الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة اعترافات على صدر ابنة توسيوس- الوثيقة الرابعة-

عبدالحق فيكري الكوش

2010 / 7 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ابنة توسيوس
كان سؤالك الثاني عن إمكانية نجاح قصة بين شقراء من عالم علوي، شقراء برغبة حارة في الحياة، من الشمال النبيل، و بين فتى عربي ضامر العضلات من عالم الأموات والمنبوذين والمهشمين والمهمشين والمقهورين، .؟
سؤالك يا ابنة زبد البحر مؤلم ومستفز وعميق ومؤثر ودقيق، لكنه سؤال مصيري وفضفاض، الشقراء أنت برموزه ودلالاته ومدلولاته، الحرية وحقوق الإنسان والرفاهية والتقدم وامتلاك المعرفة والديمقراطية، وهذا الضامر العضلات رمز التخلف والقهر والتهميش والتخلف حيث المرأة غنيمة وفريسة.
سؤال اعتصرني واعتصر فاكهة الألم المرة والهواجس الكئيبة في أعماقي، انه سؤال يجمع بين الفلسفة والأدب والفكر والسياسة..، لكنه سؤال لا يمكنه ان يهزمني، ولو كان في نفس الوقت يقلب مواجع العنصرية والكراهية داخلي ولوأنك تطرحين السؤال من حيث لا تدرين، إنها مفاهيم الغرب الماكر التي تتوارثينها في شكل حقن مسمومة لا تبرح أن تغادر ذهنيتك ولو في مساء رومانسي؟
لكن يمكن أن نختلف نحن جميع سكان الأرض ونلتقي عند نفس النهر الخالد"الحب"، و لا أعتقد ان أي شيء يمكنه أن يجمعنا غير هذا النهر، و لا أن نمتلك لغة موحدة غير لغة هذا الكائن الجميل، وكل ما يمكنه فعل ذلك لا بد ان تكون له علاقة ما بهذا النهر العظيم.
سأفسر لك يا ابنة توسيوس، أن هذا العالم مثلي ومثلك، كائن حي، فيه منطقة سوداء ومنطقة بيضاء ومنطقة رمادية تشبه لحظة الغروب، مثلنا تماما، انه صراع بين هذا الظلام وهذا النور الذي في أعماقنا، لكنه يتحول الى إيديولوجيا وعقيدة يجتهد فلاسفتكم ومفكروكم وعلمائكم في تحويلها الى سكاكين وخناجر لطعننا وتسميمنا وإذلالنا وقهرنا واستعبادنا ، والى معرفة ماكرة ودسمة لا تخلو من توظيف ايدلوجي مقنع !
سأفسر لك أن هذا العالم انقسم الى شعوب وأمم و دول بناء على مفهوم العنف والمصلحة والحقد، و لم تتآلف طبقاته الا بعد أن ألفت بينها المصالح ولو كانت الغايات فاضلة و نبيلة. وقد ساهم الأجداد في الشمال والجنوب منذ العهد السحيق في ترسيم هذا العالم وحدوده من منطلقات العنف والقهر والمكر والدسيسة وغيرها ، كل ساهم فيه- الخاضعون برغبتهم أو بغير رغبتهم، أو الذين مارسوا القوة بنوايا سيئة أو طيبة، فاضلة أو قبيحة..
إنها الأحقاد والطمع والأنانية والمصلحة والقوة والغلبة والمكر والعنف وغريزة حب التملك والسيطرة.. هي التي أنتجت آخر صيحات المكر البشري الذي نسميه علما، كالاستنساخ وتعديل الخريطة الجينية، وهي التي كانت وراء تكور هاته المجتمعات، ولو كانت الفضيلة هي الدافع نحو هذا التحرك، هاته المفاهيم هي التي أنشئت عالمنا هذا بخريطته العنصرية وخريطته الفاضلة والجميلة ونظيرتها القبيحة، ورسمت غربه وشرقه، جنوبه و شماله ...
لقد تأسس العالم يا ابنة توسيوس على مفهوم الخطيئة والخطأ، الغواية حيث حواء أو الخطيئة التي تسببت في الهبوط الجماعي الاضطراري الى الأرض، لهاته السلالات الماكرة الى الأرض لتسقط ضحية هاته الغواية الى الأبد، و الخطأ في الرجل قابيل الذي قتل أخاه هابيل !
هذا العالم يذهب في صراعه بين الأبدي ضحية غواية مؤنثة وقتل مذكر، انظري لهذا العالم كم يستعبد النساء من خلال غوايتهم بالحقوق التي لا يتورع عن هضمها، و انظري لهذا القتل الجماعي في أفغانستان والعراق وفلسطين، ولكنه قتل مبرر لا يتورع العقل الغربي الماكر في تبرير جريمة قتلهم جماعة وشرعنة القتل من خلال توظيف المنطقة الرمادية واستغلال هذا الخيط الرفيع للتزحلق على مفهوم الحق في الحياة و الحق في التطور لما لا الحق في اقتسام المكر المسمى علما ومعرفة !
لم تنتج هاته المجتمعات عن فضيلة ولكن نشأت عن خطأ وخطيئة لهما إله يسمى القبح أو الشر،تلاحقهما شرطية تسمى الفضيلة وشرطي يسمى الإصلاح، لهما إله يسمى الجمال أو الخير...
إن هذا العالم صراع قطط وفئران، وحشية وإنسانية، حب وكراهية، وحقد وأريحية، وخيانة ووفاء، إنه صراع متضادات، لا يخلو من تسلية واضحاك..
انك تلمحين من سؤالك من حيث لا تدرين الى الهوية والى سؤال أكثر مكرا، غادر ذهنية الأكاديمي الغربي الغاية في المكر والأكثر توغلا في دهاليز المكر، صراع الحضارات؟
أجيبك أنه لا توجد حضارة معينة، حتى يوجد صراع حضارات، وأن هذا الركام مما نشاهده هو ثمرة مكرنا التاريخي الجماعي، وكل جماعة له صنم تطوف حوله تسميه حضارة، ومنذ متى وجد شمال وجنوب في كرة مستديرة تدور حول نفسها؟
تلك مفاهيم نسبية، ويمكن للكرة الأرضية أن تقلب فجأة وتنوم هاته الكائنات الماكرة مغناطيسيا، ويحدث العكس؟
الصراع بين الشمال و الجنوب و بين الحضارات صراع افتراضي بين كائنات تطور مكرها ونظيرتها التي لم تتطور بفعل المكر الهائل الذي امتلكته جماعة بفعل قدرتها على ترويض عقلها لخدمة أهدافها الإستراتيجية الماكرة؟
ألم يسرق الغرب مكرنا ومكر افريقيا، ألم ينهبهما نهبا لا قبل لجماعات الحيوانات مجتمعة به؟ نهب تعدد حجج تبريره، وحجج شرعنته، و اخترع الغرب الماكر من الحقائق مما لا نستطيع تصديقه في تبرير هذا النهب، الذي شمله أرضا وحقوقا مدنية وحقوقا طبيعية، لقد اغتصب الغرب كل شيئ من افريقيا الشجر والانسان والطبيعة والتاريخ والحقيقة، ولكنها اغتصاب مقبول من وجهة نظره الاكرة؟
هل النهب والقتل والسبي والاضطهاد والاستعباد صراع حضارات؟ هل المؤامرات و الدسائس و القروض و تصدير الأسلحة او الشر الى افريقيا و الى كل المجموعات المسلحة، صراعات حضارات؟ هل التلوث الذي انتجه الغرب صراع حضارات؟
هذا العالم سممه الغرب بالمفاهيم والمصطلحات الأكاديمية مثلما سممه ولوثه طبيعيا وسممه تاريخيا، مثلما سمم مبادئه وقيمه، مثلما سيستمر في لعبة التسميم الرومانية القديمة، أي دس السم في كوب القهوة والمعرفة والفكر ... ؤ لكن نحن لا نمتلك من الايديلوجيات غير النوايا الطيبة، ولا نملك من وسائل المقاومة غير هذا التشتت الى حين، لم نعد قادرين على مسايرة مكر الغرب الذي يريد امتلاك كل شيء، بما فيها حقنا الطبيعي في الحياة الكريمة والسوية؟
هذا العالم كلما تحالفت قواه الماكرة التي تمتلك المكر العظيم"العلم"، كلما تمكنت من رسم خريطة للصراعات ونقلها الى المختبرات الأكاديمية وتغذيتها و تجريبها فينا نحن فيما بعد، بعد ان تحولنا الى مختبرات لتجريب المكر الغربي فينا، وإطلاق اسم ومسميات عليها، أي فكر المقاولة ورجل الاقتصاد من خلال تعليبه المنتوج وتسويقه..
لا يختلف صراع الحضارات عن المشروب الغازي كوكاكولا، وكل بدن وعقل مرغمين على شرب هذين المشروبين..
إن كل هاته الصراعات، هي صراعات بين البشر، صراعات طبيعية، هي سلسلة لا متناهية ولا نهائية، بدأت بين الاخوة و تطورت بين أبناء العمومة، ثم تعفنت مع ظهور جماعات متباعدة، وبين مجموعات ماكرة تحركها غرائز المصلحة وحب الامتلاك و السيطرة، وتوظف في هاته الصراعات مسودات سماوية يستخرج منها المكر لتمرير المكر وتبريره، وهاته المسودات لم تفسر ولكن نزلت في شكل صيغ جاهزة قابلة لجميع أنواع الفهم و التأويل !
يمكنك مشاهدة هذا الصراع عند فصيلة من الحشرات من النمل الأبيض الذي يقوم بنفس الفعل الذي يقوم به الإنسان الأبيض فيقوم بمهاجمة النمل الأسود و سرقة مدخراته وقرصنة نسائه، والإنسان لم يخرج من توظيف مكر الطبيعة في صراعه وتنزيل ما هو موجود في الطبيعة على ما ينتجه عقله الماكر..
بمجرد ظهور أول إنسان أسود، قامت الجماعة البيضاء باختراع الإيديولوجيات وإيجاد الحجة الشرعية في استعباده و تجريده من كل الحقوق، ثم قامت بتطويقه و تسخيره وفق أجندتها الماكرة، لخدمتها، في مقابل أن تنعم بحق الراحة والرفاهية الى درجة استعباده واعتباره لعنة يجب توظيفها لصالح الإنسان الأبيض النبيل رمز النور والنقاء..
لم يكن دافع هذا الفعل الشنيع دافعا حضاريا كما توهمه همنجواي ولكنه دافع ماكر لتبرير وشرعنة استعباد الضعفاء والجماعات المعزولة والتي لا تمتلك وسائل المقاومة..
أختم بقولي: أن الصراع في عالمنا هو صراع اخوة لهم ألوان مختلفة وأفكار مختلفة ومصالح مختلفة، وكل يحاول اغتنام أول فرصة للنيل من أخيه، بقتله أو امتلاك ما بحوزته، هذا هو الصراع الحقيقي ولا يوجد غيره !
و الى اعتراف خامس..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال