوحيدون الجديرون بالتحقيق مع أنفسهم, بما أنهم هم المعيار بينما قيمة الآخرين تتحدّد بمدى التزامهم بنزوات بني إسرائيل, وعلى جميع الأجناس - كما قال البروتستانتي مارتن لوثر- أن تكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات مائدة أسيادها اليهود,
أمّا ما يبدو غير ذلك فهو مجرد تساوق مع العالم فيما لا يتعارض جوهرياً مع لبّ الرؤية, بل ومجاراة فيما يخدمها ويستثمر تناقضات البشر وشعاراته لنفس الهدف وفيما يُكرس الهيمنة الكاملة للرؤية التلمودية التي ما زالت تبتز دولاً كبيرة وتجعل جيوش المحافظين تنام على الألفية السعيدة يحلمون بعودة اليهود إلى أورشليم تمهيدا لدخولهم في المسيحية بعد نزول المسيح, الأمر الذي جعل مارتن لوثر يقول ما يقول, وتجعل الرئيس الأمريكي يدمّر بلاد الرافدين وهو متأكد من خلوها من أسلحة الدمار الشامل, فقط خدمة لـ {رؤى العهد القديم} بما أنها يأجوج ومأجوج,
في منتهى خزيها وحصارها تتمادى في خزيها وانكفائها على رؤيتها, تعلن أكثر عن ذاتها وتغرس نفسها فيما تخشى أن تفقده بحكم الغضب عليها, فتعلن عن نيتها استئنافَ الاستيطان, فتوقفُه يعني توقفَها, بما أنّه هو نفسها ومبررها وهواؤها الذي بدأت به, والذي هو ذاته يعني غرابتها ونشازها, بما أن المصطلح ذاته يعني أنّ ناتجَه مُستحدَثٌ وغريب, وهي تتمادى فيه لتوريط نفسها بما يُصعّبُ انزياحَها, وتستبق مصيرها بمحاولة تهويد القدس وتوحيدها وطرد الفلسطينيين حتى من داخل الخط الأوّل, هكذا تشدُّ وثاق الغيتو عليها, سائرة بغريزتها إلى الماسادا, ذلك من قوانين نهايتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟