الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنونيات !

عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري

(Adel Attia)

2010 / 7 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


شاهدت شاباً قالوا عنه أنه مجنون ، يهيم في الطرقات ، ويتكلم وكأنه مذيع ربط يعلن عن برنامج إذاعي ديني !
وشاهدت رجلاً قالوا عنه أنه مجنون ، يقف في أحد الميادين ، ويتحدث كزعيم وطني يطالب بالعدالة ، والمساواة ، والحرية !
وشاهدت امرأة قالوا عنها انها مجنونة ، تجلس على كرسي في مقهى باحدى محطات السكك الحديدية ، تتمتم من آن لآخر بجملة واحدة : "احنا ولايا ..احنا الولايات المتحدة الامريكية" !
عندما شاهدت هؤلاء الذين قيل عنهم انهم مجانين ، ورأيت معقوليات جنونهم ، ادركت لأول مرة ، ان الجنون ليس في ذهاب العقل ، انما في ذهاب الحدود التي تحيط كالأم الرؤوم بالعقل ، مثل : القانون ، والعادات والتقاليد.
لعل بعضنا ما زال يتذكر ذلك الرئيس ، الذي كان يردد دائماً قبل أن يغيّبه الاغتيال ، أنه : "رئيس مسلم لدولة مسلمة" ، فخرج عقله من اطار التاريخ والمنطق إلى رحـاب التعظّم المريض ، والعنصرية البغيضة !
ولا ننسى ما قالته استاذة جامعية عن نظرية : "الاقل ديناً ، والدين الأفضل"، وكأن هناك ما هو سماوي رديء ، وما هو سماوي آخر رائع !
كما لا ننسى ما قاله أحد القضاة في ساحة العدالة : "من يدخل المسيحية يعلو درجة ، ومن يدخل الاسلام يعلو درجتين" ، وكأن هناك إلهيّ درجة أولى ، وإلهيّ درجة ثانية !
وكما أن هناك مجانين يصنعون الجحيم لغيرهم ، هناك جنونيات رجال عقلاء ، يصنعون الجحيم لأنفسهم ؛ لنعيش نحن في نعيم من صنعهم ، أو على الأقل نتمثل بهم :
ألا نتذكر العالم الإيطالي جاليليو ، الذي تأكد من صحة نظرية كوبرنيكس ، فجاهر بها .. وإذا بالاصوليين ينددون به ، قائلين : "انه كاذب كافر ملحد فاجر لا يعرف الله ، وهو أيضاً جاهل لا يعرف الكتب المقدسة ، ويجب أن يموت" .. وعندما استحثه اصدقاؤه على الخروج من المأزق ، وقالوا له : "هل تريد أن تعيش ؟ إذن كن عاقلاً وافتد رأسك بالانكار" ، اجابهم : "نعم أريد أن أعيش ، لكن الأرض تدور حول الشمس" ، فقالوا له : "أنت عالم في الطبيعة والرياضيات والفلك ، فاحسبها جيداً وحافظ على حياتك " ، اجابهم ثانية : " نعم .. حسبتها ألف مرة ، ولا أريد أن أموت ، لكن الأرض تدور والشمس ثابتة ، ولا أقدر أن أقول غير ذلك" !
ومن ينسى ذلك الرجل الذي ترك كيس الذهب والنخلات العشر ، واختار أن يُقطع رأسه على يد الخليفة العباسي المعتمد على الله ؟!..
فقد خرج مندوب القصر يجول في شوارع البصرة ، يحمل في يده اليمنى كيساً من الذهب ، وفي يده اليسرى جمجمة تقطر منها الدماء ، ونادى في الناس قائلاً : "يا أهل البصرة .. يا زنج البصرة .. كل يتحسس عنقه .. كل يتحسس كيس نقــوده .. كل يتدبر أمره : كيس الذهب ونخلات عشر للطائع ، أما للعاصي ، فهذا الرأس المقطوع " .. وخرج إليه عبد الله بن محمد قائد ثورة الزنج ؛ ليقول قولته الشهيرة : "اخترنا الرأس المقطوع" !
،...،...،...
قد يكون من المعقول أن نصف البعض بالجنون ؛ لأنهم يتصرفون كالمجانين ، ولكن من الجنون أن نتهم البعض بالجنون ؛ لأنهم يتصرفون كالعقلاء في عالم مجنون !...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجنون هل قلت مجنون؟
حمورابي ابوآدم ( 2010 / 7 / 4 - 20:02 )
اشارة ثرية لموضوع أثرى:الجنون
قالوا عن الجنون وعلاقته بالانسان مايفيد انه ظاهرة وجودية وتعبيرية تتجاوز المعايير السائدة المتفق عليها طوعا اوكرها
قالوا عن الجنون وعلاقته بالنبوة
فالوا عن الجنون وضرورته للابداع الفني والشعري والموسيقي
كنت عشت تجربة مماثلة في ليبيا رايت شخصا قيل انه مجنون يخرج من طيته في وقت محدد ثم يعتلي كرسيا ويشرع في استظهار خطب القائد بنفس حماسة صاحبها حتى ينتهي منها ثم يختفي ثانية في طيته وحين استفسرت عن امره قيل لي انه تعرض لغسيل الدماغ طيلة سنوات في زنزانة منفردة متعرضا يوميا لسماع خطب القائد حتى ,,,,,, والله بامره اعلم؟
الجنون مادة دسمة لذوي الالباب انه خروج من هياة العارف المثقف المحافظ على امتيازاته بمايتطلبه من كذب ونفاق و,والى رحابة الموت البطيء دونما اعتبار لما اتفق عليه اجتماعيا السؤال هو اي الجنون ارقى الجنون الفردي الوجودي ام الجنون الجماعي؟مجنو

اخر الافلام

.. ممزق الأحشاء وفاقد البصر.. الشاب الغزاوي رامي ضحية جديدة للا


.. فيضانات ودمار خلفه إعصار خلال مروره بجزيرة بربادوس في البحر




.. إعصار كارثي محتمل يضرب الولايات المتحدة


.. خارطة بالقواعد الأميركية المنتشرة في الدول الأوروبية.. وعدد




.. الخارجية التركية: جهود تركيا ومواقفها الراسخة من أجل الشعب ا