الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوحد ذلك المرض الغامض

نجلاء صبرى

2010 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التوحد هذا المرض المُحيّر.. ليس مرضًا وراثيًا فقط كما أشيع عنه مؤخرًا، وإنما هو أيضًا حالة إعاقة نتيجة قصور وتوقف نمو القدرة على التواصل والإدراك الحسي واللغة والتعلم مما ينتج عنه انعدام القدرة على التفاعل الاجتماعي فيتقوقع الطفل داخل نفسه عازفًا عن الكون من حوله.

وإن بحثنا بدقة نجد أن للتوحد طيفًا واسعًا من الأعراض والتي تجعله غير مميز أحيانًا، خاصة عند الأطفال ذوي الإصابة الخفيفة، أو عندما تكون الإصابة مقنَّعةً بمرض أشد إعاقة، فنجد الأوساط الطبية تتفق على تسمية اضطراب الأوتيزم Autistic disorder باعتباره متلازمة سلوكية تظهر لدى بعض الأطفال في الثلاثين شهرًا الأولى من حياتهم بـ"التوحد". وقد كانت أول إشارة إلى مرض التوحد "الذاتوية" من قبل الطبيب الأمريكي كانر عام 1943، حيث لاحظ أنماطًا سلوكية غير عادية لأطفال كانوا مصنفين على أنهم متخلفين عقليًا، فقد كان سلوكهم يتميز باستغراقهم المستمر في انغلاق كامل على الذات، والتفكير المتميز بالاجترار الذي تحكمه الذات أو حاجات النفس وتبعدهم عن الواقعية، ولا يتجاوبون مع أي مثير بيئي كما لو أن حواسهم الخمسة قد توقفت عن توصيل أي من المثيرات الخارجية، بحيث يصبح هناك استحالة لتكوين علاقة مع الأفراد المحيطين. فالتوحديون لديهم نزعة للانسحاب والانطوائية والبرود والجمود العاطفي والانفعالي.

وقد وجدت أحدث الدراسات أن التوحد يشيع بين الذكور أكثر من الإناث بنسبة 4 إلى 1 من بين كل 500 حالة إعاقة، وكنتيجة للتطور الكبير في التشخيص الطبي والإكلينيكي فقد وجد أن التوحد يتواجد بنسبة 50 حالة إصابة تقريبًا لكل 10.000 حالة ولادة "ذكور وإناث".

والتوحد ليس مرضًا سهل التشخيص بل يستدعي الكثير من الاختبارات قبل أن نطلق لفظ التوحد على الطفل نتيجة لتداخله مع الكثير من الإعاقات، بل أن العلم كل يوم يأتي بالجديد في هذا المضمار على وجه الخصوص.


ويتميز الطفل المصاب بالتوحد بثلاث صفات مميزة وهي: صعوبة التعامل الاجتماعي، ومشاكل في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وتكرار التصرفات بصفة متواترة وتكرارية مع بعض الاهتمامات الضيقة ذات الطابع الهوسي، وقد لا يتجاوب الأطفال ردًا على مناداتهم بأسمائهم ويتفادون التواصل البصري. كما يجدون صعوبة في فهم أفكار الآخرين ومشاعرهم لأنهم لا يستطيعون تفسير الأدلة الاجتماعية كالصوت أو التعابير الوجهية، ولا يتابعون وجوه الأشخاص، ويفتقدون الحس بمشاعر الآخرين.

يقوم العديد من الأطفال المتوحدين بحركات تكرارية كالاهتزاز والدوران ثم العودة من غير هدف، أو سلوك الأذى الذاتي مثل عض اليد أو طرق الرأس بالجدار، كما يميلون للتحدث بشكل متأخر أكثر من غيرهم، ويميلون لتسمية أنفسهم بدل استخدام الضمير "أنا". وهم لا يلعبون مع الآخرين بشكل تفاعلي، بل يميلون لاستخدامهم كأشياء بدل التعامل معهم كأشخاص.

لدى العديد من الأطفال نقص في الإحساس بالألم، ولكن قد يكون لديهم فرط تحسس للأصوات أو اللمس أوالمثيرات الحسية الأخرى. قد تسهم هذه الاستجابات الشاذة في رد فعل الطفل السلبي على الحضن والعناق.


التوحد متلازمة معقدة، لذا وجب وجود لجنة من أطباء العصبية والنفسية وأخصائيي الكلام وأخصائيين آخرين للاجتماع بالأهل بعد التشخيص للإجابة عن استفساراتهم وتقييمهم. ولكن كيف يتمكن الوالدان من التعرف مبكرًا على أعراض التوحد؟

علينا أولاً إدراك أنه كما لا يوجد شخصان يتشابهان في بصمة الإصبع؛ فلا يوجد طفلان متشابهان تمامًا في الأعراض، ولكن هنالك بعض الصفات التي يلاحظها الأهل على الطفل مبكرًا مثل الهدوء الزائد وعدم الاهتمام بالأم فلا يشعر بحضورها ولا غيابها ولا يتأثر له، مع تلافى التقاء العيون بأي شخص كان حتى أنه لا يتتبع الأجسام المتحركة بعينيه، وقد يخلد إلى سبات عميق وهو نائم على ظهره بدون أن تبدر منه أي حركة على الإطلاق، مع صراخه غير المعلوم السبب والذي يكون بلا انقطاع وكأنه في حاله هيستيرية. ثم في المراحل المتقدمة نلاحظ تدهور في قدرة الطفل اللفظية فيتوقف نمو اللغة أو يقصر مع عدم القدرة على التعبير اللفظي والتعبير عن الذات واستغراق تام في اللعب الفردي والتشبث بروتين يومي مقاومًا أي تغيير فيه ويثور إذا تم التغيير، كما أن كلماته تتسم بالغموض برغم قوة ذاكرته والتي تجعله يكرر الجمل أو الكلمات التي سمعها منذ فترة طويلة بدون أي داعي منطقي لهذا التكرار، كما أنه لا يستوعب معنى الخطر. ومع التدريب نجده قادرًا على التواصل مع الآخرين بعض الشيء ولكن يظل الغموض محيطًا بكلماته، فهو غير قادر على النطق السليم مما يجعل فهمه يعد صعبًا جدًا، والطفل المتوحد قد يوافقك على السؤال والكلام ولكن ليس بكلمة نعم وإنما بتكرار نفس الجملة أو السؤال الذي وجهته إليه.


- أسباب التوحد:

أما عن أسباب التوحد فهي تعد غامضة للدارسين فما بالك بالمتلقي العادي والآباء والأمهات، فالعديد من الأبحاث أكدت وجود خلل وظيفي في المخ ناتج عن أسباب جينية وراثية، وتوجد عدة نظريات متخصصة تفسر سبب التوحد، وهي كالتالي:

1. فرط المورفينات والببتيدات

2. الغلوتين / كازين وعلاقتهما بالداء البطني celiac disease

3. نقص الكبريت الحر

4. المناعة الذاتية

5. نظرية اللقاح الثلاثي

6. نظرية الوراثة

أما عن الأسباب الشائعة والتي يمكن للمتلقي غير المتخصص استيعابها فهي كالتالي:

"بعض الأمراض التي تُصاب بها الأم وفى مقدمتها الحصبة الألمانية والإصابات ببعض الأمراض الفيروسية أو إصابة مخ الطفل أثناء الولادة نتيجة لضغط المهبل عليه أثناء خروجه لكبر حجم الرأس، كما وُجد أن المريض بالتوحد يكون لديه استعداد جيني يتزايد مع تواتر الحياة بظروفها وانشغال الوالدين، فالوحدة وقضاء الوقت طويلاً أمام التلفاز كفيلان بعدم ملاحظة الطفل من البداية وتشخيص ما إذا كان ما يمر به عبارة عن توحد أو تأخر في نمو المهارات الاجتماعية. كما وجد في دراسة حديثة أن الكيماويات التي ترش على النباتات كفيلة بإصابة الأطفال حديثي الولادة بالتوحد، حيث وجدت دراسة حديثة علاقة بين المبيدات الحشرية التي ترش في الحقول للقضاء على الآفات الزراعية والتوحد الذي يعاني منه بعض الأطفال في الولايات المتحدة. وقد أشار الباحثين أن الأطفال الذين يعيشون قرب حقول ترش فيها هذه المبيدات يصابون بالتوحد بدرجة أكبر من نظرائهم الذين يعيشون في أماكن أخرى، وتعتبر تلك الدراسة هي الأولى من نوعها وقد وصف العلماء نتيجتها بأنها مثيرة للاهتمام لكنهم دعوا لإجراء المزيد من الأبحاث بشأنها، فقد وُجد أن طفلاً من بين مئة يعاني من التوحد في الولايات المتحدة وتلك النسبة متضاعفة منذ آخر دراسة أجريت عام 2003 والتي كانت تقول إن الإصابة كانت تقدر بطفل واحد لكل 150 وهو ما يلفت نظرنا إلى أن التوحد يعد تحديًا كبيرًا للصحة العامة. وفى مسح قامت به الولايات المتحدة عام 2007 وجدت تزايدًا في نسبة الأطفال المصابين بما يسمى أحد أعراض طيف التوحد، وأرجعت ذلك ربما لزيادة الوعي بهذا المرض فتم الكشف عنه. وقد وجد أن70% من حالات التوحد لديهم تأخر عقلي يصنف بأنه إعاقة ذهنية، بينما تترافق نوبات الصرع مع 30% من المصابين.


- علاج التوحد :

لا يوجد علاج واضح للتوحد، فكل العلاجات الموجودة تستهدف أعراضًا محددة، وتنتج تحسنًا جيدًا للحالة. وأفضل العلاجات هي التي تستهدف المشكلة المركزية في مرض التوحد (ضعف التواصل الاجتماعي ومشاكل في التواصل الكلامي والجسدي والاهتمامات الروتينية والهوسية). معظم الخبراء يجمعون بين الطرق المختلفة والتي تقسم عمليًا إلى:

* التدخلات السلوكية والتعليمية: يستخدم الخبراء جلسات مركزة تستهدف تعلم المهارات لمساعدة الأطفال على اكتساب المهارات الاجتماعية واللغوية. تساعد جلسات التثقيف للأهل والإخوة على الاندماج في بعض التغيرات التي تحدث عند وجود طفل توحدي.

* العلاج الدوائي: يصف الأطباء عادة الأدوية المضادة للاكتئاب للسيطرة على أعراض الهياج والاكتئاب واضطراب الوسواس القهري. تستخدم مضادات الذهان في علاج الاضطرابات السلوكية الحادة. يمكن علاج نوبات الاختلاج بواحد أو أكثر من مضادات الاختلاج. تستخدم الأدوية المنبهة أحيانًا في علاج اضطراب الانتباه وفرط النشاط.

* علاجات أخرى: توجد العديد من العلاجات التي يثار حولها جدل كبير من ناحية الفائدة والتقييم وقليل منها يتم دعمه بدراسات جدية. لذا يجب توخي الحذر قبل اعتماد أحدها. تتطلب بعض العلاجات استخدام المتممات الغذائية مثل vitB12 و vitB6 وبعض المضادات الحيوية وهرمون السكريتين.

نجلاء صبري

أخصائية نفسية / مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هايل
محمود سامى قنيبر ( 2010 / 7 / 4 - 03:55 )
هايل يا دكتوره ,, انا محمود طبيب تكليف ومهتم بالسيكولوجى ,,انا شايف انك متابعه كويس وان موضوعك مهم ومبسط اتمنى التواصل اكتر ده ايميلى [email protected]

اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا