الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..

حامد حمودي عباس

2010 / 7 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


أن يخرب بلد ما ، بفعل فاعل ، فهذا ممكن ، خاصة في عالم كعالمنا الموصوف دائما بحبه الى درجة العشق لملامح التخريب .. أن تندرس البنى التحتية لبلد ما ، بفعل فاعل ، وتموت احياؤه وتتهدم مبانيه ، وتتقطع أوصاله إربا إربا ، فهذا ممكن جدا ، بل وسهل في عالم كعالمنا التواق دائما لحرق جسده عند كل مرة يريد لذلك الجسد ان يكتوي بنار العدم .
ولكن .. أن تصل الامور ببلد ما ، الى الحد الذي يجعله حائر في كيفية كتابة تاريخه ، فهذا ما لا يمكن تصوره .
ترى .. من الذي سرق تاريخ العراق ، وجعل من قصة حياته ويوم مولده عرضة للخراب ، حتى بات اليوم حائر في اعلان انتسابه وتفاصيل نشأته الاولى ؟؟ ..
ثم .. وهذا هو الاكثر مدعاة للحيره .. من الذي أوعز باعادة كتابة تاريخ العراق وتحت رعاية اليونسكو ، وكأنه بلد استطاعت احدى الحملات الاستكشافية المتمدنه ، العثور على حفرياته وبقايا شعبه ، في اعماق ادغال افريقيا المجهوله ؟ .
هكذا يقولون .. فقد انتشرت مؤخرا ، انباء تحكي فصول مصيبة جديدة تضاف الى مصائب العراقيين ، مفادها بأن اللجان المكلفة باعادة صياغة كتب التاريخ ضمن المناهج التعليمية ، باتت تواجه صعوبات جمة ، تعرقل سيرها في اعداد تلك المناهج .. وتتضح تلك الصعوبات ، كما يقول اصحاب القرار بهذا الشأن ، في كيفية صياغة كتب التربية الاسلامية المقررة في المدارس والمعاهد والجامعات في العراق .. فعلى سبيل المثال ، الصلاة ، كما يقول نائب مدير المناهج بوزارة التعليم العراقيه ( الطائفة الشيعية يتركون ايديهم مستقيمه أثناء الصلاة ، بينما يعقدها أتباع الطائفة السنية ، فأية طريقة نعتمد ؟ ) ..
فهل من حال أسوء من هذه الحال ؟ .. أيمكن أن يضاع السبيل لبناء ذاكرة أجيال شعب من الشعوب ، بسبب الاختلاف في استقامة أو عقد الايدي عند إقامة الصلاة ؟
إنني لا أدرك حقا ، كيف يمكن لبشر سوي الذهن ، تتملكه حسن النوايا في إظهار حبه لدينه قبل ان يظهر حبه لبلده ، وهو يقرر ويقر في آن ، أن مسيرة التاريخ يجب ان تقطع سلاسلها المتواصلة بسبب اختلاف طائفتين مذهبيتين في تفسير وقفة تعبد .
ولا أدرك ، ولن ادرك ، كيف يمكن لمن يدعي توازن في التفكير ، أن يجرؤ في زمن باتت فيه أمم الارض المتمدنه ، لا تتوقف عند فصول ماضيها ، بقدر توقفها أمام حاضرها ومستقبلها ، كيف يمكن لذلك المتوازن عقلا وجسدا ، أن يجرؤ على محاكاة طائفتين مذهبيتين حين تختلفان في طريقة الصلاة ، ليقرر على أساس هذا الاختلاف ، طريقة واساليب التعليم في بلد يحمل اسما ، ويمتلك سفارات وله علم وجيوش .
لا أعرف سببا منطقيا لذلك التعمد في سلوك سبيل اللامبالاة ، من قبل المنظمات التابعه للامم المتحده ، متمثلة بمنظمة اليونسكو ، حيال ما عانته مناهج العراق التعليمية وعلى امتداد تاريخ لم يكن بالقصير .. فلقد انهالت ابتداء من عملية السطو على مكتسبات الشعب العراقي بانقلاب عام 1963، معاول الهدم ، لتطال كل صروح البناء التربوي وعلى اختلاف مستوايته ، وباتجاهات اريد لها أن تخدم أهداف الحكومات المتعاقبة ورموزها وأدعياء الوطنية فيها ، ورغم ذلك لم تتحرك تلك المنظمات باتجاه تحجيم عمليات التزوير المشينه ، سواء في الكتب التعليمية ، أم في إفرازات الحقب التاريخية من آثار وتماثيل ومساحات شاسعة لابراز الموروث الحضاري الغني لشعب العراق ، منذ أقدم العصور ولحد الان .
حتى ظهرت مؤخرا ، وعلى طريق ترابط حلقات سلسلة الاستهانة بمقدرات الشعب العراقي جملة وتفصيلا ، عمليات فريدة من نوعها ، تدعو الى نسف كامل ما تبقى من خزين الذاكرة العراقية ، والبدء بإفراز تشكيلة جديدة ، تتسم بكونها عبارة عن وليد هجين ، لمعتقدات لا تمت للواقع المعاش بصلة ، عدا عن كونها مجرد أوهام عافتها الشعوب المتحضره منذ زمن بعيد .. فأية حال اردى من حال يقف المعنيون بالواقع التربوي خلاله في حيرة من أمرهم ، قبل ان يقرروا بماذا يهتدون في كتابة تاريخ البلاد ، هل على أساس ما يقوله السنة في صلاتهم ، أم على ما يقوله الشيعه ؟ ..
إنني لا أجد حرجا ، أمام هذه الصورة ، ذات الالون البالغة العتمه ، في أن أطالب بتفعيل المادة القانونية التي تقضي بحجز ولي الامر، حينما يبلغ من العجز في التفكير وعدم القدرة على اتخاذ القرار ، لتشمل اولئك الذين اوكلت اليهم مهمة التعامل مع الذهن التربوي العراقي ، وعزلهم وإعادة النظر في أهليتهم لتولي هذه المسؤولية البالغة الخطوره .. وإلا فإن الاجيال القادمه ، ستبقى ، ولزمن غير معلوم ، في ضياع تام وسط غابة مظلمة من مجاهيل الفكر السلفي والعقائدي ، المستند على أصول مذهبية من صنع خيال المتنفذين من رجال الدين وأعوانهم ومريديهم . وحينها سوف تتراجع وبشدة ، كافة المفاهيم المدنية المتبقية لدى شعبنا ، والتي أصبحت الان ، أكثر من أي وقت مضى ، مهددة بالاندثار حيث يصعب بعثها من جديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خرفان وذئاب
الحكيم البابلي ( 2010 / 7 / 1 - 21:31 )
عزيزي حامد
أحاول مؤخراً أن أغسل يدي وأنسى وأنام ، فالميت لا يُساوي كل هذا البكاء ، ورجال الدين الذين تتكلم عنهم لا يستطيعون أن يحلوا ( رجل دجاجة ) بدون الشعب نفسه الذي يقبل بدجلهم ويتشرف بنجاساتهم ، وتذكر صاحبي : بلا خرفان سينتهي دور الذئب
تحياتي


2 - ثيوقراطية عفنة
عبد الحسين سلمان ( 2010 / 7 / 2 - 08:03 )
الاصدقاء حامد والبابلي
تحية
يبدوا ان الامور وصلت في العراق الى الدرك الاسفل, نحن اما حكومة ثيوقراطية , بل وثيوقراطية عفنة , وهذا ما تم التخطيط له في جامعتي ييل وقم سيئتا الصيت


3 - الى الحكيم البابلي
حامد حمودي عباس ( 2010 / 7 / 2 - 09:45 )
لك كل الحق ياصديقي ان تغسل يديك وبالصابون الحلبي الاصلي .. ولكن ما الحيله ؟ .. فاننا ورغما عنا لا زلنا نحمل في ثنايانا هوية وطن .. وليس بوسعنا ان نسكت عن جريمة سرقته وبهذه الطريقة الفجه .. اشكر لك متابعتك المستمرة لما اكتب ، ولتدم صداقتنا


4 - الاخ جاسم الزيرجاوي
حامد حمودي عباس ( 2010 / 7 / 2 - 09:51 )
إنها وصلت فعلا الى ذلك الدرك ، ويكفينا ان شعبا بكامله لا زال يحيا على أمل أن يظهر مخلصه من تحت اعماق البحار ، وعلى طريقة ابطال افلام الكارتون ، ليعيد له حقوقه في ان يحيا معافى كبقية شعوب الارض .. شكرا لك مع خالص الود


5 - الخسائر القادمة
حسن مشكور ( 2010 / 7 / 2 - 19:53 )
لاشك اصبح للسلطةة الدينية في العراق دور كبير وخاصة انها تدير نظام الحكم وهي بهذا تسعى الى توظيف المنهاج التربوي لخدمة مصالحها مستفيدة من الارث الديني في البنية الاجتماعية في محاولة جعل التربية تعمل في بناء نظام اجتماعي يلبي مصالحها السياسية
في الكثير من الدول المتحضرة لايوجد منهاج للتربية الدينية او الوطنية كما هو معمول به في العراق والخطورة تكمن في نمط التربية المعتمد في المدارسالعراقية بكون الممارسات السياسية الحالية والتي يراد جعلها مفاهيم وسلوكيات تتفرض على المنهاج التربوي والتي سوف يحملها الجيل الجديد الى النظام السياسي المستقبلي فالتربية الفاسدة ستكون ضمان لديمومة نظام سياسي فاسد وفاشل يخلق حالة التردي واعاقة امام لحاق البلاد بالركب الحضاري المخيف هو عملية المسخ للمناهج التي كانت تحمل البعد العلماني والحضاري
التربية لاتعني المنهاج فقط وانما طرق التدريس والمعلم وكذلك الفعاليات المدرسية الاخرى والناظر الى المنهاج التي يجري استبدالها هي دائما المرتبطة بالسياسة تاريخ /جغرافية / التربية الوطنية والتربية الدينية وهذا قائم منذ انقلاب14 تموز 1958
لكن المصيبة اكبر في ظل النظام الحالي


6 - العراق المبتلي بشعبه الأهوج
الحكيم البابلي ( 2010 / 7 / 3 - 06:07 )
الأخوة حامد حمودي عباس وجاسم الزيرجاوي
حتى القنبية الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناكازاكي ، وعشرة أخرى مثلها ، لا يمكنها أن تحدث تدميراً كالذي أحدثته الأديان المُضحكة السفيهة في الأوطان وخاصةً الوطن العراقي الذي إبتلى بها
والذي يضيرني أكثر هو تجاوب الشعب مع هذه الخزعبلات والغيبيات والمعميات والقزرقطات !!!! فهنا ترى معمم يجلس في منبره ويقول للناس بأن طائرة للحجاج كانت على وشك السقوط لأن في محركها قطع غيار تالفة ، ويعمد الركاب للصلاة للمهدي السوبرمان ، وقبل تحطمها وإرتطامها بالأرض ، يقوم المهدي بتبديل قطع الغيار في الجو ، وينجو الحجاج ، ويصرخ كل من كان يسمع هذا الخريط من أبو عمامة : الله أكبر ، الله مصلي على سوبرمان وبات مان
وفي خبر آخر تسمع أن ثلاثة ملايين ( مؤمن ) مشوا لمدة أيام من ولاياتهم الى مرقد الحسين !!! ولا أعرف هل كانوا سيمشون ألى راس الشارع من أجل الوطن العراقي أم لا ؟
قبل أيام سمعت من أحد أصدقائي في بغداد ، بأن الشخص الذي نظمنا أيام زمان في الحزب الشيوعي العراقي ، وكان قدوتنا في كل شيئ ، قد إنتمى مؤخراً لحركة الأخوان المسلمين
الطم لو أشك هدومي لو أسكت وأكل تبن !!!؟


7 - الأعزاء حامد والبابلي
صديق ( 2010 / 7 / 3 - 12:43 )
بصفتي أعيش في العراق فإنني أثمن غالياً مقالة أخي حامد وكذلك تعليقات العزيز البابلي. لا نستطيع أن نأكل تبن ولا أن نسلم بالواقع حتى لو متنا في سبيل ذلك. يقول أحد الفلاسفة ( إنني مثل فأر سد مأرب يهمني أن أقرض هذا السد بأظفاري حتى يحدث الفيضان ويخرج زرع جديد ). يجب أن نتعرض لكافة مسلماتهم ونعمل على هزها وخلخلتها بعنف دون أن نصاب بكلل أو ملل، لأن بوادر الثورة الثقافية ماثلة للعيان وما هي إلا سنوات قليلة وسوف نشاهد مئات حامد والبابلي. العراق شعب عظيم ولن يسلم للجهلاء والحمقى مهما بدت قوتهم وكثرة أعدادهم.
جزيل الشكر لكما.

اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء