الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنيئاً لأهل القاهرة الأذان الموحد

مهدي بندق

2010 / 7 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في خمسينيات القرن الفائت ، علمني الموسيقار السكندري محمود درويش عزف العود وقراءة النوتة الموسيقية، ومنه عرفت أن فايزة أحمد تغني "أنا قلبي إليك ميال" من مقام الرست، وأن لعبد الوهاب مقطوعة من مقام النهاوند هي " ليالي القاهرة "، وأن فريد يشدو داخل أغنية " الربيع " بموال من مقام "الصبا" المترقرق حزنا ً شفيفا ً وألما ً نبيلا ً.
ومن معرفتي بهذه المقامات ، وكشفي لبعض أسرارها ( أقول لبعض وليس كل ) تعلمتُ كيف أرفع أذان الفجر بمئذنة مسجد حارتنا بحي الأنفوشي، ولم يكن للميكروفون وجود في ذلك الوقت، فكان الناس يستحسنون أدائي، وكان مثلي الأعلى بلال مؤذن الرسول.
عدنا من الجهاد الأصغر (الحرب) إلى الجهاد الأكبر، فما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس. بلال بن رباح كان يجاهد نفسه ليصعد المئذنة - عذبَ الصوت شجيّ الأداء – خمس مرات كل يوم، ولأجل هذا اختاره الرسول الكريم مؤذناً. لكن أناساً كثراً ظهروا في بلادنا بداية من السبعينيات، متأثرين بشكلانية نفطية وافدة، يستخدمون الدين لا يخدمونه، فهم يصرون ولو كانوا من ذوي الأصوات النشاز المنفرة، على "إطلاق" الأذان إطلاقهم للمدافع المضادة للدبابات ، والأسوأ أن ترى غالبيتهم من الجاهلين بقواعد اللغة العربية، وكم وددت لو أنني صرخت في المارة : كيف تسكتون على من يهتف قائلاً "الله َ أكبرا"؟! ألا تحسون الكارثة ؟!
ولقد كنت حرياً بأن أفعلها لولا خشية مرتعبة في أعماقي من أن يردوا علىّ قائلين : وأين الخطأ في هذا يا هذا؟! وهذا الذي هو أنا لابد ساعتها من أن يفتح فمه كالعبيط الذي فاته قطار التغير اللغوي المندفع بركابه إلى الهاوية . المؤذن ينصب المبتدأ والخبر ؟ ليكن . ما فائدة الرفع ؟ ألم يستقر في ضميرنا الثقافي أن "النصب" في اللغة هو الأجدر بالشيوع ، انعكاساً للنصب الاقتصادي والسياسي والفني والأدبي المنتشر في حياتنا البائسة الشقية؟
كان للصحابي الجليل أبي الأسود الدؤلي ابنة ، وكان بها معجبا ً فخورا ً ، رآها ذات ليلة تتأمل الفضاء منبهرة ً ، فوقف بجانبها يشاركها تأملاتها ، لكنه فجأة ً سمعها تهمس : ما أجمل ُ السماء .. فقال من فوره : نجومُها ، فعقبت الفتاة : إني لا أسأل بل أتعجب . فكان أن بادرها ملتاعا ً : تتعجبين ؟! إذن فقولي ما أجمل َ السماء . وانطلق من فوره لملاقاة الإمام علي بن أبي طالب يشكو ويحذر وينذر ، فالأمة لا مشاحة سائرة لحتفها إذا لم تلتفت إلى حقيقة أن اللغة إنما هي الوعاء الذي يحتوي العقل ، فإذا فسد الوعاء فسد العقل بالتبعية . فما كان من الإمام عالم علماء عصره سوى أن تخذ قراراً رئاسيا ً بتأجيل كافة مهام الخلافة لساعات كي يجلس مع أبي الأسود مقننا ً كتابة قواعد اللغة قائلا ً له بعد أن وضع الأساس : وسر على هذا النحو . هكذا عرف علم قواعد اللغة العربية باسم "علم النحو " . فهل كان للعرب – فيما بعد - أن يتسنموا كل تلك القمم الحضارية دون هذا الوعي المؤسسي للغة لا بحسبانها مجرد وسيلة للتواصل الإنساني ، بل باعتبارها تمثيلا ً للكون تعكس حقائقه وتنعكس عليه برؤى متكلميها وعلمائها وشعرائها وفلاسفتها ؟
وعودة منا إلى مبدأ الجهاد الأكبر الذي أكد عليه نبينا المصطفى، نقول إنه ما من شك في أن كل المؤذنين بغير استثناء لا غرو يؤثرون راحة أجسامهم على ثواب مجاهدتها، إذ يتجنبون صعود المآذن العالية، رأفة بأنفسهم ! ولماذا الصعود وقد كفاهم مشقته " استيراد ُ " الأمة العربية ( وهي خير المستوردين) لهذا الاختراع الغربي البشع "الميكروفون" الذي ينتفض لهديره الرضعُ والمرضى والمسنون؟! فما بالك به لو كان مصحوباً في شارع واحد بميكروفونات أخر ، تتنافس جميعاً على لقب "بطل الترويع القومي"؟! والحصاد الأخير لهذا النبت غير الطيب يؤكد أن معظم الناس أصيبوا بخلل في أجهزتهم السمعية، بل وأمسى بعضهم صماً بالفعل، ومن ظل منهم "سميعاً" تقلب بين العصاب النفسي وبين التبلد، فهل كانت هذه غاية نبي الإسلام الذي ما أرسل إلا رحمة ً للعالمين؟
اليوم وبعد قرار وزارة الأوقاف المصرية بتوحيد الأذان تعود لسماء بلادنا الأصوات ُ العذبة المثقفة: محمد رفعت، عبد الباسط عبد الصمد، الشعشاعي، النقشبندي .. الخ فهنيئاً لأهل القاهرة بهذه النعمة القادمة مع شهر رمضان الكريم، والعقبى للإسكندرية، وسائر مدن وقرى المحروسة .. وعسى أن تنكشف الغمة عن بصيرة الأمة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أذان موحد أو الصمم
رائد منير ( 2010 / 7 / 9 - 06:40 )
أحسنت قولا يا أستاذنا الجليل فهؤلاء البدو ثقافيا لا يعنيهم الدين بل يعنيهم فقط أن يرضوا أنفسهم المجهولة الجاهلة بأن يرفعوا عقيرتهم بالأصوات المنفرة وعبر المكروفونات - الواردة من بلاد الكفر- حسب تعبيرهم . ولكن المهم بالنسبة لهم أن يشبعوا غريزة التعبير عن الذات _ وليس عن الاسلام - ولو حط الصمم على آذان الناس جميعا لنصبح أمة من الطرشان . حسنا فعلت وزارة الأوقاف بهذا القرار الحكيم . شكؤاً للدكتور مهدي مرة أخرى


2 - أذان موحد أو الصمم
رائد منير ( 2010 / 7 / 9 - 07:28 )
أحسنت قولا يا أستاذنا الجليل فهؤلاء البدو ثقافيا لا يعنيهم الدين بل يعنيهم فقط أن يرضوا أنفسهم المجهولة الجاهلة بأن يرفعوا عقيرتهم بالأصوات المنفرة وعبر المكروفونات - الواردة من بلاد الكفر- حسب تعبيرهم . ولكن المهم بالنسبة لهم أن يشبعوا غريزة التعبير عن الذات _ وليس عن الاسلام - ولو حط الصمم على آذان الناس جميعا لنصبح أمة من الطرشان . حسنا فعلت وزارة الأوقاف بهذا القرار الحكيم . شكؤاً للدكتور مهدي مرة أخرى


3 - الأذان الموحد هو الحل
فاروق الحلفاوي ( 2010 / 7 / 9 - 09:16 )
معك حق طبعاً . فالسألة تتعلق بالصحة النفسية للمواطنين وليس بالشكليات الدينية ، فالدين يسر لا عسر

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran