الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .

الطيب آيت حمودة

2010 / 7 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


* لا يتردد أحمد باي في سلب منازل مواطنيه لخطف نسائهم وبناتهم ، نساؤة الأربعة الحرائر ، وما أفاء الله عليه من سبايا المشرق المجلوبة التي اشتراها بالغالي والنفيس من أسواق الأسكندرية وتونس لم تلبي أنانيته وغروره ، فكلما تناهى إلى سمعه جمال أمرأة أو بنت في محيطه إلا وسلبها وأدخلها ضمن جواريه وحريمه في جناح قصره. .
*كان الحاج أحمد باي ( قبل حصار قسنطينة ) يصطحب نساؤه الأربعة الحرائر في حالات سفره - وتبقى الجواري والسراري في الحريم - محملات بما خف وزنه من المتاع الضروري للإستعمال من أقمشة ووسائل للإستعمال الفردي والجماعي ، وتبقى مخازن القصر ملأى بكل الوسائل المتاحة من بسيطها إلى أعقدها ، وقد قدمت الأغطية الصوفية الفاخرة ، والأسرة الخشبية المستولى عليها خدمة جليلة لجيش الحملة الفرنسية المصابين بالكدمات والحروق والجروح .
* يقول أحد الضباط بأن القصر( السراي) الذي دخلناه بعد يومين أو ثلاثة من احتلالنا للمدينة ، هو عبارة عن دار كبيرة بهندسة موريسكية منفتحة نحو الداخل ، غرفها في الغالب معتمة ، متداخلة فيما بينها ، بأثاث بسيط مكون عادة من الأسرة والأغطية والوسائد المختلفة الأنواع..
* يتكون الحريم من 385 إمرأة ، من كل الأعمار والألوان ، بدا من الزنجية وصولا إلى الجورجية والشركسية ، وبالرغم من هذا التلون والتنوع ، فإن مظاهر الإنجذاب غائبة ، فالوجوه عابسة مكفهرة ، قد يكون للأحداث الجارية[1] وقعها في تفسير هذا التوتر الذي لا يفسره سوى غموض مستقبل ومصير هؤلاء جميعهم كبارا وصغارا ، فلم تشفع البخور المنبعثة من جنبات الحريم من تناقص اليأس الملاحظ على الوجوه .
* تم إيواء كل النسوة على حذا ، وبطريقة لا يمكن التواصل معهن ، وفي المساء يدلج الحاج أحمد الحريم ، وتقام حفلة في حديقة قصره بمزاح غير مستقر ، يراوح بين الضحك والمداعبة أحيانا، والقسوة والقرع والعنف أخرى ، فحالة الحفل متقلبة بتقلب حالة مزاج الحاج ، وقد يتخلل الحفل الرقص والغناء وتوزيع الهدايا لكسر رتابة المكان .
*في كل شهر تنظم دورة مراقبة تحت إشرافه وبحضور كل أفراد الحريم ، يمر الباي بين صفين من النساء يراقب صحة كل واحدة من محضياته رفقة ( قائد النساء) صاحب الحضوة داخل الحريم ، فهو الموزع الفعلي للألبسة والأبخرة ومسلزمات النظافة والجمال والعطور والحناء التي يدافع عنها النسوة بشراهة.
* تتواجد ضمن الحريم إمراة شابة باسم ( عائشة) ذات العشرين ربيعا ، بقامة ممشوقة وجمال آخاذ ، بشعر سواده ليل يتساقط على وجنتين بلون الورد ، وعينان كعيون المها ، وبشرة ناعمة تخفيها جزئيا قطع الحرير الشفاف ، وهي صفات زادت من أنوثتها الصارخة وجعلتها محل تقدير وإعجاب نزيلات الحريم.
* انتبه الحاج أحمد لمكانة عائشة ، ولاحظ إعجاب الحريم بها ، وهو ما تترجمه الطاعة التي يبديها الجميع لأوامرها، فهي تبدوا كملكة وسط جمعهم ، إنها مسيحية سبق لها وأن تزوجت بفرنسي بالجزائر تحت رعاية أسقفها، غير أنها تجهل مصدر سبيها ، وأصلها وفصلها، لأنها كانت صغيرة عندما خطفت من قبل قراصنة البربريسك من سواحل إيطاليا، وهي التي ستروي جميع الأحداث التي تعرضت لها فيما بعد .
* بالرغم من أن عائشة كانت الأفضل عند الباي ، إلا أنه كان يضمر لها عداء خفيا ، فهو لم يكتف بتقريعها وردعها ، بل كان سببا في مقتل أخيها الذي خُطف معها من طرف القراصنة ، بعد إبادة أسرتهما ، فباعوهما في سوق النخاسة اشتراها مندوب الباي من الأسكندرية ، في حين أن أخاها أقتيد نحو العاصمة ( الجزائر) حيث أنخرط في صفوف الحامية التركية المكلفة بالدفاع أثناء الغزو الفرنسي ، ثم كان من جملة الجيش المرافق لأحمد باي بعد تراجعه عن العاصمة والتحاقه ببايلك الشرق ( قسنطينة) ، وبوصوله عاصر تمردا لعبيد إيطالياأمثاله ، وعلم أن أخته ( عائشة) بقصر الباي ، فسارع للقاء الباي لعله سيجد منفذا لرؤية شقيقته ، وهو في غبطة وسرور كبيرين لهذا الخبر السار ، دون أن يدري العواقب المنجرة عن أمنيته ، وسأل الباي قائلا : هل توجد ضمن حريمكم شابة إيطالية خطفت من قبل القراصنة منذ بضع سنوات ؟، وعين له بعضا من صفاتها وملامحها ، غير أن غيضا دفينا تأجج في نفس الباي ، وهو الرجل الحريص على أسرار حريمه وسترَهُن بالجلابيب داخل أسوار الحريم من شدة غيرته ، كيف أصبح هذا الوغد يعرفُ حتى أسماء من بالحريم ، واشتط الباي غيظا وكمدا ، فسأل الشاب بغضب : من أنت ؟ أجاب : أنا شقيق عائشة ، وأريد أن أراها .
ما أسمك ؟ أسمي حاليا أحمد ، غير ان إسمي الأصلي ( أوغستينو؟ ).
من أين اختطفوك ؟ من جزيرة ( جيوش ) أجاب شقيق عائشة .
ودون سماع المزيد من الإجابه دار الباي حول نفسه متجها نحو القصر ودخل الحريم والشرر يتطاير من عينيه ، استحضر عائشة ، وسألها قائلا :
هل صحيح لك أخ ؟ أجابت بلهفة وشوق ...آه أخي (أوغستينو )، كيف أهو هُنا؟،(أوغستينو) تقول ؟..
رد الحاج أحمد : نعم .. شاب بهذا الإسم قابلته هذا الصباح يدعي بأنك أخته .أجابت : كم أنا مسرورة ، هل بمقدوري أن أراه قالت عائشة ، أجابها الباي بحزم : غير ممكن... ، وإذا أردت أن يبقى أخوك حيا يرزق، أكتبي له بعدم تكرار طلبه برؤيتك كما فعل دون لباقة تذكر هذا الصباح ، عبثا توسلت عائشة ،وألحت ، وقبلت الأيدي وشفعته في أن يكون حليما معها ليسمح لها بلقاء أخيها بعد فراق طويل ، ومعاناة قاسية ، .. ولو لمرة واحدة .... فشلت كل التوسلات أمام قسوة الرجل وعناده وشدة غيرته . بيد أن الشاب لم يفقد الأمل في لقاء أخته، ولم يتوقف في مطالبة الباي بتحقيق أمنيته ولقاء أخته عائشة ، حتى وصل حد رفع الصوت في الرجاء والطلب بحضور صهر الباي ، ويُعد ذلك انتقاصا من قيمته في عرف بروتوكولات القصر ، وردا على الطلب ، دعى الحاج أحمد ( الشاوش ) وأمره بضرب رأس ( أوغستينو) ونفذت العملية بقسوة في حينها .
* لم تكن عائشة الوحيدة من نسائه المعرضات لعنف الباي ، فلكل واحدة منهن ذكريات عن تهوره وتعسفه في حقهن ، حتى أمهُ التي ولدته لم تشفع لها أمومتها عندما حاولت التشفع لأحد المدانين ، فأشبعها ابنها ( الباي) العاق ضربا مبرحا ، وطردها شر طرد من المكان ، ويروى أن ثلاث زنجيات من نساء الحريم إتهمن زورا بأنهن تمنين موت الباي ، باعتبار أن موته سيحررهن ، هذه التهمة المعنوية الملعونة كانت كافية لقطع رؤوسهن بسيف الباي نفسه، وقطعهن تقطيعا ، إنه على دراية بعنفه وقسوته ، فقد شاهد أثنتين من نسائه يتحدثن خلسة ، أمرهما بالإنعزال مسرعا قائلا لهما (( ماذا تقولان عني بسرية ؟؟ ربما تقولان عنى سوءا بلا شك ؟ أعرف بإنكما تكرهاني ، ولكن تأكدا من أن سوء الظن بي قولا ، سيجبرني على قطع أفعى ألسنتكما بلا رحمة .

زيارة لقصر قسنطينة
شارل فيرو
المترجم الرئيسي لجيش إفريقيا .
مقتبس من "دورة حول العالم" 1877
ترجمة المعاني / الطيب آيت حمودة

VISITE AU PALAIS DE CONSTANTINE,
PAR M. CHARLES FÉRAUD, INTERPRÈTE PRINCIPAL
DE L ARMÉE D AFRIQUE.
Extrait de l ouvrage "LE TOUR DU MONDE", 1877

ملاحظات /-----------------------------------------------------------------------------------------
**هذه شهادة ل(شارل فيرو)، ضابط فرنسي ، رافق الحملة الفرنسية لاحتلال مدينة قسنطينة عام 1837
وفيها وصف دقيق لقصر الباي ، وجناحه الخاص ( الحريم) الذي يعد محط أسراره، وجواريه من كل حدب وصوب .
** أحمد باي كرغلي (أب تركي ، أم جزائرية) كان حاكما لبايلك الشرق ( قسنطينة)، بعد سقوط العاصمة 1830، حافظ على تبعيته لباي تونس والخلافة العثمانية بأسطمبول ، أملا في الحصول على مساعدات تمكنه من طرد الإستعمار الفرنسي ، غير أن منافسة الأمير عبد القادر له ، وتلكك الدولة العثمانية التي أصبحت غير قادرة على الوقوف في وجه الغرب المتعاظم، أفشل خطته ، كل ما في الأمر أن قسنطينة أدت مقاومة بطولية في وجه الغزاة الذين فقدوا الكثير من جيشهم وعلى رأسهم الماريشال دامريمون.
** يبدو أن الضابط (فيرو) تحامل قليلا على أحمد باي بإبراز مُشيناته وسلبياته ، ولا غرو أن كُتاب الحملة كان هدفهم تشويه الوضع القائم لتبرير غزوهم للبلاد ، وما ذُكر فيه الغلو مع الكثير من الصواب ، لأن العبودية في منتصف القرن التاسع عشر كانت مستفحلة خاصة التسري وملكات اليمين ،وهي ظاهرة رافقت التواجد التركي العثماني في بلادنا ، وما حريم أحمد باي ، سوى صورة مصغرة لما هو واقع فعليا في الجزائر والأسكندرية ودار الخلافة العثمانية .

** ظاهرة العبوس القمطرير التي أشير إليها هي سمة الحكام ، أما دمويته فهي مكتسبة في الحروب المروعة التي شارك فيها بلا شك ، فالحاكم مهما كان حليما ، فحلمه لا يتساوى مع العوام ، فالمرء يعرف عن حقيقته في حالتي الغنى والسلطة .
** نساء الحريم في الغالب هن سبايا وغنائم حرب البحر ، بين الأساطيل الإسلامية العثمانية الجزائرية وأساطيل أوروبا ، عرفت خلالها الجزائر إزدهارا مزيفا بتدفق الأسلاب والمحجوزات والعبيد على موانيء البلاد، ظاهره نعمة ، وخفيه نقمة ، مثل اعتماد بلداننا حاليا على ثروة البترول دون سواها .

** سقوط الأنظمة يفرز كثيرا من التناقضات ، ويبرزكثيرا من الإختلالات والتجاوزات، وهو ما شُوهد عند سقوط دولة الفاطميين في يد صلاح الدين الأيوبي ، أو سقوط الخلافة الأموية بدمشق .
**الحكام مهما كانت صدقيتهم ، فلهم تجاوزات خفية ، لا تعلمها العامة ، وكم اتفاقية جرت في الخفاء والسر ؟؟، لم يكتشف أمرها إلا بعد أفولها، صدق من قال : لو علمت العامة بما يفعله الحكام وما يخططون له في أجندتهم ، لكفروا بهم سبعا ولشنوا عليهم ثورات بلا نهاية .
** لاذ الحاج أحمد بأصهاره في واحات الزيبان ، فلم يجد عونا يكفل له الدفاع عن شرق الجزائر ورفض كل المساومات التي سعت لتدجينه في عهد الجنرالات كلوزيل ، ودوبورمون، وروفيقو ، بإبقائه على بايلك الشرق ، استسلم في الأخير كالأمير عبد القادر ، توفي تحت الإقامة الجبرية بالعاصمة سنة 1850.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحاج احمد بااااااااي
بريق الامل ( 2012 / 5 / 8 - 20:12 )
شارك الباي احمد بفعاليةضد الاحتلال الفرنسي للجزائر العاصمة,حيث ساهم بقوات قدر عددها بثلاثة آلاف فارس اثر سقوط العاصمة عاد الى قسنطينة واتخذ موقفا رافضا للاحتلال وبدأ يعد العدة للمواجهة بتشكيل جيش شعبي من المتطوعين اضافة الى ما تبقى لديه من الجيش النظامي واستطاع صدّ حملة فرنسية في سبتمبر سنة1831م على مدينة عنابة قتل فيها قائدا تلك الحملة الفرنسية فقررت قرنسا القيام بحملة ثانية استعملت فيها المدفعية بكثافة كبيرة تمكنت من احتلال الندينة بعد مقاومة عنيفة.
وبعد هذه النكسة تمكن الباي احمد من الحاق الهزيمة بالفرنسيين في حملتهم الاولى على قسنطينة في نوفمبر سنة 1836م
ان ذلك دفع فرنسا الى مهاجمة قسنطسنة ثانية في اكتوبر1837م حيث جندت قوات ضخمة مستفيدة من هدوء الجبهة الغربية مع الامير عبد القدر اثر معاهدة تافنة30_50_1837م وقد استخدم الفرنسيةن في هذه الحملة القصف المدفعي واستطاعو الدخول الى قسنطينة بعد مقاومة مستمية خاض خلالها المدافعون عن المدينة حرب الشوارع قتل فيها المارشال -دامريمون-وقائد اركانه -بيريقو- الفرنسيين,,,,,,,,,,,,بعد الاحتلال توجه احمد باي نحو الجنوب القسنطيني لمواصلة المقاومة

اخر الافلام

.. بكاء رونالدو حديث المنصات العربية • فرانس 24 / FRANCE 24


.. التشكيلة المتوقعة للجمعية الوطنية الفرنسية بعد الجولة الثاني




.. كيف يمكن للديمقراطيين استبدال بايدن في حال قرر التنحي وما ال


.. حاكم ولاية مينيسوتا: نحن قلقون بسبب التهديد الذي ستشكله رئاس




.. أحزاب يشكلون الأغلبية في الحكومة والبرلمان الجزائري يطالبون