الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسوخ الوحدة الوطنية في المجتمع المصري

مينا منير

2010 / 7 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رسوخ الوحدة الوطنية في المجتمع المصري

هناك مشكلة تواجه مصر، و هي أن القائمين على إدارة البلاد لا يعرفون غير شكل واحد من الخطورة، و هو ما يُسمى اصطلاحاً "بتهديد الأمن القومي". و لكن ما نتجاهله أن الأمن القومي هو جزء من إشكالية أمن أكبر تشمل المجتمع من داخله، نوازعه ، فكره، توجهاته الأيديولوجية و السياسية. إن الأمن الثقافي و الأمن الإجتماعي لا يقل خطورة عما يسمى بالأمن القومي الذي يشار به إلى الجانب العنيف الذي يواجه الإرهاب. لكن الإرهاب ما هو إلا صورة ديناميكية تطبيقية للأيديولوجيات و السلوكيات الأصولية التي نتج عنها هذا الإرهاب. من هذا المنطلق دعني - عزيزي القارئ - أحاول أن ألقي نظرة على واقع الأمن الإجتماعي اليوم في مصر، و ما يُسمى اصطلاحاً بالوحدة الوطنية.

الوحدة الوطنية في مصر كلمة يستقبلها المصريون بنوع من الإيجابية، فهي كلمة ذات وقع لطيف على الأذن، و يتمناها الجميع، و يرون فيها غاية سامية نسعى إليها. و لكن لا نحاول أن نتعرض لحقيقة الوحدة الوطنية، ماهية هذه الوحدة و أبعاد تطبيقها.

الوحدة في الوطنية تعني اتفاق أبناء الوطن و وحدة صفهم أمام الوطن، ما الذي يجعلنا اليوم نقول أن الوحدة الوطنية غير موجودة، أو على أفضل تقدير نحاول تفعيلها. هذا لأن الوحدة الوطنية في الذهن المصري كلمة ذات وقع يكافئ فكرة " التعايش السلمي الأخوي". هذه ليست الوحدة الوطنية في مفهومها العام، بل وجه محمود نسعى له جميعاً.

إنما أرى أنه ثمة جوانب عظمى يكون فيها أبناء الوطن "مصر" في وحدة صف كاملة. "فعنصري الأمة" اليوم يستخدمان نفس الثقافة بالكامل بعيداً عن الإختلافات العقائدية بينهما. فكلاهما يؤمن - و هذا له منطلقات تاريخية مما قبل الميلاد - بسلطة رجل الدين الشبه مطلقة على حياة و مصائر الأفراد، و كلاهما - للأسف- لا يتعاملان مع حق الإنسان في أن يصير الدين هو علاقته بالله بارئه، بل إنه تنظيم اجتماعي من يحاول فقط الإجتهاد في شرحه أو حتى استيعابه يهدد هذه المنظومة ذات الطابع الميكانيكي الأعمى و الذي يشبه القطار الذي تكون فيه القاطرة الأمامية ذات سلطة مطلقة في تحديد اتجاه القطار كله. فالمصري بالنسبة للعنصرين هو جزء من نسيج متداخل لا يُسمح فيه للفرد بأن يتحرك بحرية على المستوى الفكري و إلا سبب في إحداث نوع من الإزعاج العقائدي، ما يسميه قادة الكنيسة بالهرطقة أو الشطحات التي يجب أن تقابل بأشكال مختلفة من القمع، أو ما يسمى عند محاميي الحسبة بالإفساد في الأرض.
رأينا قضايا الحسبة التي طالت كبار المفكرين، فرأينا سيل الهجوم الرهيب على شخص المفكر سيد القمني و التهديدات الجسدية و النفسية التي أوقعوا الرجل فيها رغم أنه لم يحاول أبداً أن يفرض فكره على أحد، بل كانت اجتهاداته الشخصية محض تفكير و بحث ما أراد الرجل به يوماً إمامةً مزعومة على الناس. كما رأينا ما آل إليه واقع المفكر نصر حامد أبو زيد الذي حُكم عليه بالردة و اتُّخِذت ضده أحكام طالت جرأتها أن تحل لنفسها حق فصله عن زوجته. و قد لحق زميليه القمني و الشهيد الجليل فرج فودة في إباحة دمه. و لعل هذا يرينا حالة الخوف و الذعر الذي يمكن أن يصيب الناس لمجرد رؤيتهم شخصاً قادراً على إعادة طرح ما أُملي عليه معهم. الخوف من الكلمة قوبل بعملية إعدام نفسي لهؤلاء الأشخاص قبل الإيذاء الجسدي، و هذا يرينا إشكالية الإضطراب الإجتماعي الحادث في البلاد من جراء الأصولية التي يعتبرها ابناء البلاد صمام أمان ضد "الشطحات". فإذا كانت هذه نفس الثقافة و نفس المفردات التي يستعملها العنصر الآخر من الأمة، أليس حري بنا أن نقر بوجود وحدة وطنية في الأصولية و هشاشة الأمن الإجتماعي؟

لأن الأقباط ينتمون لنفس المجتمع و يتخرجون من نفس المدارس و يتلقون ثقافتهم من نفس المصادر، فلا ريب أن نرى خوفهم الشديد من الإجتهاد و العلم المنظم مما يؤدي إلى تكرار نموذج محاربة نصر حامد ابو زيد ايضاً في الوسط القبطي.

فخريج جامعة كامبريدج و الأستاذ المرموق دولياً جورج حبيب بباوي واجه من أبناء الوطن من الأقباط نفس رد الفعل. فبعد أن طالب بباوي جعل الأقباط يواكبون حركة الدراسة الأكاديمية و العلمية للاهوت كما هو حادث في العالم مواجهاً بالنقد العلمي أطروحات قادة الكنيسة القبطية اليوم و موروثاتهم التي تتسم بعدم الرسوخ في التقليد المسيحي، كان رد الفعل نموذجاً لما حدث مع المفكرين الإصلاحيين على الجانب الآخر. تم التشنيع بالرجل، و التعرض لوالدته ذات الأصول اليهودية على يد مطران الحسبة المعروف، و واجه عملية تحريض منظم ضده و ضد دير الأنبا مقار الذين وصفهم الأنبا شنودة بأنهم يمتلكون فكراً يماثل ما يسميه " اخوتنا المسلمين الشرك بالله".

في دراسة أعدها أستاذ بجامعة أكسفورد عن التقليد المسيحي القبطي، تعرض ستيفن ديفيز للغة الأنبا شنودة في هجومه على كتابات الأب متى المسكين، فيشرح ذلك بقوله: " إنه يتهمهم ( رهبان دير أنبا مقار) بالشرك بالله... و الشرك هو تهمة استخدمها -تاريخياً- المسلمون ضد المسيحيين ممن يدافعون عن الثالوث، إن شنودة باستخدامه لهذه اللغة ضد أخ مسيحي له فإنه ينتهل من معين تاريخي ضخم من الإستراتيجيات الدفاعية من أجل أن يحدد و يقيد أقلية اجتماعية و هوية دينية. في تلك الحالة فهو يستخدم لغة تشدد على القيم المشتركة بين الأقلية و ثقافة الأغلبية ( في الإطار الإسلامي بالتشديد على الإيمان بوحدانية الله) و في نفس الوقت ينأى بنفسه ، باختزال أعدائه من الرهبان (بدير أنبا مقار) الذين يحملون معتقداً يخالف يعتبر ضد ما للكنيسة من علاقة مع المجتمع الأوسع ( الإسلامي)" [Stephen J. Davis, Coptic Christology in Practice, Oxford University Press, UK 2008 p.278]

إذاً نحن لدينا اتساق كامل في الخطاب و الفكر بين المنظومتين الدينيتين، بل و المجتمعين أيضاً، فانطلاقاً من عمليات التحريض التي وجهها الشيوخ السلفيون و غيرهم ضد القمني و غيره رأينا كيف انبرت لهم أقلام أناس لم يقرأوا كتاباته أصلاً، و هاجمه قطاع عريض من الناس في محاولة لإخفاء حجم خوفهم من طرحه. ثم رأينا الحشد الإعلامي العنيف ضده. كذلك أيضاً لم يشغل الأنبا شنودة و مجمعه المقدس بالهم في الرد العلمي على جورج حبيب بباوي الذي يحمل أرفع الدرجات الأكاديمية من واحدة من أعظم الجامعات في التاريخ ، أقصد جامعة كامبريدج، بل سارعوا بالإلتفاف حول البابا شنودة الرمز و صمام الأمان لفكرهم الذين لا يقدرون على الدفاع عنه أو شرحه فيلجأون له. و انطلقت خطابات الحشد الجماهيري و الأوتوبيسات التي تحمل الكهنة و الشعب ، و فُتحت كل دور النشر القبطية و المجلات و الصحف القبطية لاستقبال خطابات التأييد ضد بباوي الذي تم قطعه دون محاكمة أو مناقشة او حتى رد. بل و خرج مطران الحسبة في الكنيسة القبطية ليقولها علناً بأن كل من يتبنى فكر بباوي يقطع نفسه من الكنيسة و يُحرم من ملكوت السماء.

أليس علينا الآن أن نعترف بوجود وحدة وطنية مؤسفة؟ أليس علينا أن نقر بأن زعزعة الوحدة الوطنية بين أصوليي الأمة هي المخرج الوحيد لحالة الإحباط و الظلامية التي نعيشها؟!!

إن الهدف الآن الذي يجب أن نحققه ليس الوحدة الوطنية و إنما الوحدة الوطنية في مفهومها الإيجابي، و ذلك بأن يلتف المصريون جميعاً حول مصر الوطن و حول المستقبل، و ليس حول موروثاتنا و مخاوفنا و تقوقعنا.

يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فقر السياسة وفقر الادارة
محمد البدري ( 2010 / 7 / 7 - 09:26 )
كيف يمكن عمل هذه الوحده والمصريون يتبنون اديانا عنصرية كالمسيحية والاسلام. فالديانتان لهم اصول واحده وهي اليهودية التي هي عنصرية يانف منها كل صاحب عقل وبصيرة. والاكثر مدعاة للحزن ايضا ان تتبني مصر الحكومة العربية كصفة مصرية رغم ان العرب غزاه من خارجها. تحية لك ولاشارتك عن المعني الواسع للوحده الوطنية


2 - هو فى حاجة أسمها مصر
Amir Baky ( 2010 / 7 / 7 - 12:39 )
أتفق مع الكاتب فى موضوع تسلط رجال الدين على المواطن المصرى. ولكن أختلف معه فى موضوع الإنتماء فالمسلم قبل ثمانينات القرن الماضى يؤمن بوجود دولة أسمها مصر أما الأجيال الحالية فمعظمهم تم مسخ مفهوم الدولة فى عقولهم و إعتبارها من مخلفات الإستعمار و إستبدالها بالدين. أما المسيحيون رغم تعصب بعضهم فإنهم يصرون أنهم أصحاب البلد -مصر- وهذا رغم عنصريته لكن على أقل تقدير لازال أسم مصر يتداول على ألسنتهم


3 - الكنيسة صورة مصغرة للدول
يوحنا المصري ( 2010 / 7 / 7 - 18:54 )
العزيز مينا
للأسف الشديد أن الكنيسة القبطية في العصر الحاضر وتحت الأدارة الحالية أصبحت صورة مصغرة للدولة ... نفس السياسات ... الشخص الغير مناسب في المكان الغير مناسب ... سياسة ينتهجها كل من رئيس الدول والأنبا شنودة .. وهذا أدي إلي ما ذكرت في مقالك بالأضافة إلى أن الحالة الأجتماعية والسياسية تسير من سئ إلي أسواء أيضا في الدولة والكنيسة


4 - القبطية لا تعني المسيحية ابدا
يانكاكونالي ( 2010 / 7 / 8 - 19:30 )
ملاحظة هامة هنا مصطلح دارج وهو غلط وهو وصف المسيحيين بالاقباط وهذا غير صحيح وغير علمي فان القبط هم سكنة مصر بغض النظر عن دياناتهم واعراقهم فكل من سكن مصر فهو قبطي الغريب ان اخوتنا المسيحيين المصريين جعلوها دمغة وعلامة مسجلة باسمهم وذلك بغرض تمييزهم عن بقية المصريين على اعتبار ان غيرهم ماهم الا دخلاء مع ان مصر معدة كبيرة طحنت وهضمت داخلها اقوام منهم مثلا عشرات الالوف من الرومانيين واليونانيين واليهود وغيرهم ان هناك اتجاها عنصريا مضادا لتعاليم السيد المسيح يحقن به المسيحيون المصريون من دعاة التعصب العرقي والديني داخل الكنيسة المصرية ولدى بعض القوميين المتعصبين من الطبقة المثقفة فيهم ولذلك فان مشروع التعصب القومي الكنسي يقوم على الدعوة الى التطهير العرقي لما عدا المسيحيين الارثوذكس تحديدا وتقول بهذا منشوراتهم ومواعظهم وادبياتهم ومما هو منشور في مواقع الكراهية التابعة لهم فيول لكل مسلم مصري حتى ولو كان ملحدا او علمانيا او اليبراليا منهم بل كل مسيحي علماني وليبرالي لا بل كل مسيحي غير ارذثوكسي وربنا يستر


5 - الى المعلق رقم واحد محمد البدرى
وليد حنا بيداويد ( 2010 / 7 / 8 - 21:18 )
لا اعرف فى الواقع كيف انك توصلت الى حقيقة كهذه فرغم ان كلامك فيه قليل من الصحة فلا اعرف لما انك متمسك باسلام دينا رغم قناعتك بان العشرات من الاخطاء واردة فيه ان لم نقول المئات وانك على قناعة تامة من ان الاسلام ليس من عند الله حسب كلامك اولا كمستند يمكن للانسان اعتماده فلماذا لاتعود الى المسيحية اذا ؟
الشئ الثانى ان قبلة الاسلام هو الدين وليس الوطن وعندما تركوا المسلمين الوطن واصبحوا متمسكين بالدين فبقى غير المسلمين الاصليين هم من يسمون بالاقباط والباقى يسمون المسلمين كحالك انت مثلا فهل من تعليق فهذا هو استنتاجى ان لم اكن مخطئا تحية

اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah