الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفسير القرآن بين التجديد والاجترار

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 7 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن نظرة موضوعية لما أنتجه علماؤنا المعاصرون في ساحة علوم القرآن ؛ تجعلنا نقول في حسرة: ما أكثرَ ما كتب من تفاسير للقرآن المجيد ، وما أكثر ما طبع منها ، وما أكثر ما انتشر منها . وما أقل الجديد الذي حوته ، وما أقل النفع الذي ضمته. لقد جاء أكثرها عالة على سوالف التفاسير التراثية لعلمائنا القدماء ، وما من جدة في أكثرها إلا جدة الورق ،وجمال الأغلفة. بل إن كثيراً منها تُعد أغلفتها أجود أجزائها. لقد أكدت عجزها عن مقاربة علو، و عظمة ، وعمق، ودقة، وإحاطة كتاب الله تعالى .
جاءت أكثر الأعمال التفسيرية الحديثة مستنسخة تحت تأثير كل من : المنهج التراثي ، والطرح التراثي . فهي أعمال استنسخت المنهج والمحتوى كليهما، وما كان اجترارها للمحتوى إلا نتيجة عن التزامها المنهج القديم واجتناب تجديده ، أو نقده أو تطويره ، فضلاً عن الخروج عنه . ذهب الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه ( التفسير والمفسرون ) إلى أن عمل المفسرين الأولين ((لم يترك لمن جاء بعدهم من عمل جديد أو أثر مبتكر يقولون به في تفاسيرهم... إلا عملاً ضئيلا لا يعدو أن يكون جمعاً لأقوال المتقدمين ، أو شرحاً لغامضها ، أونقداً وتفنيداً لما يعتوره الضعف منها ، أو ترجيحاً لرأي على رأي ؛ ما جعل التفسير يقف وقفة طويلة مليئة بالركود خالية من التجديد والابتكار)). هنا أصاب الشيخ الذهبي –رحمه الله- في وصف المآل التفسيري ، غير أنه لم يصب تشخيص السبب ، حيث حوى كلامه غلطاً غليظاً هو توهمه أن المفسرين الأولين قد قالوا كل شيء ، وأنهم لم يتركوا لغيرهم ما يقال أو ما يفهم من القرآن ؛ فصار التفسير إلى ما صار إليه . والواقع أن ما حدث هو التالي :
1-ضعفت همم المتأخرين عن متابعة الجهود التفسيرية الأصيلة ؛ فاكتفوا بالاستنساخ والنقل .لاسيما أن أكثر العلماء المتخصصين هم أساتيذ جامعيون ، شغلهم عملهم التدريسي وإغراءاته المادية ، فعقم أكثرهم عن الإنتاج العلمي الرصين ، واكتفوا بالكتب التدريسة للمقررات الجامعية.
2- أصيب المتأخرون بعقدة تقديس القديم ؛ فصاروا يتوهمون أن العلم والصواب انطوى فيما سطره الأسلاف ؛ حتى إذا ما كتب أحدهم شيئاً حاذر أن يأتي بجديد. ذاك الحال الذي ذكره الشيخ الذهبي هو مُنتَج أصيل من منتجات المنهج الانغلاقي التجميدي ، الذي صار فيه المفسر مجرد راكب على أكتاف السلف ، لا دور له غير النقل ، ثم النقل ، ثم النقل . إنها منهجية رجوعية استنساخية ، لم تنتج غير تفاسير مستنسخة كشفت أن كثيراً ممن ظنناهم مفسرين ، لم يكونوا أكثر من وراقين . مع استثناءات معدودة نربأ بها عن مماثلة من اكتفوا باستنساخ ما كتبه الأسلاف ثم تصديره للقراء حاملاً أسماءهم ، إنها سرقة غير معلنة ، لكنها على كل حال مكشوفة ، اجترحها من ارتضوا بقاء الأقفال على قلوبهم .{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}؟(سورة محمد. الآية 24).
مما يؤسف له أن من بدأ عملياً –من المفسرين المعاصرين- في انتهاج منهج جديد للتفسير جاء فاقداً للقوة العلمية المؤهلة ، التي تقوم على متانة البنية التحتية للعملية التفسيرية ، أعني متانة وقوة العلوم المعينة على فهم وإدراك لغة القرآن ، وأساليبه العربية ، ومقاصده الاشتراعية . تلك العلوم المؤهلة أقصد بها علوم: النحو ، والبلاغة ، واللغة المعجمية ، وعلم الحديث ،والفقه والمقاصد ،وعلم أصول الدين ،وعلم أصول الفقه. هذه الذخيرة المعرفية من العلوم لا يمكن الاستغناء عنها في طريق سبر أغوار القرآن المجيد ، لكنها كانت غالية ، وشاقة ، ومنهكة ، أمام أكثر من امتلكوا نوازع تجديدية ، وحساً تطويرياً لمناهج مقاربة القرآن ؛ فجاءت أعمالهم هينة القدر ، واهية الأثر ؛ ففارقها التحقيق ، وزايلها التوفيق . من ذلك مثلاً أعمال ومحاولات : مصطفى محمود، وصادق النيهوم ، ومحمد شحرور ، ونيازي عز الدين .وقد اسندوا كثيراً من فهومهم وطروحهم إلى التأويل في إجرائية غير منضبطة بضوابطه ، في سياقات تغلفها الحماسة للتجديد ، وتلفها مشاعر التبرم من السائد ، ويكسوها الإحساس بالملل من القديم .
إن هذا الضرب من التأويل له مباعث ، إما معرفية بريئة ، وإما غرضية غير بريئة .ولست هنا ممن يجازف باتهام نوايا الناس ومقاصدهم ، لذلك لا أقول إن وراء تلك التآويل الغالطة مقاصد غرضية تتقصد الدين أو التراث ، بل إن أمرها رهنٌ لنوايا أصحابها التي لا يعلمها غير الله ، وإياهم . في هذا السياق أختم كلامي بكلام لابن القيم ، الذي حدد أربعة أسباب هي المسؤولة عن النـزوع نحو هذا الضرب من التأويل. قال: ((اثنان من المتكلم ، واثنان من السامع ، فالسببان اللذان من المتكلم: إما نقصان بيانه ، وإما سوء قصده . واللذان من السامع: إما سوء فهمه ، وإما سوء قصده . فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة انتفى التأويل الباطل وإذا وجدت أو بعضها وقع التأويل)) .
د. خالد إبراهيم المحجوبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مهمة مطلوب تنفيذها
محمد البدري ( 2010 / 7 / 4 - 08:42 )
وما أقل القديم إضافة الي الجديد وما أقل النفع الذي ضمته كل هذه التفاسير. انه من المثير للضحك ان يحتاج كتاب ادعي اصاحبه انه اتي من ذلك الذي خلق البشر ثم يصممون علي انه في حاجة الي تفسير. لقد حولوه الي كتاب الغاز. وللحقيقة فهو بالفعل كتاب الغاز حيث لا يمكن البرهنة منه علي صدق اي قضية طبيعية او اجتماعية ولا يمكن اخذه مأخذ الجد في شرح اي قضية تاريخية او حداثية. مرة أخري كان سوء النية لاصحاب هذه الكتب هو محركهم الاول للسيطرة علي الناس. شكرا علي اهتمامك لانقاذ ما لا يجوز انقاذه انما التخلص منه.


2 - تحية للكاتب
أبو أحمد ( 2010 / 7 / 4 - 08:49 )
الأستاذ الكاتب تقول ما يلي : مما يؤسف له أن من بدأ عملياً –من المفسرين المعاصرين- في انتهاج منهج جديد للتفسير جاء فاقداً للقوة العلمية المؤهلة ، التي تقوم على متانة البنية التحتية للعملية التفسيرية ، أعني متانة وقوة العلوم المعينة على فهم وإدراك لغة القرآن ، وأساليبه العربية ، ومقاصده الاشتراعية . تلك العلوم المؤهلة أقصد بها علوم: النحو ، والبلاغة ، واللغة المعجمية ، وعلم الحديث ،والفقه والمقاصد ،وعلم أصول الدين ،وعلم أصول الفقه. هذه الذخيرة المعرفية من العلوم لا يمكن الاستغناء عنها في طريق سبر أغوار القرآن المجيد ، .
هنا يأتي التناقض لما تدعو إليه أي أن الإعتماد على هذه العلوم المتأخرة لفهم القرآن ستجعل من القرآن حبيسا للماضي كما هو الحال ، فإذا أردنا فهم وقراءة القرآن صحيحا فعلينا تحديد موضوعه أولا وهو الكون كله ثم وضع منهج قراءة من داخل القرآن لا نحيد عنه فالقرآن هو إسقاط الكون في صحيفة مقروءة وليس كتاب عقائدي أو طائفي أو تشريعي كما أن للنص القرآني بنية داخلية وبناء هندسي غير تابع للغة قوم النبي محمد أو أي من ألسنة البشر وقواعدهم .. والموضوع كبير لو أردت الدخول في نقاشة تحياتي


3 - الى ملحد البدري لما انت منشغل به اذا ؟
مصطفى ( 2010 / 7 / 4 - 13:04 )

لماذا ينشغل الملاحدة بما لا يؤمنون هنا حوار للعقلاء لا للدواب


4 - انهم شر الدواب
محمد البدري ( 2010 / 7 / 4 - 23:48 )
إن شر الدواب هو الذي لا يتحاور في اي شئ يؤمن او لا يؤمن به ويحاول منع الناس من النقاش فيما هو يسمم حياتهم. حتي الدواب لا تتناول السموم فما بالنا ونحن إذاء امة من اشر انواع الدواب تريد الاحتفاظ بامراضها وتمنع الاطباء من معالجتها.

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran